|
القضية الكردية في أجندة دعاة الديمقراطية .. - قراءة هادئة في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
روني علي
الحوار المتمدن-العدد: 1359 - 2005 / 10 / 26 - 12:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لا نبالغ ولا نغالي في تصوراتنا، إن قلنا بأن هناك إرادة نابعة من ثقافة عروبية، تهدف إلى الانتقال بالوضع الكردي من تحت الدلف إلى تحت المزراب، وإن كان بقوالب منمقة، على غرار ما جاء في إعلان دمشق بتاريخ 16/10/2005، ومن قبله البيان المشترك، الموقع بين العديد من القوى والتيارات الوطنية، من حيث التغني بشعارات الديمقراطية والحريات العامة . هذه الشعارات التي خبرها الشعب الكردي على مدى عقود من الزمن، وبالترافق مع العديد من التجارب التي كان الكرد وقودها، والكرد ضحاياها في آن واحد، مثلما يحصل الآن في العراق من تجييش لثقافة إقصائية تجاه الكرد، أو ما حصل في إيران إبان الانقلاب الخميني، أو في تركيا الكمالية، والتي تعتبر خير دليل وشاهد على ما نتوجس منه، بأن تعيد التجارب إنتاج ذاتها، ويبقى الكردي حاملاً هموم معاناته من مرحلة إلى أخرى، ومن وضع إلى آخر، كما جاء في مذكرات الأديب الكردي الشهيد موسى عنتر، بأنه كان على علاقة حميمة مع كل الحكومات التركية، وعلى خصومة معها فيما بعد، بحكم أنه كان يتقاطع معها في المعارضة، ويدخل سجونها حين تستلم السلطة .. وحتى لا تدفع بنا المشاعر القومية بعيداً، ونحمل الأشياء بأكثر من طاقاتها، نستطيع القول، بأن ما أقدمت عليه أطياف المعارضة السورية عبر إعلان دمشق، والترحيب الذي لاقاه من قبل جماعات معارضة في الداخل والخارج، والتوقيت الذي نشر فيه الإعلان، حيث المشاكل الداخلية في الوضع السوري، وانتحار اللواء غازي كنعان، واقتراب موعد نشر تقرير لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وما قد يستجد من تداعيات على ضوء ما قد يتضمنه التقرير في الوضع السوري، ينبئ بأن هناك قراءات تصب في دائرة إدارة الأزمة الداخلية عبر رموز معارضة، الهدف منها تهيئة المناخات وترتيب الأجواء لعملية تغيير سياسي وفق مبدأ المحاصصة بين المعارضة والسلطة، وعليه لا بد أن يكون هناك مطبخ سياسي قائم على ركائز ثلاث، خارجي ومعارضة والسلطة، بعد أن يتم قصقصة الأجنحة لبعض أقطاب التوازنات داخل هيكلية النظام، والذين لهم الدور الأساس في مجمل احتقانات الوضع الداخلي.. واستناداً إلى هذه القراءة، وإذا ما صحت هذه التكهنات، نستطيع القول بأن الوضع السوري أمام دمج بين الخيارين في مشروع التغيير، الداخلي منه والخارجي، وذلك عبر إيجاد آليات من شأنها جدولة المراحل في عملية التغيير، بحيث يتم من خلاله الابتعاد عن التجربة العراقية، وعدم الوقوع في نفس الحالة، خاصةً إذا أدركنا بأن ما يحمله الإعلان من رؤى سياسية، تحمل الكثير من برنامج التيار الإسلامي، وتحديداً فيما يتعلق ببعض البنود التي تحدد العقائد، وتوظف الحالة الديمقراطية المستقبلية عبر منهجية ثقافية تخدم الإرث الثقافي المجتمعي، مما يوحي بأن العملية مدروسة ومضبوطة وفق موازين لا يمكن أن يكون الخارج وهرم السلطة بمنأى عنها، هذا إذا استبعدنا قراءات أخرى، بأن ما جرى هو عبارة عن واجهة لمشروع التيار الإسلامي، مع إضفاء بعض الرتوشات، وأن الإعلان هو وسيط بين الأقطاب الثلاثة في المعادلة المستقبلية في سوريا، الخارج والسلطة والتيار الآنف الذكر، مع التأكيد على دور الوسطاء في التوازنات .. ووفق المعطيات التي نستند عليها، والقراءات التي نستشف من خلالها المستقبل السوري، نصل إلى قناعة – غير نهائية – تتحدد ملامحها في أن هناك ترتيبات سياسية خارجية / داخلية في الأفق المنظور، وهي مرهونة على لملمة الوضع الداخلي، بحيث يتم التأسيس لمشروع دستور توافقي بين أقطاب الصراع والخلاف في الداخل والخارج، ومن بعدها يكون للبعد الخارجي دوره في مباركة الوضع، وتحديد آليات جدولة العملية التغيرية . وما يؤكد هذه القناعة، هو محاولة أطراف الإعلان احتواء الحالة الكردية عبر بعض الشعارات التي تتنافى مع حقيقة واقع الشعب الكردي في سوريا كقضية أرض وشعب، وكثاني قومية في البلاد، وإدخال بعض الأحزاب الكردية – كممثلين عن الشعب الكردي – تحت خيمة الإعلان.. أي أن يتكون لدى الخارج صورة عن الوضع الداخلي على أنه متكاتف ومتعاون ومتفق على القواسم المشتركة، وذلك من مختلف الانتماءات والشرائح الاجتماعية .. وهنا مربط الفرس، بل وهنا العقدة التي لا بد من الولوج إلى أعماق طلاسمها بغية تفكيك ركائزها .. اعتقد أنه من السذاجة القول بأن سوريا أو أي بلد آخر وفي أية رقعة جغرافية، سيكون له القدرة على مواجهة موجة التغيير، خاصةً إذا كان داخلاً في أجندة مراكز القوى الدولية، وسيكون بالقدر نفسه من السذاجة، إذا عبرت جهة ما عن إرادة التقمص أو الالتصاق بمفاهيم الحقب التاريخية المنصرمة أو المهزومة، أو الولاء لثقافاتها وأشكال تفاعلها مع المحيط السياسي أو الثقافي، وبناءً عليه، سنكون سذجاً إذا كانت لدينا أفكار تنبذ الفكر التغييري، أو تحارب الشكل الديمقراطي في التفاعل مع الواقع والوقائع . بمعنى، أن الكل يطمح إلى التغيير، ولكن وفق محددات ثقافته وضوابط الإيديولوجيا المفروضة عليه، أي أن التغيير حقيقة، ولكن الآليات هي محل جدل واختلاف .. ومن هنا نستطيع القول، بأنه ستكون السذاجة أكثر ترسخاً في الوعي السياسي، إذا ما فكر دعاة المشاريع التغيرية في احتواء أية حالة أو قضية، في سبيل احتضان الوضع الداخلي بما يناسب وأجندتها - ونخص هنا القضية الكردية - وهي تدرك تماماً على ماذا تستند في معادلتها السياسية، وتعي مدى تطابقها في التفكير مع أجندة السلطة حيال الوضع الكردي، وقد برزت هذه الملامح سواء من قبل السلطة أو المعارضة إبان انتفاضة آذار، وترسخت أكثر فأكثر بعد مسيرات 5/6/2005 . فالحقيقة التي لابد من النطق بها، هي أن الثقافة العروبية في حالة تجييش لأداوتها في مواجهة الطموح الكردي، وهي في ذلك تحاول أن تقلب الحقائق وتقفز على المسلمات التاريخية والجغرافية للوصول إلى وضع مشوه، يحمل في طياته بذور أزمات مستقبلية قد لا تحمد عقباها، خاصةً وأن الإنسان الكردي بدأ يتلمس مخاطر هذه المعضلة، وعلى أنه في صراع مع ثقافة اقصائية، بغض النظر عن حواملها وادعاءات من يحاول توظيفها أو ترسيخها في الوعي المجتمعي، سواءً أكانت سلطة تمتلك أدوات القمع، أو معارضة تستند – بشكل مباشر أو غير مباشر – على تلك الأدوات نفسها .. وحتى نعيد الاعتبار لتلك الحقائق والمسلمات، يتوجب علينا – كأفراد وكقوى حاملة لمشروع التغيير – الانطلاق من ذهنية ديمقراطية في التعامل مع التشكلية الاجتماعية والقومية في البلد، لا من خلال التحايل اللغوي والتلاعب بالمصطلحات، وإلا فإن الشرخ أولاً سيكون من نصيب الادعاء بالتغيير والممارسة في التغيير، ويكون التناقض طاغياً على السلوك الذي ينتهجه القوى الحاملة للتغيير، وخاصةً إذا أخذنا في حساباتنا تلك التعبيرات التي وردت في البيان المشترك وإعلان دمشق، من أنها تنطلق من أرضية وفهم ديمقراطي لمعالجة القضايا الوطنية، وتتجاهل القضية الكردية ببعدها القومي، وإنما تحصرها في الجانب الوطني من حيث حق المواطنة، دون أن تأخذ في الاعتبار بأن الكرد كما غيرهم من الشعوب، له القدرة على قراءة مفردات المستقبل، والتعامل مع الفرص بما يخدم وبلورة خصوصية الشخصية القومية الكردية، لأن الوقائع تؤكد، أن الفرص لا تتكرر إلا من خلال الترتيبات في موازين القوى وتوازنات المعادلة السياسية والصراع على المصالح، وأن الأسباب التي أدت إلى اشتعال فتيل الحرب العالمية الأولى، والنتائج التي تمخضت عنها، كانت السبب في توازنات الحرب العالمية الثانية، والتي مهدت لقيام حرب عالمية ثالثة نعيش اليوم احتقاناتها، تحت مفهوم صراع الثقافات ومحاربة الإرهاب، والتي ستؤدي حتماً إلى إعادة ترتيب جيوسياسي للمنطقة، بما في ذلك إعادة النظر في نتائج تلك الحروب، وأن الشعوب – بما فيهم الشعب الكردي – إذا فقدت توازنها، ولم تحاول مجاراة ما يجري وتفهم استحقاقاته، فإن التاريخ لن يرحمه مستقبلاً، كون الفرص لا تعيد إنتاج ذاتها في كل مرحلة .. من هنا كان ينبغي على العقلية التي أدارت مشروعي البيان والإعلان، أن تفكر بنتائج آلياتها من حيث أن الكرد إذا لم يجدوا مصلحتهم في مشروع التغيير كقضية قومية، سيكون لهم رؤيتهم الخاصة بهم في التعامل مع التغيير، لأن عامل المصلحة والتوافق السياسي يعتبر من الشروط الأساسية في تعزيز وترسيخ ذهنية التعايش، والحامل الأساس في تمتين الوحدة الوطنية، كون الشعب الكردي يحمل في وجدانه معاناة مشاريع الصهر والإذابة، وهو مدرك تماماً أنه وعلى مر عقود من الزمن كان خاضعاً تحت مفهوم المواطنة من جهة الواجبات فقط، وبالتالي، وبما أن الحرص هو على وحدة البلاد، والقناعة الكردية مبنية على التعايش مع المكون المجتمعي السوري، كان الأجدى بالقوى العربية أن تتعامل مع حقيقة الشعب الكردي على أنها قضية ثاني قومية في البلاد، غير قابلة لا للتجزئة ولا للتفاوض، وهي ليست كقضية الحقوق يمكن أن تكون خاضعة للعديد من العوامل أو لتوازنات المعادلات السياسية وإفرازات المستقبل .
#روني_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية .. - ما لها وما عليها
-
المرجعية الكردية في سوريا .. بين الرغبة والواقع
-
!الحزب ( السياسي ) الكردي بين حكايا الليل وإملاءات النهار ..
...
-
« البعض الكردي » .. إلى متى ..؟
-
هل من قراءة جديدة للوحة الكردية ..؟
-
العراق .. بين الفكر السلفي والرؤية الواقعية
-
ماذا تحمل الرياح العاتية من لبنان ..؟؟ المؤتمر القطري خطوة أ
...
-
دعاة الديمقراطية .. وحوانيت السياسة
-
هل سيستمر شهر العسل ( السياسي ) الكردي ..؟ (3) .. الصراع على
...
-
هل سيستمر شهر العسل ( السياسي ) الكردي ..؟ تحية إلى ذكرى آذا
...
-
أين تكمن حرية المرأة ..
-
خوف الضعفاء من وهج الحقيقة .. - إلى الصديق إبراهيم اليوسف
-
ها قد عاد شباط … زغردي يا هولير
-
نحن (الكل) .. إلى أين ..؟.
-
فوق أراجيح الوطن
-
وللارتزاق مسمياتها
-
نحو عقد اجتماعي وتعايش مشترك
-
الإقصاء .. ثقافة اللا منتمي - ( بين التهجم والتبني ) - ( 2 )
-
الإقصاء .. ثقافة اللا منتمي ( بين التهجم والتبني )
-
وقفة .. بين الأمس واليوم بين الفعل والقرار
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|