أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبد الحسين شعبان - إنعام رعد : يقينيات السياسي وتأمّلات المفكّر















المزيد.....



إنعام رعد : يقينيات السياسي وتأمّلات المفكّر


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4957 - 2015 / 10 / 16 - 21:10
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


إنعام رعد : يقينيات السياسي وتأمّلات المفكّر
د. عبد الحسين شعبان
مفكر وباحث عراقي
لا أريد التحدّث عن مناقب إنعام رعد فهي كثيرة، ولا الاستفاضة في ذكر محاسنه فهي عديدة، ولا الإضاءة على تاريخه ومحطّات نضاله فهي متشعّبة وواسعة، وبالتأكيد فهناك من هو أجدر منّي بذلك، وأقرب إليه وأوثق صلة به، وأطول علاقة معه، ولهذا سأقصر حديثي على ثلاث نقاط أساسية أحدها فكري وسياسي، وثانيها نضالي وعروبي، وثالثها شخصي وصداقي وعمل مشترك، وهذه المحاور الثلاثة أحاول تناولها من زاوية نقدية وبقراءة ارتجاعية.
النقطة الأولى – تتعلّق بجمعه المتوازن ما بين السياسي والفكري في شخصيته، وذلك على نحو عضوي، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، فبقدر ما هو سياسي قلباً وقالباً، إلاّ أن لمعة المفكر عنده كانت موازية وومضة المجتهد فيه كانت حاضرة والنزعة الاستقلالية لديه كانت بارزة، وكانت تلك الصفات مكوّنات أساسية ساهمت في إبراز شخصية الكارزمية.
وإذا كان إنعام رعد قد انخرط في حقل السياسة وهو فتى، العام 1944، وهو المولود في عين زحلتا (قضاء الشوف) العام 1929، فإن إغواء الفكر وإغراء الاجتهاد والرغبة في التميّز، كانت تسحبه بعيداً عن السياسة أو ما هو سائد منها، خصوصاً وقد أكسبته التجارب، بما فيها السجون نضجاً ومكّنته من أدواته. وأحياناً تجدُ تعارضاً بين المفكر الذي في داخله والقابع في عقله، وبين السياسي المتغيّر، المتقلّب، اللحظي الذي يعيشه، مقابل المدى الواسع والرحب لدى المفكر والمجتهد والمجدّد، وهذا المدى مملوء بتأمّلات ومراجعات واستعادات.
النقطة الثانية- التي أوّد التوقّف عندها هي موقفه النضالي العروبي المتميّز من الصهيونية بكل أشكالها وألوانها وصورها، وأكاد أقول إنني لم أجد أكثر منه من جعل الكفاح ضد الصهيونية محور حياته، ونشاطه الفكري، وإذا كانت الوحدة الكيانية وخاصة لسورية الطبيعية طريقاً لدحر المشروع الصهيوني. فلم يكن إنعام رعد منظّراً لذلك فحسب، بل انشغل بكل جزئياته مثلما في كليّاته، بالهمّ لتحقيقها، ولاسيّما في مواجهة الصهيونية.
وعندما خرج من سجنه في مطلع العام 1969 بعد أن حُكم عليه بالإعدام في العام 1961 إثر الحركة الإنقلابية التي قادها الحزب السوري القومي الاجتماعي وخفّض الحكم إلى 13 عاماً، ثم أفرج عنه بعفومن الرئيس اللبناني شارل حلو كان قد وضع بين أيدينا كتابه السجالي المهم " حرب التحرير القومية- الظاهرة والمضمون والاستراتيجية"، وسواءً اتفقت مع أحكامه أو اختلفت، لكن عليك أن تأخذه بسياقه التاريخي، مع جرأة أطروحاته وبعض استشرافاته.
ومنذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف من الزمان، ناقشتُ معه باقة أفكار جديدة كان الفكر القانوني الصهيوني، قد تبنّاها مثل فكرة العدالة العليا والعدالة الدنيا، ومفهوم الأمة اليهودية اللاّمكانية، والاستعمار الإنساني والاحتلال الواقعي وأبدية اللاّ سامية، وهو ما أثار اهتمامه، إضافة إلى المراجعات الفكرية لمواقف اليسار العربي وللتيار الماركسي تحديداً بصدد الموقف من إسرائيل وقرار التقسيم وآفاق النضال اللاحق، وكان نقد إنعام رعد من قاعدة العقيدة السورية القومية الاجتماعية، في حين كان نقدي للتيار الماركسي وللموقف السوفييتي من قاعدة المادية الجدلية والمفهوم الوضعي النقدي للماركسية، مثلما هو نقدي للتيار القومي التقليدي أيضاً، وخصوصاً بعض أطروحاته المتطرّفة من قبيل مساواة اليهود بالصهيونية، أو " رمي اليهود بالبحر" أو غير ذلك.
النقطة الثالثة- التي أحاول الإضاءة عليها، هو صداقتي معه وعملنا المشترك في إطار اللجنة العربية لدعم قرار الأمم المتحدة 3379 الصادر في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1975، الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية واعتبرها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وكان إنعام رعد من المؤسسين لهذه اللجنة ونائباً لرئيسها الدكتور جورج جبور، وكنت أمينها العام ، ثم تولّى بعد ذلك رئاستها وأصبح الدكتور غازي حسين أميناً للسرّ.
وكنتُ قد انتقلت في عملي إلى لندن، ولكن رعد أصرّ على أن أبقى عضواً في أمانتها العامة، وهو ما حصل واستمر حتى وفاته. وإذا كانت نشأة هذه اللجنة جاءت استجابة لتحدّي دولي، ونعني به محاولة الصهيونية وأصدقائها، إعدام القرار 3379، فإن استمرارها، وخصوصاً في ظل التراجع العربي، كان تحدّياً من نوع آخر، خصوصاً وقد تحوّلت مهماتها من مجابهة محدّدة ومقتصرة على القرار، إلى مجالات أوسع، بإضافة العنصرية إلى الصهيونية، ولهذا تغيّر اسم اللجنة إلى " اللجنة العربية لمناهضة الصهيونية والعنصرية"، وهو ما أراده إنعام رعد لشمولية المواجهة للمشروع الصهيوني ككل وليس لجزئية معينة فيه، وأن كانت مهمة.
أولاً- إنعام رعد: قبّعة السياسة وقبّعة الفكر
بقدر ما تمتلئ الساحة العربية بكثرة كاثرة من القيادات السياسية والإدارات الحزبية، فإنها تفتقر إلى مفكرين سياسيين، ولذلك أحياناً تتضبّب الرؤية أو تضيع البوصلة أو يتشوّش الموقف بين ما هو ستراتيجي ومبدأي وبين ما هو عارض ومصلحي.
السياسي عادة ينشغل بما هو مسلكي ويومي ويبني تحركه على ردود الأفعال، وهناك عدد محدود ولا يتجاوز أصابع اليد من انشغل منهم بالفكر، وإنهّم بالتفكير بنظرة بعيدة المدى، وليس على نحو طارئ أو ظرفي أو مؤقت.
وبالمقابل قد تجد مفكراً مرموقاً، لكنه معزول عن سياقات الحياة العامة أو الشأن العام وهمومه وتعقيداته، أو يحاول تجنّب الانخراط فيها، بزعم إنه منصرف للفكر، أما الممارسة فهي من اختصاص النشطاء والفاعلين السياسيين والمدنيين، وهكذا فإن تأثيره سيكون ضعيفاً، وقد يبرّر ذلك، وهو صحيح إلى حد ما، بشحّ الحريات وانعدام فرص التعبير وقسوة السلطات.
إنعام رعد من السياسيين المفكرين الذين لبسوا القبعتين حسب المثل الفرنسي "قبّعة السياسة.. وقبّعة الفكر" وخاض في الحقلين، واجتهد وصارع وساجل وتقدّم وتراجع وأصاب وأخطأ، لكنه كان صميمياً، حيث كانت له بوصلته الوطنية والعروبية والإنسانية التي حاول السير في هديها.
ومهما كانت آراؤه أو أفكاره، فإنك لا تستطيع الاّ أن تقدّر جهده واجتهاداته ووجهات نظره، ولاسيّما سعيه للتفكير المستقل، محترماً فردانيته وخصوصيته، دون أن يعني ذلك تخلّيه أو تنكّره للجماعية أو للجمعوية (حسب التعبير المغاربي) السياسية أو الحزبية. ولم ينكر حتى خصومه ذلك ، حتى وإن انتقدوه على آرائه ووجهات نظره.
لك الحق في أن تقبل أو توافق على ما توصّل إليه رعد، مثلما لك الحق في أن ترفض استنتاجاته، لكنه لا يسعك إلاّ التسليم بشجاعته وصميميته. ولا يمكن الإحاطة بالتيار السوري القومي الاجتماعي ، ما لم تعط لكتابات وأفكار إنعام رعد حقها، وقد حاول الإضاءة على أفكار انطون سعاده الزعيم التاريخي الذي أعدم في العام 1949، خصوصاً في موضوع الخطر الصهيوني والتناقض الأساسي بين الحركة القومية والاستعمار، والمجابهة بين أمم العالم الثالث والقوى الاستعمارية، والمهم حسب وجهة نظره وعي طبيعة الحركة القومية التي هي النقيض الثوري للاستعمار، لوعي الأمة، وحسب ألتوسير إن فهم التاريخ هو قراءة الوعي بضدّه!.
ووفقاً لهذا الفهم التاريخاني " السعادتي" رفض رعد التجزئة القومية بتذرّر الوطن، كما رفض التجزئة الاجتماعية على أساس الطائفة والعشيرة والعنصر، وأعلى من شأن الرابطة القومية، كما رفض التجزئة الاقتصادية الطبقية، وبالطبع فإن الرفض الأساسي كان للتجزئة السياسية التي مهّدت لفقدان السيادة القومية، وكرّست التناقضات التجزئية الكيانية لمواجهة القوى الاستعمارية.
إن وعي الهوّية هو أساس وعي الأمة الثوري ورفض كل ما يناقض الوجود القومي، وبهدف تمايزه عن التيار الماركسي لمفهوم الأمة، ركّز على وحدة العوامل النفسية ووحدة الحياة القومية، انطلاقاً من تعريف انطون سعادة للأمة في كتابه " نشوء الأمم": الأمة جماعة من البشر تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النفسية- المادية في قطر معين يكسبها تفاعلها معه في مجرى التطوّر، خصائص ومزايا تميّزها عن غيرها من الجماعات.
قد يتعارض السياسي مع الفكري لدى إنعام رعد، وإذا كان مثل هذا التنافس الإيجابي حاصلاً، فإن رعد غالباً ما يحسمه لصالح المفكّر، لكن الافتراق أو التباعد أو التعارض، الذي يتراءى للناظر أو المتابع، يتبدّد بالتدريج ليعود ويلتقي في نهاية المطاف، خصوصاً في حلبة القيم الإنسانية، ولاسيّما الحرية والمساواة والشراكة والعدالة، وهذه أساسات للدولة العصرية الدستورية ولفكرة المواطنة. والسياسي عنده هو من يلحق المفكر وليس العكس، وتلك صفة تميّز بها إنعام رعد على الكثير من مجايليه وزملائه، بل شذّ بها على أقرانه، من التيارات السياسية المختلفة.
الحزبي والسياسي: القاعدة والاستثناء
القاعدة الغالبة أو الشائعة هي أن يخضع الفكري للسياسي، وهذا الأخير للحزبي، والحزبي للمراتبية البيروقراطية، وإنْ اختلطت بعض الأوراق وتداخلت واندغمت، لكن تلك ظلّت القاعدة المعمول بها، في حين إن الاستثناء هو خضوع السياسي للفكري، وقد أراد رعد أن يحوّل القاعدة استثناءً، والاستثناء قاعدة، بتمسّكه باجتهاداته ودفاعه عنها، متجاوزاً أحياناً المواقع والمسؤوليات، سواءً كان في أعلاها أو خارجها.
وقد عانى الكثير من المفكرين وأصحاب الفكر ومنتجي الأفكار من تلك الازدواجية والتناقض، حين يحاول السياسي إخضاع الفكر للحظة الراهنة، الآنية، الظرفية، المعارضة أحياناً، في حين إن سعي المفكر هو النظرة الشمولية، الاستراتيجية، البعيدة المدى .
أنقل هنا ما لفت نظري من رسالة وجهها فردريك انجلز إلى كارل ليبنخت زعيم الحزب الاشتراكي الألماني، وقد وردت في رسائل شهيرة بين انجلز وماركس، ترجمها جورج طرابيشي. كان ليبنخت قد طلب برسالة رقيقة من انجلز كتابة مقالة لصحيفة الحزب السرّية، وهذا ما فعله على الفور، وبعد أيام قرأ مقالته منشورة في الجريدة، لكن هاله ما اكتشف، حيث تلاعب محرّرها بها، وقام بتقطيع أوصال المقالة إرباً إرباً، لدرجة قلبتها رأساً على عقب كما يقال.وحين تساءل انجلز في رسالة عتاب واحتجاج إلى تلميذه كارل ليبنخت عن السبب الذي دعا محرّر الجريدة التلاعب بأفكارها، ردّ هذا الأخير بشيء من ازدراء للفكر وتغليب الموقف السياسي الآني بقوله: " لقد اضطررنا إجراء تعديلات على المقالة لتتلاءم مع نهج الحزب"، فما كان من انجلز الاّ أن يهتف: ومتى علمناكم، ماركس وأنا، إن السياسة أهم من الأفكار؟
في العام 1974 دعي إنعام رعد لإلقاء محاضرة في زغرتا بمناسبة الأول من أيار (عيد العمال)، وقد وافقت حينها القيادة على ذلك، ولكنها اشترطت عليه كتابة المحاضرة وإرسالها إليها، للموافقة عليها أو إبداء ملاحظات بشأنها. امتثل رعد للقرار وكتب محاضرته وأرسلها إلى مركز الحزب، لكن من جلس بمقعد الرقابة استخدم مقص الرقيب، ليقتطع بعض الفقرات، بما فيها قولاً اعتبره منسوباً إلى أنطون سعاده الزعيم السوري القومي الاجتماعي الذي أعدم في العام 1949، وكان رعد قد استهدف من اقتباسه تحريك عجلة التجديد داخل الحزب، لاسيّما عندما يقتبس من زعيمه التاريخي، لكن ذلك لم يمنع الجهة المتنفّذة من حذف ما اعتقدت إنه لا يتناسب مع نهج الحزب، وهو ما نقله لي في أواسط الثمانينيات في دمشق، وأضاف منذ ذلك التاريخ بدأت أتهرّب من إرسال محاضراتي مسبقاً وأجد الأعذار لذلك.
لا أنقل هذه الحادثة إلاّ للإشارة إلى أن مثل هذا النهج كان سائداً في جميع الأحزاب الراديكالية الشمولية، الشيوعية والماركسية والقومية، وصولاً إلى الأحزاب الإسلامية، وهذه كلّها اهتدت بكتاب لينين: ما العمل؟ الصادر في العام 1903، وطبّقت ما جاء فيه من تعليمات زادها قسوة تخلّف بلدان العالم الثالث، من خضوع القاعدة للقيادة والأدنى للأعلى والأقلية للأكثرية، في إطار ضبط حديدي، مع شيء من التخفيف أو التلطيف سمي بالديمقراطية المركزية، وهو مصطلح يحمل التناقض في داخله، ولكن مع التنفيذ اللاّشرطي للقرارات، أو ما سمّته بعض الأحزاب القومية : نفّذ ثم ناقش.
الحزب كأي شيء حي، ينشأ وينمو ويتطوّر ويتصلّب عوده في مواجهة التحدّيات، وإنْ لم يواكب الحياة والتغيير الذي هو الثابت الوحيد، فإنه يتراجع ويتقهقر، ولا أظن إن حزباً واحداً ظلّ على ما كان منذ تأسيسه ولحدّ الآن، وإنْ وجد مثل هذا الحزب، فإنه يكاد يكون ميتأً، لأن الحياة تأتي بالجديد، وعلى الحزب أن يواكبها.
وحسب فيكتور هوغو: " إنه لثناء باطل حين يُقال عن رجل إن اعتقاده السياسي لم يتغيّر منذ أربعين عاماً، فهذا يعني إن حياته كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير والتعمق في الأحداث. إنه كمثل الثناء على الماء الراكد لوجوده، وعلى الشجرة لموتها".
إن الذين لا يتغيّرون لا يفعلون شيئاً، والإنسان الذي لا تغيّره التجارب ولا تترك الأحداث بصمتها عليه وتأثيرها فيه، يتعرّض للصدأ والتآكل، والسياسة تجارب، وقد تخطئ وقد تصيب ولكن على المرء أو الحزب أن يجرّب باستمرار، لاسيّما إذا كانت بوصلته دقيقة وحساسيته الإنسانية عالية.
لم يدرك الكثير من القابضين على مقاليد السلطة الحزبية، إن العالم تغيّر وعليهم تغيير سياساتهم وتكتيكاتهم وأساليب عملهم ونضالهم وتنظيماتهم وأحكام أنظمتهم الداخلية، وإن كتاب لينين "ما العمل؟" الذي اعتمدته الأحزاب الشمولية، سواء بإعلان منها أو دون إعلان، وهو كتاب مهم جداً في فترة ما بعد الثورة الصناعية وفي مطلع القرن العشرين، أصبح في فترة ما بعد الحداثة وفي نهاية القرن العشرين وانتهاء عهد الحرب الباردة والإقرار بالتنوّع والتعدّدية، جزءًا من التراث وعلينا أن نقرأ كذلك، لا أن نتعاطى مع مفرداته وتعاليمه باعتبارها وصفة جاهزة للحزب، لا يأتيها الباطل لا من أمامها ولا من خلفها، وهي وصفة صالحة لكل زمان ومكان، بتخطّي التاريخ أو تجميده، أو وضع سرير بروست مقاساً للخطأ والصواب حسبما تقول الأسطورة اليونانية.
إن فكرة ماركس عن الحزب، أي ماركسية القرن التاسع عشر، هي غيرها ماركسية لينين أو ستالين والأحزاب الشيوعية العالمية والعربية، فقد تحوّل مفهوم الحزب لدى جميع الأحزاب الشمولية ماركسية أو قومية أو إسلامية إلى الرأي الواحد والزعيم الواحد والذوق الواحد، ولم تستطع هذه الأحزاب استيعاب الفكرة الماركسية القائلة إن مستقبل الحزب بوصفة طليعة رهناً بتحوّله إلى كتلة شعبية، أو كتلة تاريخية كما أسماها غرامشي ، بمعنى تيار عريض وواسع وليس إبقائه محصوراً بطبقة أو جماعة قومية مؤلجة أو إسلامية إيمانية، أي عصبة ثورية شبه عسكرية كما أسماها لينين، لأنها ستضيق في نهاية الأمر وتلتفّ على نفسها لدرجة التشرنق.
وعلى الرغم من أن لينين أسمى محاولة فرض سيادة الطبقة العاملة على الطبقة المخلوعة الرأسمالية بـ "دكتاتورية البروليتاريا" أو دكتاتورية الـ 9 % ضد 1 % أو ديمقراطية الأغلبية ضد الأقلية المنحّاة، إلاّ إن ذلك لم يمنع في أن تتحول مثل هذه السلطة، سواء كانت ماركسية أو قومية أو إسلامية إلى نظام شمولي وتدريجياً استبدادي، حيث تضيق قاعدته بالتدريج، والأمر يعني الأحزاب التي في السلطة وخارجها ومن معارضيها أحياناً.
لقد هيمنت فكرة أساسية على الأحزاب الشمولية وهي كيفية الاستحواذ على الجماهير أو الاستيلاء عليها وقد شكّلت هذه الفكرة هاجساً للأحزاب الشيوعية والقومية والبعثية والإسلامية، في حين أنها أثقلت عليها بعد حين ودفعت قياداتها لتوجهات لم تكن تؤمن بها. وكان الموديل الستاليني قد وجد ضالته إلى الأحزاب الشمولية يسارية أو يمينية، بل إن هناك من أطلق على الأحزاب القومية والإسلامية ، الأحزاب الستالينية أيضاً.
إن معضلة هذه الأحزاب هي معضلة فكرية، وهي ما واجهه إنعام رعد وغيره من المفكّرين والمثقفين الواعين، وتتّصل تلك المعضلة بتقديم أولوية السياسة على الفكر، وحتى الآن فإن ذلك لا يزال يهيمن على الكثير من الأحزاب العربية، في حين ابتعدت عنه حركات وتيارات شمولية كثيرة في الغرب وفي أوروبا الشرقية بعد انهيار النظام الشمولي وفي أمريكا اللاتينية بعد الإطاحة بعدد من الأنظمة الدكتاتورية..
إن الأحزاب الشمولية تعيش عقدة الخوف من التسلّل الفكري أو الأمني إليها من الخارج، والخارج ليس سوى الأفكار الهدّامة المغايرة، المختلفة، التي تهدّد طهرية النظرية أو نقاوتها لدى الشيوعيين وتهدّد مصير الأمة حسب القوميين، وتعرّض الإسلام لمخاطر البدع والانحراف لدى الإسلاميين.
هكذا تهيمن الانعزالية المصحوبة بالارتياب من الرأي الآخر، حتى وإنْ كان من داخل الحزب وليس خارجه ويتحوّل الإرتياب إلى نوع من الإرهاب الفكري، خصوصاً تجاسر على السائد والنمطي مما هو تقليد واستكانة، وتلك كانت مشكلة إنعام رعد مع التنظيم أحياناً، وظلّت الأحزاب الشمولية تبحث عن الإجماع حتى وإن كان مصطنعاً تحت عناوين وحدة الإرادة والعمل، وهو ما شجع على الانشقاقات والانقسامات، وخوّن كل فريق الفريق الآخر، ولا يهمّ حتى إن وصلت المعلومات إلى العدو.
صحيح إن رعد محرّض وداعية وهو في سياق مرحلة اتسمت بالشمولية، لكن أدواته البحثية تجعل منه أكثر عقلانية من الدعاة أو المحرضين أو المبشرين، لما يتّسم به البحث العلمي من موضوعية وعقلانية ونزاهة وحيدة إزاء الحقائق، وإنْ كان لكل باحث وجهة نظر ورأي، ولكن ذلك لا ينبغي له مخالفة الحقيقة، وتلك هي كيمياء البحث العلمي.
لعلّ أهم ما ميّز إنعام رعد هو استقلاليته، وحتى مواقفه السياسية لم تكن ضمن المسطرة السائدة أحياناً، فقد كان يقرأ بعين المستقبل. لم يرغب السكن في التاريخ، وإنما كان يفكّر بالمستقبل مع استلهام التاريخ، وبقدر ما كان يحاول إضاءة أفكار انطون سعادة، كان يحاول الإضافة بما جادت به الحياة من متغيّرات وتطورات.
رؤيوية إنعام رعد واستشرافيته
لم ينظر للواقع القائم بعين الماضي، بل باستعارة مصطلح زهير فياض، كان رؤيوياً أو استشرافياً، فعلى سبيل المثال، كان الاتجاه القومي عموماً ضد الحركة الشيوعية في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، بسبب الخلاف بين عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وموقف الحزب الشيوعي السوري من الوحدة المصرية – السورية العام 1958، وانتقاداته لتوجهات قيادة الجمهورية العربية المتحدة ذات المنهج الآحادي ، الإطلاقي، الشمولي.
وانعكس ذلك على الموقف من الأحزاب الشيوعية العربية، خصوصاً وهناك خلافات قديمة بخصوص الموقف من القضية الفلسطينية وتحديداً قرار التقسيم، وهو الموقف الخاطئ الذي اتخذته حينها، مجاراة وممالئة لموقف السوفييت الخاطئ أساساً ومصالح الدولة العظمى، والذي قدّم السياسي على الفكري وبرّر آيديولوجياً قيام إسرائيل، بإخضاعه الفكر للسياسة ومصالحها وتناقضاتها وألاعيبها. وهو ما استفاض رعد في مناقشته بكتابه السجالي " حرب التحرير القومية".
أقول كانت تلك الصورة أمام إنعام رعد، وهو يقرأ المشهد من زاويتين حادتين الأولى- إن خيار الحزب السوري القومي الاجتماعي هو التحالف مع الغرب، ولكن (بالشروط القومية)، وهذا الموقف اعتمده الحزب رسمياً منذ العام 1955، فكيف يستطيع رعد تجاوز ذلك، حتى وإن حصلت بعض التغيرات في الموقف الدولي بعد العام 1956؟ وكان ذلك يحتاج إلى مراجعة جادة ومسؤولة وحوارات موسّعة لم تتحقق حينذاك.
والثانية – ارتفاع موجة العداء للشيوعية بسبب الخلافات المشار إليها. واحتدام المشهد عربياً، بعد موجة اعتقالات للشيوعيين في مصر وسوريا من جهة أخرى، والإرهاب الفكري والسياسي الذي تعرّض له القوميون والبعثيون في العراق، وخصوصاً بعد فشل حركة الشوّاف العام 1959، من جهة أخرى، أي إن التباعد كان شاسعاً والاختلاف عميقاً.
لكن ذلك لم يمنع عقل إنعام رعد الستراتيجي الرؤيوي من اختراق المشهد السائد، حين كتب في العام 1960 في جريدة البناء، مقالة بعنوان مثير واستفزازي لما هو سائد آنذاك وهو " من أجل تعاون أوثق مع السوفيات".وقد استهدف إنعام رعد حسب قراءتنا للنص بالارتباط مع السياق الزمني من ذلك ما يلي:
1- تقديم ما هو ستراتيجي وبعيد المدى، على ما هو تكتيكي وظرفي.وبالطبع فإن ذلك يعني تقديم الصراع الأساسي مع العدو الصهيوني، على سواه من صراعات ثانوية، وإخضاع هذه الأخيرة له.
2- السعي لإعادة الصراع في المنطقة إلى محوره الأساسي، أي بين الصهيونية وإسرائيل من جهة وبين الحركة التحررية العربية بجميع قواها ومدارسها واختلافاتها من جهة أخرى، لأنه حسب إنعام رعد صراع وجود وليس صراع حدود. وكان هذا موضوعاً لكتاب أصدره لاحقاً في العام 1979، بعنوان " حرب وجود لا حرب حدود".
3- إحداث اختراق دولي بالتحالف مع دولة عظمى تناصر الحقوق العربية، إزاء دولة عظمى داعمة أساسية لإسرائيل، والمقصود بالأولى الاتحاد السوفييتي، وبالثانية الولايات المتحدة. وذلك انطلاقاً من فهم مستحدث للعلاقات الدولية من منظور ستراتيجي، يقوم على المصالح، وليس على المبادئ فقط، خصوصاً في ظل الصراع الآيديولوجي القائم آنذاك وفي فترة الحرب الباردة، بين منظومتين متصارعتين هما الرأسمالية والاشتراكية.
وكان رعد أسبق من غيره، بل متقدماً عليه بالموقف حين قرأ التطوّر الذي حصل لدى الاتحاد السوفييتي منذ وفاة ستالين العام 1953 وصولاً إلى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي العام 1956، الذي أكّد على دعم حركات التحرر الوطني والقومي، حيث كان من مقدماته كسر احتكار السلاح عن العرب، تلك التي تكلّلت بصفقة السلاح التشيكوسلوفاكي لمصر العام 1955، والتطوّر الكبير الذي حصل إبان العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، وما أعقبه من إنذار عُرف باسم إنذار بولغانين، وإعلان السوفييت عن استعدادهم لإعادة النظم بأساس وجود إسرائيل كدولة، وهذا ما حاول رعد إضاءته.
4- المصالح المشتركة بين العرب والدول الاشتراكية، لاسيّما الوقوف ضد سياسة إسرائيل التي بدأت تتسلّل إلى أفريقيا بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي سياسة معادية للعرب ولمصر بالذات التي كان لها امتدادات مهمة في أفريقيا وعلاقات وطيدة مع حركات التحرر الوطني، وتستقبل القاهرة وتستضيف عدداً من الزعماء الأفارقة سرّاً أو علناً بما فيهم الزعيم نيلسون مانديلا الذي زار القاهرة مرتين، كما إن هذه السياسة معادية للسوفييت والنفوذ السوفييتي والاشتراكي، الذي بدأ يتعزّز في أفريقيا حيث تأثّرت العديد من الحركات الوطنية الأفريقية بالأفكار الاشتراكية والماركسية، وحاولت السير في هدّيها، ولاسيّما بعد مرحلة الاستقلال، خصوصاً بصدور قرار الأمم المتحدة بتصفية الكولونيالية العام 1960.
الرؤية الانفتاحية لدى انعام رعد
لم تكن هذه المقالة التأسيسية وحدها هي من قراءات رعد الاستشرافية، فقد حاول رعد ومعه عدد من زملائه إحداث تغييرات مهمة في رؤية الحزب السوري القومي الاجتماعي لإخراجه من دائرته الانعزالية ووضعه في رحاب حركة التحرر العربية، فالعزلة كما هو معروف تقود إلى التطرّف، وهذا الأخير نتاج التعصّب وادعاء الأفضليات وتخطئة الآخرين وادعاء العصمة أحياناً.
لقد قاد إنعام رعد حركة انفتاح على القوى الوطنية اللبنانية بشكل خاص، والقوى العربية التحررية، حركات وأحزاباً وأنظمة، بشكل عام، لاسيّما مع الثورة الفلسطينية في السبعينيات، حيث أهّلت هذه السياسة الانفتاحية الحزب ليلعب دوراً أكبر وأهم، فقد اختير رعد نائباً لرئيس الحركة الوطنية اللبنانية العام 1975 ولغاية العام 1982.
وعلى الرغم من اختلاف المنطلقات الفكرية بين الحزب السوري القومي الاجتماعي، وبين الحزب الشيوعي اللبناني والحركة الشيوعية العربية، فإن رعد قدّم ما هو سياسي على ما هو آيديولوجي، خصوصاً الأهداف المشتركة، والقواسم الجامعة وليس المفرّقة، ولهذا فإن فرصاً جديدة من العلاقات انفتحت أمام الحزب، الذي اتبع المنهج السياسي بدلاً من المنهج العسكري الانقلابي، خصوصاً بعد حركة الانقلاب العام 1961 وذيولها العام 1962.
وحسب تقديري ومعرفتي المتواضعة فإن أحد الشخصيات الأساسية التي لعبت دوراً في هذا التوجّه هو إنعام رعد الذي كانت كارزميته الشخصية جاذبة ومنفتحة، وكان يملك مؤهلات معرفية وعلمية تجعله مؤثراً في المحيط الذي هو فيه، وامتلك صفات شخصية مثل حلو المعشر وعذوبة اللسان، إضافة إلى الصراحة والوضوح والجرأة في قول الرأي. وبالطبع فإني لا أنكر دور القياديين الآخرين في فترة السبعينيات، لكن ميدان بحثنا هو إنعام رعد ودوره الفكري والسياسي. وكان الحزب حاضراً في الانخراط في المقاومة اللبنانية بغض النظر عن أجنحته المتصارعة، وكانت سناء محيدلي أول شهيدة له.
لقد ساهم انهيار الوحدة المصرية – السورية العام 1961 ومن ثم نكسة 5 جزيران (يونيو) العام 1967، وفيما بعد الانتصار المحدود لحرب اكتوبر العام 1973، واستخدام النفط لأول مرة سلاحاً في المعركة، وبعدها الانتصار الفيتنامي على أعتى دولة امبريالية في العالم العام 1975 ، هذه التطورات السلبية والإيجابية كانت وراء جهود إنعام رعد الفكرية لقراءة التطور العالمي بمنظور ديناميكي متحرّك وجديد وليس جامد.
فالأفكار بالنسبة لإنعام رعد هي التجسيد الأعلى للسياسة، لأن المفكر هو منتج الفكر وعليه المساهمة في بلورة رؤى أبعد من حدود الشعارات اليومية أو المواقف التكتيكية، بما هو أهم وأعمق وأكثر تحوّلاً وتأثيراً. وفي جميع المواقع التي احتلها رعد في الحزب، كان يميل إلى التجديد، سواء عندما عمل عميداً للإعلام والخارجية أو خلال رئاسته للحزب لدورتين متتاليتين 1975 و1980، وعودته ثانية لدورتين أخريتين 1992 و1995 حتى وفاته.
الغاية والوسيلة
ويعتبر مؤلفه "حرب التحرير القومية" (الصادر في العام 1970) وطبعته الثانية 1979 وطبعته الثالثة 2015، من أهم المؤلفات التي تناولت : الظاهرة والمضمون والاستراتيجية بغض النظر عن الاتفاق معه في استنتاجاته أو الاختلاف حولها، وقد يكون بعضها صالحاً إلى الآن والآخر تجاوزه الزمن، ممثله مثل أي عمل فكري وسياسي.
لقد نظر رعد في هذا الكتاب إلى حركة التحرير القومية بمداها العالمي المفتوح، خصوصاً بمقاربة ظاهرة بعض حركات التحرّر القومي في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، سواء التجربة الصينية أو الفيتنامية أو الكوبية، أو في المشرق العرب " التجربة المصرية- الناصرية" لأن هذه الثورات تتعلّق بالوجود القومي لأمة تريد التحرر من ربقة الاستعمار ضمن خصائصها وتطوّرها.
حاول رعد قراءة المتغيّرات والمستجدات، وبعضها إيجابي وفق المصلحة القومية العربية، وهو ما قرأه بعد ذلك بصدد الثورة الإيرانية، فقد كانت لديه قدرة على استنباط الأحكام، بشروط الواقع، ولكن باستشراف المستقبل، واضعاً بنظر الاعتبار المصلحة القومية فوق كل اعتبار، ولذلك قرأ المشهد الجديد من زاوية المصالح العليا، فإيران الشاه حليفة الامبريالية وإسرائيل، أصبحت بثورتها الشعبية، ضدهما، وهذه وحدها كفيلة بإيجاد مشتركات للنضال انطلاقاً من مصالحنا القومية.
كما حاول إنعام رعد التوفيق دائماً بين الغاية والوسيلة، فلا وجود لغاية شريفة دون وسيلة شريفة كذلك، وهذه جزء من الغاية، وحسب غاندي إنهما مثل الشجرة والبذرة. ...إن الغاية موجودة في الوسيلة، كما ان الشجرة موجودة في البذرة.
ولم يتوان إنعام رعد من التجريب، فالسياسة في نهاية المطاف تجارب، وفيها الفاشل والناجح، وكانت لديه القدرة على المراجعة والنقد وإعادة النظر بما لم تزكِّهِ الحياة، وفي الوقت نفسه كان مقياسه دائماً: هل هذا الموقف أو الرأي يتعارض مع منظومته الفكرية أو يتطابق أو يتساوق مع أخذ الظروف والمتغيّرات بنظر الاعتبار. لم يكن جامداً أو نصيّاً وإنما كان ينطلق من الحياة ذاتها وما فيها من متغيّرات وتطوّرات.
اليهودية والصهيونية
كم كان بودي أن يتم إعادة النظر في نظرة القوميين الاجتماعيين بمن فيهم إنعام رعد، للتفريق بين اليهودية والصهيونية، فليس كل يهودي صهيونياً، ولعلّ ذلك ما تريده الصهيونية وإسرائيل من فكرة الأمة اليهودية العالمية اللاّمكانية التي كنت قد تناولتها في كتابي الصادر في دمشق، العام 1985، والموسوم "الصهيونية المعاصرة والقانون الدولي" (دار الجليل) وذلك بزعم تمثيل يهود العالم بغض النظر عن عرقهم ولغتهم وأوطانهم وجنسياتهم ولونهم.
وقد دخلنا في مناقشات مطوّلة حول هذا المفهوم، وأعتقد أن رعد في دراساته اللاحقة وبشكل خاص في كتابه " الصهيونية الشرق أوسطية " الذي صدر في العام 1997، لم يأتِ على بعض آرائه السابقة، وحاول أن يتجاوزها إلى ما هو أكثر اتساقاً مع الواقع، آخذاً بنظر الاعتبار نسغ الحياة المتغيّر، فطريق رعد إلى السياسة هو المعرفة، وكان يسعى لتجديد معارفه، وهو ما يمكن تلمّسه من مقالاته ودراساته وكتبه، وكان أحياناً يردّد قولاً أثيراً عرفتُ فيما بعد إنه لأنطون سعادة وهو: المجتمع معرفة والمعرفة قوة، وكان الفيلسوف فرانسيس بيكون من قال: المعرفة قوة أو "سلطة"!

الموقف من "الأقليات"
كنت أنتظر ولا أزال إعادة النظر بموضوع الإقرار بالتنوّع الثقافي الذي يطلق عليه مجازاً " الأقليات"، فإنعام رعد يأخذ على الثورات العربية أنها " استعارت من الماركسية – اللينينية مفهومها لحل هذه المشكلة (المقصود المشكلة الطائفية- العنصرية حسب النص)، علماً بأن البلدان الإشتراكية لم تحل المسألة القومية، بل زادتها تعقيداً، وهو ما كشفته أحداث ما بعد انهيار الكتلة الاشتراكية وأنظمتها الشمولية، فلم يكن الحل المزعوم سوى وهماً، فإذا بها في العراق تخلص إلى الاعتراف بقوميتين كردية وعربية.
ويتساءل رعد كيف تكون في جزء من الوطن قوميتان وتكون في الوطن كلّه قومية واحدة؟ وبعد مقارنة الوضع في العراق واختلافه عن الاتحاد السوفيتي، الذي يتكوّن من مجموعة مجتمعات وقوميات وجمهوريات، يصل إنعام رعد إلى نتيجة مفادها: لا يجوز أبداً أن ننادي بتعايش قوميتين في حيّز أرضنا العربية (العراق مثالاً كجزء من الوطن) ثم يدعو رعد طبقاً لمبادئ القومية الاجتماعية إلى تجاوز الانتماء اللغوي والعنصري الذي يميّز بين كردي وعربي، إلى انصهار جميع سكان العراق في وحدة الحياة القومية ودورتها الاقتصادية والاجتماعية التي تشمل الهلال الخصيب كلّه.
ويبني على هذا الأساس قاعدة تقوم على ترابط الإنسان والأرض في وحدة الحياة القومية، حيث تحلّ القومية الاجتماعية مشكلة تناقضات الولاء العنصري والطائفي الجزئي، التي هي ولاءات طفت على سطح المجتمع في فترة الانحطاط والتمزيق الاجتماعي والسياسي، بعامل غياب الولاء القومي الموحّد الذي يشكل وحدة الرابطة الاجتماعية الطبيعية السليمة، ويعتبر تمسك جماعة ما بثقافتها الخاصة يعني " سهماً في جسم وحدة المجتمع لا لبنة في بنيانه".
لا نريد أن نذهب بعيداً بخصوص عدم اعتراف مثل هذا التوجّه بالتعدّدية والتنوّع الثقافي القومي والديني واللغوي وغير ذلك، بل إن ما قاله سعادة من تعريف للأمة ينطبق على الكرد مثلما ينطبق على العرب، لاسيّما إذا تجاوزنا النزعة الشوفينية الاستعلائية، بحق الآخر. فالكرد هم جماعة من البشر، تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النفسية – المادية في قطر معين يكسبها تفاعلها معه، في مجرى التطور، خصائص ومزايا تميّزها عن غيرها من الجماعات (وهو ما جاء في كتاب أنطون سعادة " نشوء الأمم").
وإذا كان العرب أمة مجزّأة ولها الحق في استعادة وحدتها وتقرير مصيرها، فالكرد أمة مجزأة أيضاً، وتملك الحق ذاته قانونياً وسياسياً وإنسانياً، فلماذا يُراد صهرها في البوتقة القومية الاجتماعية؟ واستئصال هوّيتها الخاصة ولغتها وتراثها وتاريخها، بل وشعورها النفسي والمادي؟ إنها جماعة بشرية خاصة لها ما يميّزها عن غيرها (أي أمة) لها الحق في تقرير المصير.
لقد كان التيار القومي العربي عموماً بتفريعاته المختلفة ولغاية مطلع العام 1970،لا يقرّ بوجود قوميتين في العراق، وقد دفع العراق ثمناً باهظاً لهذا التنكّر : خسائر بشرية ومادية، وتداخلات خارجية، وحروب لا معنى لها، حتى تقرّر الاعتراف بحقوق الشعب الكردي في بيان 11 آذار (مارس) العام 1970 بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الكردستاني، وجرى تعديل الدستور بالاعتراف بوجود قوميتين رئيسيتين في العراق، ثم شرّع قانون للحكم الذاتي لإقليم كردستان العام 1974، (على الرغم من نواقصه وثغراته يعتبر متقدّماً قياساً لتلك الفترة بالذات).
وكان شعار الحركة الوطنية العراقية وبضمنها الكردية، منذ أوائل الستينيات "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان"، ثم اعترفت غالبية القوى اليوم بحق تقرير المصير وهذا الأخير كمبدأ قانوني وسياسي، يعني أما الاتحاد الاختياري على أساس مواطنة متكافئة وحقوق متساوية أو الانفصال (الاستقلال) بكيان خاص، إذا أصبح العيش المشترك مستحيلاً وهو مثل الطلاق أبغض الحلال عند الله كما يقال.
الكرد ليسوا أغراباً في وطنهم العراق، هم أبناء المنطقة قبل مجيء الإسلام وبعده واشتركوا مع العرب في بناء حضارتهم العربية – الإسلامية، ولذلك فإن حقوقهم كأمة لها هويتها الخاصة لا ينبغي أن تكون موضع نقاش ، بقدر خدمته لمصالح وأهداف النضال المشترك العربي – الكردي وقضايا التقدم واحترام إرادة الشعوب وخياراتها السياسية والاجتماعية.
وبخصوص مصطلح " الأقليات"، فإني اعتبره مصطلحاً ملتبساً ولا يرتقي لحدود مبادئ المساواة، على الرغم من إن الأمم المتحدة استخدمته في " إعلان حقوق الأقليات" العام 1992 أو في " إعلان حقوق الشعوب الأصلية" العام 2007، فمفهوم الأكثرية والأقلية يحمل في ثناياه معنى التسيّد من جهة والخضوع والاستتباع من جهة ثانية، وهو يصلح في توصيف الحالات السياسية داخل الأحزاب وفي البرلمانات وفي مؤسسات المجتمع المدني وغيرها. أما القوميات فينبغي أن تكون متكافئة ، كبُرت القومية أم صغُرت. وكذا الحال بالنسبة للأديان.
الهوّية والقومية والأمة، لا تتعلّق بعددها أو حجمها، بل بخصوصيتها وتميّزها، ولذلك لا ينبغي أن يشمل مصطلح الأقليات موضوع القوميات والأديان، فمهما كان عدد المسيحيين في البلدان العربية، فينبغي احترام خصوصيتهم والتعامل معهم على أساس متكافئ مع الآخرين، سواء في إطار المواطنة الكاملة والمساواة التامة وعدم التمييز، أو في حقوقهم الثقافية والإدارية والسياسية وغيرها.
لقد بدأت استخدم مصطلح " التنوّع الثقافي" أو " المجتمعات المتعدّدة الثقافات" وأراه أقرب عندي تعبيراً وأكثر إنسانية من مصطلح ا"لأقليات"، عندما تكون في دولة ما أكثر من قومية وأكثر من دين، بغض النظر عن حجمها وعددها، "أغلبية" أم "أقلية".ويُقصد بالحقوق الخاصة للتنوّعات الثقافية : الحفاظ على الهوّية والخصائص الذاتية والتقاليد واللغة في إطار المساواة وعدم التمييز، وهو ما جاء في المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في العام 1966 والداخل حيّز التنفيذ في العام 1976.
أعتقد إن مهمة تجديد الفكر القومي الاجتماعي تقع على عاتق الجيل الجديد، بما يتناسب مع التطور الدولية والمواثيق الدولي لحقوق الإنسان، بحيث لا تكون متعارضة معه، وذلك بإعادة النظر بالموقف من التنوّع الثقافي في منطقتنا، بما يضفي على الفكر القومي نزعة أكثر إنسانية ويجعل منه مركز استقطاب، لاسيّما باعترافه بحقوق المجاميع الثقافية الأخرى في مجتمعاتنا المتعدّدة التكوينات، مثل العراق وسوريا ولبنان والسودان ومصر والمغرب العربي وغيرها، وهذا لا يتعارض مع التوجّه لتحقيق مشروع وحدة سوريا الطبيعية.
فالتنوّع والتعدّدية الثقافية يمكنها أن تكون عامل قوة وإثراء وتفاعل إيجابي في إطار الوحدة ودولتها المنشودة وليس عامل ضعف وإفقار وسلبية، خصوصاً إذا تم الإقرار بالتنوّع والتعدّدية، والاعتراف بهما على أساس المساواة الكاملة والحقوق المتساوية.
ثانيا- إنعام رعد : السبيل للردّ على المشروع الصهيوني
لا يختلف القوميون الاجتماعيون على أن الردّ على المشروع الصهيوني، هو توحيد الأرض والشعب، أي إنهاء التجزئة، ومن منطلقاته هذه طرح إنعام رعد فكرة مجابهة الشرق أوسطية الجديدة، بخطة معاكسة. وقد بلور أفكاره تلك في كتابه الموسوم "الصهيونية الشرق أوسطية" الذي أشرنا إليه ، وهو يرى أن عنصرية الصهيونية تمتد منذ هيرتزل وكتابه "دولة اليهود" The Jewish State الصادر في العام 1896، والذي انعقد المؤتمر الصهيوني العالمي في بال (سويسرا) على أساس أفكاره، وصولاً إلى نتنياهو.
كانت مجابهة رعد للشرق أوسطية الجديدة، قبل أن تطبخ فكرة مشروع الشرق الأوسط، سواءً الكبير أو الجديد، ورفض إنعام رعد تشبيه الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة (باعتباره مجتمع مهاجرين)، فالمجتمع الأمريكي قام بصهر الجميع في إطار أمة أمريكية جديدة لا تقوم على أساس الدين أو العرق، في حين أن إسرائيل قامت على كونها دولة اليهود حصراً، والتمييز شمل من سواهم، خصوصاً أصحاب البلاد الأصليين، (عرب فلسطين)، وكأن رعد يستبق فكرة الدولة اليهودية النقية التي يتم التحضير لها، والتي أصبحت مطروحة على بساط البحث في الثلاث سنوات الأخيرة، بمشاريع إلى الكنيسيت وترويج إعلامي واستفزازات لسكان البلاد الأصليين.
وقد استنتج رعد ذلك من سياقات النهج السياسي الإسرائيلي بحق عرب فلسطين ومساعيهم المستمرة للتهجر والإجلاء، مقابل انتعاش المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، من خلال هجرة يهودية إليه، كان من أبرز معالمها الفلاشا الأثيوبيين والسودانيين، وكان من أخطرها وأشدّها ضرراً هجرة اليهود السوفييت، التي رفدت المشروع الصهيوني بالبشر وبالكفاءات والطاقات الهائلة.
لقد عالج إنعام رعد في كتابه المذكور فكرة الشرق أوسطية بردّ مزاعمها وفضح أهدافها وكشف الجهات المتواطئة معها، فارزاً خطة لمجابهتها، انطلاقاً من أفكار سعادة في العام 1925، الذي سبق أن اعتبر غياب خطة قومية معاكسة يعني انتصار الصهيونية، وهو ما كان رعد يركّز عليه.
وفي كل ما كتبه رعد كان يؤكد أهمية الأرض في تحديد أهداف النضال القومي، لأن الصراع هو على الأرض والشعب، وهاذان العنصران تعرّضا للتجزئة، ولذلك فهو كسوري قومي اجتماعي، يقدّم البديل للمشروع الصهيوني الشرق أوسطي، من خلال وحدة سوريا الطبيعية.
العدالة العليا والعدالة السفلى
كنت قد تناولت في الثمانينيات خلال مراجعاتي للتيار الماركسي من القضية القومية وفلسطين تحديداً، ولاسيّما قرار التقسيم، فكرتين أساسيتين، الفكرة الأولى محاولة الصهيونية تسفيه فكرة حق تقرير المصير، على أساس مفهوم غريب ولكن بمنطق حقوقي، فالبروفسور ناثان فاينبرع (استاذ قانون في الجامعة العبرية في القدس) لا يعتبر حق تقرير المصير حقاً قانونياً دولياً ملزماً، أي أنه ليس قاعدة آمرة- ملزمة Jus Cogens في القانون الدولي، واجبة الأداء، لأنه حسب رأيه لم ينصّ عليه عهد عصبة الأمم العام 1919، وحتى عند النص عليه في ميثاق الأمم المتحدة فإنه يحاول الانتقاص منه، لأنه حسب وجهة نظره لا يحوّله إلى قاعدة ملزمة ومبدأ من مبادئ القانون الدولي، وهو الموقف ذاته الذي اتخذه بخصوص الإعلان العالمي لتصفية الاستعمار ومنح الأقطار والشعوب التابعة والمستعمرة) حق الاستقلال وتقرير المصير (اعلان تصفية الكولونيالية لعام 1960).
واستناداً إلى هذا المنطق يذهب فاينبرغ للقول بفكرة العدالة العليا والعدالة السفلى، وذلك بافتراض تنازع حقّين، فينبغي ترجيح الجهة الأكثر ضرراً ويعني بذلك اليهود، حتى لو كانت الجهة الثانية متضررة ويعني بذلك العرب، لعدم إمكانية تطبيق العدالة المطلقة، فالأمر يتطلّب تضحية من جانب الطرف الأقل تضرراً. وعليه فلا بدّ من تغليب العدالة العليا، على العدالة السفلى. وهذا يعني ضرورة تحمّل العرب الآلام واجتراحاتهم العذابات، لأن آلامهم وعذاباتهم لا يمكن مقارنتها مع آلام اليهود الجماعية. أي أن العرب والفلسطينيين حتى لو كان معهم الحق، فإن حقهم أدنى من حقوق اليهود.
وحسب فاينبرغ فإن القاعدة القانونية من هذا الاستنتاج الغريب تقوم على أساس ما يلي : في حالة التناقض بين حقين، يجب موازنة مدى الآلام التي تصيب كل طرف، وعلى الطرف الذي آلامه أقل أن يتخلّى عن حقوقه لمصلحة الطرف الأكثر آلاماً، أي رجحان كفة الصهيونية في فلسطين على العرب الذين لديهم وطناً عربياً شاسعاً وأراضي واسعة وممتدّة بين قارتين في حين إن اليهود بلا وطن.
أما ناحوم غولدمان، فإنه يؤكد على مبدأ " الحق الأعلى" ويستشهد بقول حاييم وايزمان " إن الصراع بيننا وبين العرب ليس صراعاً بين الصواب والخطأ، بل بين حقّين، وحقنا (اليهود) هو الأعلى" ويضيف على ذلك بقوله لنا الحق الأعلى لسببين: الأول- ديني غيبي، إذ لا يمكن التفكير بالتأريخ اليهودي دون أرض إسرائيل، وسبب آخر هو أن فلسطين لا تقوم بدور حاسم في حياة العرب الذين يمتلكون مساحات واسعة".
الاستعمار الإنساني
وهناك فقيه إسرائيلي آخر اسمه يوسف جوئيل يدعو الشعب العربي الفلسطيني لقبول فكرة الاستعمار الإنساني (الاحتلال الواقعي)، ويعتبر أن مجرد مطالبته بحقه في تقرير مصيره ورفضه للاحتلال الإسرائيلي يعني رغبته في تدمير شعب آخر (الشعب اليهودي)، فكيف يمكن أن يحصل على حقه في إبادة الشعب اليهودي.
أما مناحيم بيغن وخلال مفاوضاته مع الرئيس المصري محمد أنور السادات، فلديه فكرة غريبة، تقول إن فكرة عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة هي فكرة غير قانونية، في الحالة المصرية الخاصة بسيناء (قبل استردادها في العام 1982)، لأن مصر هي التي بدأت حرب (حزيران/يونيو) في العام 1967، وهو ما يذكره محمد حسنين هيكل، ويضيف على ذلك إن بيغن أخرج كتاباً من حقيبته في القانون الدولي، وأخذ يقرأ منه نصوصاً، وهي بالطبع تتعلق بالقانون الدولي التقليدي وليس بالقانون الدولي المعاصر والقانون الدولي الإنساني.
إن فكرة الاستعمار الإنساني والاحتلال الواقعي القائمة على نظرية القوة في العلاقات الدولية Theory of Power، استهدفت منها إسرائيل الحصول على شرعية لتغيير التركيب السكاني والواقع القومي للمناطق العربية وبسط سيطرتهم الاقتصادية ونهب الثروات والمصادر الطبيعية، وهي ما قامت به منذ العشرينات ولحد الآن.
الأمة العالمة اللاّمكانية
الفكرة الثانية هي الأمة العالمية اللاّمكانية، وكان قد انشغل به انعام رعد، لاسيّما باطلاعه على أفكار دهاقنة الفكر الصهيوني، فاليهود حسب وجهة النظر هذه حيثما يكونون ينتمون إلى أمة واحدة بالرغم من اختلاف اللغة والعرق، ويبرّرون إنهم قاوموا " خطر" الاندماج والتذويب.
وينطلق هذا المفهوم من تعريف هيرتزل الأب الروحي للصهيونية للأمة، بقوله : أنا لا أطلب من الأمة، لغة مشتركة واضحة وجليّة، فإن تعريفاً متواضعاً وبسيطاً، يكفي لأجل الأمة. نحن وحدة تاريخية من أناس ينتمون أحدهم إلى الآخر بصلة واضحة وجليّة وتبقى لحمتنا بحكم وجود العدو المشترك.
الأمة حسب هيرتزل: جماعة من الناس، ذات ماضي تاريخي مشترك وانتساب واضح إلى الحاضر الذي تتوحد فيه لوجود عدو مشترك. ووفقاً لذلك يطلق الآيديولوجيون الصهاينة مصطلح الأمة اليهودية اللاّمكانية Exteritoriale Nation The Jewish على يهود العالم أينما كانوا، أي خارج نطاق المكان والأرض، مع إنه ليس لهذه الأمة أرض مشتركة أو لغة مشتركة أو مزاج نفسي وثقافي مشترك أو مصالح اقتصادية مشتركة.
يفغيني يفسييف
وقد وردت مثل تلك الآراء عند يفغيني يفسييف الذي كنّا قد قرّرنا دعوته إلى المنطقة، بالتعاون مع الدكتور جورج حبش، لكن الأحداث مرّت سريعاً، وإذا به يوجد مقتولاً في إحدى ضواحي موسكو، بعد أن طرد من معهد الفلسفة التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، لاتهامه بمعاداة السامية بسبب رفضه للصهيونية وانتصاره للحقوق العربية .
وكان ي. يفيسيف قد انتقد السياسة الرسمية السوفيتية وخطأ الموافقة على قرار التقسيم محدداً مسؤولية ذلك على ستالين الذي ارتكب الذنب وليس المواطنون السوفييت. وفي مقابلة له مع جريدة الثورة السورية (نُشر الجزء الأول منها ولم ينشر الجزء الثاني، في 9 شباط (فبراير) 1988) يتعرّض للتخريب الصهيوني داخل الحركة الشيوعية، حيث يقول: ومن المعروف إن الصهاينة تسلّلوا إلى الكومنترن، وشاركوا في أعماله تحت ستار "شيوعيين"، ولديّ أبحاث في هذا المجال، وعلى سبيل المثال لديّ بحث حول اللجنة التي ترأسها لينين للمسألة القومية وقضايا الاستعمار (الأممية الشيوعية الثالثة – المؤتمر الثاني 1920) حيث جرت معركة عنيفة بينه وبين بعض الصهاينة "المتشيوعين" الذين خاطبوه بقولهم: نحن أمميين وثوار، والعرب إقطاعيين ومتخلّفين ولا أمل في تقدمهم ، ونحن قوى ثورية وعلينا الانتشار بين العرب وعلى أراضيهم للتطور هناك نحو الاشتراكية...
ويمضي يفيسيف قائلاً لقد كانت وزارة الخارجية السوفيتية (إبان تأييد قرار التقسيم) مليئة بكوادر شيوعية من اليهود وكان ليتفينوف نائب وزير الخارجية بينهم، وجميعهم أيدوا فكرة تأسيس الدولة اليهودية، فالصهيوني وغير الصهيوني، جميعهم كانوا مقتنعين بتلك الفكرة، وحسب رأيه إن الصهيونية كانت وراء ذلك.
لقد تعرّض يفسييف قبيل وخلال فترة البريسترويكا والغلاسنوست (إعادة البناء والشفافية) في عهد غورباتشوف مثل غيره من المناضلين ضد الصهيونية إلى حملة تشويه، خصوصاً عندما طويت اللجنة الاجتماعية السوفيتية لمناهضة الصهيونية، باعتبارها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري التي أسّسها الزعيم السوفييتي أندروبوف في العام (1983)، وكان لوفاته السريعة والدراما الروسية التي حصلت برمشة عين، قد أنعشت القوى الصهيونية ، التي فرضت بالتعاون مع واشنطن، نظام الهجرة السوفيتية إلى إسرائيل، والذي وصل إلى مليون مهاجر يهودي سوفييتي دعماً للمشروع الصهيوني.
ويعتبر ي . يفسييف من أكثر الكتاب والأكاديميين السوفييت ممن كتبوا ضد الصهيونية ومن كتبه الصهيونية: الحقيقة والاختلاقات (1980) (إشراف) ، كتاب الصهيونية العالمية: الآيديولوجيا والممارسة (1978) ، العنصرية تحت النجمة الزرقاء (1988) والصهيونية في الاتحاد السوفييتي (1991) والصهيونية: فكراً وسياسة، والفلسطينيون شعب لا يقهر وغيرها.
وكان هو وزميلته غالينا نيكيتا قد اعتبرا قرار التقسيم غير عادل وكذلك سيرغي سيرغييف الذي نشر بحثاً بعنوان الصهيونية أداة بيد الأوساط الامبريالية العدوانية في كتاب " القضية الفلسطينية : العدوان والمقاومة وسبل التسوية".
كانت الهجرة السوفيتية اليهودية شغلاً شاغلاً لإنعام رعد، واعتبرها الجزء المنشّط الأخير للمشروع الصهيوني الذي تأسس بعد مؤتمر بال، من خلال وعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، عن آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى والموجّه إلى اللورد روتشيلد بشأن تأسيس وطن قومي لليهود.
والثاني قرار مؤتمر سان ريمو في 25 نيسان (ابريل) 1920 القاضي بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، والذي صادق عليه مجلس عصبة الأمم في 24 تموز (يوليو) العام 1922 وتضمّن نصاً بتنفيذ وعد بلفور.
والثالث إشراك بريطانيا المجتمع الدولي لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية، وذلك بعرضها قضية فلسطين على الأمم المتحدة، بعد قيامها، للتنصّل من مسؤولياتها بعد أن هيأت كل المستلزمات لقيام دولة إسرائيل، حيث ماطلت بمنح الشعب العربي الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإلغاء الانتداب البريطاني، وكان ذلك بمثابة المدخل لصدور قرار التقسيم رقم 181 في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947.
أما الرابع فهو إعلان حق الشعب اليهودي بالانبعاث، وذلك عشية الانسحاب البريطاني وقيام إسرائيل في 15 أيار (مايو) 1948، أي تأسيس إسرائيل بما سمّي زوراً "إعلان الاستقلال" وهو ليس سوى إعلان اغتصاب جزء مهم وأساسي من الأرض الفلسطينية.
الخامس- عدوان 5 حزيران (يونيو) العام 1967 والتراجعات التي أعقبته من قبول قرارات مجلس الأمن 242 و338 وصولاً لصيغة كامب ديفيد والصلح المنفرد 1978-1979، بعد زيارة السادات للقدس، وقد خصص إنعام رعد كتاباً خاصاً عن "كامب ديفيد وملاحقه الأوروبية والأمريكية"، صدر في العام 1980.
السادس- العدوان على لبنان العام 1982 وقبل ذلك الحرب العراقية – الإيرانية وتداعياتها في إضعاف وشقّ التضامن العربي 1980-1988، وصولاً إلى الحرب على العراق العام 1991 بعد غزو الكويت العام 1990، تمهيداً لاتفاق أوسلو العام 1993 وبداية تراجعات عربية شاملة.
" أبدية الساميّة"
وقد نظر رعد إلى الزعم الفقهي والسياسي الإسرائيلي حول "أبديّة الساميّة"، باعتباره جزء من الآيديولوجيا العنصرية، فقد حاول هيرتزل أن يتّهم جميع الشعوب باللاّسامية ومعاداة اليهود، وذلك في كتابه " دولة اليهود" حيث جاء فيه " الشعوب التي يعيش اليهود بين ظهرانيها أما ضمنياً أو صراحة، لا ساميّة، وإن اليهود ، هم شعب واحد جعلهم أعداؤهم كهذا وبدون موافقتهم، كما يحدث مراراً وتكراراً في التاريخ، فاللاّساميّة من وجهة نظر الصهيونية تعتبر اليهود أمة منفصلة، لا يمكن لأفرادها، الأندماج بالشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها.
إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الصادر في 10/11/1975 باعتبار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، هو جوهر رسالة وموقف إنعام رعد، بزعم تمثيل المنظمات الصهيونية، يهود العالم، والانغلاق ورفض غير اليهود إليها، وعلاقتها الوثيقة السابقة مع جنوب أفريقيا ونظام الابرتايد والتنكّر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وهو ما عبّرت عنه غولدا مائير بوضوح عندما قالت " إنني لا أريد دولة ثنائية القومية، دولة اضطر فيها إلى أن أكون في قلق دائم: ترى هل الطفل المولود يهودي أم غير يهودي"؟.
ثالثا- إنعام رعد: صديقاً وشريكاً
تعّرفت على إنعام رعد في مطلع الثمانينيات، واجتمعت معه في بيروت ودمشق، واشتركنا في أكثر من مناسبة وفعّالية، ولكن علاقتنا الحقيقية والصداقية اغتنت وتعزّزت على قاعدة معاداتنا للصهيونية.
كنت أود أن أضع عنواناً لهذه المداخلة، هو "الصهيونية القاتلة هي التي وثقت علاقتي مع إنعام رعد"، لكنني استثقلته، وقلت ربما سيستشكله البعض، فأخذت النصف الثاني لأضع مع الصهيونية القاتلة " المقاوم النبيل"، ولكنني في نهاية المطاف حسمت الأمر بالإضاءة على إنعام رعد كسياسي لامع ومفكر سوري قومي اجتماعي رائد، ومثقف إشكالي واسع الإطلاع والمعرفة.
تأسيس اللجنة العربية لدعم القرار 3379
وللحكاية طرف آخر وتاريخ آخر، فقد كنت قد اقترحت في ندوة اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين العام 1986 في دمشق، الذي أتمتع بعضوية شرف فيه، حشد الجهود العربية الرسمية والشعبية للحيلولة دون إلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية 3379 الصادر في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1975، وكنت قد نشرت نصّه في كتابي "الصهيونية المعاصرة والقانون الدولي" العام 1985، حينذاك راجت حملة دولية لإعدام القرار 3379، ووقع 800 شخصية عالمية سياسية وثقافية ودبلوماسية وفنية وأدبية تطالب بذلك، وقد تلقّى الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم رسائل بهذا الخصوص.
وكان الدكتور جورج جبور من أثار موضوع تشكيل لجنة لمتابعة الأمر. والتقينا في ناصية الشارع قرب ساحة عرنوس جورج جبور وأنا، وبعد تداول في الأمر قرّرنا دعوة عدد من المهتمين بإطلاق المبادرة، وكانت تسميتها قد جاءت من اقتراح جبور، " اللجنة العربية لدعم قرار الأمم المتحدة 3379"، والهدف هو حماية هذا القرار الذي يشكّل نقضاً للعقيدة السياسية لإسرائيل ويشكّك بشرعية وجودها، فضلاً عن اتهامها بالعنصرية والتمييز العنصري في إطار يخالف قواعد القانون الدولي المعاصر والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ثم دعونا بضعة أصدقاء ومهتمين (مفكرين وناشطين) للانضمام إلى اللجنة التي أعلن عن تأسيسها، وكان في مقدمتهم، إنعام رعد ، وناجي علوش وصابر محي الدين وسعدالله مزرعاني، وعبد الفتاح يونس وعبد الرحمن النعيمي وعبد الهادي النشاش، وغطاس أبو عيطة وغازي حسين، وهو من المتحمسين الأوائل لدعم الفكرة والمشروع، إضافة إلى جورج جبور وعبد الحسين شعبان.
تأسست اللجنة في العام 1986 واختير جورج جبور رئيساً لها بالإجماع، وإنعام رعد وعدد آخر نواب للرئيس. وتم اختيار أمين عام للجنة هو كاتب السطور.
عملت اللجنة 3 سنوات وأصدرت كتباً وكراريس وعقدت ندوات ومؤتمرات، ومن أهم منجزاتها إدراج مسألة مساواة الصهيونية بالعنصرية في قرارات مؤتمر القمة الإسلامية في الكويت العام 1987، وذلك بمخاطبتنا الرئيس حافظ الأسد، الإيعاز للوفد السوري بتبني المشروع، وهو ما حصل بالفعل، وقد صدر النص الذي اقترحناه، حيث تم اعتماده من المؤتمر.
خلال السنوات الخمس تلك أجرت اللجنة مقابلات مع عدد من المسؤولين العرب والفلسطينيين ومراسلات عديدة مع شخصيات عامة ووازنة، وكان الهدف من ذلك التنسيق والتعاون للقيام بجهد عربي موحّد على هذا الصعيد للحيلولة دون إعدام القرار، الذي حدّد موعداً له نهاية العام 1990 حسب هيرتسوغ الرئيس الإسرائيلي الذي انتخب في العام 1986، وكان حين صدر القرار ممثلاً لإسرائيل في الأمم المتحدة وقام من على منصتها بتمزيق القرار معتبراً إياه مدعاة للاشمئزار .
تطوّرات سلبية
وقد حدثت تطورات سريعة كلّها سلبية لصالح إلغاء القرار، في ظل غياب جهد عربي مشترك، ومن هذه التطورات: انهيار الكتلة الاشتراكية التي كانت تقف إلى جانب العرب، وإعادة علاقاتها بالتدريج مع إسرائيل، بل إن بعضها منحها الأولوية في العلاقة بعد سقوط الأنظمة الشمولية وتراجع نحو 30 دولة أفريقية قطعت علاقاتها سابقاً مع إسرائيل بين العام 1967-1973 وما بعده، عن قراراتها تلك، واحتلال العراق للكويت العام 1990 بعد الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت ثمان سنوات.
وما إن وضعت اللمسات الأخيرة لتفكيك الاتحاد السوفيتي وتحرّكت عجلة مؤتمر مدريد (أواخر شهر تشرين الأول/اكتوبر/1991)، حتى تم إمرار القرار القاضي بإلغاء القرار السابق 3379 بعد أن تم أخذ موافقة الطرف العربي الأكثر تضرراً كما يفترض من الموضوع، ومهادنة دول عربية أخرى، وحصل ذلك يوم 16/12/1991، وكان بمثابة انتصار أشد عاراً من الهزيمة (وهو عنوان مقال كتبه في حينها في جريدة القدس العربي/ لندن).وإذا كان مثل هذا الحدث انتصاراً للصهيونية، فهو صفعة للضمير الإنساني ولحقوق الإنسان ولقيم الحرية والمساواة وحق تقرير المصير.
كان إنعام رعد يومها حزيناً ومتكدّراً، وقد هاتفته فيها لنعزّي أحدنا الآخر مثلما تحدّثت مع الدكتور جورج جبور الذي ظلّ القرار شغله الشاغل، ولعلّه اعتبر إلغاء ذلك القرار التاريخي، والسماح بهجرة اليهود السوفييت من أسوأ الخطوات التي أثّرت في الصراع الدولي.

تمنيتُ أن يكون رعد معنا في ديربن
كنت أتمنى لو كان إنعام رعد حيّاً ليتابع كيف هزمت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة في مؤتمر ديربن (جنوب أفريقيا) في العام 2001، حين دمغت نحو 3000 منظمة دولية الممارسات العنصرية لإسرائيل، وكان ذلك بمثابة إحياء جزئي لفكرة القرار 3379، لكن ذلك النصر السريع سرعان ما تبدّد هو الآخر، فالعرب الذين حصلوا على القرار 3379 استكانوا وناموا، في حين اشتغلت الصهيونية ليل نهار حتى تحقّق لها ما أرادت، حين اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بإلغاء القرار المذكور، وبنسبة تصويت أعلى من التصويت عليه في السابق (حيث حصل القرار 3379 على 72 صوتا مقابل 36 صوت وامتناع 32، أما قرار إلغائه فحصل على 111 صوتا مقابل 25 وامتناع 13وغياب 15.
وتلك إحدى مفارقات السياسة بشكل عام والسياسة العربية بشكل خاص، وهو ما كان يحزن إنعام رعد ويؤرقه. وبالفعل فقد استطاعت الصهيونية وحلفاؤها أن تنجح في مؤتمر العنصرية الثاني (جنيف) وفي ذات المبنى الذي صكّ فيه وثيقة الانتداب على فلسطين المتضمنة الإشارة إلى وعد بلفور، من تغيير مسار القضية لصالحها، مستغلة أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية الإجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة، 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بعد أيام من قرارات مؤتمر ديربن.
كما كنتُ أتمنى أن يكون إنعام رعد حاضراً ليشهد هزيمة إسرائيل التي اضطرّت إلى الانسحاب مجبرة من جنوب لبنان بفعل المقاومة الوطنية والتضحيات التي قدمتها على هذا الصعيد، والتي ارغمت إسرائيل على الإنسحاب في العام 2000، وكنت أتمنى لو كان إنعام رعد معنا حين قابلنا السيد حسن نصرالله وهو مستبشر بذلك الانتصار التاريخي.
كنتُ أزور أبا عصام بين حين وآخر، وكم من مرّة دعاني للكتابة في مجلة الحزب ونشر لي أبحاثاً فيها، وبعد مغادرتي دمشق كنت في كل زيارة لها أضع في برنامجي زيارة إنعام رعد واللقاء به، وغالباً ما كان يصرّ على أن أتذوّق طعامه وحلوياته، فقد كان يكرم ضيفه ويحسن استقباله مع زوجته السيدة ليلى داغر رعد وكان إنعام رعد حضارياً ومتمدناً وتقدمياً في حياته وسلوكه الاجتماعي.
ظلّ همّه الأكبر، هو كيف يمكن أن نواصل مشوارنا، لاسيّما بعد تغيير اسم اللجنة إلى " اللجنة العربية لمناهضة الصهيونية والعنصرية"، لكي يتم لها التحرك الأوسع وعدم حصرها بالقرار 3379 الذي لم يعد موجوداً، وكان هذا اقتراح إنعام رعد الذي أخذت به اللجنة، كما اقترح إنعام رعد وغازي حسين الاتصال بعدد من الشخصيات المهتمة بالموضوع في البلدان العربية الأخرى لعقد مؤتمر موسع أو تشكيل عدد من اللجان للأهداف نفسها، وهذا ما حصل في مصر والأردن ولبنان والمغرب.
وبعد صدور كتابه " الصهيونية الشرق أوسطية" اتفقنا على عقد ندوة له في جامعة ساوس في لندن، واتصلت بالجامعة وبعدد من المعنيين على أساس التحضير المناسب، وذلك بعد زيارة قام بها للولايات المتحدة إذا لم أكن مخطئاً، لكن الأمر لم يحدث، ولم يتمكن رعد من المجيء إلى لندن.
وفيما بعد عقدت في إطار المنظمة العربية لحقوق الإنسان ملتقى فكري حول القدس وحقوق الإنسان، ودعوته إليه رعد، ولكن لا أدري ولا أتذكّر ما الذي حال بينه وبين الحضور، حتى وافته المنيّة حيث كان يعالج في الولايات المتحدة في 8 آذار (مارس) العام 1998 ولم نتمكّن من تحقيق رغبته في إلقاء محاضرة أو أكثر في بريطانيا. وكنت قد أصدرت كتاباً عن سيناريو محكمة القدس الدولية العليا العام 1987 في قبرص وأبدى رعد إعجاباً به، وقد تحدثت عنه في ندوة مشتركة في دمشق، بمناسبة اندلاع الانتفاضة الفلسطينية أواخر العام 1987.
إنعام رعد شجرة باسقة تحتاج إلى من يهزّها ليتصلّب عودها وتثمر، وامتلك لغة جميلة وجملة رشيقة وقلماً أنيقاً وكان يحسن استخدام الحرف الذي يفوح منه أحياناً عطر الأديب، حتى وإن كان يكتب بأشد المواضيع السياسية تعقيداً.وهو بأخلاق فارس مقاوم نبيل، وكان دائماً ما يستعيد قول أنطون : إن الحياة وقفة عز فقط!!
• الأصل في هذه المادة محاضرة ألقيت في دار الندوة في بيروت بدعوة من مؤسسة إنعام رعد الفكرية يوم 12/10/2015



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوان العراق
- سرديات الحداثة الدينية في فكر السيد فضل الله
- كريم الملاّ- سردية الاختلاف ونبض الائتلاف
- جوهر الأزمة العراقية
- جدلية الثقافة والوعي
- علي كريم: أول الفلسفة سؤال!
- مفارقات السياسي والأكاديمي
- ورطة العبادي
- الحرب الباردة الجديدة
- بصمة حقوق الإنسان
- الفساد والحوكمة والتنمية
- تظاهرات العراق: من أين لك هذا؟
- فن الضحك والسخرية في أدب أبو كَاطع
- رصاصة الفراشة وصورة «إسرائيل»
- الديموغرافيا والجيوبوليتكا.. «المعجزة اليهودية الثانية»
- موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟
- قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم
- قتل المسلمين.. مسألة فيها نظر
- ماذا بعد ال«لا» اليونانية؟
- «النووي الإيراني».. هزيمة أم انتصار؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - عبد الحسين شعبان - إنعام رعد : يقينيات السياسي وتأمّلات المفكّر