|
المثقف الشعبي الفلسطيني !!!
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 4957 - 2015 / 10 / 16 - 07:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اليابان العظمى ضربت بالقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية، والإمبراطور أعلن استسلامه، وقام بتوقيع اتفاقية الاستسلام التي نصت على تجريد اليابان من قوته العسكرية وحرمانها من الصناعات العسكرية. ماذا فعل أذكياء اليابان ؟! بكل بساطة فهموا أن العدالة هي حق الأقوى، وأن على الأضعف أن يخضع لشروط الأقوى. لم يكن لدى اليابان فصائل تتبنى خرافة المقاومة العنيفة، ولا تفجيرات المدنيين ( بعد درس بيرل هاربر الانتحاري الرهيب ). كان كل ما فعلوه أنهم قرروا التفوق في ميادين العلم والصناعة والاقتصاد، احترموا المعلم وأعطوه المكانة التي يستحقها كصانع للعقول، فكان لليابان ما كان من التفوق والازدهار وللشعب الياباني كل السعادة والرخاء والرفاهية. لكن ماذا عن شعبنا الفلسطيني ؟! ماذا عن المثقف الشعبي والقومي والوطني والإسلامي ؟! لقد رفض التسليم للأقوى، وقرر أن يحرر فلسطين من أعتى قوة عسكرية في العالم وهو مجرد من السلاح ! رفض التقسيم عام 1947 باعتباره خيانة وطنية عظمى، راهن على ما أسماه العمق القومي والإسلامي، فإذا بالدول العربية والإسلامية تطبع علاقاتها مع إسرائيل علناً ( مصر والأردن ) أو سراً ( دول الخليج والمغرب ). المثقف الشعبي لم يقيم أي وزن للتفوق العسكري والتكنولوجي الأمريكي والغربي والإسرائيلي، بل قاوم بصلابة وبلا يأس، فاغتال وفجر وطعن ودهس، ومع كل اغتيال أو طعن أو خطف كان الشعب يهلل طرباً بالانتصارات الآنية. المثقف الشعبي الفلسطيني لا يقيم وزناً للموت الرهيب ولا لهدم المنازل، ولا للحصار الاقتصادي، ولا لمنع السفر، ولا لفقدان العلاج، ولا يهم المثقف الشعبي إن أصبحنا معزولين عن العالم، مطاردين، مسجونين في معازل ومخانق، مطاردون في مطارات وموانيء العالم كالذئاب المتوحشة. المثقف الشعبي قام بإقناع نفسه وإقناع غيره أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، من دون أن يفهم حتى مفهوم القوة وعلاقتها بالحداثة والمعاصرة والتقدم ! قمنا بالتصفيق لطلقة عيلبون، وهللنا طرباً لخطف الطائرات، واحتفلنا باغتيال الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونخ على مرأى ومسمع من العالم دون خجل أو وجل ! لم نتعلم من الدروس، ولا من الموت الزؤام، لم يهمنا هدم المنازل وتشريد الناس، لم يهمنا المعاقين والجرحى، لم يلقي المثقف الشعبي بالاً للفقر ولا للبطالة التي أصبحت تقرر مصير بقاء أو رحيل الأحزاب الحاكمة في الغرب. فالأهم من كل هذا حدث دهس درامي، أو مشهد سكين مغروزة في رأس أحد المحتلين، دون أن نفهم ونعي ونحلل بأن العالم من حولنا غير مستعد لتبرير العنف ولا الوحشية. ولكي لا يفهم القاريء أنني أعفي الإسرائيليين وقواهم اليمينية والمتخلفة والعنصرية من التسبب بكل العنف، ابتداء من السطو المسلح على أرض فلسطين دون وجه حق، إلا أن المعركة العادلة تحتاج أيضاً إلى وسائل عادلة وشريفة. المعركة كلها كانت تدور منذ النكبة، على مشروعية دولة إسرائيل، مقابل مشروعية النضال الوطني الفلسطيني، فماذا كانت النتيجة ؟؟؟! بكل صراحة نحن خسرنا المعركة بكل جدارة، فإسرائيل قدمت للعالم المتحضر أبحاثها العلمية والتكنولوجية. ساهمت في العلوم الحديثة، ورغم الجدل حول " ديمقراطية " إسرائيل، إلا أن من يحكم إسرائيل هي صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة، ولديهم حرية رأي واعتقاد لدرجة أن البروفيسور شلومو ساند قام بنشر كتاب مقتضب عنوانه ( كيف لم أعد يهودياً ؟! ) ولم يقتل، لم يصلب، لم تقطع أطرافه من خلاف، وظل يمارس مهنته كأستاذ محاضر في جامعة تل أبيب. أتحدى أن يقوم أي مسلم بكتابة شيء مثل ( كيف لم أعد مسلماً ) ويبقى على قيد الحياة !!! المثقف الشعبي أقنع نفسه وضلل غيره، بأن العالم كله يساند الخطأ، ويدعم الاحتلال، وأن منطق العالم كله أعوج، ولم يكلف نفسه بأن يفتح بوابات الفكر على مصاريعها. فهل هذا صحيح ؟؟! لا يا سادة، العالم لا يساند الاستيطان والاحتلال مثلاً، بدليل حملات المقاطعة الواسعة لإنتاج المستوطنات في الدول الغربية المتقدمة، لكن هذا العالم نفسه، لا يفهم أن يتباهى الشعب الفلسطيني بمشهد السكين المغروزة في رأس مستوطن !! هل تذكرون صورة الطفل السوري ( الكردي ) كيف جلبت تعاطف القارة الأوروبية بأسرها مع اللاجئين السوريين ؟؟! الإعلام الذي يستهتر مثقفنا الشعبي به، رفض كل التفجيرات ضد المدنيين الإسرائيليين، ورفض الطعن والدهس ويرفض العنف من حيث المبدأ، ولكنه يرفض الاستيطان والاحتلال، وهنا المشكلة. نحن لم نتعظ ولم نتعلم من تجربة غاندي في الهند، ولم نتعلم دروس مقاومة الفصل العنصري والأبارتهايد في جنوب أفريقيا. العالم من حولنا ليس مهماً فقط، بل قد يحسم المعركة برمتها كما حدث في جنوب أفريقيا ( النووية ) !! قبل يومين شاهدت منشورا على الفيسبوك لأحد الزملاء، ينتقد فيه كل من لا يستخدم التقويم الهجري باعتبار ذلك تخلي عن الإسلام، حيث التقويم الميلادي ( مسيحي ) والتقويم الهجري ( إسلامي ) مع تجاهل كامل للفروقات العلمية بين التقويم القمري والشمسي .. كتبت ما يشبه الرد على المنشور، فهاجمني صاحب المنشور مورداً ما تيسر له من الآيات القرآنية التي تؤكد بأن التقويم القمري فرض إلهي لا يمكن مناقشته !!!! لقد هزمتنا قوى التخلف، وخسرنا التحضر، وخسرنا العلم، وقبل ذلك وبعده، خسرنا حرية الرأي والاعتقاد، كما خسرنا في المعركة أخلاقنا، فلم نراعي مشاعر العالم من حولنا، ولم نراعي أن الدولة اللقيطة رسخت صورتها في العالم كدولة ديمقراطية متقدمة، بينما ظل مثقفنا الشعبي يرفض تبني التقويم الشمسي، رغم أن أقدس مقدسات المسلمين وهي الصلاة خمس مرات، تسير وفق حركة الشمس وليس القمر ! فإذا كان العرب والمسلمون لا يمكنهم المفاضلة العلمية والفلكية بين التقويم القمري والشمسي، فهل يمكنهم حسم معركة الرأي العام العالمي لصالح قضاياهم ؟؟! لكن ما هي قضاياهم حقاً ؟؟! الحيض والنفاس وبول البعير ومغموس الذباب واعتبار الموسيقى مزامير شيطان ؟؟! التقدم الحضاري لا يهم .. البطالة لا تهم .. انتشار الفقر لا يهم . الجهل والتعصب لا يهم .. التخلف لا يهم .. فقدان العلاج لمرضى السرطان لا يهم .. أبحاث الهندسة الوراثية لا تهم .. تصور قوة الصواريخ الموجهة أمام الحجر لا تهم .. يا مثقفنا الشعبي اذهب .. فالتاريخ لن يسير وفق أهواء وأوهام .. قد تتمكن من حصد اللايكات الكثيرة لعملية دهس أو طعن أو هجوم بلطة، لكن كل النظام التربوي والتعليمي المتخلف في فلسطين لن يكون قادراً على الحصول على جائزة نوبل واحدة !
دمتم بخير
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الأنروا لم تنتهي بعد !
-
غزة والموت بلا مقابل
-
الأنروا من مؤسسة دولية إلى مؤسسة عربية !
-
لماذا تبرئة إسرائيل وبريطانيا من المسؤولية ؟!
-
عن طلائع التحرير الفلسطينية واليهودية !
-
أضواء على مؤامرة وكالة الغوث !
-
حول تصفية ملف اللاجئين والقضية الفلسطينية
-
جمهور غوغائي وعنصري !
-
عن دواعش إسرائيل مرة أخرى !
-
رأي آخر في مسألة تحرير الأوطان من المستعمرين !
-
فساد السلطة وبيع المنح الدراسية لغير مستحقيها: هل من نهاية ؟
...
-
الحقيقة الصادمة !
-
شكرٌ وتقدير للحوار المتمدن وكتّابه وقرائه !
-
لماذا يجب المطالبة بدولة واحدة ؟؟!
-
من فرنسا إلى القدس: وخطيب الأقصى داعشي أيضاً !!!
-
مطلوب حل السلطتين وجميع الفصائل بلا استثناء !
-
حسن الرضيع والحوار المتمدن !
-
عمّال غزة بين حكم الغوغاء والحصار الصهيوني !
-
بعد اليونان: مطلوب استفتاء فلسطيني !
-
نظام التوجيهي المتخلف متى ينتهي ؟!!
المزيد.....
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
-
تحقيق لأسوشيتد برس: حملة قمع إسرائيلية ضد الفلسطينيين المقيم
...
-
خبير فرنسي: هذه هي الإدارة الأكثر معاداة للفلسطينيين في التا
...
-
واشنطن بوست: معاد للإسلام يعود للبيت الأبيض
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|