توخاتشيفسكي..المجزرة العسكرية وموسم قطاف الرؤوس!(4)

ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 4956 - 2015 / 10 / 15 - 20:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

"هذا مصيري يصيح بي،
ويجعل كل عرق صغير في الجسد،
صلبا عاتيا كعروق الاسد...
-هاملت-


بعد اقل من اسبوعين على اعتقال توخاتشيفسكي ورفاقه العسكريين،وفي11حزيران1937جرت محاكمة صورية مغلقة(سرية)وسريعة كما امر ستالين.واوردت الصحف خبرا عن تلك المحاكمة يومها،وفي اليوم التالي نشرت اخبارا عن الاحكام التي صدرت ضد المتهمين في تلك القضية الباطلة والمتجاوزة قانونيا في تجنيها وتعسفها.كانت المحاكمة شكليةولم تستغرق الا وقتا قصيرا،وتفتقر للحد الادنى من الالتزام القانوني،وحقوق المتهمين من:دفاع،ونفي للتهم،وانعدام الادلة الحقيقية،وانعدام العدالة والجور الواضح.فقد بدأت صباحا في الساعةالتاسعة،لتنتهي ظهرا بأتخاذ القرار-والذي كان جاهزا،واصدره ستالين قبل هيئة المحكمة!-..
وراء منصة القضاء جلس ممثل المحكمة،والادعاء(القانوني)العسكري الاكثر اجراما اورليخ-الذي كان يصدر مئات الاحكام بالاعدام بدم بارد ضدابرياء،وقرر مصائرهم ظلما!-.
كانت هيئة المحكمة تتكون من كبار الضباطنوكما ذكرنا تمت المحاكمة دون دفاع او حق الرد او الطعن من قبل المتهمين،وحسب القانون الذي اصدره ستالين في1/12/1934 الذي يمنع ذلك!.
توخاتشيفسكي وزملاءه جلسوا مقابل رفاقهم العسكريين،وكان الجميع يعرفون بعضهم البعض جيدا،ولم يكن لدى اي واحد من اعضاء المحكمة ادنى تصور او تصديق بأن رفاقهم هؤلاء الجالسين امامهم والذين يحاكمون على تهم:"التآمر"و"التجسس"و"الخيانة"!.
كان توخاتشيفسكي متعلقا بأمل واهي،بأن يستمع له رفاقه السابقون،والذين قضوا معه في الجيش الاحمر ماينيف على عقدين من السنين في متراس واحد في الحرب الاهلية،وان يحكموا ببرائته ان لم يكن احقاقا للعدل،فعلى الاقل من اجل التقاليد العسكرية والزمالة،والعلاقات الحزبية الرفاقية.ولكن هذا كان في حكم المستحيل،فستالين بلد وجمد كل حس انساني وشل الضمير لديهم،بما زرعه من خوف ورعب من بطشه وانتقامه!.
في المحكمة كان يجب تواجد مسؤول التفويض السياسي في الجيش"غامارنيك"وبأمر من ستالين:اما كعضو في المحكمة،وان رفض فكمتهم!!!.
-الطاعة والولاء المطلق للقائد هذا ما كان يفرق بين البراءة والادانة،ومايقرره ستالين هو المعيار الوحيد لتحديد مصائر الناس!-.
تحدثت ابنة غامارنيك"كوتشنيفا"بعد سنين عن موت ابيها قائلة:"في نهاية شهر ايار مرض والدي اما من احساسه بالنهاية،او من معاناته من مرض السكر،لقد علم(كما اخبرتني والدتي فيمابعد)بأعتقال توخاتشيفسكي يوم27 ايار،وفي29منه اعتقل ابوريفيتش وياكير ومسؤولون عسكريون اخرون.في30اتى بلوخير الى والدي.كانا يعرفان بعضهما جيدا من الشرق الاقصى.وتكلما كثيرا حول موضوع ما.بعدها قال ابي لوالدتي بانهم يعرضون عليه ان يكون عضوا في المحكمة في قضية توخاتشيفسكي،"لكن ،كيف استطيع فعل ذلك"-صرخ والدي-"فأنا اعرف انهم ليسوا اعداء..بلوخير قال ان انا رفضت سيعتقلوني".في31ايار اتى بلوخير من جديد لوقت قصير،وبعدها اتى عدد من الاشخاص وشمعوا خزنة والدي،واعلموه انه مطرود من عمله،واعتقل مساعداه اوسيبيان وبلين.وامروه ان يبقى في البيت.ماان ذهب جماعة مفوضية الشعب للشؤون الداخلية،حتى سمعنا عيارا ناريا في غرفة والدي..عندما هرعنا انا وامي كان كل شيء قد انتهى!.اعتقد انه اطلق النار على نفسه ردا على اقتراح ستالين بأن يكون عضوا في محكمة تحاكم رفاقه العسكريين.كان وقتها لايستطيع اكثر من ذلك.بعدها اعتقلوا والدتي وسجنوها8سنوات كزوجة"عدو الشعب"منذ ذلك الحين لم ارها ابدا،حسب التبليغ ماتت في معسكر الاعتقال عام1943.ارسلوني الى دار الايتام.بعد بلوغي سد الرشد سجنت لمدو6سنوات ك"عنصر اجتماعي خطر"وبعد ذلك نفيت"
ان ما ذكرته كوتشنيفا يدعو للتأمل في ذرى العدل الانساني وقمم النبل الاخلاقي،والتي تدعو للاعجاب والدهشة،لندرتها في التاريخ حيث لم يتحقق احترام الانسان وتمتعه بالحقوق الا في حقبة ستالين العظيم!!!.
كان مصير عائلة غامارنيك التراجيدي واحدامن مصائر الملايين من مواطني الاتحاد السوفييتي في زمن الازدهار الستاليني!!.
فجرائر المحكومين المزعومة جورا لم تشمل اولئك التعساء الحظ والمصير،بل امتد وطال عوائلهم واقربائهم واصدقائهم!فأعداء الشعب يتوارثون ذلك في جيناتهم،من الاباء الى الابناء ومن ثم الاحفاد!!.فستالين كان قاريء جيد للعهد القديم والانتقام والثأر يجب ان يلحق بالاجيال المتعاقبة!!!.
في واحدة من التحقيقات التي خضع لها توخاتشيفسكي شارك فيشنسكي فيها بنفسه،ليجبره على كتابة:"ليس عندي شكوى"تحت عبارة:"اعترف بأنني مذنب".
ولكن الشكاوى قدمت من قبل جميع المتهمين الى ستالين ومولوتوف وفورشيلوف،والتي طلبوا فيها الرأفة بهم والعفو عنهم.
وكان جميع رفاق توخاتشيفسكي قد تعرضوا ل"تعامل خاص":التعذيب،التخويف ،التهديد بعوائلهم،والعذاب النفسي والجسدي دون رادع!.وقد تمكنوا من اقناعهم بان اعترافاتهم بالتحقيق ستساعد في الابقاء على حياتهم
استسلم الجميع لمصيرهم.وقبل اصدار الحكم،قابل يوجوف واولريخ ستالين وقدموا له التقارير عن سير المحاكمة،وسلوك المتهمين فيها.وببرود وضع اولريخ على طاولة ستالين قرار الحكم،وبدون ان ينظر اليه ستالين،اكتفى بالقول:"موافق"ثم عاد ليسأل بعد فترة صمت:
_ماذا قال توخاتشيفسكي في كلمته الاخيرة؟.
اجاب يوجوف:_السافل يقول انه مخلص للرفيق ستالين،ويلتمس العفو.كان الظاهر انه يتحايل وانه لايملك سلاحا اخر.
_وكيف سارت المحاكمة،وكيف تصرف اعضاءها؟.سأل ستالين.
اجاب يوجوف:_بوديني كان فعالا،واعضاء المحكمة الاخرون التزموا الصمت،وجه كل من بلوخير والكسنيس،واعتقد بيلوف،سؤالا او اثنين..
منذ البدء كان ستالين يضع علامات استفهام وتراوده الشكوك بأعضاء المحكمة،لذا امر بتشديد المراقبة وتكثيفها طيلة الوقت عليهم!.
اعتقل كاشيرين واثنان من اخوته بعد ايام من المحاكمة واعدموا،وبعد فترة سيعتقل الجميع بأستثناء بوديني وشابوشينكوف.
كانت المصائر البشرية تقرر بالظن والتعسف الاعتباطي من قبل ستالين،لتستمر ،بفاعلية ونشاط،شفرة المقصلة بقطع ودحرجةالرؤوس!!!.
...................................................
وعلى الاخاء نلتقي...

#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين