هرمز كوهاري
الحوار المتمدن-العدد: 1359 - 2005 / 10 / 26 - 12:35
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
دارت في الايام التي سبقت صياغة الدستور، مناقشات وندوات ولقاءات واجتماعات ومجالس وفي الصحف والفضائيات وحتى المقاهي!
من مختلف الفئات والمذاهب والقوميات ، كلها بصدد صياغة الدستور والاسس التي سيعتمد عليها أعضاء اللجنة الدستورية ومن يساعدهم في ذلك .
وأكثر المشاكل التي واجهت المكلفين أ والذين إستعانوا بهم هي مدى التزام الدستور بالشريعة الاسلامية ، وفيما إذا تعتبر الشريعة المصدر الرئيس للدستورأو أحد مصادره .إضافة الى موضوع الفيدرالية وتفاصيله. وهنا سأقتصر الموضوع على العلاقة بين الدستور والشريعة.
من الحجج التي يتحجج بها الاسلاميون وخاصة رجال الدين من المذهب
الشيعي !إن أكثر من( 90 % )من الشعب العراقي يدينون بالاسلام ! إضافة الى أن الدين الاسلامي دين الرحمة و السماح ،ويقصدون بهذا أنه يمنّون ! على غير المسلمين بالتسامح والرحمة !! في ظل الشريعة السمحاء! ونسوا أو تناسوا أن حقوق غيرهم ، أي حقوق الاقليات الدينية هي حقوق طبيعية وليست منحة من أحد ، أو من فئة الى فئة أومن الاخ الكبير الى الاخ الصغير!!.
إن لائحة حقوق الانسان هي فرض على كل دولة من المجتمع الدولي ،
وان كان عدد افراد أية أقلية بعدد أصابع اليد الواحدة !! وليست موضوع سماح وتسامح وأن هذه الشريعة سمحاء وغير سمحاء! حتى إذا وجد فردا بوذيا واحدا أو مجوسيا واحدأ له حقوق ما لغيره تحت بند " المساوات بين العراقيين كافة ، ولم يقل المساوات بين المسلمين وغير المسلمين ، والنص جاء مطلقا بغض النظر الى قوميته أو دينه أو طائفته وليس المساوات في الحقوق فقط بل في الواجبات أمام قانون مدني واحد ، كذلك المساوات في تكافئ الفرص وفق معايير واحدة متساوية أمام النظام والقانون .
هذا من ناحية ومن الناحية الثانية أو ردّا على حجّة( 90 أو 95 % ) من الشعب العراقي يدين بالديانة الاسلامية ، أقول أن الدول أو الشعوب الاروبية عندما فصلوا الدين عن الدولة ربما كان( 95 إن لم نقل 99 % )من تلك الشعوب يدينون بالديانة المسيحية ! الا أن معركة تلك الشعوب لم تكن ضد الدين بالذات ، بل ضد تدخل و سيطرة رجال الدين في حياة الناس البسطاء أو المتاجرين في الدين كالحكام وغيرهم وفي امور لاتمت الى جوهر الدين بصلة ، وحتى العلماء والمفكرين منهم كانوا يكفّرونهم في أبحاثهم ونظرياتهم وخير مثال على ذلك العالمان( غاليلو و كوبرنيكوس) .
كان رجال الدين يفرضون سيطرتهم بشتى الحجج والذرائع ، والدين ليس ملكاً لاحد ، أو لرجال الدين ، حيث كانت الكنيسة تفرض سيطرتها وتتدخل في شؤونهم العامة والخاصة .
إن نجاح تلك الشعوب في التخلص من سيطرة رجال الكنيسة على مقدّراتهم كانت ثورة إجتماعية لا تقل أهمية وخطورة عن الثورة الصناعية ، لا بل كانت سببا مهما ورئيسا لتقدم وتطور الثورة الصناعية ، تلك الثورة التي لا زالت مستمرة حتى الآن ، وعمّت فائدتها على جميع أرجاء المعمورة بما فيهم الشعوب الاسلامية نفسها ، حيث لا يوجد شعب إسلامي واحد لايستخدم التكنولوجية بداية من المواصلات حتى الانترنت !. قال أحدهم في إحدى الندوات "إننا أخذنا من الغرب من إسفلت شوراعنا ، حتى البرامج الكومبيوترية في مكاتبنا !" ومن الكهرباء الى الملابس والسلاح،و..و.. !
ولا زالت كل الشعوب تستفيد من ذلك التطور بإستخدام تلك التكنولوجية شاءت أم أبت ، كل الشعوب بما فيها الاسلامية منها ، و نعرف حق المعرفة أن تلك الشعوب أي الاروبية لم تتخلى عن الدين ، بدلالة أن أي شخص بإمكانه أن يذهب الى ا لكنيسة أوالجامع أو أي معبد آخر متى ما شاء ، أو يرفض الذهاب اليها بناءً رغبته دون أي تدخل أو أي خوف من جانب الدولة ، أو رجال الدين وذلك إنطلاقا من مبدأ حرية العقيدة والدين وبإمكان أية أقلية مهما قل عددها إقامة شعائرها الدينية على ألا تتعارض تلك الشعائر مع النظام العام ، لان طاعة النظام العام واجب على الجميع ، ولأن بنظر المجتمع أن الدين حق وليس واجبا أو فرضاً أو إكراهاً، إستنادا الى القاعدة الاساسية في كل الاديان وهي: [ لا إكراه في الدين ] لأن الدين إيمان وقناعة ،وإن التظاهر بالدين نتيجة الََضغط والاكراه ، دون قناعة وإيمان ، ليس تديّن بل أقل
ما يقال عن ذلك إنه غش وتحايل على الدين و على من أجبره على ذلك . !!
وهو كفر بحد ذاته .
إن تطور شعب ما يقاس بمساحة الحرية التى يتمتع بها ذلك الشعب
والشفافية التي تمنع أو تحد من تسلط فئة حاكمة على الشعب ، سواء كانت حرية سياسية أودينية ، وفي الاخص حرية المرأة . إن هذه الحريات تنظمها القوانين العامة الشاملة لكل المجتمع بغض النظر عن دينه أوقوميته أوطائفته .
ورداً آخر ، على أن أكثرية الشعب من الديانة أو الفلانية أو المذهب الفلاني ، اقول : لنرجع الى العراق قبل سقوط الطاغية ،حيث أن( 90% ) أو يزيد من البعثيين هم مسلمين وأن( 100 %) من أعضاء حزب الدعوة مسلمين أيضا ، أي كلاهما يدينان بعقيدة دينية واحدة ،ولم تتمكن تلك العقيدة من جمعهم في جبهة واحدة ، في الوقت الذي جمعتهم العقيدة السياسية مع غير المسلمين أي مع الاحزاب المسيحية ودول علمانية ولم تقف معهم الدول الاسلامية!! في جبهة ضد الدكتاتورية ، أي أن الاحزاب الاسلامية جمعهم وفرقهم المبدأ السياسي وليست العقيدة الدينية ! .
أن الفكر السياسي المنبعث من المصالح الاقتصادية الطبقية هو أساس التآلف والاتفاق بين الاطراف وليس الفكر الديني ، وبإمكان المرء أن يأت بعشرات من الامثلة الواقعية والملموسة بهذا الخصوص.
إن أطراف المعارضة السياسية العراقية منذ بداية التسعينات وبمختلف قومياتها ومذاهبها وعقائدها الدينية إلتقوا حول المبدأ السياسي والاساسي وهو مبدأ الديموقراطية والتعددية والفدرالية ، وضمان حقوق كافة أفراد الشعب العراقي دون تمييز في الدين أوالقومية أوالمذهب أو المنطقة أو العشيرة ولم يلتقوا على أساس المذهب أوالدين . ولو طرح كل طرف من الاطراف عقيدته أو مبدأه الديني لما حصل الاتفاق ولما وصلنا الى ما نحن فيه الآن ولما وصلت الاحزاب الاسلامية على سدة السلطة !.
والان ما يهدد بالانقسام والتخاصم هي المذاهب الدينية ، وأرجو ألا اّيتطور ذلك الى أكثر من التلاسن والاتهامات المتبادلة ، أن التسويات الوقتية لا تحل المشكلة إلاّ إذا عولج الموضوع علاجاً جذريا ،[ وهو فصل الدين عن الدولة] ومن يرفض ذلك يجد نفسه في تناقض قد لايفهمه ، كذلك الاسلاميين يغطون أعمالهم وتجاوزاتهم بالعقيدة السمحاء ! كي لايكتشف الديمقراطيون في العراق والعالم تجاوزاتهم غير المقبولة !! .
إذاً ، ليس أمام العراقيين في كتابة دستورهم أو تعديله الاّ على مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والتعددية والفدرالية وتفاصيلها .
. ويكون الدين لله والدستور للشعب !
.
_ يتبع _
#هرمز_كوهاري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟