أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ما العلمانية؟














المزيد.....

ما العلمانية؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4953 - 2015 / 10 / 12 - 15:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



حين تسمع شخصًا لطيفًا يقول: “لعنةُ الله على بني علمان، وبني ليبرال"، فاعلمْ أنه لا يعلم شيئًا عما يلعن، بل يعاني من فائض لعنات وشتائم يودّ لفظَها من جوفه، حتى تهدأ أمعاؤه. إياك أن تغضب، وتسدد له لكماتٍ مرتدّة، بل اصبرْ عليه حتى يهدأ. ثم اشرح له مبتسمًا أنه لا يوجد شخص اسمه "علمان"، ولا "ليبرال"، حتى يتناسلا، ويكون لهم بنو أبيهم. أولئك ضحايا عقود طوال من التجهيل العمديّ على أيدي لصوصٍ كبار، احترفوا تزييف المصطلحات وإلباسها أثوابًا كذوبة، منبتّة الصلة بالتعريفات الحقيقية الصحيحة.
إنما يقصدون بلعناتهم: "الليبرالية liberalism ، والعلمانية secularism" وهما مصطلحان سياسيان اجتماعيان شديدا البراءة، لو كانوا يعلمون. فالليبرالية كانت أولى زهور عصر التنوير الأوروبي بعد قرون الظلام وفاشية الملوك ورجال الدين الذين دعموا حق الملوك الإلهي في الحكم وتوريث الأبناء مزايا المُلك، فجاءت الليبرالية لتنادي بحق المواطن الطبيعي في الحياة الحُرة والملكية الخاصة وفق نظرية العقد الاجتماعي الذي يرفض اضطهاد الحكومات للمواطنين واستلاب حقوقهم. فاستبدل الليبراليون الديمقراطيةَ، بالحكم المطلق لفاشية الطواغيت الديكتاتورية. الليبرالية تدعو إلى دستورية الدولة، والحكم الديمقراطي، والانتخابات الحرة النزيهة، واحترام حقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد، ودعم الملكية الخاصة والسوق الحر. الليبرالية تدعم حرية الإنسان فكريًّا وعَقَديًّا بما لا يدخل في مساحة إيذاء الآخرين، وإلا وقع في قبضة القانون. هل فيما سبق مشكلة؟ لا والله، كلا البتّة.
وأما العلمانية، فهي فصل الحكومة والسلطات السيادية السياسية عن سلطان رجال الدين، أي دين. تعني عدم إجبار أي إنسان على اعتناق معتقد بعينه، وكفل حرية اعتقاده دون الانتقاص من حقوقه كمواطن. تعني أن تقف الدولةُ على مسافة متساوية من الأديان كافة، وعدم تمييز المواطنين على أسس عَقَدية أو دينية أو طائفية. تعني اعتراف الدولة بأن للمواطنين جميعهم حقوقًا دستورية متساوية وعليهم واجبات دستورية متساوية، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية. تعني عدم الخضوع لابتزاز المؤسسات الدينية، لأن المواطنة عَقدٌ بين المواطن ووطنه، أما العقيدة فهي شأنٌ خاص بين الإنسان وربّه، لا يصحُّ أن يتدخل فيها آخر. ولئن عادت جذور العلمانية إلى قدامى الإغريق، إلا أن مفهومها الحديث نشأ كذلك في عصر التنوير الأوروبي كردّة فعل رافضة لهيمنة الكنيسة الكاثوليكية على المجتمع وما استتبع ذلك من قرون الظلام والاضمحلال القروسطية التي جثمت فوق صدر أوروبا إلى أن تحررت منها مع انتعاش الفكر وإدراك الإنسان لقيمته الفردانية ورفضه تصدير رجال الدين لأنفسهم كمندوبين للسماء وظلال الله على الأرض. العلمانية ليست ضد الدين، بل ضد الاتجار بالدين. العلمانية تعني أن تقفَ الدولةُ دون تحيّز على مسافة متساوية من الأديان كافة. فلا تميّزُ طائفةً على طائفة في الحقوق أو الواجبات. فالكل أمام القانون سواءٌ. العلمانية تحترم كافة الأديان وتنادي بحرية المرء في اختيار دينه دون أن تُنتقَص حقوقه كإنسان كريم في وطنه. العلمانية هي فصل الدين عن السياسة. لأن الدين ثابتٌ والسياسة متحولة. الدين مقدّس وسام، والسياسة لعبة برجماتية ميكياڤ-;-يلية. العلمانية هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الدين لأنها تجعل الحكومات تقف على الحياد منه بدلا من العبث به؛ كما فعل الإخوان وكما يفعل المتأسلمون اليوم لاقتناص كراسي الحكم بالتدليس واختراع أقوال لم يقلها الُله لخداع البسطاء الذين لا يعرفون من الدين إلا القشور. هل فيما سبق مشكلة؟ لا والله، كلا البتّة.
من أين إذن أتى الفهم المغلوط للمصطلحين السابقين؟ جاء بسبب دجّالين أفاقين شوّهوا تعريفيهما وروّجوا أكاذيبهم المعرفية لكي يخدعوا الناس فيشترون ولاءهم ويثرون من فقرهم وجهلهم. قال أحدهم، واسمه حازم شومان: “الليبرالية والعلمانية يعني إن أمّك تمشي من غير حجاب"! يالسخافة التعريف وضحالته وبجاحته. وبدلا من أن نضحك معه، ونضحك عليه، صدقه قطاعٌ عظيم من الناس، فكرهوا ما يجب أن ينادوا به ويكرّسوه في دولتهم. واخترع أفاقٌ دجّال آخر نكتة أخرى حين أسمى الليبراليين: “بني ليبرال"، والعلمانيين: “بني علمان". وصدقه البسطاءُ دون أن يسألوه عن الاسم الكامل للسيد ليبرال، والأخ علمان، ولا موطنيهما الأصليين لنتعرف عليهما أكثر ونرسل الزهور إلى قبريهما!
لا تُعِرْ عقلَك لمضِّلل يعبث به، ولا تستعرْ عقلَ مضلّل ليفكر لك. بل اقرأ وثقّفْ نفسَك، وكُن عقلَ نفسِك.

فاطمة ناعوت
المصري اليوم



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سجينة طهران
- السلطان قابوس والاستنارة
- حزب النور سنة 1919
- السيف والرمح والقرطاس والقلم
- المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
- أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة
- الأوغاد لا يسمعون الموسيقى
- حوار شامل مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت حول التيارات المتطر ...
- صباحُ الخير يا زينب
- الكارت الخائب
- أنا أغنى امرأة في العالم
- مسيحيو حزب النور
- بيان إلى السلفي ناجح إبراهيم من فاطمة ناعوت
- إحنا آسفين يا خروف!
- مرة واحد فكّر، طق مات ( حوار تليفزيوني مع كاتب)
- شهداءُ من أبناءِ زايد
- موت أمي
- طفلُ البحر... لا أحدَ يريده!
- دموع مريم، قضية أمن قومي
- لماذا يكرهون هذا الرجل؟


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - ما العلمانية؟