أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد -1- البداية















المزيد.....

عهد قديم وعهد جديد -1- البداية


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4951 - 2015 / 10 / 10 - 18:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فتحت عيني على الحياة في بيت ليست المسيحية فيه هوية فقط، إنما نمط حياة. تعود بي الذاكرة الى هذا البيت القديم في لبنان المبني ربما في أواسط أو نهاية القرن التاسع عشر والمحفور في أسفل الجبل. هناك في هذا البيت المتواضع ذات الحيطان المصنوعة من الطوب والتي يقارب سمكها المتر، أذكر أول ما أذكر جدي لأمي، جالسا في غرفة النوم على سريره، فيما جدتي ومن شاء أن يشاركه الغرفة من أفراد العائلة كان ينام على سرير مواز وكنبة قديمة. كان سرير جدي مواز للشباك الذي يطل على الجبل في المقلب الآخر من القرية، فيما البيوت التي تغطيها أشجار التوت خاصة والتين والعنب والكرز عامة تقبع هادئة بين الجبلين. هناك كان جدي يجلس على سريره، محاطا بالكتاب المقدس وكتب أخرى قديمة تعود في معظمها للقرن التاسع عشر والقرن العشرين. كانت صفحات هذه الكتب الصفراء وغلافها الجلدي القديم والممزق أحيانا ورائحتها الغريبة تثير انتباهي. كان جدي يجلس على سريره معظم الوقت يمضي وقته في الصلاة والقراءة مرددا صلوات على الطقس الارثوذكسي، وعندما كان ينطلق المؤذن داعيا الناس للصلاة، كنت أرى جدي يرتل معه "الله أكبر، ألله أكبر..." .

كانت تنشأتي كاثوليكة بحكم انتماء والدي الديني. ارتدت مدارس للراهبات والرهبان الكاثوليك من صغري وحتى بلوغي الخامسة عشرة. كانت حصص الدين تجتذبني وتحثني على التفكير في أمور الحياة. هناك كانت بداية معرفتي بيسوع. رأيته من خلال السامري الصالح والراعي الصالح والطبيب الذي يشفي المرضى مجانا.وأذكر أول ما أذكر في مراحل دراستي الابتدائية أن شعورا ما كان ينتابني وأنا أسمع الراهبة تخبرنا عن صلب المسيح. أكثر ما كنت أحاول عمله آنذاك هو تصوير المسيح في القبر أو على الصليب. لكن رسومي كانت دائما دون المطلوب. إن كان جدي بكتبه القديمة أثار فيّ فضول المعرفة، إلا أن المدرسة الكاثوليكية استثمرت هذا الفضول ووضعتني وجها لوجه في مواجهة الكتاب. هناك كانت رحلتي الاولى في عالم الكتاب والادب العربي والعالمي عامة والفرنسي خاصة. هناك عشقت الورقة والقلم.

كان خالي آنذاك ملتزما بالمذهب الانجيلي. كنت أجلس الساعات أسمعه يناقش جدي في الايمان المسيحي والاختلاف بين الطوائف والعقائد. كانت لهذه النقاشات تأثير كبير فيّ إذ علمتني ألا آخذ الامور على سبيل المسلمات. كنت استمع لكلا الطرفين، أقيّم الكلام، أمحصّه وأدخل أحيانا في النقاش مهاجما أو مدافعا. كانت هذه المرحلة من حياتي أساسية إذ فتحت عيني على الرأي والرأي الآخر. أخرجتني هذه المرحلة من قالب التعصب الاعمى كي تسمح لي بأن أسائل وأطلب أجوبة.

كنت في طفولتي أستقي المسيحية من المدرسة والعائلة والانجيل. أحببت يسوع. كنت أراه واعظا على الجبل بينما أنا واحد من الجموع وكانت كلماته ترن في أذني "أحبوا أعداءكم، أحسنوا الى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم..." كنت أفرح عندما أسمعه يطوّب الجياع والمساكين "طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْبَاكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ. طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ، وَإِذَا أَفْرَزُوكُمْ وَعَيَّرُوكُمْ، وَأَخْرَجُوا اسْمَكُمْ كَشِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ. اِفْرَحُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَتَهَلَّلُوا، فَهُوَذَا أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاءِ. لأَنَّ آبَاءَهُمْ هكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ." كذلك كنت أشعر بالعدل وهو يهاجم الظلم في شخص الظالمين " وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ عَزَاءَكُمْ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبَاعَى، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ." وبعد نهاية العظة على الجبل، كنت أرى يسوع يطعم الجموع مجانا، يشفى المرضى، يقيم الموتى، يواجه الفريسيين والكتبة، كيما ينتهي به المطاف على الصليب ظلما.

كنت وحتى بداية شبابي أعرف العهد القديم من خلال القصص التي وصلتني من المدرسة والعائلة. كانت معرفتي بالعهد القديم مقتصرة على قصة الخلق، وقتل قايين لهابيل، وبرج بابل، وطوفان نوح، وقصة ابراهيم وهو يقتاد اسحاق للتضحية به، ولقاء يوسف بأخوته بعد أن باعوه، والخروج العبري من مصر الى ارض الموعد، إضافة الى قصة المبارزة بين جوليات الفلسطيني وداوود الفتى. وفي آطار حبي للقراءة، ابتدأت آنذاك أتصفح العهد القديم. ابتدأ العهد القديم يثير فيّ تساؤلات كثيرة. فيسوع الذي عرفته على صفحات العهد الجديد كان غائبا عن صفحات العهد القديم. لم أر هناك ما يوازي الموعظة على الجبل. لم أر بين الناس، على صفحات العهد القديم، من يهتم لمعاناة الناس، بل الكل يهتم بنفسه ولنفسه. أثار فيّ العنف الموجود في العهد القديم موجة من الرفض، ليس ضد العنف فحسب، إنما ضد ثقافة العهد القديم أيضا. ابتدأت أتساءل عن صحة وقيم العهد القديم. كيف لنوح أن يسكر ويتعرى ويعاشر ابنتيه؟ كيف يمارس يهوذا الزنى مع كنته؟ كيف يشرّع الله لقتل النساء والاطفال وإبادة شعب بأكمله؟ كيف يمارس داوود الزنى مع بتشبع زوجة اوريا الحثي ومن ثم يقتل رجلها الذي كان على خطوط المواجهة مع العدو ويتزوجها؟ كيف يسمح الله بالطلاق في العهد القديم، فيما حرمه في العهد الجديد؟ هل تغيّر الله؟ كيف يسمح الله بالعبودية في العهد القديم؟ كيف يسمح بتعدد الزوجات وماينتج عنه من ضيم للمرأة؟ كيف؟ كيف؟ كيف؟؟؟ أثارت كل هذه التساؤلات القلق فيّ حتى ابتدأت مواجهة علنية مع الدين. كنت ما زلت أحب يسوع، لكنني لم أستطع أن أجمع بين يسوع والعهد القديم، كما أن محاولة الفصل بينهما مستحيلة إذ أن يسوع نفسه صادق على العهد القديم قائلا "ما جئت لأنقض بل لأكمل".

تقدمت بي الحياة. ناقشت الكثيرين ولم أقتنع بأجوبتهم. عشت شرخا في حياتي. جانب ما فيّ يتمسك بيسوع لما يمثله بالنسبة لي من سمو في الاخلاق وانسجام مع منظومة حقوق الانسان التي ظهرت في القرن العشرين والتي كنت مؤمنا بها ومدافعا شرسا عنها، وجانب آخر يرفض القبول بالكثير من المبادئ التي أوحى بها العهد القديم. كانت الاجوبة قليلة وغير مقنعة، لذلك قررت وضع هذا الامر على رف ما في ذاكرتي متعهدا عدم فتح ملفه ما لم أحصل على إجابة ما. وهكذا كان، انطلقت على دروب الحياة باحثا عن مستقبلي، مفتشا عن لقمة العيش، مصارعا في حلبة الحياة، مؤمنا بحقوق الانسان، أشق الطريق ناجحا حينا وفاشلا أحيانا.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع الثائر 10 - الخاتمة
- إنها الحياة-6- كلب على لائحة الشرف
- يسوع الثائر-9- يسوع والانسان
- يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير
- يسوع الثائر-7- نقد للتقاليد
- يسوع الثائر-6- رجال الدين
- إنها الحياة 5- الجنون فنون
- إنها الحياة 4- حرب البندورة
- إنها الحياة 3- شحاد ومشارط
- يسوع الثائر-5- رجال الدين
- إنها الحياة 2
- لبنان يا قطعة سما
- يسوع الثائر-4- من هو يسوع؟
- يسوع الثائر 3 مارتن لوثر كينغ والمسيح
- إنها الحياة 1
- يسوع الثائر 2 غاندي والمسيح
- أرجوكم،لا تكسروا زجاج السيارة!
- أتعهد بأن أحبك حتى الموت
- يسوع الثائر 1 تعريف الثورة
- قصة حب


المزيد.....




- وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي ...
- وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي ...
- كاتس يهاجم غوتيريش مجددا: يقود سياسة معادية لإسرائيل ولليهود ...
- ماما جابت بيبي يا أطفال..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- بلينكن: السنوار كان مسؤولا عن أكبر مذبحة ضد اليهود منذ المحر ...
- استعلم عن تردد قناة طيور الجنة للاطفال بجودة عالية جدا مع اب ...
- ‏المقاومة الإسلامية تقصف مستعمرة زفلون بصلية ‏صاروخية كبيرة ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن رصد تحركات جنود العدو الإسر ...
- خاص| ماذا قال مساعد القائد العام للجيش السوداني عن الإسلاميي ...
- غرفة عمليات المقاومة الإسلامية تصدر البيان التالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد -1- البداية