مثنى صلاح الدين محمود
الحوار المتمدن-العدد: 4951 - 2015 / 10 / 10 - 12:58
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
تناقلت وكالات الانباء خبر اعلان المانيا عن تخصيص مبلغ 670 يورو (حوالي 750 دولار حسب سعر الصرف الجاري) لكل لاجيء يصل الى المانيا. ووضعت الحسابات الرياضية لاحتساب الثروة التي يجنيها اللاجيء القادم الى المانيا مع اسرته والنعيم الذي ينتظره في هذا البلد. ولابد هنا من ازالة سوء الفهم الكبير لهذا النبأ.
كما هو معروف يسود في المانيا نظام الحكم الفدرالي، اي باختصار هناك حكومة مركزية وحكومات الولايات (16 ولاية) وزعت بينها الواجبات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا ... وماليا. وهنا بيت القصيد. لكل ولاية ميزانيتها المالية الخاصة بها والتي يتم بواسطتها تغطية تكاليف المهام المناطة بها. وتعتبر مهمة الاهتمام باللاجئين قانونيا من صلب مهام الولايات الاتحادية من حيث توفير السكن والمأكل والمشرب والعناية الصحية والاجتماعية والتربوية واجراءات الاندماج.
والآن وبعد اقبال جحافل اللاجئين على اوروبا، المانيا والسويد والنمسا خاصة، فاقت التكاليف اعلاه امكانيات الولايات الاتحادية ماديا وماليا وتنظيميا. اذ من المتوقع ان يزيد عدد اللاجئين الذين سيحط بهم الرحال في المانيا وحدها 800 ألف لاجيء. وهنا طالبت حكومات الولايات الاتحادية الحكومة الاتحادية المركزية بمشاركة اكبر في تغطية التكاليف الناجمة عن هذا الوضع الشاذ "غير المتوقع".
نتيجة لهذا الضغط الشديد بعد اجتماع القمة بين مسؤولي الولايات والحكومة المركزية تمت الموافقة على تخصيص مبلغ 670 يورو شهريا تستلمها كل ولاية عن كل لاجيء تستقبله ويدخل ضمن مسؤوليتها للفترة التي يتم خلالها البت في طلب اللجوء (حوالي 5 أشهر). لا يستلم اللاجيء من هذا المبلغ وفقا لقانون اعانات اللاجئين سوى ما يتراوح بين 25 و45 بالمائة وذلك حسب الحالة الزوجية والاعمار. وهو مبلغ ضئيل لا يكفي لسد متطلبات حياة كريمة في المانيا ويقل حتى عن حجم الاعانات والخدمات الاجتماعية التي يحصل عليها المواطن الالماني الذي يعيش عند حد الفقر الادنى. علما ان مستوى المعيشة في المانيا واوروبا يفوق الى حد كبير مستوى المعيشة في العراق مما يقلل الى حد بعيد من القيمة الفعلية لهذه المخصصات.
للعلم ... هناك هوة ساحقة ومتزايدة بين الفقراء والاغنياء في المانيا ناجمة عن طبيعة النظام الاقتصادي الراسمالي السائد فيها. ففي حين يكدس الاثرياء الاموال يزداد عدد المواطنين، بالاخص الاطفال والطاعنون في السن، الذين يلجؤون الى ما تديره المنظمات الخيرية من اسواق الملابس والحاجيات المستعملة وبقايا الخضروات والفواكه الكاسدة وما تسمى بـ "مطابخ الحساء" للحصول على وجبة طعام ساخنة مجانا او لقاء سعر زهيد. ناهيك عن نسبة البطالة التى تزداد اذا ما شملت البطالة المقنعة ايضا.
وللتقليل من الاقبال على المانيا "طمعا" بخيراتها وافق البرلمان على عدة اجراءات "وقائية" لابعاد اللاجئين عنها. فتقرر التعجيل والتشدد في البت في طلبات اللجوء وتحويل الاعانات من نقدية الى عينية لفترة من الزمن. علاوة على ذلك وبسبب العجز البالغ في توفير اماكن السكن الصالحة والمناسبة لهذا العدد الضخم من اللاجئين خلال فترة قصيرة يتم حاليا ايواء اللاجئين الجدد اضطرارا في القاعات الرياضية الكبيرة والمرافق والقاعات الاخرى التي يسكن في كل منها حاليا تحت سقف واحد مئات من البشر، نساء واطفالا ورجالا، ليناموا على أسِرّة جنب بعضهم البعض مع كل ما يترتب عن ذلك من عواقب نفسية وضيق وانعدام ظروف الحياة الشخصية وقلة في المرافق الصحية ...
ولا يقتصر تشديد اجراءات قبول اللاجئين على المانيا فقط، بل يمتد الى دول الاتحاد الاوروبي كافة ليشمل الرفض االتام والانفتاح النسبي لايواء اللاجئين. وتقرر في لقاء قمة الاتحاد الاوروبي الاخير نهاية الشهر الماضي بفتح مراكز لتسجيل اللاجئين في كل من ايطاليا واليونان كبلدان حدودية خارجية للاتحاد الاوروبي (اتفاقية شينغن). ويتم في هذه المراكز تصفية وغربلة اللاجئين مقدما ومنع من لايستوفي شروط اللجوء من الدخول الى الاتحاد الاوروبي ومن يتبقى منهم يجري توزيعه على احد البلدان الاوروبية. ويعني هذا ان اللاجيء لا يصل الى البلد الذي يريده وحسب رغبته بل يخضع ذلك للصدفة المحضة.
يتباكى الآن المسؤولون السياسيون ويذرفون دموع التماسيح على اوضاع اللاجئين البائسة ويعدون بمعالجة اسباب الهجرة بمحاربة المهربين ودفع الصدقات الى مخيمات اللاجئين في المناطق التي يسودها التوتر لتحسين ظروف المعيشة فيها. لكنهم لا يعترفون بانهم يعالجون ظواهر العِلّة وليس العِلّة نفسها التي تكمن عمليا وبالاخص في بلدان "العالم الاول" الغنية من خلال العولمة والليبرالية الجديدة ونهب ثروات البلدان الاخرى وتلوث البيئة وتصدير الاسلحة وخلق بؤر التوتر والدعم العلني والمستور للدكتاتوريات لحماية المصالح الكولونيالية الجديدة . ولكن لهذا الموضوع حديث جديد.
من حق الانسان اينما كان العيش بأمان وكرامة. ولكن ذلك سيكون باهض الثمن بالنسبة لمن يتوخاهما في المانيا وفي اوروبا عموما.
#مثنى_صلاح_الدين_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟