|
من داروين الى ماركس .. أسرار اليقظة الأنسانية !؟
صادق البصري
الحوار المتمدن-العدد: 4950 - 2015 / 10 / 9 - 14:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من داروين الى ماركس كيف استيقظ الأوربي على إنسانيته ؟ وكيف تكونت أسباب هذه اليقظة ؟
لماذا بقينا متيقظين بدل من أن ننام في اليقين .. الجحيم الحق هو أن تعيش بغير إرادتك مع آخرين لايفهمونك ويحددون حريتك ويضيقون أفقك ..
ببساطة وبعيدا عن التنظير حدث ما حدث بعد أن وعى الأوربي حقيقة ما يحيط به إذ إن أساس استيقاظه هو ما تراكم في وعيه من حقائق ولم يكن وليد الصدفة بل ما تعرض له وبسب ماكان سائدا هو ذلك الوباء الذي طال أمده وأصاب أوربا كل أوربا بمقتل قرون الظلام و يسمى كذلك سلطة الكنيسة وصراع الطوائف الكنسية بين أرثوذكسي وكاثوليكي ويهودي وهلم جرا ، فقد عانى الأوربي كما عانى غيره من بني البشر في بقاع أخرى من هذا الكوكب المليء بالقبح بطغاته وجبابرته وبأمجاد إمبراطوريات ، وسلطة كهنوت يعضدها سفر كبير من الخرافة التي كان همها الأول والأخير سحق إرادة الإنسان المتطلع للانعتاق وفهم العالم على حقيقته بما سيحققه من وعي ، إذ كانت أوربا آنذاك تبطش فيها الحروب والنزاعات وتتصارع فيها الإرادات ويسحق فيها ويستعبد الإنسان ، وكان ما كان من نجدة عظيمة لهذه الشعوب اذ بزغ فلاسفة وعلماء ومفكرون وشعراء وفنانون وأدباء مستقلون أناروا ليل أوربا المظلم بالفكروبانتهاج العلم والحقيقة العلمية لتصحيح الواقع بعيدا عن الخرافة وسلطة الكهنوت ، إذا تابع هذا المبتلى حقيقة ما يصرح به هؤلاء العلماء في التاريخ الطبيعي ومقارناتهم العلمية الصرف بين الإنسان والحيوان إذ هدتهم المقارنة إلى كثير وجوه الشبه بين هذين الكائنين في شتى الجوانب والمظاهر ثم لم يلمسوا فروقا كبيرة بين حياتيهما ، حتى انتهى بهم المطاف إلى اعتبارهما كائنا واحدا واعتبار الصلة بينهما أخيرا صلة فرع بأصل ، لا اقل ولا أكثر ، فكان دارون وكانت نظريته الشهيرة في التطور ، والانتخاب الطبيعي ، وبقاء الأصلح ، وأصل الإنسان ،وتفرع الأنواع وأصل تلك الأنواع ،والتي زلزلت الأرض تحت أقدام رجال الدين وأثارت سخطهم وحركت معهم كل الأفكار الغافية ، الراسبة في اللاوعي الغافي آنذاك ، لم يتبق أذا للإنسان في نظر المأخوذين بالعلم وكشوفه الجديدة تلك القداسة التي كان يتمتع بها من سالف العصور فما هو غير حيوان كسائر الحيوانات التي تدب على أديم هذه الأرض ، فلا معنى ، وهذه حاله لكل ما أحيط به من أساطير وخرافات وأوهام ، تكاثفت في حالة تعشي الأبصار ، وتضل البصائر ، وتحجب حقيقته عن الإفهام والمنطق والعقول ، إن هو بعد كل حساب إلا سلف من إسلاف القرود ترقى في سلم الكائنات ليكون على هيئته الحالية ، هذا كل ما رسب في ذهن الأوربي والغربي واشتهر أمره وفشا في الناس حديثه آنذاك ، وما كان الخطب خطب دارون ونظريته ليشتد ويعظم لو وقف وعي الأوربي عند العلم والبحث العلمي ، وإنما تعداهما إلى انقلاب فكري شامل ، عرض الارستقراطيين وسائر الغاوين والمنتفخين والمتحكمين في رقاب الناس وأموالهم وأعراضهم واستعبادهم لخطر سياسي جسيم ، لأنه إذا صح إن أصل هؤلاء النبلاء والكبراء وذوي الدماء الزرقاء من( النسل الأنجب ) كأصل غيرهم من المساكين والفقراء والرازحين تحت العبودية والعذاب ، فلا معنى لكل ما ينعمون به من امتيازات وقدسية ، ولا داعي بعد لتبجيلهم واحترامهم وطاعة أوامرهم ونواهيهم ، وإذا كانت القرود أجداد الحمالين فهي كلك أجداد اللوردات والذوات من السادة وغيرهم من أصحاب الألقاب والثروات ، تلك هي النتيجة الفكرية التي اهتدى إليها الأوربي حين شاعت الفكرة الداروينية ، وهي نتيجة منطقية لا يمكن دحضها ولا سبيل إلى الوقوف في وجهها ولا طاقة لأحد على مقاومة ذيوعها وانتشارها سيما أنها تفشت وسط مجتمعات تقرأ وتكتب وتتطلع للانعتاق وهذا ما كان ينقص المجتمعات الأخرى التي كانت ولا زالت ترسف بالجهل وتنقاد بالخرافة ، إذ شعر دهاقنة الشرق (العربي والاسلامي )بفداحة خطر هذه الفكرة الداهم فابتدعوا تدريس نظرية التطور في مدارسهم وجامعاتهم على نحو لايمس قداستهم وتقلوا أنها غير واقعية وافتراضية محضة ولا تمت للواقع بصلة وهكذا فهم الدارسون هنا لهذا العلم كونه استزادة غير ملزمة لمواكبة مايدرس في جامعات العالم ومدارسه ، ولكن بصورة مغايرة عن الفهم الحقيقي لتلك الحقيقة تخدم إطالة أمد عفن العقول بما يضمن بقاء سلطة الدين وسيطرتها الأبدية في هذه البقعة ، بضمان بقاء الجهل بأطروحات استهزائية من حقائق العلم واثبات منطق الاعوجاج الأبدي ، وكان نفس الأسلوب السائد آنذاك من أقطاب الكنيسة من جهة ورجال الحكم من جهة ثانية وأصحاب الجاه العريض والثروات والملاكين من جهة ثالثة ، اذ جهدوا آنذاك في مكافحة هذه النظرية العلمية وما سواها من العلوم الخطيرة وتألبوا على القائلين بها والداعين إليها متذرعين للقضاء عليها بكل ما في الدين والتاريخ والفلسفة من شواهد تدحضها ومقررات تناقضها كما حدث ويحدث الآن في شرقنا ودولنا العربية والإسلامية التي تحكم من القاع ، ثم التعتيم عليها لمساسها بوجودهم وتسلطهم الأزلي ، بيد إن مكافحة رهبان أوربا وحماستهم في محو آثارها واستعجالهم في تدارك ما ينجم عنها زاد في قوتها ، ومدها بأسباب الشهرة والذيوع ، فكان الناس كل الناس آنذاك يتحدثون عن دارون وقليل منهم من قرأ واهتم بدراسة أعماله ونقدها وتفهم حقائقها ، في هذه الأثناء أي بينما كانت العلوم الطبيعية واكتشافاتها شغل الأذهان الشاغل للاستيقاظ بزغ نجم عالم اقتصادي أوربي اسمه ( كارل ماركس ) إذ وجه الناس نحو علم جديد هو ( الاقتصاد ) خرج فيه بنظرية لاتقل خطورة في نتائجها عن نظرية دارون وكان مفتتحها هي إن ثروة الأثرياء ليس غبر ما زاد من قيمة العمل ، وأن هذه الزيادة تدخل جيوبا لا تستحقها ، فأثبت بذلك أن لافرق بين إنسان وإنسان ، هناك من حيث الأصل وهنا على يد ماركس ، من حيث الثروة اللهم إلا بالعمل ( فمن لايعمل لايأكل ) . هذان العلمان ( البيولوجي ) – علم الحياة - والاقتصاد السياسي أخذا يعملان بعد دارون وماركس على تقويض الأفكار القديمة ومحو كل ما علق منها في خيال الناس واتجاهاتهم وأعمالهم ، وانصرفت اهتمامات الدارسين والباحثين إليها وتركزت عندهما جهود المفكرين وقامت حولهما قيامة النقاد والمجادلين ، ولم تكن الفلسفة والفنون الهادفة غريبة عن هذه المعارك القائمة بين علماء الطبيعة والحياة من جانب وعلماء الاقتصاد والسياسة من الجانب الآخر ، فقد اخذ المفكرون يولون هذه الدراسات العلمية والفكرية عنايتهم الأولى وانصرفوا إلى الإنسان بعد أن كانوا مأخوذين إلى أبعد حد (( بالعلة والمعلول )) والمنطق والبرهنة على وجود الله ، وطبيعة النفس ومآلها بعد الموت ، وقيمة الزمن ، ومعنى الفضاء والأبراج ، وما إلى ذلك من قضايا غيبية لا تمس حياة الإنسان ومعاناته وواقعه الاجتماعي والمادي مساسا مباشرا ، ومن هنا كانت البداية ، بداية اليقظة وكانت جذورها في بيولوجية داروين واقتصادية ماركس، وإرادية شوبنهاور، ودينامية نيتشه وثبت بما لايقبل الشك بما إن هناك وعياً يرافق الفكر دائماً فان هذا الوعي هو الذي يخلق الذات الانسانية ، وهذا بالضبط ما مكن الأوربي في أن يتيقظ ويسموا بإنسانيته .
************************************************************* صادق البصري / بغداد
#صادق_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نازحون ضمن خارطة وطن ..
-
قصص قصيرة ملونة .. (2)
-
عيد جميل ..
-
تحولات ..
-
سارة زهور .. وحدي المساء أقدم من عويلي
-
لقطات ملونة ..
-
نثار حلم ..
-
حوار العالم السفلي .. صادق البصري سطر مطر.. حاوره حسين علي ي
...
-
أنا هنا منذ الآف العذابات ..
-
أوطان تشد الحقائب ..
-
رهان الموت المجيد ..
-
وحيد كما الجذور ..
-
فراشات الليل ..
-
قل بأسم الله وأشرب كأسك ..
-
مشهد بلون العتمة ..
-
كوكل أيها المبجل ..
-
كان يسطع ..
-
عبر الماسنجر ..
-
احتمالات ..
-
متى .. ؟ امنيات السنة الجديدة ..
المزيد.....
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|