أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (14)















المزيد.....

العرب قبل وبعد الإسلام (14)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4950 - 2015 / 10 / 9 - 11:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (14)
طلعت رضوان
كان عرب ما قبل الإسلام يُـعيّرون خصومهم بأمهاتهم ، فهل تغيّر الوضع بعد الإسلام ؟ الجواب يُـقـدّمه ذلك الحوار الذى دار بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان الذى أطنب فى مدح عثمان بن عفان ، مع التلميح بكبر سنه... إلخ فقال له على : وما أدراك لا أم لك ؟ فقال معاوية : ((دع أمى مكانها.. أمى ليستْ بشر أمهاتكم قد أسلمتْ وبايعتْ النبى)) فى هذا النص فإنّ معاوية يعترف بأنّ أمه (شريرة) ولكنها ((ليستْ بشر أمهاتكم)) مع ملاحظة أنّ الكلام موجـّـه لعلى بن أبى طالب ومن معه من (المسلمين) ومع ملاحظة أنّ ذلك الحوار حدث بعد الموقف البشع واللا إنسانى الذى وقفته أم معاوية (هند بنت عتبة وزوجة أبى سفيان ألد خصوم محمد) ضد حمزة ، حيث حرّضتْ على التمثيل بجثته تمثيلا بشعـًا ، مما دفع النبى محمد أنْ يُـقسم أنْ لو واتته الفرصة فسوف يُـمثل بسبعين منهم (أى من عائلة أبى سفيان والد معاوية)
كان الاتفاق التآمرى تمّ بين قاتل حمزة بن عبد المطلب واسمه (وحشى) وبين هند التى وعدته ب (الحرية) ثأرًا لمقتل أبيها (عتبة) فى غزوة (بدر الكبرى) فانتهز (وحشى) فرصة انهماك حمزة فى القتال ورماه بحربة من خلف.. ولما تأكد من موته.. توجـّـه إلى سيدته.. فلما تيقـّـنتْ من حقيقة الأمر، طغى عليها السرور، وخلعتْ عليه حليها.. ثم أقبلتْ على جسد حمزة وبقرتْ بطنه واستخرجتْ كبده ولاكتها)) (خليل عبد الكريم فى كتابه " النص المؤسس ومجتمعه - السفر الأول – دار المحروسة - عام 2002- ص263) وكان تعليق الراحل الجليل خليل عبد الكريم ((هذا الفعل الشنيع من هند يقطع بأنّ القسوة والتوحش مركوزان فى نفوس أولئك العرب ، مع ملاحظة أنّ (هند) من ذؤابة بنى سخينة (يقصد من العائلات الشهيرة فى القبائل العربية) فما بالك بنسوان العامة فى مكة والبدويات ساكنات الخيام والأخبية ؟ وقارن بين سلوك هذه المرأة المُـفترسة وما سطــّـره التاريخ عن السلوك بالغ الرقى والتهذيب للنساء فى مصر القديمة ، لتــُـدرك الفرق بين البداوة والحضارة ، والهمجية والمدنية ، ومن ثمّ فإنّ المقارنة بينهما مستحيلة)) وبعد ذلك أضاف ((بيد أنّ هند لم تستسغ طعم كبد حمزة فلفظتها)) وكان التفسير الميتافيزيفى لذلك الموقف من هند : أنه لو ابتلعتْ كبد حمزة فهذا معناه أنها ستدخل الجنة.. كما أنه ((من المُـستحيل أنْ تصطلى كبد حمزة بالنار مع أم معاوية ، فى حين أنّ سائر جسده يحظى بالنعيم فى الجنة)) كما قال النبى محمد .
والسؤال الذى تتغافل عنه الثقافة المصرية السائدة هو: ما مصير (وحشى) قاتل حمزة بن عبد المطلب ؟ لقد لاحظ النبى محمد أنّ (وحشى) يتميّز بقدرات قتالية عالية ومهارات مشهود له بها ، خاصة فى استعمال الحراب (جمع حربة) وهى من أدوات الطعان المهمة لدى العرب (قبل وبعد الإسلام) وبالتالى سوف يكون له (أى وحشى) فائدة فى الغزوات ، لذلك تقبل محمد توبة (وحشى) وسمح له بالدخول فى (الإسلام) وكان الحصاد أنّ وحشى قتل مُـسيلمة (الكذاب) رأس وقائد تمرد بنى حنيفة باليمامة ضد دولة محمد فى قريش.. وبعد أنْ قتله وحشى قال : قتلتُ خير الناس (يقصد حمزة) وشر الناس (يقصد مُـسيلمة) وكان ذلك فى خلافة أبى بكر.
أما كيف دخل (وحشى) فى الإسلام فإنّ التفاصيل غاية فى الأهمية خاصة أنها تدخل فى باب (أسباب النزول) وهو الباب الذى يكرهه الإسلاميون والعروبيون ، والتفاصيل رواها ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس الذى قال : أتى وحشى إلى النبى فقال : يا محمد أتيتكَ مُـستجيرًا فأجرنى حتى أسمع كلام الله. فقال الرسول : قد كنتُ أحب أنْ أراكَ على غير جوار، فأما وقد أتيتنى مُستجيرًا فأنت فى جوارى حتى تسمع كلام الله. فقال : فإنى أشركتُ بالله وقتلتُ النفس التى حرّم الله تعالى.. وزنيتُ فهل يقبل الله منى توبة ؟ فصمت رسول الله حتى نزل ((والذين لا يدعون مع الله إلهــًا آخر ولا يقتلون النفس التى حرّم الله إلاّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا)) (الفرقان/ 68) فتلاها عليه فقال : أرى شرطــًا فلعلى لا أعمل صالحـًا.. أنا فى جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلتْ ((إنّ الله لا يغفر أنْ يـُـشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) (النساء/ 48) فدعاه (= محمد) وتلاها عليه. فقال : ولعلى (من لا يشاء) وأنا فى جوارك حتى أسمع كلام الله. فنزلتْ ((قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعـًا)) (الزمر/ 53) فقال : نعم الآن لا أرى شرطـًا فأسلم)) (المصدر: أسباب النزول – الواحدى – ص 227، والسيوطى – ص118) وكان تعليق أ. خليل عبد الكريم أنّ هذه الآيات نزلتْ بناءً على رغبة وحشى قاتل حمزة بن عبد المطلب (أسد الله) وصاحب (المقام المحمود) (النص المؤسس ومجتمعه - ص 262، 263) ويجب ملاحظة أنّ تلك الآيات مُــتفرقة ولم يجمعها سياق واحد فى سورة واحدة ، حيث أنّ الأولى فى سورة الفرقان والثانية فى سورة النساء والثالثة فى سورة الزمر. كذلك يجب ملاحظة جملة وحشى الخطيرة بعد أنْ سمع الآية الأخيرة وجاء فى آخرها ((إنّ الله يغفر الذنوب جميعـًا)) فقال : الآن لا أرى شرطــًا)) فأسلم ، أى أنه دخل الإسلام بشروطه عندما اطمأنّ أنّ (الله) يغفر الذنوب جميعـًا.
وعندما اتهم على بن أبى طالب عثمان بن عفان بأنه يمنح العطايا لأقاربه ، قال عثمان : إنّ رسول الله كان يعطى قرابته)) (الطبرى- تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى للمطبوعات – بيروت – لبنان – ج3- ص382) وعندما اشتـدّتْ معارضة المُــتمردين على سياسة عثمان فى منح العطايا ، قال لهم : إنى أعطيتُ ابن سرح ما فاء الله عليه (هكذا) وإنى إنما نفلته (من الأنفال) خـُـمس ما فاء الله عليه من الخـُـمس فكان مائة ألف . وقد أنفذ ( أى فعل) مثل ذلك أبو بكر وعمر رضى الله عنهما)) أى أنّ عثمان يُـبرّر تصرفاته فى منح أموال النهب الأسطورى من عرق الفلاحين فى الدول المُــتحضرة بما كان يفعله أبو بكر وعمر بن الخطاب . كما أنّ عثمان اتهم المعارضين لسياسته (بالإلحاد) لمجرد أنهم يعترضون على توزيع الغنائم على المُـقـرّبين منه ، وعلى النحو الذى ذكره الطبرى الذى كتب أنّ عثمان ((بدأ ببنى أبى العاص فأعطى آل الحــَــكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف فأخذوا مائة ألف . وأعطى بنى عثمان مثل ذلك . وقسّـم فى بنى العاص وفى بنى العيص وفى بنى حرب.. ولانتْ حاشية عثمان لأولئك الطوائف وأبى (= رفض) المسلمون إلاّ قتلهم وأبى (عثمان) إلاّ تركهم.. فذهبوا (= المعارضون) ورجعوا إلى بلادهم على أنْ يغزوهم مع الحجاج . فتكاتبوا وقالوا موعدكم ضواحى المدينة فى شوال.. حتى إذا دخل شوال من سنة 35 خرج أهل مصر فى أربع رفاق على أربعة أمراء.. وقال البعض أنّ عددهم ستمائة وقال آخرون ألف.. وتظاهروا بأنهم خرجوا للحج وليس للحرب.. وخرج أهل الكوفة فى أربع رفاق. وعددهم كعدد أهل مصر.. وخرج أهل البصرة فى أربع رفاق وعددهم كعدد أهل مصر. وأنّ أهل مصر كانوا يشتهون (الأدق يرغبون) على بن أبى طالب.. وأهل البصرة يشتهون طلحة.. وأهل لكوفة يشتهون الزبير. ودخل اثنان من المُعارضين وتقابلا مع أزواج النبى (أى زوجات النبى) وعلى بن أبى طالب وطلحة والزبير، وقالا : إنما نأتم هذا البيت ونستعفى هذا الولى (= عثمان) من بعض عمالنا أى عزل هؤلاء العمال (الولاة) وقالوا إننا ما جئنا إلاّ لذلك)) وبعد تفاصيل كثيرة كتب الطبرى ((صلى عثمان بالناس أيامًا ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا أحدًا من كلام.. فأتاهم الناس فكلــّـموهم وفيهم على بن أبى طالب فقال : ما ردكم بعد ذهابكم ورجعوكم عن رأيكم ؟ (أى أنّ المعارضين كانوا قد قرّروا العودة لبلادهم) فقالوا : أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا (أى أنهم ضبطوا أحد أتباع عثمان ومعه رسالة بقتل المُـعارضين) وقال البصريون مثل ذلك وقال الكوفيون مثل ذلك.. فسألهم على : كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقى أهل مصر؟ لم يردوا على السؤال وإنما قالوا : لا حاجة لنا فى هذا الرجل (أى عثمان) فليعتزلنا.. وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدّهم بسم الله الرحمن الرحيم.. وبعد كلام كثير فى رسالته قال إنّ المُـعارضين لحكمه ((ازداوا على الله عزّ وجل جرأة حتى أغاروا علينا فى جوار رسول الله.. وثابتْ إليهم (الأعراب) فهم كالأحزاب أيام الأحزاب . أو من غزانا بأحد إلاّ ما يُـظهرون))
وهذا النص فيه اعتراف صريح من عثمان (الخليفة الثالث) أنّ المُـعارضين (وهم مسلمون موحدون) عادوا إلى (فترة الجاهلية) كما نعتها محمد والدليل على ذلك : 1- أنهم ازدادوا جرأة على الله 2- أنّ ذلك تمّ وهم فى ((جوار رسول الله)) 3- أنهم مثل (الأعراب) وهو الاسم الذى نحته القرآن للتمييز بين (العرب) و(الأعراب) رغم أنّ الجميع أبناء بيئة صحراوية واحدة وأبناء مجتمع عربى/ بدوى / رعوى واحد 4- وأنهم كالأحزاب أيام الأحزاب 5- الاعتراف باستمرار آلية الغزو بين العرب وبعضهم البعض ، فما الفرق بين ما حدث فى عهده (الإسلامى) وما كان يحدث قبل الإسلام ؟
وأكثر من ذلك عندما خرج عثمان ليُـصلى بالناس ووقف على المنبر وقال ((يا هؤلاء العدى (= الأعداء) الله. الله.. فوالله إنّ أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان النبى محمد.. فامحوا الخطايا بالصواب.. إلخ)) وهكذا تتعرى الأمور وتسقط كل الأقنعة حيث أنّ الخليفة (المسلم) يتهم (المسلمين) بأنهم (ملعونون) ولم يكتف بأنْ تكون اللعنة على لسانه وإنما نسبها إلى النبى ، رغم أنّ النبى مات منذ 35 سنة (توفى عمر بن الخطاب سنة 23 هـ واستمرّتْ خلافة عثمان 12 سنة) فكيف لعنهم النبى محمد وهو لم يحضر أحداث التمرد على عثمان ؟ بل وصلتْ الأمور وتطوّرتْ الأحداث لدرجة أنّ المُعارضين لسياسة عثمان منعوه من الصلاة بالناس ، فصلى بهم (الغافقى) واستمرّ حصار عثمان أربعين يومًا.. ثم تتوالى أحداث تلك التراجيديا عندما تشاحن العرب المسلمون ضد بعضهم البعض وكان سلاح التشاحن (القرآن) حيث قرأ عثمان على المُـجتمعين آية ((قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالا قل أألله أذن لكم أم على الله تفترون)) (يونس/59) فقال له المُـعارضون ((قف.. أرأيتّ ما حميتَ من الحمى ؟ أألله أذن لك ؟ أم على الله تفترى ؟)) وهكذا كان كشف المستور. عثمان يرفع سلاح القرآن بآية منه ، يُـهاجم بها خصومه (هل الله أذن (= سمح) لكم أم على الله تفـترون ؟) فيكون رد الخصوم الجارح على عثمان (أألله أذن (سمح) لكَ ؟ أم على الله تفترى؟) فهل هناك دراما عبثية / مأساوية / كافكاوية أكثر من ذلك ؟ خاصة أنّ عثمان ردّ على خصومه قائلا : ((وأما الحمى فإنّ عمر بن الخطاب حمى الحمى قبلى لإبل الصدقة. فلما وليتُ زادتْ إبل الصدقة.. فزدتُ فى الحمى ، لما زاد فى إبل الصدقة)) ثم برّر موقفه عندما أضاف ((من كان له ضرع فليحتلب)) أى ينهب لأنه قال بعد تلك الجملة مباشرة ((إنما هذا المال لمن قاتل عليه.. ولهؤلاء الشيوخ أصحاب رسول الله)) فغضب الناس وقالوا ((هذا مُـكر بنى أمية))
وعندما قرّر الوفد الذى أتى من مصر، العودة إلى مصر، إذا بهم براكب يتعرّض لهم ثم يُـفارقهم ثم يرجع ثم يُـفارقهم ويُسيىء إليهم.. قالوا : مالك ؟ إنّ لك لأمرًا.. ما شأنك ؟ قال : أنا رسول أمير المؤمنين (عثمان) إلى عامله (= وليه أو الحاكم) بمصر. ففتشوه.. فإذا هم يعثرون على رسالة عثمان عليها خاتمه إلى عامله بمصر، وفيها ((أنْ يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف)) هذا هو خليفة المسلمين : جزاء الذين يُـعارضون سياسته الصلب وتقطيع أطرافهم – كما جاء فى القرآن – حتى يموتوا وكأنهم (قــُـطاع طرق) بينما هم لهم مطالب مُـحـدّدة تتعلق ب (عدالة) توزيع الغنائم المنهوبة. فقابلوا على بن أبى طالب وحكوا له ما حدث وأضافوا ((إنّ الله قد أحلّ دمه)) وطلبوا منه أنْ يذهب معهم إلى عثمان ، فرفض ، فقالوا له : لمَ كتبتَ إلينا ؟ فأنكر. فنظر بعضهم إلى بعض مُـندهشين.. وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان وقالول له : كتبتَ فينا بكذا وكذا (أى الأمر قتلهم) فأنكر. ولكنهم لم يقتنعوا بكلامه وقالوا له : والله أحلّ الله دمك ونقضتَ العهد والميثاق وحاصروه.. وهنا يجب ملاحظة (حشر) اسم الله فى ذلك الصراع حول السلطة والمال عندما قالوا ((أحلّ الله دمك))
وكتب الطبرى أنّ الواقدى ذكر بعض الوقائع رفض ذكرها ، وكان نص كلام الطبرى ((منها ما أعرضتُ عن ذكره كراهة منى لبشاعته)) وبعد ذلك كتب ((كان عمرو بن العاص على مصر عاملا لعثمان.. فعزله عن الخراج واستعمله على الصلاة.. واستعمل عبد الله بن سعد على الخراج.. فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان.. فأرسل عثمان إليه يومًا وقال له : يا ابن النابغة.. ما أسرع ما قمل جربان جبتك (نوع من السب العربى للتعبير عن الجرب الذى يُـسبّـبه القمل) إنما عهدك بالعمل عامًا.. أتطعن علىّ وتأتينى بوجه وتذهب عنى بآخر؟ فردّ عمرو عليه قائلا : ((إنّ كثيرًا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل)) إلى هنا يدور كلام عمرو فى إطار الدفاع عن النفس بنفى التهمة عنه أنه غير مسئول عن كلام الناس ، ولكنه لم يكتف بذلك ، بل أضاف - فى جرأة شديدة يُحسد عليها – ((اتق الله يا أمير المؤمنين فى رعيتك)) وذاك التعبير من عمرو يُـثير لدى العقل لحر الأسئلة التاليه 1- ما سر تلك الجرأة التى وصلتْ لدرجة الوقاحة ؟ 2- هل تلك الجرأة سببها (المعلومات) التى تحت يديه عن فساد عثمان ؟ خاصة وأنه لم يقل ((اتق الله)) بشكل مُـطلق وإنما خصــّـها ب ((التقوى فى رعيتك)) أى أنه غير عادل مع رعيته 3- لماذا هذا التناقض الصارخ فى شخصية عمرو؟ والسؤل بصيغة أخرى : هل كان عمرو ((يتقى الله مع رعيته)) ؟ أليس هو الذى نهب أموال مصر؟ ونقلا عن الكتب التراثية كتب الراحل الجليل خليل عبد الكريم المُـتخصـّـص فى التاريخ العربى / الإسلامى ((استولى عمرو بن العاص على مصر وأهلها واعتبرها عزبة. لذلك جمع عمرو تلالا من الأموال بل جبالا ما كانت تخطر على باله لا هو ولا واحد من قبيلته.. ولما حضرتْ عمرو الوفاة قال لابنه : إنى قد دخلتُ فى أمور لا أدرى ما حجتى عند الله فيها.. ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال : يا ليته كان بعرًا.. يا ليتنى مت قبل هذا)) (الصحابة والصحابة - السفر الثانى – سينا للنشر- عام 97- 322) 4- لماذا تغيّر موقف عمرو بعد مقتل عثمان وانضمامه لجيش معاوية ضد على بن أبى طالب ؟ كل تلك الأسئلة يتغاضى عنها العروبيون والإسلاميون وكل من يتوارى خلف (عاطفته الدينية) التى تحجب عن عقله شمس الحقيقة.
وكان تعليق عثمان على كلام عمرو له (اتق الله فى رعيتك) أنْ قال له : ((لقد استعملتكَ على كثرة القالة فيك)) أى على كثرة ما سمعه من سمعة سيئة. فقال عمرو: وكنتُ عاملا لعمر بن الخطاب ففارقنى وهو عنى راضٍ. فقال عثمان : وأنا والله لو أخذتك بما أخذك به عمر لاستقمتَ.. ولكنى لِـنتُ لك فاجترأتَ علىّ.. وأنا والله لأعز منك نفرًا فى الجاهلية.. وقبل أنْ ألى هذا السلطان . فقال عمرو: ((دعك عن هذا.. فالحمد لله الذى أكرمنا بمحمد وهدانا به.. وأنا قد رأيتُ العاصى بن وائل ورأيتُ أباك عفان.. فوالله العاصى كان أشرف من أبيك)) فانكسر عثمان وقال : ما لنا ولذكر الجاهلية ؟ وخرج عمرو من عند عثمان وهو مُـحتقد عليه (يقصد الطبرى وهو حاقد عليه) ويأتى عليًا مرة فيؤلــّـبه على عثمان.. ويأتى الزبير مرة فيؤلــّـبه على عثمان.. ويأتى طلحة مرة فيؤلــّـبه على عثمان.. ثم ذهب إلى أرض له بفلسطين يُـقال لها (السبع) فنزل فى قصر له يُـقال له (العجلان) وهذا النص يُـثير التداعيات التالية 1- قول عثمان لعمرو: (وأنا والله لأعز منك نفرًا فى الجاهلية) أى العودة إلى ما كان يحدث فى (الجاهلية) من التفاخر 2- رد عمرو بأنّ ((الله أهدانا بمحمد)) ولكنه أضاف أنّ العاص (المـُـفترض أنه والد عمرو) أشرف من والد عثمان.. وذلك القول فيه درجة عالية من (البجاحة) حيث أنّ عمرو بن العاص مشكوك فى نسبه حيث أنّ أمه كانت من أشهر عاهرات مكة ، وضاجعها خمس رجال – كما ذكر الزمخشرى وغيره – قبل تلد ابنها عمرو. وإذا كان عثمان يعلم – بالتأكيد - ذلك ، فكيف سكت ولم يرد عليه ، بل إنه كما كتب الطبرى ((فانكسر عثمان)) بل إنّ عثمان لم يكتف بالصمت والانكسار، وإنما أراد إنهاء الحوار فقال ((ما لنا ولذكر الجاهلية ؟)) فهل هذا المشهد يختلف عما كان الوضع قبل الإسلام ؟
وذكر الطبرى ((كانت عند عمرو أخت عثمان لأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، ففارقها حين عزله عثمان)) أى طلــّـقها بعد أنْ عزله عثمان.. فما ذنب الزوجة ؟ وماذا فعلتْ ليُــطلــّــقها ؟ وما دخلها فى الصراع بين زوجها (عمرو) وعثمان ؟
وعندما لجأ عثمان إلى على بن أبى طالب ليُـخرجه من المأزق الذى هو فيه (بعد حصاره) قال له على : إنى قد كلــّـمتك مرة بعد مرة (أى أنه نصحه أكثر من مرة ولم يفعل بنصيحته) وأضاف على : ((وكل ذلك فعل مروان بن عبد الحكم وسعيد بن العاص وابن عامر ومعاوية.. أطعتهم وعصيتنى.. فقال عثمان : فإنى أعصيهم وأطيعك)) (الطبرى – مصدر سابق – من ص 387- 394) لهذه الدرجة كان عثمان شديد الخور النفسى ، فاستجاب لنداء (تضخم الذات) والحرص على المنصب ، إذا كان المُـنقذ هو على بن أبى طالب ، وفى المُـقابل التخلى عن حوارييه السابقين الذين كانوا مُـستشاريه وأقرب الناس إليه. أى أنه اضطر إلى (بيعهم) مُـقابل مصلحته الشخصية. فهل هذا الموقف من (خليفة المسلمين) يختلف عما كان يفعله رئيس القبيلة قبل الإسلام ؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (13)
- العرب قبل وبعد الإسلام (12)
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (14)