أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - (أوتو ستوب)















المزيد.....

(أوتو ستوب)


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4949 - 2015 / 10 / 8 - 12:23
المحور: المجتمع المدني
    


(أوتو ستوب)

كان هناك حتى نهاية السبعينات، طريق مبلط بالأسمنت يربط الطريق القادم من الجسر الحديدي في منطقة الشالجية بالطريق الواصل للمنصور عبر محلة البيجية، وهو يحد نهاية مطار المثنى، وقد اُلغي في بداية الثمانينات حين أرادوا توسيع المطار أول الأمر، ثم اُلغي المشروع. بعدها وبالتسعينات أصبح مخططاً لتلك المساحة وسط بغداد أن تكون أكبر جامع بالعالم أراد أن يبنيه صدام حسين، لست أدري بالضبط هل كان من وراء بناءه في فترة الحصار وشحة العملة الصعبة، تخليداً لأسمه أم للتكفير عن ذنوبه وخطاياه تجاه شعب آمن مسالم.

من المسرحيات التي ذاع صيتها وحفظها الجمهور العربي على ظهر قلب، مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) لعادل إمام، وكنا في فترة نهاية السبعينات نترقب العيد حيث يُعيد تلفزيون بغداد بث أجزائها (بالقطارة) وكأنه يحمّلنا (منيّة) تقديمها لنا...
فكنا نسجلها على أشرطة الكاسيت ونستمع لها حتى حينما نقود سياراتنا، بينما فكرنا يتابع المشاهد بحذافيرها التي حفظناها على ظهر قلب وكـأنها تعاد أمام ناظرنا من جديد...
... وبينما كنت أستمع لهذه المسرحية من مسجل السيارة وأمر بالطريق الأسمنتي خلف مطار المثنى متجهاً صوب المنصور، أشر إليّ شابين أنيقين لم يبدو عليهما أنهما فقيرين، وطلبا أن أوصلهما بطريقي للمنصور...
كنتُ شاباً بعمرهما، فسألتُهما بعد أن توقفتُ وأبديت الأستعداد لإيصالهم عن سبب أستعانتهما بسيارة خصوصي بينما سيارات الأجرة متوفرة وزهيدة والمسافة التي يرجون الوصول إليها ليست بالبعيدة، قالا أنها تجربة ورهان مع زملاء بأن يتأكدون هل تصْدق المجلة (كذا) التي كتبت خبراً مفاده شبه أستحالة التنقل بطريقة (الأوتو ستوب) بالعراق...
وبينما كنا بطريقنا للمنصور، أستفسرت منهم أكثر عن الخبر، فقالا أنهم أطلعوا على (ريبورتاج) لمُحرر في المجلة العربية حينما أراد التجوال بين عواصم عربية مرموقة تقع شرق البحر المتوسط أي بقارة آسيا بطريقة التوصيل من على الطريق بشكل مجاني والذي يُطلق عليه (أوتو ستوب) وهو أن يقوم المتنقل بالإشارة بأصبعه الابهام بحركة أفقية لسائقي الطريق ليقلوه معهم...
وقالا بأنهم أختلفوا حول صحة المعلومة التي كتبتها المجلة بأنه من أغرب الأمور أن مُحررها قد عانَ بالعراق برغم الغنى والخير فيه والأمان والأطمأنان الذي كان سيد الموقف على طول الوطن وعرضه، وأن الأمر كان أسهل بكثير في الأردن وسورية ولبنان، وعزت المجلة السبب لجهل الناس في هكذا فعالية، مما أستثار هذان الشابان وقررا خوض التجربة بنفسيهما لإثبات خطأها.

قبل أن أصل بالشابين لمبتغاهما، ولست أدري هل كانا صادقين فيما قالاه أم لا، كان مسجل السيارة يُدير كاسيت لأحد فصول المسرحية، صمتنا نحن الثلاث حيث وقعنا أسرى لـ(عادل) وأبداعه في تقمّص دور الرجل الساذج والمحنك بنفس الوقت، كان يقول للتحرّي (عمر الحريري) حينما جاء للقبض عليه متهماً أياه بقتل الراقصة، أنه يريد موكب إلقاء قبض محترم أمام الناس كونه متهم بقضية مهيبة وشديدة البأس وهي القتل مع سبق الإصرار والترصّد، وليس (أي كلام)...
وهنا خرج أحد الشابين عن صمته وليترك وصمة في لقائي بهما لم أنسَها حتى اليوم حين قال... (والله صحيح) ثم أطلق مَثل لم أسمعه من قبل... (إذا تأكل... أكل جمل، وإذا تسرق... أسرق جبل!).
× × ×

تخضع محلات أمانة بغداد والأوقاف لقانون مزاد علني كل بضع سنين، ومع أن المزاد يتميز غالبية الأحيان بالشفافية والوضوح، لكن (ثغرات) بالقانون وأبتزاز من قبل بعض النفوس الضعيفة كانت تشوب تلك الفعالية كنا قد تعودنا عليها...
يقع محلنا أنا وشريكاً لي في فترة بداية التسعينات بسوق الأمانة وسط شارع النهر بمقابل الساحة التي سمّوها ساحة الغريري، ويجري كل ثلاث سنوات مزاداً بقاعة أنيقة بمبنى أمانة بغداد في ساحة الخلاني، وهو تقليد روتيني حيث يبقى الكل في محلاتهم مع زيادة بنسبة بسيطة تضيفها لجنة العقود على بدلات الايجار.
ولو صادف ان يُباع محل بالباطن (سرقفلية)، فأن الاتفاق يتم سراً بأن يغيب شاغله (أي البائع) عن المزاد ويحضر مُشتريه ويقدم عطاءه، وسترسو المزايدة عليه لأن شاغله قد تخلى عنه (من وجهة نظر القانون) بدليل لم يأتِ ليمدد عقده، وهذا ما حصل لنا وسارت الامور بسهولة ويُسر حين أشتريناه قبل سنين من مستأجره.
لكن قانونياً، فإن هناك فترة محددة يجب أن تمر بعد أية مزايدة حتى وان كانت شكلية، ثم يصبح قطعياً ويتم تنظيم عقد جديد. بهذه الفترة حصلت مفاجأة لم نتوقعها، اذ أن (أحداً ما) كسرَ قرار البيع وقدّمَ تأمينات جديدة مُعلناً استعداده لرفع الايجار وأشغال الدكان، في هكذا حالة يكون على من كان قد رست عليه المزايدة، التزايد مع كاسر القرار بما قد يؤدي (لحرق) إيجاره لرقم لم يكن بالحسبان، تكون الأمانة المستفيد الأول من ذلك!

ترك الاخ (المشاغب) عنوانه ورقم هاتفه ضمن تقديمه العطاء الجديد، وأتذكر أنه كان تاجراً في سوق السراي (سوق دانيال للقماش)، وكانت المُهلة شهر، إما أن نقبل مواجهته بمزاد بيننا حصرياً، أو أن نترك له الدكان.
تصرفنا بحكمة ولم نتصل به (للمقايضة) كما كان هو يخطط، لكننا تحرينا عنه من خلال أحد موظفي الأمانة الذي تطوّع لمساعدتنا، فتبيّنَ أنه ايضاً يشغل أحد محلات الأمانة بسوق السراي ويدرك قانون الأمانة وثغراته جيداً. جاءت آخر أيام قبل اعادة مزاده، كنا قلقون لكننا واثقون انه انما يلعب بأعصابنا وسيقوم بالاتصال بنا، فالدكان لا يصلح لمهنته ببيع الأقمشة وسط الصاغة، لذا فكنا على ثقة بأنها لم تكن سوى عملية ابتزاز رخيصة.

... جاء الضيف الثقيل (المُنتظر): والله آني يا أخواني طرف خير بينكم، ولمّن عرفت أن صديقي (فلان) يريد استأجاره، أعترضت عليه وقلت هذه أرزاق ناس وحرام عليك تعزّلهم.
ـ والمطلوب؟ قلنا له.
قال: لأني لا ارضَ الباطل، سأتبرع من (جيبي الخاص) خمس أوراق له ليغيب عن جلسة الأمانة الحاسمة، وبهذه الحالة سيخسر التأمينات... يستاهل الخسارة!
ـ نشكرك ابو الشباب، لكننا حقاً حصّلنا محل آخر فأخبر صاحبك لو يريد يشتري الديكور والأثاث لاننا سنعيد المحل للامانة!
ـ طيب راح انطيه أربع أوراق...
ـ ماكو داعي تكلف نفسك.
وهنا، قلب الحديث ليبدو بأن الأمر واقع حال وأنه قد دفع المبلغ فعلاً...
ـ لكني انطيته المبلغ ووعدني بأنه سينسحب!
... انتهى موضوع (المساومة) بعد أن ثبتنا على موقف واحد (بتعويضه) ورقتين، نصفهما هو مبلغ التأمينات لدى الأمانة...

لم نرَ (خلقة) أي أحد منهم في يوم إعادة المزايدة كما كان مخطط له، فرست من جديد علينا وتمدد العقد لثلاث سنين بأسمنا، شكرنا موظف لجنة المزاد لأنه ساعدنا مشكوراً وبذل جهد يُحمد عليه بكشف معلومات عن كاسر القرار ووعدناه بهدية ذهبية بسيطة، وهممنا بالخروج ليتبعنا خلسة...
ـ بضميركم اشكد انطيتوه واقنعتوه بالغياب؟
قلت له: لماذا تظن ذلك؟
قال: أكيد صاحبه الذي جاءكم قال أنه نقّدة فلوس، كم ورقة بالله عليكم...
قال شريكي: وكيف علمت أن له صاحب كان قد جاءنا، وأن المساومات جرت (بالعملة الصعبة)؟؟
× × ×

لم يكن بحكاية المزايدة ما يثير الأستغراب في مجتمع أصبح نتيجة الحصار، نصفه جاهل مستعد لأن يتعلم الخطأ وأن يُبدع ويتميز فيه، فجميع الحلقات التي أشتركت (بمص) ورقتين ما كانتا بذات قيمة كبيرة، ربما (العلاّس) أي من خطط وأدار التحايل وموظف الأمانة والضيف وكل من قبله وبعده، كلهم كان العوز يقودهم، لكن الذي يحيرني فعلاً أن هذا المبلغ بعد حذف مبلغ التأمينات الغير قابل للرد سيتوزع بينهم، فكم ستكون حصة تاجر القماش الذي حشر أسمه في المزايدة وسعى للكسب غير المشروع من هذه العملية القذرة وهو من المفترض أن يكون ذلك (التاجر) المرموق؟

هل بالنسبة له أن بضعة دولارات (تستاهل) ذلك، أم كان عليه مادام قد رضي بمبدأ الربح الحرام، أن يستغلها فرصة وأن يتحايل على تاجراً أو قرض بنك أو حتى أقرباء، ويمتص بسهولة منهم أضعاف هذا المبلغ...
ألم يكن الأحرى بهذا (التاجر) الغبي أن يُطبق مقولة الأخ الشاب ـ أبو الأوتوستوب ـ التي أفتاها عليّ يوماً... (إذا تاكل... أكل جمل، وإذا تسرق... أسرق جبل!)؟

عماد حياوي المبارك
الغاية والمنفعة :
× مثال عن استغلال الناس البسطاء من خلال مصادر أرزاقهم حين يتم تصيّدهم من قبل نفسيات قذرة في (لوبي) يبدأ من موظفي الدولة وينتهي بتجار كبار، بينهما حلقات من الوسطاء، تماماً كما هو الحال بمناقصات العراق الجديد.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ((خوردل روز))
- آيدلوجيات وأستراتيجيات
- بين الرصافة والكرخ
- ((أطوار))
- حزب الفراشات، بين الباستيل والخضراء
- (( وعد الله))
- ناس تأكل الكباب...
- ((لستُ أدري!))
- ((وساطة!))
- مجرد كلام سلطنة
- سليخة
- وهابيون جدد
- ثلاثاً في ثلاث
- هبهب
- من نصرٍ... إلى نصر
- جواسيس (غشمة)
- حواس وعجايا
- فيكتوريا
- عادلون
- رحلات الصد ما رد...


المزيد.....




- الأمم المتحدة ترحب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان
- الأمم المتحدة ترحب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان
- معاناة النازحين اللبنانيين مستمرة
- الأمم المتحدة: غوتيريش يرحب باعلان وقف اطلاق النار بين -إسرا ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يدين الهجمات الإسرائيلية على لبن ...
- وزير الخارجية الإيراني يلتقي الامين العام للأمم المتحدة
- الوفد الجزائري يطرد تسيبي ليفني من منتدى الأمم المتحدة لتحال ...
- وفد جزائري يطرد وزيرة خارجية إسرائيل السابقة من منتدى للأمم ...
- عراقجي يؤكد على التنفيذ الفوري لأمر المحكمة الجنائية الدولية ...
- معاناة النازحين في غزة تتفاقم مع قسوة الطقس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عماد حياوي المبارك - (أوتو ستوب)