|
العراق وعالمنا المعولم رأسمالياً
كاظم حبيبِ
الحوار المتمدن-العدد: 4949 - 2015 / 10 / 8 - 08:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعتبر العراق واحداً من الدول النامية، كما يشكل معها جزءاً من النظام الرأسمالي المعولم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وبيئياً وثقافياً. والدول النامية، كما العراق، خاضعة وتابعة لسياسات العولمة في مكوناتها كافة. إلا إن العالم الرأسمالي الواحد المنقسم إلى عالمين، عالم متقدم ومهيمن وآخر متخلف وتابع، وسَّعت العولمة الرأسمالية من فجوة التباين في مستوى تطورهما، وخاصة في البحث العلمي والعلوم والتكنولوجيا والاتصالات والمعلومات، وعمقت من استغلال وتبعية بلدان. والقرية العالمية الواحدة أصبحت متجاورة في السكن ولكنها متباينة من حيث النوعية والمضمون والدور. والعولمة الرأسمالية الجارية تعتبر عملية موضوعية وتجسد المستوى الذي بلغته الرأسمالية الدولية في مرحلتها الجديدة والتحولات النوعية العميقة في مستوى تطور واستخدام منجزات الثورة العلمية-التقنية والثورة المعلوماتية والاتصالاتية (الإنفوميديا) التي تسهل بشكل واسع حركة رؤوس الأموال والقوى المنتجة، المادية والبشرية، بما فيها منجزات العلوم والتقنيات الحديثة والسلع، بما فيها الأسلحة! وإذ إن للعولمة جانبها الموضوعي، فإن جانبها الثاني يبرز في السياسات التي تمارسها الدول الرأسمالية المتقدمة المهيمنة على العلوم والاقتصاد والسياسة بالعالم، وهي تمارس دور الشرطي والرقيب على حركة الأموال والسلع والقوى المنتجة ومنجزات العلم والتكنولوجيا التي تحسم المواقف بشأنها في مراكزها الثلاثة التي تشكل مثلثاً بأضلاع غير متساوية: الولايات المتحدة وأوروبا الاتحادية واليابان حتى الآن، وهي التي تشكل مجموعة الدول السبع الكبار، رغم التطور الهائل للصين التي يمكن أن تشكل مع روسيا الضلع الرابع لمربع أو حتى لمخمس فيما بعد. فالقطبية الأحادية ستترك موقعها لاحقاً لعدة أقطاب. تتوزع بقية دول العالم النامي وتتحرك على مدارات عديدة تدور حول المركز وتُستغل منه بوحشية وتتدخل بفظاظة في شؤون شعوب هذه البلدان. ويقدم العراق نموذجاً لهذا التدخل. كان العراق وما يزال يتحرك على مدار بعيد جداً عن هذا المركز الرأسمالي ومستنزف منه ومن دول مجاورة له وعاجز عن ممارسة سياسات وطنية مستقلة. فالاقتصاد العراقي يعتبر واحداً من الاقتصادات الريعية النفطية الاستهلاكية المكشوفة على الخارج، فنسبة عالية جداً من دخله القومي يأتي من تصدير النفط الخام الذي يشكل أكثر من 95% من مجمل صادراته. وتستولي استيراداته السلعية الاستهلاكية، بما فيها العسكرية، على جزء كبير جداً من إيرادات النفط السنوية، دع عنك النهب والسلب لموارد الدولة التي تبلغ بالمليارات سنوياً. يخضع العراق لسياسات اللبرالية الجديدة التي تمارسها الدول الكبرى في بلدانها وإزاء الدول النامية وتفرض عليها نهجها بكل السبل. ومنذ إسقاط الدكتاتورية وفرض الاحتلال الأمريكي-البريطاني على العراق مارس المستبد بأمره، باول بريمر نهجاً مناهضاً للديمقراطية وفرض سياسات اللبرالية الجديدة التي تلتزم بها الهيئات المالية والنقدية الدولية على العراق، وبشكل خاص في الموقف من قطاع الدولة والتصنيع والزراعة وترك مشاريع الدولة دون إعادة إعمارها وتشغيلها. وانتهجت الحكومات العراقية النهج ذاته دون أن تولي أي اهتمام حتى بالقطاع الخاص، الذي يشكل أساس فكر اللبرالية الجديدة المتوحشة وهيمنتها التامة على الاقتصاد وخصخصة كل مشاريع الدولة وإفقار غالبية المجتمع. ويبدو إن نهج اللبرالية الجديدة، رغم عدم فهم الحكام له، يؤكد ضرورة خصخصة اقتصاديات النفط والكهرباء والماء والسكك الحديد ... أيضاً. وهم يستغلون أزمة اليونان ليفرضوا على حكومتها اليسارية خصخصة مشاريعها الأكثر نجاحاً ربحية والتي اشترتها احتكارات ألمانية! إن العولمة الرأسمالية لم تفرض رؤيتها الاقتصادية على العراق، رغم غياب الاستراتيجية التنموية والرؤية الواضحة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، فحسب، بل أدخلت الفساد إلى حكام البلاد والمجتمع من أوسع أبوابه وتشابكه الدولي والإقليمي وكذلك الإرهاب الدولي، الذي سعت الدول الرأسمالية إبعاده عن دولها وتكريسه بالعراق ومنطقة الشرق الأوسط. العولمة بالنسبة للعراق تعني إبقاء العراق ريعي الاقتصاد خال من التصنيع والزراعة الحديثة وقطاع الدولة وإبقاء القطاعين الخاص والمختلط ضعيفين وتوجيه الموارد المالية صوب الاستهلاك بدلاً من التثمير الإنتاجي لتحقيق التراكم الرأسمالي الضروري للتنمية والتقدم. أي إبقاء العراق متخلفاً تنتشر فيه البطالة المكشوفة والمقنعة وتستنزف استيراداته موارده المالية، إضافة إلى الفساد والإرهاب والصراعات الداخلية والحرب في شمال العراق وغربه، وربما تتسع لتشمل مناطق أخرى. العولمة في ظل النظام الحالي لا تعني سوى إبقاء العملية الاقتصادية تابعة وتشكل جزءاً متخلفاً في التقسيم الدولي الرأسمالي للعمل، حيث يلعب العراق دور البقرة الحلوب وأكثر مما كان عليه في العهد الملكي. العولمة الرأسمالية لا تريد للعراق أن يكون رأسمالياً يعتمد على الصناعة والزراعة ومنتجاته النفطية والزراعية وعلى جميع قطاعاته من حيث الملكية، وهي المشكلة التي تواجه البلاد الآن وفي المستقبل، ما دام النظام السياسي السائد طائفياً وأثنياً تابعاً وخاضعاً للمحاصصة والإرادة الأجنبية.
#كاظم_حبيبِ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وسط جدل أنه -استسلام-.. عمدة بلدية كريات شمونة يكشف لـCNN ما
...
-
-معاريف- تهاجم نتنياهو وتصفه بالبارع في -خلق الأوهام-
-
الخارجية الإيرانية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
-
بعد طردها دبلوماسيا في السفارة البريطانية.. موسكو تحذر لندن
...
-
مراسلنا: مقتل 8 فلسطينيين بينهم أطفال في قصف إسرائيلي استهدف
...
-
مع تفعيل -وقف إطلاق النار.. -الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا عا
...
-
هواوي تزيح الستار عن هاتفها المتطور القابل للطي
-
-الإندبندنت-: سجون بريطانيا تكتظ بالسجناء والقوارض والبق وال
...
-
ترامب يوقع مذكرة تفاهم مع البيت الأبيض لبدء عملية انتقال الس
...
-
بعد سريان الهدنة.. الجيش الإسرائيلي يحذر نازحين من العودة إل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|