|
السلطان قابوس والاستنارة
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4948 - 2015 / 10 / 7 - 21:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعدما نُشر مقالي الأسبوعي بجريدة "المصري اليوم" تحت عنوان: "هندوسٌ في الإمارات وأقباطٌ في مصر"، بتاريخ 24 أغسطس الماضي، الذي أشدتُ فيه بقرار الإمارات المتحضر بمنح قطعة أرض بالعاصمة أبو ظبي للجالية الهندية الضخمة في الإمارات العربية لبناء معبد هنودسي، أصاب المقالُ ردودَ فعل واسعةً بين القراء. فأرسل لي أحدُ المصريين المقيمين بالخارج، ملاحظة مهمة، أودُّ أن أشير إليها، أولا بناءً على طلبه ووعدي له بذلك، وثانيًا، وهو الأهم، لعلّنا نبتهج قليلا حين نعرف أن هناك دولة أخرى تسير على درب الإمارات المتحضر، وتنهجُ نهج الشيخ زايد الرفيع في التسامح بين الأديان وقبول الآخر، والعُقبى لبقية الدول العربية، وكذلك لمصر، التي لم تعرف التطرف الأحادي الإقصائي إلا منذ عقود ثلاثة، فقط. هذا نصُّ رسالة هذا القارئ المصري الذي يعيش في سلطنة عمان منذ 33 سنة: [صباح الخير أستاذة فاطمة، جميلة القلب. بمتابعتي على صفحات "فيس بوك" لفت نظرى انتشار مقالك الذي أعجبني وعنوانه: “هندوس فى الإمارات وأقباط فى مصر". وأطلب من حضرتك أن تُلقي نظرة على سلطنة عُمان وسلطانها الحكيم "قابوس بن سعيد" رجل السلام والثقافة. أودُّ أن تشيري حضرتك في مقال قادم، إلى كم الاحترام الذي نلقاه هنا بعُمان، نحن العمالة الوافدة، من المسيحيين، بجميع طوائفنا، وحريتنا التامّة في ممارسة طقوس عقيدتنا بكل اطمئنان وأمان. كذلك الهندوس، لهم معبدهم الخاص بهم، يمارسون فيه طقوس عقيدتهم، بكل حرية. ولا أحد من هذا الشعب الطيب المحترم يفكر في أن يسألك عن ديانتك، عكس يحدث عندنا في مصر للأسف. لدرجة أنني هنا مع زملاء عمل وأصدقاء منذ ز من طويل، لا نعرف عقائد بعضنا البعض. وكثير منهم تفاجئوا بعد سنين عديدة، بأني مسيحي. والحمد لله أحرص دائمًا على أن أكون الوجه المشرف للمصري المسيحيّ. وربما تعرفين يا أستاذة أن سلطنة عُمان تحتلُّ مركزًا متقدمًا بين الدول من حيث مستوى الأمن والأمان بين المواطنين والوافدين، وهذا يعود إلى حكمة سلطان البلاد الذى لم يقطع علاقته مع مصر عند توقيع معاهدة كامب ديڤ-;-يد ولم يسحب سفير بلده من مصر، عكس ما فعلت دولٌ أخرى. ويعود هذا لإيمانه أن كل بلد أدرى بشؤونها الداخلية والخارجية، مثلما أهل مكّة أدرى بشِعابِها. ولهذا تعيش جاليةٌ مصرية ضخمة هنا بالسلطنة منذ عشرات السنين في أمان تام. وهذا ناتج عن احترام الشعب العماني للشعب المصري. هذا الشعب العُماني الطيب نشأ وتربّى على يد السلطان قابوس الذى ندعو له بدوام الصحة وطول العمر. علّم أبناء شعبه محبة المصريين واحترامهم. ودائما ما ينصح أبناء شعبه ألا ينكروا فضل المصريين على أبناء عُمان فى التعليم والحضارة، منذ تولى الحكم قبل عشرات السنين وكانت السلطنة فى بداية مراحل النهضة الأولى حيث كانت المدارس عبارة عن بنايات بدائية مغطاة بسعف النخيل لم تعرف بعد الكهرباء ولا المكيفات. وقتها جاء المعلمون المصريون لينهضوا بأبناء سلطنة عُمان ويساهموا في تكريس نهضتها الوليدة. وها أنت ترين ما وصلت اليه عمان اليوم من تحضر وعمران ورغد. ولم تكتف السلطنةُ بنهضتها الداخلية بل كان لها دائمًا يدٌ مشهودة في الوساطة بين الدول لحلّ الكثير من المشاكل الخارجية. أعتذر عن الإطالة لكنني، من فرط حبي واحترامي لهذا البلد التي عشتُ فيها أكثر سنوات عمري مع أسرتي وأصدقائي بكل احترام بين أشقائي العُمانيين، أردتُ أن يُسهم قلمك المُنصِف في الإشادة بنموذج عربي حضاري آخر، يُحتذى به، في مقال من مقالاتك القادمة. أشكركِ شكرًا جزيلا ودعائي لربنا أن يحفظ مصر والعرب من كل سوء. عماد لطفي.]
انتهت الرسالة، لكن حُلمنا أن نقتدي بتلك الدول المثقفة لم ينته. فالتعايش المحترم بين البشر هو أصلُ الأشياء وهو التطبيق العملي لقوله تعالى: “لتعارَفوا"، ولم يقل: “لتناحروا، أو تقاتلوا، أو تباغضوا.” الأصلُ في الأشياء هو البناءُ لا الهدم. الأصلُ في الأشياء هو التحابّ لا الاقتتال. الأصلُ في الأشياء هو التحضّر لا الهمجية. الأصلُ في الأشياء هو السموّ لا التدنّي باللفظ أو بالفعل. رحم اللهُ الشيخ زايد بن سلطان الذي كرّس معاني التحضر والسمو في بلاده، وطوبى لأبنائه الذين يسيرون على دربه. وطوبى للسلطان قابوس بن سعيد الحاكم الذي جعل الثقافة والتنوير، مع الحفاظ على الأصالة العربية، نهجًا وأسلوب حياة بين أبناء شعبه، ولم يتوان في تقديم الدعم الهائل لإنعاش الحراك الثقافي في بلاده. أولئك زمرة الخير التي قدّمت وتقدّم كلَّ يوم الصورةَ الحضارية الأرقى للإسلام، حين يحتضنُ الإنسانيةَ ويحترمُ عقلَ الإنسان وحريته في اختيار دربه، وحين يحارب الطائفية والعنصرية والاقتتال والإقصائية الأنانية. لأن الحرية مناطُ التكليف، وهو تفعيل قوله تعالى: "وهديناه النجدين". طوبى لصُنّاع السلام لأنهم يبنون الأرض ويعمرون الكونَ ويرضون الله.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب النور سنة 1919
-
السيف والرمح والقرطاس والقلم
-
المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
-
أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة
-
الأوغاد لا يسمعون الموسيقى
-
حوار شامل مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت حول التيارات المتطر
...
-
صباحُ الخير يا زينب
-
الكارت الخائب
-
أنا أغنى امرأة في العالم
-
مسيحيو حزب النور
-
بيان إلى السلفي ناجح إبراهيم من فاطمة ناعوت
-
إحنا آسفين يا خروف!
-
مرة واحد فكّر، طق مات ( حوار تليفزيوني مع كاتب)
-
شهداءُ من أبناءِ زايد
-
موت أمي
-
طفلُ البحر... لا أحدَ يريده!
-
دموع مريم، قضية أمن قومي
-
لماذا يكرهون هذا الرجل؟
-
هل تعرف طاعن نجيب محفوظ؟
-
صفر مريم النبيل
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با
...
-
قائد الثورة الاسلامية:غزة الصغيرة ستتغلب على قوة عسكرية عظمى
...
-
المشاركون في المسابقة الدولية للقرآن الكريم يلتقون قائد الثو
...
-
استهداف ممتلكات ليهود في أستراليا برسوم غرافيتي
-
مكتبة المسجد الأقصى.. كنوز علمية تروي تاريخ الأمة
-
مصر.. حديث رجل دين عن الجيش المصري و-تهجير غزة- يشعل تفاعلا
...
-
غواتيمالا تعتقل زعيما في طائفة يهودية بتهمة الاتجار بالبشر
-
أمين عام الجهادالاسلامي زياد نخالة ونائبه يستقبلان المحررين
...
-
أجهزة أمن السلطة تحاصر منزلا في محيط جامع التوحيد بمدينة طوب
...
-
رسميًا “دار الإفتاء في المغرب تكشف عن موعد أول غرة رمضان في
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|