|
التحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 1358 - 2005 / 10 / 25 - 10:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ارسل لي قارئ عزيز من الكويت رسالة جاء فيها ما يلي: "سؤالي يدور حول الثورة البرجوازية التي يعجز رفاقي عن فهمها. لماذا يجب ان تكون هناك ثورة برجوازية قبل الثورة الاشتراكية؟ وما طبيعة التحالفات الطبقية الواجب على البروليتاريا اتخاذها في تلك المرحلة؟ وفي حال استطاعت البروليتاريا قيادة الثورة البرجوازية متى يتوجب اعلان الثورة الاشتراكية؟ اي بكلمات اخرى ما هو الدور المناط بالثورة البرجوازية كي تقوم به؟" عزيزي القارئ الكويتي. اجبتك في رسالة سابقة عن السؤال الاول، عن ضرورة قيام الثورة البرجوازية قبل الثورة الاشتراكية في البلدان التي لم تتحقق فيها الثورة البرجوازية بعد ووعدتك ان اجيب عن الاسئلة الاخرى في مناسبة تالية. اود ان ابدأ في الاجابة على السؤال الاخير "ما هو الدور المناط بالثورة البرجوازية كي تقوم به؟" هناك جواب عام يمكن اطلاقه على كل ثورة برجوازية ناجحة. الدور الذي تقوم به الثورة البرجوازية هو انهاء مرحلة الثورة البرجوازية عن طريق تحقيقها. فتحقيق الثورة البرجوازية هو الدور المناط بالثورة البرجوازية. ولكن الامور التي تحققها الثورة البرجوازية تختلف باختلاف قيادة الثورة. فالثورة البرجوازية التي تتحقق تحت قيادة الطبقة البرجوازية تختلف في منجزاتها عن الثورة البرجوازية التي تتحقق تحت قيادة الطبقة العاملة. الامور التي من المفروض ان تتحقق في الثورات البرجوازية التي تقودها الطبقة البرجوازية هي قبل كل شيء صعود الطبقة البرجوازية الى الحكم. فالثورة البرجوازية تصبح ضرورة حين يصبح المجتمع مجتمعا راسماليا في قواه الانتاجية ويبقى اقطاعيا او شبه اقطاعي في علاقاته الانتاجية. ويكون من مهام الثورة البرجوازية مطابقة العلاقات الانتاجية مع ظروف القوى الانتاجية اي جعل العلاقات الانتاجية علاقات راسمالية مطابقة لقوى الانتاج الراسمالية السائدة في المجتمع. ومن مهام الثورة البرجوازية المفروضة القضاء على علاقات الانتاج الاقطاعية والاصلاح الزراعي وتوزيع الاراضي على الفلاحين لتحويلها الى علاقات انتاج راسمالية وتحقيق يوم العمل ٨ ساعات وتحقيق بعض الحريات التي حصلت عليها جماهير الطبقة العاملة والكادحين عن طريق النضالات السابقة المتواصلة في ارجاء العالم. ولكن البرجوازيات التي نشأت في البلدان شبه الاقطاعية في القرن العشرين وحتى في اوروبا القرن التاسع عشر مثل المانيا والدول الاوروبية التي بقيت تحت الحكم الاقطاعي حتى اربعينات القرن التاسع عشر اصبحت عاجزة عن تحقيق الثورة البرجوازية تحقيقا جذريا واخذت تجري اتفاقات مع بقايا الطبقات الاقطاعية ضد الطبقة العاملة التي اصبحت خطرا يهددها. وبقي هذا الحال في روسيا حتى في بداية القرن العشرين وحتى ثورة شباط ۱٩۱٧. اما اذا نجحت الطبقة العاملة في قيادة الثورة البرجوازية بقيام ثورة مسلحة ومجيء الطبقة العاملة الى الحكم فان الطبقة العاملة تقوم قبل كل شيء بتحقيق مطاليب الثورة البرجوازية تحقيقا جذريا بصورة ثورية. اهم هذه الاصلاحات هي مصادرة اراضي الاقطاعيين وجعل الارض ملكا للدولة توزعها على الفلاحين وتمنحهم حق زراعتها. وهذا يضمن انضمام الغالبية العظمى من الفلاحين الى صفوف التقدم نحو التحول الاشتراكي بعد الثورة. وبدلا من النضال من اجل تحقيق حقوق العمال التي كان على الثورة البرجوازية ان تحققها مثل يوم العمل ٨ ساعات وزيادة الاجور وغيرها من الحقوق المذكورة اعلاه يجري تحقيقها في هذه الحالة من قبل السلطة ذاتها وليس عن طريق النضال العمالي ضد البرجوازية. فالسلطة الثورية هي التي تجبر البرجوازية على تحقيق حقوق عمالها. ولكن بالاضافة الى كل ذلك تقوم دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية بانشاء المشاريع الانتاجية الكبيرة على اسس اشتراكية وليس على اسس راسمالية وتقوم كذلك بالحد من حرية الطبقة البرجوازية بالتوسع والتطور بصورة حرة مطلقة. وسؤالك حول طبيعة التحالفات الطبقية الواجب على البروليتاريا اتخاذها في مرحلة الثورة البرجوازية فان ذلك يتحدد لدى دراسة التكوين الطبقي للمجتمع عند تحديد المرحلة التي يمر فيها البلد موضوع البحث. فحين تقرر الطبقة العاملة او حزبها ان البلد يمر في مرحلة الثورة البرجوازية فانها تقرره على اساس التركيب الطبقي للمجتمع. وهذا يعني ان الحزب يدرس كل طبقة او مرتبة يتركب منها المجتمع المعني وعلى هذا الاساس يقرر ما اذا كان المجتمع يمر في مرحلة الثورة البرجوازية ام الثورة الاشتراكية. وخلال هذا البحث يميز الحزب بين هذه الطبقات والمراتب ويقرر ايا منها يكون من مصلحتها تحقيق الثورة البرجوازية او الثورة الاشتراكية وعلى هذا الاساس يمكن التحالف معها من اجل تحقيق الثورة. وعموما تكون البرجوازية في مثل هذه البلدان الطبقة الرئيسية التي يجري البحث عنها اذ ان البرجوازية هي الطبقة المستغلة للطبقة العاملة وفي نفس الوقت من الممكن ان تكون حليفة للبروليتاريا في الثورة البرجوازية. هذه العبارة الاخيرة، كون الطبقة البرجوازية عدوا للطبقة العاملة وحليفا ممكنا في الوقت ذاته هي اهم ما يجب على الطبقة العاملة ان لا تتخلى عنه ولا تنساه لحظة واحدة في تكتيكها في الثورة البرجوازية. اود ان ابحث هذا الموضوع بشيء من التفصيل لان اكثر احزاب الطبقة العاملة، خصوصا بعد سنة ۱٩٥۳ كانت قاصرة عن فهمها لهذا الموضوع. ويبدو لي ان كراس لينين تكتيكان كان هدفه توضيح هذه النقطة وهي نقطة الخلاف الاساسية بين البلاشفة والمنشفيك. ان الطبقة الراسمالية عدو دائم للطبقة العاملة في جيمع الظروف. هذا هو الاساس في العلاقات بين الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية. ولكن مع ذلك للطبقة البرجوازية مصلحة في تحقيق الثورة البرجوازية وهذه المصلحة مصلحة مشتركة بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية اذ ان من مصلحة الطبقة العاملة ايضا قيام الثورة البرجوازية. ومصلحة الطبقة البرجوازية هذه تؤدي الى امكانية تحالف الطبقة العاملة مع الطبقة البرجوازية فيما يتعلق بتحقيق الثورة البرجوازية. هذا لا يحول الطبقة البرجوازية الى صديق للطبقة العاملة باي حال من الاحوال لان قيام وتطور الطبقة البرجوازية مرهون باستغلالها للطبقة العاملة ولا وجود للطبقة البرجوازية بدون استغلال الطبقة العاملة. هذه الظاهرة، ظاهرة العداء الدائم الثابت في جميع الظروف والتحالف المؤقت المحتمل في تحقيق الثورة البرجوازية هو الظاهرة الاساسية في نضال الطبقة العاملة من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. في اللحظة التي تنسى الطبقة العاملة الجانب الاساسي، جانب العداء الدائم الثابت، لمصلحة التحالف المؤقت في مرحلة الثورة البرجوازية او بعد تحقيقها تصبح الطبقة العاملة ذيلا للطبقة البرجوازية في الثورة. كيف تتحقق هذه الظاهرة المركبة في النضال اليومي للطبقة العاملة؟ تتحقق هذه الظاهرة عن طريق النضال المتواصل من اجل الحصول على حقوق الطبقة العاملة كزيادة الاجور ومكافحة الغلاء وتقليص يوم العمل والمطالبة بسلامة العمل في المعامل ومنع تشغيل الاطفال والتخفيف من عمل المراة وحقوق المرأة بالمساواة بالرجل في جميع الاعمال ومكافحة التمييز بين الرجل والمراة في اجور العمل المتماثل والنضال من اجل حق التنظيم النقابي للطبقة العاملة وحق الفلاحين في تكوين الجمعيات الفلاحية وحق التظاهر والاضراب الى اخر ذلك من النضالات الاقتصادية اليومية المعروفة. فهذا يؤدي الى اجتذاب الطبقة العاملة وغير الطبقة العاملة من الكادحين الى صفوف الطبقة العاملة المنظمة. هذا النضال بكافة جوانبه هو نضال ضد البرجوازية اذ ان الطبقة العاملة لا تستطيع تحقيقه الا عن طريق اغتصابه من الطبقة البرجوازية. هذا النضال هو نضال من اجل تحقيق قيادة الحزب الماركسي الحقيقي للطبقة العاملة. وكل نجاح يحققه الحزب في هذا المضمار هو في الوقت ذاته خطوات ناجحة في نضوج الثورة البرجوازية. هذا ما تسميه الماركسية قيادة الطبقة العاملة للثورة البرجوازية. فالتفاف الطبقة العاملة وسائر الكادحين وراء الحزب الماركسي هو الضمان الاول لنجاح الطبقة العاملة في تحقيق الثورة البرجوازية تحت قيادتها. والطبقة البرجوازية هي الاخرى تعمل من اجل جذب اوسع الجماهير لجانبها من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. وفي هذا المجال يكون الصراع محتدما بين الطبقة العاملة وقيادتها وبين الطبقة البرجوازية وقيادتها. كل يريد ان يجتذب اكثر ما يمكن من الجماهير تحت قيادته. خلال هذا الصراع الدائم بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية يأتي موضوع امكانية التحالف بينهما على تحقيق الثورة البرجوازية. فالطبقة العاملة تريد ان تجمع كل القوى الكادحة تحت قيادتها والبرجوازية تريد ان تجتذب كلما تستطيع من هذه الجماهير الكادحة تحت قيادتها. والصراع على قيادة الجماهير هو صراع من اجل قيادة الثورة البرجوازية. فالطبقة العاملة تريد ان تقود الثورة البرجوازية لكي تحققها تحقيقا جذريا كمقدمة ضرورية لتحقيق ثورتها الاشتراكية ضد الطبقة البرجوازية والطبقة البرجوازية تريد قيادة الثورة البرجوازية لتحقيقها تحقيقا يضمن مصالحها في الثورة ويغمط مصالح الطبقة العاملة والكادحين فيها. هذا الصراع على قيادة الثورة هو اهم ظاهرة في النضال من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. فقيادة الطبقة العاملة للثورة تتطلب اجتذاب اوسع الجماهير وعزل الطبقة البرجوازية عن الجماهير الكادحة بينما تتطلب قيادة البرجوازية للثورة البرجوازية اجتذاب اكبر عدد من الكادحين وابعادهم عن قيادة الطبقة العاملة. خلال هذا الصراع الدائم تنشأ قضية التحالف بين الطبقة العاملة مع الطبقة البرجوازية من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. والطبقة البرجوازية لا ترغب في التحالف مع الطبقة العاملة في هذا النضال الا اذا كانت مضطرة الى ذلك. لذا فكلما تعاظم التفاف الجماهير الكادحة تحت قيادة الطبقة العاملة كلما ازداد احتمال رضوخ البرجوازية للتعاون مع الطبقة العاملة في تحقيق الثورة. فالبرجوازية لا تتحالف مع الطبقة العاملة الا اذا عجزت هي عن تحقيق الثورة بمفردها وبدون التحالف مع الطبقة العاملة. وفي هذا الصراع تبرز حكمة ومهارة البرجوازية في خدع قيادة الطبقة العاملة وجذبها ذيلا لها في الثورة. والتحالف المؤقت بين العدوين الدائمين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية هو ما يسمى بالجبهة الوطنية في مرحلة الثورة البرجوازية. فالجبهة الوطنية لا تتحقق وتؤدي الى نتائج ايجابية الا اذا كانت بين طبقة عاملة واعية منظمة تقود الجماهير الكادحة في نضالها المزدوج ضد الطبقة البرجوازية ومن اجل تحقيق الثورة البرجوازية. هذا هو المبدأ الرئيسي في صراع الطبقة العاملة من اجل تحقيق وقيادة الثورة البرجوازية، مبدا النضال الدائم ضد البرجوازية والتحالف المؤقت مع الطبقة البرجوازية فيما يتعلق بتحقيق الثورة البرجوازية. في اللحظة التي تنسى قيادة الطبقة العاملة هذا المبدأ الاساسي تنحرف هذه القيادة لصالح الطبقة البرجوازية وتصبح هي والطبقة العاملة وسائر الكادحين ذيلا للبرجوازية في الثورة البرجوازية. والطبقة البرجوازية لا تتوانى لحظة عن النضال من اجل حرف قيادة الطبقة العاملة عن هذا المبدأ الاساسي واقناعها على تفضيل التحالف معها ولو مؤقتا على الصراع الدائم ضدها. ليس من السهل تحقيق اهداف الطبقة البرجوازية في هذا المضمار ولذلك تبحث عن وسائل لتحقيق الثورة البرجوازية بمعزل عن الجماهير الكادحة خوفا من تسليح الجماهير في ثورة مسلحة قد تتحول الطبقة العاملة من حليفة للبرجوازية فيها الى عدو مسلح ضدها وهذا ما جعل الطبقات البرجوازية في منطقة الشرق الاوسط مثلا تعمل على تحقيق الثورات البرجوازية عن طريق الانقلابات العسكرية اذ ان هذه الانقلابات تحررها من ضرورة تسليح الجماهير للقيام بثورة برجوازية مسلحة. وسؤالك الاخر" وفي حال استطاعت البروليتاريا قيادة الثورة البرجوازية متى يتوجب اعلان الثورة الاشتراكية؟" سؤال مهم جدا. ففي حالة تحقيق الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة البرجوازية سواء في ثورة مسلحة ام في انقلاب عسكري يتحتم على الطبقة العاملة ان تعلن منذ الدقيقة الاولى للثورة تحول شعارها الاستراتيجي من شعار تحقيق الثورة البرجوازية الى شعار الثورة الاشتراكية. فنضال الطبقة العاملة من اجل تحقيق الثورة البرجوازية ينحصر في الاساس في تحويل الطبقة البرجوازية الى الطبقة الحاكمة التي يجب الاطاحة بها من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية. فمرحلة الثورة الاشتراكية تبدأ في الواقع في يوم انتصار الثورة البرجوازية. ولا يعني هذا ان على الطبقة العاملة ان تعلن الثورة الاشتراكية فورا بل يعني ان على الطبقة العاملة وقيادتها ان تحول عملها من النضال من اجل تحقيق الثورة البرجوازية الى النضال من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية مع كل ما يتضمنه هذا التحول، الى جانب تغيير الشعار الاستراتيجي، من تغيير تكتيك النضال اليومي من اجل التحضير واجتذاب الجماهير حول شعار الثورة الاشتراكية. وهذا نضال قد يطول ويقصر حسب ظروف النضال ولكن على الطبقة ان لا تنسى هذا النضال ولو لحظة واحدة. اما اذا نجحت الطبقة العاملة في قيادة الثورة البرجوازية فالوضع يختلف تماما عن تحقق الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية. ان نجاح الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة يعني ثورة مسلحة تشنها الجماهير الكادحة تحت قيادة الطبقة العاملة للاطاحة بالنظام الاقطاعي او شبه الاقطاعي. تكون من نتائج تحقيق الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة قيام حكومة ثورية بقيادة الطبقة العاملة تشترك فيها المراتب والفئات التي ساهمت في الثورة بما فيها فئات من الطبقة البرجوازية. وقد اطلق لينين على مثل هذه الحكومة دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية. واطلق عليها في اوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية اسم الديمقراطيات الشعبية وكانت اكبر واقوى حكومة من هذا النوع حكومة الصين الشعبية التي نشأت في الاول من تشرين الاول سنة ۱٩٤٩. ان موضوع التحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية يختلف في مثل هذه الثورة عن الثورات البرجوازية التي تتحقق بقيادة البرجوازية. فالتحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية يحدث في لحظة نجاح الثورة البرجوازية وتكوين دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية كما هو الحال في الثورة البرجوازية التي تتحقق بقيادة البرجوازية. ولكن العمل من اجل التحضير للثورة الاشتراكية في هذه الحال يختلف جوهريا عن العمل في الثورات البرجوازية التي تتحقق بقيادة البرجوازية. الفرق الاساسي في هذه الحالة هو وجود حكومة دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية على السلطة. اذ ان هذه الحكومة ترى من مصلحتها التحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية بخلاف الحكومات البرجوازية التي تنشأ في الثورات البرجوازية التي تقودها البرجوازية. فالطبقة البرجوازية تبدأ منذ اليوم الاول لنجاحها في تحقيق الثورة البرجوازية في النضال ضد الطبقة العاملة التي تصبح العدو الخطر الذي يهدف الى الاطاحة بها. اما دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية فترى ان من واجبها العمل منذ اليوم الاول على التحول الى مرحلة الثورة الاشتراكية. فبينما يكون نضال الطبقة العاملة بعد تحقق الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية النضال من اجل تحقيق الاطاحة بالسلطة البرجوازية يكون من واجب الطبقة العاملة التعاون مع السلطة الجديدة، دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية، من اجل القضاء على السلطة البرجوازية الشريكة التي لا يتم القضاء عليها في الثورة البرجوازية. فالنضال من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية في هذه الحالة هو نضال مشترك بين السلطة والجماهير الكادحة وليس نضالا للاطاحة بالسلطة وتحقيق سلطة اخرى. انه نضال من اجل تحويل دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية الى دكتاتورية الطبقة العاملة سلميا بدون ثورة مسلحة. وهذا يعني ان هذا التحول يجري من اعلى، من السلطة، ومن الاسفل، من الجماهير الكادحة، لتحقيق هذا الانتقال. وهذا يعني في الاساس بان التحول من الثورة البرجوازية الى الثورة الاشتراكية لا يجري عن طريق ثورة مسلحة تطيح بالسلطة القائمة بل يجري بمساندة الجماهير الكادحة للسلطة القائمة على تحقيق ازاحة الطبقات البرجوازية تدريجيا عن الحكم وعن المشاريع الراسمالية المتبقية. فلا حاجة في هذه الحالة الى ثورة مسلحة وهذا يعني ان التحول يجري عن طريق صراع بين السلطة والطبقات الكادحة من جهة وبين بقايا البرجوازية من جهة اخرى. هذا هو الفرق بين التحول من الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة البرجواية الى الثورة الاشتراكية وبين التحول الذي يجري في دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية الى دكتاتورية البروليتاريا. ان فشل الديمقراطيات الشعبية في اوروبا نجم عن عدم النجاح في التقدم الثوري من دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية الى دكتاتورية البروليتاريا خصوصا بعد ان تحول الاتحاد السوفييتي من عامل مساعد ومرشد لهذا التحول الى عدو له من قبل الحكومات الخروشوفية. ويبدو ان السبب ذاته ادى الى تحول الديمقراطية الشعبية في الصين الى حكومة برجوازية. فان النضال الضروري الذي يحتم على دكتاورية العمال والفلاحين الثورية الكفاح ضد بقايا الراسمالية والقضاء عليها تدريجيا حتى بلوغ تحول دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية الى دكتاتورية البروليتاريا لم يتحقق بالطريقة الماركسية الصحيحة. ان النضال المشترك من الاعلى، السلطة، ومن الاسفل، الجماهير الكادحة، هو الضمان الوحيد للتحول من دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية الى دكتاتورية البروليتاريا وهو نضال معقد ولكنه النضال الوحيد الذي يؤدي الى هذا الهدف. عزيزي القارئ الكويتي. اعترف بانني امي فيما يتعلق بظروف الصراع الطبقي في الكويت. لذلك كان بحثي اعلاه عبارة عن بحث نظري ينطبق عموما على الكثير من البلدان اذا لم يكن جميعها وقد تحاشيت التطرق الى التجارب العملية في هذا المضمار وخصوصا تحاشيت التحدث عن ظروف الكويت التي اجهلها اطلاقا. ولكني احاول في الفقرات التالية ان ابين بعض التجارب التي عشتها او راقبتها في الصراع الطبقي في العراق لعلها تقدم بعض الفوائد لك ولقرائي الكرام. في سنة ۱٩٤٥ قررت الاحزاب والمنظمات البرجوازية القيام باضراب عام ليوم واحد. وقد فاوضت هذه الاحزاب الحزب الشيوعي العراقي للانضمام الى الاضراب. لم تكن الاحزاب البرجوازية العراقية تعترف بوجود الحزب الشيوعي العراقي لانها تعتبره حزبا غير شرعي. ولكنها كانت عاجزة عن تحقيق الاضراب العام بدون اشتراك الحزب الشيوعي فيه لان الحزب الشيوعي السري غير الشرعي كان اقوى حزب سياسي جماهيري في العراق في تلك الفترة. وفعلا تحققت الجبهة الوطنية ليوم واحد بين الاحزاب البرجوازية والحزب الشيوعي من اجل انجاح الاضراب العام. وحقق الاضراب نجاحا باهرا. كان الحزب الشيوعي يعتقد ان مساندة الاضراب بمظاهرة جماهيرية يؤدي الى المزيد من نجاحه وفاوض الاحزاب الحليفة على القيام بمظاهرة مشتركة في هذه المناسبة. ولكن الاحزاب البرجوازية لم تستجب لاقتراج الحزب الشيوعي في هذا الصدد فلم يكن لدى الحزب الشيوعي خيار الا ان ينظم المظاهرة بنفسه منفردا. وبدأت المظاهرة فحاصرتها قوات من الشرطة في كلية الهندسة وبقيت المظاهرة في داخل الكلية الى حين انتهاء الاضراب. وقد ظهرت الصحف البرجوازية وغيرها في اليوم التالي تهاجم الحزب الشيوعي لانه شوه قدسية الاضراب بالقيام بالمظاهرة. وقد رد عليهم فهد ردا قاسيا افحمهم فيه وكنا نسميهم انذاك باصحاب قدسية الاضراب. اوردت هذا المثل كنموذج لمفهوم الجبهة لدى الحزب الشيوعي بقيادة الماركسي فهد. فالحزب الشيوعي التزم بكل الامور التي جرى الاتفاق عليها من اجل تحقيق الاضراب وانجاحه. ولكن الحزب الشيوعي لا يقيد سياسته بسياسة الاحزاب البرجوازية حتى لدى وجود الجبهة وانما يعمل وفقا للسياسة التي يراها صحيحة فيما لا يتعلق بالاتفاق الجبهوي. فهو مستقل في اتباع السياسة الصحيحة سواء اوافقت عليها الاحزاب المتحالفة معه ام لم توافق. هذا مثل على مفهوم الجبهة لدى الحزب الشيوعي، مفهوم ان الجبهة تحالف مؤقت بين عدوين دائميين. المثل الثاني هو المفاوضات التي جرت بين الحزب الشيوعي العراقي وبين الاحزاب البرجوازية سنة ۱٩٥٦. في هذه المفاوضات قدم زعيم البرجوازية كامل الجادرجي شروطا للموافقة على انضمام الحزب الشيوعي الى الجبهة. كانت هذه الشروط قاسية بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي. طلب كامل الجادرجي من الحزب اولا ان يتخلى عن سياسة المراحل. وهذا يعني ان على الحزب ان يتخلى عن شعار المرحلتين، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية. وطلب كامل الجادرجي من الحزب ان يتخلى عن موضوع قيادة فئة للجبهة. وهذا يعني ان على الحزب الشيوعي ان يخضع لقيادة البرجوازية للجبهة بدون الاصرار على قيادة الحزب الشيوعي لجماهيره الكادحة في الجبهة وهذا يعني اقتصار الجبهة على الاساليب البرجوازية للنضال والتخلي عن الاساليب الشيوعية خلال وجود الجبهة. وكان الطلب الثالث هو ان يوافق الحزب على انضمام الاحزاب القومية الرجعية، حزب الاستقلال، الى الجبهة لخلق التوازين بين اليمين واليسار على حد تعبير الجادرجي. وافق الحزب الشيوعي على كل هذه الشروط المذلة من اجل الانضمام الى الجبهة وبذلك نجحت البرجوازية في جعل الحزب الشيوعي والطبقة العاملة والكادحين ذيلا للبرجوازية في الجبهة. وقد ظهر ذلك واضحا يوم ثورة تموز حين اشتركت كل الاحزاب المنتمية الى الجبهة في حكومة الثورة باستثناء الحزب الشيوعي. اورد مثالا اخر فقط على تفضيل الجبهة على قيادة الطبقة العاملة اي اعتبار التحالف بين الطبقة العاملة ممثلة في الحزب الشيوعي والطبقة البرجوازية اهم من العداء الدائم والمستمر بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية. في الجبهة التي عقدت سنة ۱٩٧۳ بين الحزب الشيوعي وحزب صدام كان من شروط الجبهة ان يتخلى الحزب الشيوعي عن الكثير من اسس نضاله. فوافق على التخلي عن العمل في القوات المسلحة ووافق على قانون الحكم على كل عسكري يثبت ان له علاقة بالحزب الشيوعي بالاعدام. وقد جرى اعدام عدد من اعضاء الحزب الشيوعي بهذه التهمة اثناء قيام الجبهة. وتخلى الحزب الشيوعي عن العمل في نقابات العمال وحتى في ترشيح اعضائه علنا في الانتخابات. ووافق على التخلي عن العمل في المنظمات الفلاحية. ووافق على التخلي عن النضال بين الطلبة. ووافق على "تجميد" اي حل جميع المنظمات الاجتماعية التي وضعت بالحزب الشيوعي ثقتها وانتخبته لقيادتها من على منبر المؤتمر. وافق الحزب على كل هذه الشروط المذلة من اجل الانضمام الى جبهة بين حزب ليس له سوى ما يتكرم عليه به حزب البعث الحاكم من اموال لاقامة مقر الحزب والاستمرار في العمل ومن سيارات المرسيدس لاعضاء القيادة وبين حزب له السلطة وثروات المجتمع والجيش والشرطة والاستخبارات والسجون والمحاكم. هنا كان ترجيح الصداقة بين السلطة البرجوازية والطبقة العاملة على العداء الدائم بين الطبقة العاملة والطبقة التي تستغلها، الطبقة الراسمالية، باوضح اشكاله. وقد جرى ذلك ليس من اجل تحقيق الثورة البرجوازية حيث توجد امكانيات التحالف بين البرجوازية والطبقة العاملة وانما في مرحلة وجود الطبقة البرجوازية في الحكم اي بعد انجاز الثورة البرجوازية وتحول الطبقة العاملة من مرحلة النضال من اجل تحقيق الثورة البرجوازية الى مرحلة النضال من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية بالاطاحة بالطبقة الحاكمة الراسمالية. ان بحث تفاصيل مثل هذه الجبهات، التي جرت بدفع من السلطات السوفييتية الخروشوفية يطول ولكني اكتفي بهذه الامثلة الموجزة لعل فيها بعض الفائدة لك ولكل مناضل حقيقي من اجل مصالح الطبقة العاملة.
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وحي كتاب سفر ومحطات - الطريق اللاراسمالي
-
لا ديمقراطية بدون دكتاتورية
-
من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم
-
الثورة البرجوازية وضرورتها
-
نظام الاجور في الدولة الاشتراكية
-
باسل ديوب-كلمة شكر
-
من وحي كتاب سفر ومحطات. عبادة الحزب
-
جعفر ابو العيس
-
خواطر يهودي عراقي سابق
-
من مرحلة اعداد مسودة الدستور الى مرحلة الاستفتاء عليها
-
مفهوم الربح في الراسمالية وفي الاشتراكية
-
مهزلة الدستور
-
جواب الى قارئ اخر
-
جواب الى قارئ كويتي
-
الصناعة الاشتراكية
-
ذكرى ثورة 14 تموز
-
رسالة تهنئة الى الاخ نجم الدليمي
-
ظروف اليهود العراقيين في اسرائيل
-
ملكية العمال الاشتراكية وراسمالية الدولة
-
الدعوة الى الحوار لحل الازمة العراقية
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|