|
سقوط نظريته فى العصبية فى مصر المملوكية ، وموت ابن خلدون الغامض
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4948 - 2015 / 10 / 7 - 18:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون الفصل الرابع : كان إبن خلدون في مصر، فهل كانت مصر في إبن خلـدون ؟
سقوط نظريته فى العصبية فى مصر المملوكية في ضوء عقيدة الفاعل الصوفية يمكن تفسير حياة إبن خلدون بين الصعود والسقوط ، ويمكن أن نفهم من خلالها لماذا غابت مصر عن تاريخه وثقافته ، ولماذا لم يكن له فيها كثيرون من المعجبين والتلاميذ . ولكنها ليست الإحتمال الأخير . . ربما كان السبب هو سقوط نظريته فى العصبية فى مصر المملوكية .
1 ــ إذ ربما يكون السبب أنه وجد في مصر ما يناقض الأساس الذي أقام عليه نظريته الكبرى في المقدمة ، وهي فكرة العصبية . 2 ــ ففكرة العصبية نجدها مثالية في المجتمعات الصحراوية حيث القبائل وحيث تقوم القبيلة على النسب الواحد ، وتكون القبيلة دولة متحركة بجيشها وقيادتها ونظامها الداخلي ، هى ثابتة بنسبها ولكن المكان متغير حسب قوة تلك القبيلة أو القبائل المتحالفة معا ، إذ تمتد تلك القبيلة بنفوذها وتحالفاتها وسيطرتها بقدر ما تصل إليه قوتها ،وسرعان ما تقوم الدول المؤقتة والمتحركة وسرعان أيضا ما تسقط ، دون إستقرار وثبات . هنا ـ فى دول العصبية ومناطقها ـ يكون الإنتماء ليس للمكان والوطن بل للنسب والقبيلة ، فالمكان هناك مجرد جهة متغيرة ومتحركة . ( حتى الأن يطلقون فى تونس على المكان جهة، أو الجهوية ). نجد العكس فى المجتمعات المستقرة الزراعية الثابتة ، فيها يكون الإنتماء الوحيد للمكان وللبلد أو حتى المدينة والقرية ، فتنتشر فى مصر أسماء الأشخاص تعكس إنتماءهم الى بلادهم. تنتشر فى مصر أسماء ( الاسكندراى ) ( الطنطاوى ) ( الجرجاوى ) ( المنياوى )( البحراوى )( الدمياطى ) ( الرشيدى )( الغرباوى )( الأسيوطى ) ( السيوطى )( القناوى ) ( الطهطاوى)( الصعيدى ) ( الشرقاوى ) ( البحيرى ) ( المنوفى ) ( السنباطى ) ( السخاوى ) ( البنهاوى ) ( الصاوى ) ( الاسوانى ) ( الأبنودى ) ( الطحاوى ) ( البهنساوى )( المنفلوطى )( السبكى ) ( البسيونى ) ( السويسى ) ( القرافى )( الأدفوى )( الجيزاوى )( المحلاوى ) ..الخ . بل إن الوافدين الذين إستقروا بمصر حملوا فى مصر إسم بلدهم الأصلى ( المكاوى ) ( المدنى ) ( الشامى )( المغربى ) ( التونسى ) ( المقريزى ) ( الفاسى ) ( الحجازى ) ( العراقى ) ( البصرى ) ( اليمنى )( حلبى )( البغدادى ) ( الكوفى ) ( النجدى ) ( الصفدى ) ( النابلسى ) ( الغزاوى ) ( العينى )..الخ . فى مصر ــ ممثلة للبيئة النهرية المستقرة ـ يتركز الانتماء للمكان وللوطن كله وللدولة المستقرة منذ آلاف السنين وللقرية أو المدينة مسقط الرأس، وتلك هي الثقافة المصرية التي تخالف – إن لم تناقض – خبرة إبن خلدون التي أسس عليها مقدمته . 3 ــ ويزيد من ذلك نظام الحكم المملوكي الذي عاش إبن خلدون في كنفه في مصر ، فهو نظام يناقض تماما جوهر فكرة العصبية الخلدونية القائم على النسب والقبيلة ، فأولئك المماليك الحكام لا أصل لهم أساسا ولا نسب ، إذ يؤتى بأحدهم رقيقا من بلد مجهول ويتنقل من يد إلى أخرى إلى أن يباع في مصر ، وإذا حاز على إعجاب سيده يعتقه ، ويصير جنديا ،ثم يتعين عليه إذا أراد أن يترقى أن يدخل في حياة التآمر – وفي حياة التآمر هذه لا يكون إنتماؤه وولاؤه إلا لذاته ، لذلك فإن الأمير المملوكي لا يحفظ عهدا ،وإنما يبيع ولاءه أو ينقله حسب مصلحته ، وبذلك يصل إلى الإمارة أو السلطنة ، وقد يقتل قبل ذلك أو بعدها حسب الظروف ، ولكنها في النهاية معادلة مختلفة في بدايتها وفي تطورها عن تلك المعادلة البسيطة التي أقامها إبن خلدون في المقدمة. ويكفي ذلك التشابك المعقد في النظام المملوكي السائد والمستقر في مصر والذي لم يسقط برغم ما في داخله من تآمر وشقاق ، والذي لم يسقط إلا بسبب تدخل خارجي وبظرف إستثنائي عجيب على يد سليم الأول العثمانى ، بل إن نظام المماليك إستمر يحكم مصر محليا فى إطار الدولة العثمانية . ويتضح من المستحيل أن ينجح ذلك النظام المملوكي في موطن إبن خلدون القائم على العصبية والأنساب المستقرة في المنطقة ، كما كان من المستحيل أيضا أن تنجح كل نظريات العصبية الخلدونية وتفصيلاتها المتعددة على الحالة المصرية النهرية المستقرة ، تلك الحالة التي سمحت باستمرار حكم أجنبي ظالم رقيق مجلوب الى مصر يحكم مصر وأهلها من الأحرار . 4 ــ وكان مفروضا أن يعيد إبن خلدون كتابة المقدمة على أسس جديدة بحيث تكون مصر حاضرة فيها بظروفها العادية وظروفها الإستثنائية الغريبة ، مثل خضوعها للماليك القادمين رقيقا من سائر بلاد العالم ، إلا أن إبن خلدون قام بتنقيح المقدمة والتاريخ شكليا واكتفى بذلك ، ربما تعصبا لموطنه وربما لأنه علق الأمور كلها على وحدة الفاعل ، وربما لأسباب أخرى تظل مجهولة لدينا؛مثل نهاية حياته الغامضة . موت ابن خلدون الغامض 1 ـ فقد مات إبن خلدون ( فجأة ) كما قال المؤرخون،وبعد أن تولى القضاء بأيام ، يوم الأربعاء 26 رمضان 808 هـ. 2 ــ صحيح أنه كان في السادسة والسبعين من عمره ، وهو سن مثالى ومناسب تماما للموت ، ولكن هذا الموت المفاجئ يسمح بظهور علامات إستفهام، يعززها خصومات إبن خلدون ، والمكائد التي أدخل نفسه فيها في المرحلة الأخيرة من حياته ، وما كان يتخلل هذه الخصومات من موت مفاجئ . 3 ــ ثم كان موت ابن خلدون الغامض هذا واقعا ضمن سلسلة من الموتات الغامضة في ذلك الوقت . ونعطي بعض الأمثلة من عصر إبن خلدون ونقتصر على إيرادها على مصدر تاريخى واحد فقط ،هو: ( إنباء الغُمر بأبناء العمر ) الذى كتبه المؤرخ الفقيه الإمام إبن حجر العسقلانى ، ورتبه فى التأريخ لسنوات عمره من سنة ميلاده ، حيث كان يسجل الأحداث شاهدا على العصر . من ( إنباء الغُمر بأنباء العُمر ) ننقل هذه الأحداث عن إغتيالات غامضة لم يتم التعرف على القتلة فيها. ونرتب هذه الأحداث حسب السنين : 1- في سنة 789 جاء ناصر الدين الحلبي من حلب إلى القاهرة بسبب وظائف يتم توزيعها ، وكان بارعا في الفقه والحديث والأدب ، ومشهورا بحسن الخط وجودة الضبط ، فمات فجأة ، فاجأته الوفاة في ربيع الآخر 789 ويقال أنه مات مسموما . 2- ووفد أحمد بن يزيد الحنفي المشهور بمولانا زادة الحنفي إلى مصر تسبقه شهرته ، فأقام في خانقاه سعيد السعداء ، وجاءته وظائف كثيرة ، ثم دس بعض الحاسدين له سما فمات في المحرم سنة 791 وكان مشهورا بالذكاء . 3- وكان إبن مكانس أعجوبة في الذكاء والشعر والكتابة ، وقد استدعوه إلى القاهرة فاغتيل بالسم في الطريق ، فدخل القاهرة ميتا في 15 ذي الحجة 794. 4- وكان عمر الفوي أعجوبة في الحفظ ماهرا في الفقه والفرائض ، وتم اغتياله سنة 801 ، وكالعادة لم يعرف قاتله . 5- وكان شرف الدين الدماميني غريما لإبن غراب ـ وإسمه سعد الدين إبراهيم ، وكان إبن غراب هذا هو الذي سيطر على السلطان الناصر فرج بن برقوق ، وقد أرسل إبن غراب ذلك الرجل شرف الدين الدماميني قاضيا على الإسكندرية، وسرعان ما مات مسموما فيها سنة 803 . 6 ـ والمشهور أن إبن غراب هذا هو الذي أقام الناصر فرج سلطانا وكان صبيا صغيرا ، وهو الذي أثار عليه الأمراء المماليك ، ثم هو الذي أقنع السلطان الصغير بالإختفاء ، ثم أقام أخاه الأصغر سلطانا ، ثم أعاد الناصر فرج للسلطنة ، وخلع أخاه الأصغر ، وظل متحكما في سلطنة الناصر فرج إلى أن مات ( أي إبن غراب ) فجأة سنة 808 وكان في الثلاثين من عمره . هناك بين السطورعلاقة غامضة بين ابن خلدون ( الشيخ العبقرى فى فنّ التآمر ) وهذا الشاب المصرى العبقرى سياسيا ( سعد الدين ابراهيم : المشهور بابن غراب ) ؟ ومن الغريب أن يموتا معا وفجأة وفى نفس التوقيت تقريبا عام 808 .! هل هى مصادفة ؟ . أخيرا هذا الغموض لا يزال يؤرقنا .. دعنا نفتش بين السطور فى علاقة ( الشيخ ) ابن خلدون ( عبقرى التاريخ ) بالشاب المصرى المجهول ( عبقرى السياسة ) ، ربما نجد إجابات أخرى . وإذا عجزنا فمن حقنا أن نتخيل ، ليس فى بحث تاريخى ، ولكن فى تصور درامى .
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابن خلدون بين التعصب لموطنه وإيمانه بعقيدة وحدة الفاعل الصوف
...
-
ظواهر غريبة فى علاقة ابن خلدون بمصر
-
الاسلام ليس دينا ذكوريا
-
: كان إبن خلدون في مصر، فهل كانت مصر في إبن خلدون ؟
-
الرسوم التى تأخذها السعودية من الحجاج سُحتُّ وحرام..ونذالة أ
...
-
ابن خلدون : إحترنا فيك .!
-
إجتهادات خلدونية في متفرقات إجتماعية: علم إجتماع المدن والصر
...
-
وصفة سحرية خلدونية للإصلاح الإقتصادي: الضرائب ، تحديد النسل
...
-
وصفة سحرية خلدونية للإصلاح الإقتصادي: عدم تدخل الدولة فى الا
...
-
– إجتهادات خلدونية في إقتصاديات العمران ( علم العمران أو الإ
...
-
آل سعود : على دين الكذاب أبى هريرة
-
( ق2 ف3 ) أ إجتهادات سياسية لإبن خلدون سارية المفعول
-
رسالة الى الأحبة : عن التسجيل فى موقع أهل القرآن
-
( ق2 ف3 ) أ إجتهادات خلدونية في السياسة العمرانية (علم الاج
...
-
زوجة مردت على النفاق .!!
-
( ق2 ف3 ) عبقرية إجتهادات إبن خلدون في علم العمران (الإجتماع
...
-
سبحانك ربى .. هذا بُهتان عظيم .!! .الى متى يستمر تشويه الاسل
...
-
( ق2 ف3 ) : أخطاء خلدونية مختلفة
-
( ق2 ف3 ) أخطاء خلدونية منهجية
-
الاجتناب .. ولآخر مرة .!!
المزيد.....
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
مصدر في الفاتيكان يوضح آخر تطورات الحالة الصحية للبابا فرانس
...
-
السعودية.. إنقاذ حياة 20 شخصا بعد تعرضهم لتوقف القلب قرب الم
...
-
الشرع: قتل أفراد من الطائفة العلوية يهدد الوحدة السورية
-
تردد قناة طيور الجنة toyour jana على الاقمار الصناعية
-
60 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
-
مؤتمر الأساقفة قلق من صعود -البديل- في الانتخابات الألمانية
...
-
لوموند: هل تستهدف فرنسا المدارس الإسلامية الخاصة؟
-
اعتنق الإسلام وتزوج جزائرية.. قصة ريبيري قاهر التنمر وصانع ا
...
-
“من هنا” رابط تسجيل الاعتكاف في المسجد الحرام 1446 وأهم الشر
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|