|
(المفكر الإسلامي) لا يفكر على الإطلاق
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4947 - 2015 / 10 / 6 - 22:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(المفكر الإسلامي) لا يفكر على الإطلاق يخطئ معشر المفكرين ذوي المرجعية الدينية عندما يقدمون أفكارهم على أنها من "الفكر الديني" بينما هم يؤمنون بذات الوقت أن العالم وجد وتطور إلى ما هو عليه الآن بمشيئة من "الله" التي لا تتقيد بأي منطق كالمنطق الذي يقيد التفكير البشري . الله حسب الديانات بمختلف أجناسها خلق العالم دون مسؤولية أي أنه لا يُسأل عن السبب، كما أن أي تغيرات في هذا العالم إنما تحدث بأمر من الله دون مسؤولية أيضاً فأي من جهابذة الإكليروس يمكنه أن يسأل الله عن سبب أي تغييرات غيرها في عالمنا !؟ ومن منهم يمكنه التنبوء بما يشاء الله بعد هنيهة !؟ فطالما أن الأمر هو كذلك بإجماع "علماء" الدين ففيما هم يتفكرون !؟ هم مستلبون ومحرم عليهم التفكير ولذلك فإن تفكيرهم، إن بأمور الدين أم بأمور الدنيا، إنما هو كفر بالله وهو من أفعال الخطيئة الكبرى . ثم إن الدين إنما هو فعل إيمان والإيمان كما هو معروف ومعرّف لا يخضع للمنطق الذي هو الشرط المطلق للفكر والتفكير . بناء عليه يفقد تعبير "الفكر الديني" شرعيته ومعناه ؛ واستدراجاً يصبح تعبير "المفكر الإسلامي" مسخرة ما بعدها مسخرة إذ لا يمكن لمن يقدم نفسه على أنه مفكر إسلامي الإدعاء بأن إرادة الله تخضع لأية شروط أو قوانين وأنه هو نفسه يمتلك مثل هذه الشروط والقوانين وهو التبرير الوحيد لادعائه بأنه مفكر إسلامي، وفي تلك الحالة إن صحت لا يعود هناك حاجة لوجود الله نفسه . ويحسن المسيحيون صنعاً بعدم الإدعاء بالفكر المسيحي أو المفكر المسيحي .
ثم ما هو التفكير الذي لا تمتلكه أية أحياء أخرى غير الإنسان ؟ الإنسان يطرح فكرة معينة (Thesis) ليقارنها بالفكرة المناقضة لها (Antithesis) ويتفحص العلاقة المتواترة بينهما ليخلص إلى فكرة ثالثة مختلفة تماماً عن الفكرتبن المتعارضتين (Synthesis) بل وتنفيهما، ذلك هو حصراً الإطار الذي يحد التفكير البشري . نحن نعلم أن جميع الأديان تتأسس على أطروحة الخليقة، خلق الوجود وما كان بغير أطروحة الخلق أن يكون هناك أي دين . مثل هذه الأطروحة (Thesis) لا يتواجد نقيض لها (Antithesis) فلم يدّع أي من الأديان بأن ثمة لا وجود أو إنعدام مطلق فيما قبل الخليقة ؛ وبناء عليه ينتفي كل تفكير يتعلق بهذه الأطروحة التي لا يجوز أن تطرح طالما أن ليس هناك معبر فكري بين العدم، اللاوجود، إلى الوجود . تلك الحقيقة التي لا مراء فيها تنفي نفياً مطلقاً خصوصية التفكير عن كل الدعاوى الدينية ؛ حيث بمجرد أن يقال خلق الله العالم فثمة افتراض ضمني بأن العالم لم يكن له وجود قبل الخلق وهذا ليس وارداً حتى في الأديان نفسها . وفعل الخلق إفتراض خاطئ لا يجوز افتراضه . سفر التكوين المعتمد من قبل الديانات الإبراهيمية الثلاث يقول أن ما قبل التكوين .." كانت الأرض خربة وروح الله ترفرف فوق الغمر " وهو ما يعني أنه لم يكن هناك فعل الخلق وهذه الصورة منقولة عن اسطورة الخليقة البابلية " Enûma Eliš-;---;-- " التي نقلها الأسرى الذين حررهم امبراطور الفرس كورش وأعادهم من بابل إلى يهودا في العام 537 ق . م . كما نقلوا عن الفولكلور السومري حكاية الشيخ "أبرام" وزوجته غير الشقيقة "ساراي" ونزوحهما مع عبيدهما ومواشيهما من بلدهما "أور" في أدنى الفرات وقد غمرها فيضانه إلى أعالي الفرات في بلدة "حرّان" شرق الأناضول، غير أن العائدين من الأسر البابلي غيروا في رواية ابرام إذ غيروا اسمه واسم زوجته وجعلوه يأتي إلى فلسطين ليَعِده الله بفلسطين له ولأنساله وما كان هذا إلا حجة لمنع أي سبيٍ آخر . المسيحيون أتباع بولس لم يضيفوا إلى قصة التوراه في الخلق، غير أن المسلمين أضافوا القول .." أولم يرَ الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما " وهو ما يعني أن السموات والأرض كانتا موجودتين قبل الخليقىة وأن الله كما في القرآن لم يمارس فعل الخلق بل قام بفتق الرتق لتبتعد السماء عن الأرض في سبع طبقات من الدخان (؟؟) لكل منها باب يحرسه أحد الأنبياء !!
كل هذه التصورات الدينية المدّعاة عن الخليقة تؤكد أن الخليقة لم تحدث . الخليقة تحدث فقط بتحقق شرط واحد وحيد وهو أن العدم كان سابقاً للخليقة وأن الخليقة قد خُلقت من العدم وبعده ـ النقيض يتواجد مع نقيضه لينعدما في حالة جديدة . لن ينعدم "مفكرون" دينيون يتنازلون عن فكرة الخلق، وهي البذرة التي نبتت منها كل الديانات، يدفعهم إلى ذلك غريزة الدفاع عن الذات، من أجل أن يحتفظوا بميّزتهم الفكرية طالما كان هناك عالم قبل العالم الذي نعرفة وهو مذكور في الديانات الإبراهيمية الثلاث . في هذه الحالة تنتفي هناك الاطروحة (Thesis) ونقيضها (Antithesis) ولم يعد هناك حاجة للتفكير لإنتاج الجديد المبتدع (Synthesis) . بالتنازل عن فكرة الخلق ينتفي الفكر الديني بل وتنتفي الآلهة . مجرد أن يعتقد أحدهم بوجود إله مسؤول عن كل حركة في هذا الكون الفسيح وهو يفعلها بغير ما سبب فذلك يعني مباشرة أن هذا الأحد ينكر إنكاراً مطلقا سنّة التطور وأن لكل فعل سبب فلا يجوز له أن يدعي أن تسخين الماء لدرجة معينة يتسبب بالغليان وتحول الماء إلى غاز حيث عقيدته تقول أن كل الحركات في الطبيعة لا تحث إلا بإذن الله، وكأن يمكن تسخين الماء إلى درجة الغليان دون أن يغلي بأمرٍ ن الله .
يحاذر أدعياء ما يسمى بالفكر الديني من الإعتراف بأنهم ينكرون سنة التطور ولعلهم يقبلون بافتراض ماركس الذي يقول .. إن كان الله قد خلق العالم فقد خلقة وطار وترك العالم لنفسه !! إن كان الله قد جبل المادة بسنة التطور فذلك لا يعني أن ميكانزم التطور في المادة هي من صنيعة قوى من خارج المادة . كل العلوم تؤكد أن ميكانزم التطور هي الجبلة الأساسية للمادة . ولا مادة بدون حركة والحركة هي ذاتها قانون التطور، إنها القانون العام للحركة في الطبيعة وهي بتعريف ماركس "المادية الديالكتيكية "
لم يلوث الفكر العربي ويفسده كما لوثه وأفسده "المفكرون الإسلاميون" . الزائر للمكتبة العربية يجد فيها آلاف الأطنان من المجلدات الضخمة تتحدث عما يسمى "الفكر الإسلامي" وكيف يستسلم المسلم إلى الله، وقلما يجد كتباً قليلة تتحدث في العلوم بمختلف أجناسها . المقارنة بين هؤلاء المفكرين الاسلاميين والمستعمرين الاتجليز والفرنسيين الذين احتلوا بلاد الشام والعراق تفرض نفسها لنذكر المستعمرين بالخير حيث تعلمنا في المدارس إبّان الاستعمار العلوم والرياضيات والكيمياء والجبر وعلم الأحياء، وأما آباؤنا فلم يدرسوا غير إنتاج المفكرين الإسلاميين في الدين وفي اللغة العربية والتركية، وفي تاريخ السلاطين الكاذب المزور . كل الهمجية والتطرف اللذين تعاني منهما اليوم الشعوب العربية في مختلف بلدانها كما لم تعانِ من قبل إنما هو النتيجة الطبيعية لاستشراء "الفكر" الإسلامي على يد من يصفون أنفسهم بالمفكرين الاسلاميين .
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القطبة المخفية في الانتفاضة السورية
-
ما بين مالثوس وماركس
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 5
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 4
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 3
-
وليد يوسف عطو يسب الشيوعيين بحماية الحوار المتمدن
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) -2-
-
أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم)
-
- الماركسيون - المنهزمون
-
المانيفيستو الشيوعي اليوم
-
إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني (مرة أخرى)
-
هروب العالم من الاستحقاق الإشتراكي (2)
-
هروب العالم من الاستحقاق الإشتراكي (1)
-
لا سياسة بلا اقتصاد (3)
-
لا سياسة بلا اقتصاد (2)
-
لا سياسة بلا اقتصاد (1)
-
خصوصية الماركسي الشيوعي
-
ما هو حقا -ما بعد الماركسية- (2)
-
ما هو حقاً -ما بعد الماركسية- !؟ (1)
-
ليس للماركسية ما قبلها أو ما بعدها (10)
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|