|
الأحزب -التاريخية- أمام محكمة -المجددين-!
عادل اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 4947 - 2015 / 10 / 6 - 14:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الأحزاب "التاريخية " أمام محكمة " المجددين" ! منذ عدة سنوات ونيران النقد، والتعنيف، وحتى التشهير، تنصب بغزارة ملفتة على "رؤوس" الأحزاب "التاريخية"، التي توصف بـ"الهرمة"، و"الميتة". ويحلو لكثيرين، تحميلها كل الأوزار، ما ظهر منها وما بطن. وتنهال عليها بين الفينة والأخرى سهام لا تعرف الرحمة، هدفها إنهاء صلاحيتها (بفرمان قرقوشي)، وإحالتها إلى التقاعد، أو المتحف، في أحس الأحوال، بحجة أنها أثبتت عجزها وفشلها، وبات لزاما عليها أن "تفسح المجال" لجيل الشباب، وللحركات الجديدة كي تنهض بأعباء النضال الوطني الديمقراطي. بداية، وقبل أي كلام، وبغض النظر عن دوافع ذاك النقد ومدى موضوعيته ومبرّراته، لا مندوحة عن التأكيد أن الأحزاب "التاريخية" أو "القديمة"، لم تمنع، وليس بمقدورها أن تمنع أحدا، شخصا كان أو جماعة، من ممارسة النشاط السياسي وتأسيس أحزاب وحركات جديدة من شأنها تجاوز تلك "القديمة"، ولا أن تحول دون تصدر الشباب والمجددين مسيرة النضال من أجل التغيير والثورة ..إلخ. أما في الحقيقة والواقع، فإن تلك الأحزاب "التاريخية" تحملت، وحيدةً، أعباء النضال الوطني الديمقراطي، طيلة أربعين عاما ونيف، في ظروف بالغة القسوة والتعقيد، إن لجهة المهام الجسام المطروحة عليها والتي تصدت لها بكل ما تملك (وهو قليل)، أم لجهة خصومها وأعدائها وما يملكون ( وهو أكثر من كثير). نعم، لم تتمكن تلك الأحزاب والقوى من كسر الحصار المركب المفروض عليها، ولا من فتح الأبواب الموصدة في وجهها، ولكنها حافظت على استمرارية العمل السياسي المعارض، ولو في الحدود الدنيا، وقالت "لا" لأنظمة الفساد والاستبداد، ودفعت مقابل ذلك أثمانا باهظة. كان هم النظام الأمني أن يلاحق على مدار الساعة تلك التنظيمات الصغيرة ذات الإمكانيات المتواضعة، للحيلولة دون تجذرها وانتشارها ولو بأدنى مستوى، وذلك لإدراكه أن وقوفها على أقدامها وتحقيق وحدتها ونشر برامجها على نطاق واسع نسبيا، سيجعل القضاء عليها أو شلَّها لاحقا مهمة صعبة، قد تكلفه الكثير. كلنا نذكر الثمن المريع الذي كان يدفعه أي مواطن يقرأ بيانا لأي حزب من تلك الأحزاب. لقد تصحر المجتمع منذ السبعينات، وازداد خواءً في الثمانينات، وحتى التسعينات، فانعدمت فيه الحياة السياسية، وغاصت أحزاب المعارضة تحت الأرض اتقاء عنف النظام وضرباته المتلاحقة، وتحولت النقابات وبنى "المجتمع المدني" إلى هياكل مفرغة من أي مضمون.. وحتى النوادي الرياضية، والجمعيات السكنية، وصالونات الحلاقة، وسيارات التاكسي، صارت خاضعة للموافقات الأمنية، وفي خدمة أصحاب الأمر والنهي... في ظل هذه الظروف كانت تناضل تلك الأحزاب الديمقراطية، اليسارية السلمية على وجه الإجمال. وبالرغم من كل تلك الصعاب قطعت خطوات مهمة في نضالها من أجل التغيير الديمقراطي الجذري الشامل. وكان تأسيس "التجمع الوطني الديمقراطي" عام 1979 علامة بارزة على هذا الطريق، فقد ضم أحزاب المعارضة الوطنية الديمقراطية السلمية الناشطة آنذاك، أي حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وحزب البعث الديمقراطي العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي (حزب الشعب الديمقراطي السوري فيما بعد) وحزب العمال الثوري، وحركة الاشتراكيين العرب. وكان بعض هذه الأحزاب على علاقة رفاقية وثيقة مع رابطة العمل الشيوعي السوري (لاحقا، حزب العمل الشيوعي السوري، الذي انضم إلى التجمع أوائل الألفية الجديدة). مما لاشك فيه أن الأحزاب "التاريخية" لم تكن جاهزة للنهوض بالأعباء التي فرضتها انتفاضة الحرية والكرامة والعدالة في آذار 2011. وهي مطالبة اليوم (والأمس وغدا) بإجراء مراجعات معمقة لمسيرتها النضالية، والتوقف بموضوعية وجرأة أمام الأخطاء والثغرات.... إلخ، في كافة مجالات السياسة والتنظيم والفكر. هذا أمر يدخل في باب الحق والحقيقة الموضوعية، أما أن تُحمَّل تلك الأحزاب كل أوزار الدنيا، فذاك أمر آخر، لا يخرج عن دائرة الظلم والتجني والنكران. وباعتقادنا، أن تلك الأحزاب لا يضيرها في شيء ( كما يظن البعض)، بل من دواعي فخرها واعتزازها، أنها استطاعت، بعد اندلاع انتفاضة شعبنا من أجل الحرية والكرامة والعدالة، أن تتقدم خطوة ملموسة على الطريق لتلم شتاتها، وتدواي جراحها، وتستجمع ما سلم لديها من طاقات، دمر القمع والاستبداد جلها على مدى عقود. لقد تجسد حضور تلك الأحزاب ومناصريها في مناح عدة، أهمها تأسيسها، بمشاركة أطراف أخرى وشخصيات مستقلة، إطارا سياسيا جامعا، بات ركنا من أركان العمل الوطني في سورية، هو "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي". ومن حسن وصوابية توجهات هذه الأحزاب، وربما مأثرتها الحقيقية في ظل الأوضاع المتأزمة الراهنة، أنها أصرت وعملت جاهدة على "مأسسة" عملها في انطلاقتها الجديدة، رافضة التسيب والفوضى والخضوع للأمزجة الفردية، نابذةً الشروط المسبقة من قبل هذا "القيادي" أو ذاك، مهما علا شأنه، وعظمت طاقاته. وتشبثت بما لديها من مؤسسات حزبية منتخبة أصولا بغض النظر عن جوانب الضعف أو القوة فيها، وأياً كانت الثغرات والمثالب في عملها إبان المراحل الماضية. وإذا كان البعض يتضجر من تمسك تلك الأحزاب "التاريخية" بإرثها النضالي، وثوابتها السياسية ونواظم حياتها الداخلية المقرة من مؤتمراتها منذ سنين عديدة، فإن شرعية المؤسسات والأنظمة الداخلية لا تسقط بالتقادم، ولا ينال منها تذمر رفيق هنا، أو سأم صديق هناك. وإذا كانت موجات الاعتقال والحملات الأمنية المتلاحقة قد أنهكت تلك الأحزاب وشتت قواها في مراحل معينة (وحتى لو تعرضت لمثلها في المرحلة الراهنة)، فإن ذلك لا يُنقص قيد شعرة من أهمية التمسك بالثوابت السياسية، والالتزام التام والصريح بنصوص اللوائح الداخلية، مع أهمية وحتمية تعديلها وتطويرها، ديمقراطياً وبالأساليب الحزبية المعتمدة، لتتلاءم ومتطلبات الواقع ومستجداته. ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى أن تاريخ الأحزاب الثورية، والأحزاب السياسية عامة، طافح بمثل الظواهر التي يتبرم منها بعض المناضلين، فكم من مرة تعاقبت عليها مراحل النهوض والركود، الوحدة والانقسام، الصلابة والترهل، الجماهيرية والنخبوية.. إلخ. واليوم، إن كان ثمة من يُعيب على الأحزاب "التاريخية" في سورية تواضع تعداد عناصرها لأسباب كثيرة لن نتطرق لها الآن، فحجر المحك ليس هنا، بل في قدرتها على الصمود، وقراءة الواقع قراءة صائبة، واجتراح الحلول الملائمة، وتعزيز القدرة على الاستمرار، وتجاوز حال الفرقة والوهن وضعف الفاعلية، والسير قدما نحو آفاق جديدة تتجاوب وطموحات المناضلين والجماهير في إقامة ما يتطلبه الواقع من بنى وصيغ بمقدورها وضع الحركة الشعبية، وهذا الحزب أو ذاك، على سكة العمل التراكمي، البنَّاء، الدائب، الصبور، الذي يخلق المقدمات لنظام حكم ديمقراطي تعددي على أساس المواطنة والمساواة. ومما لاشك فيه أن ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية، شرط لا غنى عنه لاستمرارها وتطورها ونجاحها في أداء مهامها. وهنا، تلعب المؤتمرات الحزبية - على مختلف المستويات – دورا هاما ومفصليا، إن لجهة تدقيق البرامج وتصويب الخط السياسي، أم لجهة تجديد القيادات ورفدها بدماء شابة أكثر دينامية وكفاءة وقدرة على العطاء. ولكن أي مؤتمر حزبي ناجح، في أي زمان ومكان، لا يمكن أن يلتئم بطريقة اللملمة والتسويات ومراعاة الأمزجة الشخصية وعقلية "المخترة" .. ولا بالابتزاز أيضا. بل يجب أن يكون انعقاده وفق أسس واضحة، محددة، واحدة، تنطبق على الجميع، منظماتٍ وأفرادا. فما يحق لمنظمة يحق لغيرها حكما، وما يجوز لرفيق يجوز لغيره دونما أي تمييز أو مفاضلات. ومن المعروف للقاصي والداني أن المؤسسات الحزبية هي التي تتحمل مسؤوليات تأمين الشروط الضرورية لانعقاد المؤتمرات وضمان مستلزمات نجاحها من كافة الجوانب، وبمشاركة ومؤازرة أكبر عدد ممكن من الرفاق ذوي الكفاءات الفكرية والثقافية والتنظيمية، وبالانسجام التام مع نصوص اللوائح الداخلية. ومما يثير الاستغراب، حقا، أن يلجأ البعض للطعن بشرعية هيئاتٍ هي مصدر شرعيته، وأن يستغل الموقع الذي عينته فيه والمهمة التي كلفته بها، لابتزازها ورفض التقيد بقراراتها وتعليماتها، ومحاولة إملاء مواقف وأطر و"قيادات" على هواه، وبناء تكتلات بائسة تحت حجج واهية، كالقول إن القيادة الفلانية "فاشلة، وفقدت شرعيتها حتى لو كانت منتخبة أصولا"؛ أو التذرع بأن صعوبات المرحلة تستوجب تجميد الأنظمة الداخلية، والعمل بصيغ لا سند ولا أصل لها، لا في النظرية ولا في الممارسة الحزبية... وغير ذلك من جمل "ثورية" لا تسمن ولا تغني من جوع. خلاصة القول، إن الأحزاب "القديمة" تدرك جيدا طبيعة أحوالها وما يحيط بها، ولم تمنع أحدا من بناء أحزاب جديدة، ولا من مقارعة الطغيان، ولا من السير على دروب الثورة واقتفاء أثر الجيوش (الحرة) كما يشتهي المعجبون بهذه الجيوش وأمثالها... أما الذين يرددون ليل نهار أنهم خبروا عسف الأنظمة، وهضموا التجارب، وتعرضوا لشتى المحن، فلم تمنعهم أحزابهم "القديمة" وقياداتها من الاتصال برفاقهم وبلورة نهج مشترك، أو موقف جامع، أو حالة تنظيمية متقدمة، خاصة إذا كانت هذه المهام في صلب واجباتهم. ولذا، نرى من الأفضل لهذا النمط النزق، المتعالي، الحالم بقدرة السلاح على حل مهام الثورة الديمقراطية، الرافض لموجبات الالتزام والانضباط الحزبي.. من الأفضل أن يبحث في داخله عن أسباب الخيبة والفشل، لا أن يسقط عجزه على الآخرين، متذرعا بممارسات قيادات "تاريخية" و"متسلطة"، لا وجود لها إلا في مخيلته المثقلة بالأوهام والظنون.
#عادل_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسكو- جنيف .. الطريق الوعر
-
شافيز يا عرب شافيز ... احتفاء بالرئيس الفنزويلي
-
ماذا لو امتلكت إيران القنبلة النووية؟
-
-حركة 23 شباط - ..الواقع والخيال
-
اليسار ... اليسار !! / خواطر غير حيادية
-
استبداد + أصولية + عولمة = ؟؟؟
المزيد.....
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
-
ترامب يدرس تعيين ريتشارد غرينيل مبعوثا أمريكيا خاصا لأوكراني
...
-
مقتل مدير مستشفى و6 عاملين في غارة إسرائيلية على بعلبك
-
أوستن يتوقع انخراط قوات كورية شمالية في حرب أوكرانيا قريبا
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|