|
المواطنة..في تحليل للشخصيتين المصرية والعراقية
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 4946 - 2015 / 10 / 5 - 17:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المتابع لاحداث العراق يخرج بحقيقة واشكالية، والحقيقة هي:ان المصريين حققوا في سنة ما عجز عن تحقيقه العراقيون في عشر سنوات. والاشكالية هي:ان تاريخ العراق في الثورات ضد السلطة والانتفاضات الشعبية اغزر واكثر مقارنة بمثيله في مصر. فلماذا حصل ما يبدو عكس المنطق وعكس سياق التاريخ؟..اعني ان المصريين اسقطوا في سنة حكومة اقوى حزب اسلامي في مصر والبلدان العربية فيما العراقيون ما استطاعوا برغم ان حكوماتهم بعد التغيير ارتكبت افضع وافدح واقبح ما ارتكبته حكومة الاخوان في مصر؟ ما يعنينا هنا هو العوامل المتعلقة بتركيبة الشخصيتين المصرية والعراقية..وبالصريح،ان الأحداث ولدت لدينا الشعور بأن المصريين يحبون مصر اكثر من حب العراقيين لوطنهم..العراق..وهذا يعود الى ان (المواطنة) متأصلة لدى المصري في حب (أم الدنيا) اكثر من تأصلها في حب العراقي لـ(بلاد ما بين النهرين). المفهوم المبسط للمواطنة انها علاقة متبادلة بين سلطة الدولة (الحكومة) والمواطن بوصفه فردا في المجتمع،ترّتب على الطرفين حقوقا وواجبات تنظّم بدستورعلى مكان محدد بارض اسمه وطن وضمن افراد يسكنون هذا الوطن يسمى مجتمعا او شعبا،ويتم تطبيقها او ممارستها بآلية اصطلح على تسميتها بالديمقراطية تعتمد مبدأ العدالة الاجتماعية وضمان كرامة الانسان. ويتداخل مفهوم المواطنة Citizenship بمفهوم الوطنية Patriotism،فالاخيرة تعني مشاعر الحب والعواطف التي يحملها المواطن نحو وطنه،يتصدرها شعوره بالانتماء الى وطن يعتز به.غير ان هذا الانتماء المصحوب بالاعتزاز مشروط بتأمين الوطن (النظام،الحكومة) الحقوق المدنية المتمثلة اهمها في :تأمين العيش الكريم للمواطن وحقه في الحياة وعدم إخضاعه للتعذيب او الحط من الكرامة،والاعتراف بحريته طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية آخرين،وحقه في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله تعسفياً،واحترام الملكية الخاصة،وحرية التنقل،والمساواة أمام القانون،وحرية الفكر والتعبير والوجدان. ان قوة الشعور بالمواطنة لدى الشخصية المصرية وضعفه او انعدامه لدى الشخصية العراقية يعود لجملة اسباب نوجز اهمها بالآتي: • ان المصريين هم الذين اسقطوا نظام حسني مبارك،فيما اميركا هي التي اسقطت نظام صدام حسين،ولفت..متقصدة..وجه تمثاله بعلمها الوطني واسقطته في ساحة الفردوس.وشتان بين الحالين،فالأول يوحّد الشعور بحب الوطن ويعزز لدى اهله دافع التحدي لاسقاط اية حكومة تنفرد بالسلطة وامتيازاتها..وهذا ما حصل للمصريين،فيما الثاني لا يستعيد الشعور بالانتماء للوطن لانهم يرون الحال كما الذي (استبدل كلبا أسودا بكلب ابيض) بوصف العراقيين،وانه يخلق لديهم حالة الاستكانة والعجز عن تغيير حكومة تنفرد بالسلطة والثروة..وهذا ما حصل للعراقيين.وبالتحليل السيكولوجي فان الجماهير التي تنجح في اسقاط نظام حكم مستبد فاسد يتعزز لديها فعل التمرد وروح التحدي وتنجح في اسقاط نظام حكم يليه يفشل في تحقيق المطالب التي ثارت من اجلها. • يوحّد غالبية الشعب المصري مذهب اسلامي،فيما يتوزع العراقيون المسملون بين مذهبين اسلاميين(طائفتين)،مارست الحكومات العراقية المتعاقبة انحيازا او اضطهادا طائفيا نجم عنه كراهية وعدوان ادى الى عنف شرس راح ضحيته الاف الابرياء من الطائفتين بين 2006 و2008 .ويعني هذا ان الحاكم الفاشل الذي يثور عليه نفس افراد طائفته لا يجد لفشله تبريرا طائفيا،فيما الحاكم في العراق يغذي الشعور الطائفي في افراد طائفته ويشيع الخوف فيهم بأنه اذا ازيح عن الحكم فانهم سينتهون،ولهذا فانهم يبررون اخطاءه ويغّطون على فشله ويقفون ضد من يطالب باسقاط حكومته..وكانت هذه الضربة الثانية التي اجهزت على المواطنة العراقية بعد الضربة الأولى التي تلقتها في حفرة صدام الذي ساوى بينه والعراق(صدام هو العراق)..بنهاية مخجلة مخزية. • يمتاز الجيش المصري بعلاقة ايجابية بشعبه ولم يقم بقمعه،فيما كان الجيش العراقي اداة بيد الحاكم،دفعه الى ارتكاب جرائم بشعة من بينها مجزرة حلبجة وقصف مدينة كربلاء والمقابر الجماعية.فضلا عن أن الجيش المصري يمتلك عقيدة عسكرية،فيما الجيش العراقي امتلك في زمن النظام السابق عقيدة حزبية ضيقة،وامتلك بعد حلّه في 2003 عقيدة طائفية.وفيما يمتلك الجيش المصري قيادات عسكرية محترفة مهنيا ولديها ولاء مطلق للوطن،فان الكثير من قيادات الجيش العراقي ليست محترفة وبينهم من منح رتبة عالية بطريقة ما يسمى (الدمج).ولقد نجم عن ذلك ان شعور المواطنة وحّدت بين المواطن المصري وجيشه وعزز شعور الشعب والجيش بحب مصر،فيما انحياز الجيش العراقي لطائفة معينة اضعف الشعور بالولاء للوطن لدى المواطن العراقي،فضلا عن افتقاده القوة العسكرية التي تحميه. • ان السياسيين العراقيين محميين من قوة عالمية هي امريكا،ومحصنيين امنيا وعسكريا بمنطقة مساحتها 10 كيلومتر مربع،فضلا عن ان كل مسؤول كبير فيها لديه فوجا عسكريا يحميه،وبذلك فهم لن يشعروا بخطر يتهددهم من الشعب وان زادوا فسادا ولا مبالاة بتردي احوال الناس،فيما السياسييون المصريون وجها لوجه امام الشعب..وهذا يعني سيكولوجيا ان الشخصية المصرية ما عادت تخشى حكومتها وان تنامي الشعور بالمواطنة لدى المصريين صار يخيفها،فيما شعرت الشخصية العراقية بالعجز من اصلاح الحال..وان (الوطن انباع)..انعكس سلبيا على الشعور بالمواطنة..وكان من نتيجتها موجة هجرة الشباب الى اوربا. • ان المجتمع العراقي مؤلف من قوميات ومذاهب واديان متعددة.وانطلاقا من حقيقة سيكولوجية هي ان الدولة اذا انهارت وافتقد الانسان الامان فانه يبحث عن جهة تحميه..فان المواطن العراقي التجأ بعد سقوط الدولة وحل الجيش والاجهزة الأمنية الى قوة تحميه وجدها في العشيرة او الطائفة او القومية..نجم عنها ان العراقيين توزعوا على هويات فرعية قاتلة،فيما المصريون ظلوا موحدين بهويتهم الوطنية المصرية. والنتيجة؟ ان (المواطنة) التي افتقدناها كانت هي سبب فشل العراقيين في تظاهراتهم عام 2011،وان اكتشافهم الان بان تغليبهم لانتماءاتهم الفرعية لم تحقق لهم ما كانوا يتوقعونه..اوصلهم الى حقيقة ان الحل يكون باحياء الشعور بالمواطنة العراقية..التي بدأت تنتعش في ساحات التحرير.ومع ذلك فالرهان عليها تكتنفه صعوبات،اخطرها ان الشخصية العراقية ما تزال تخشى السلطة،حيث تجري تصفية بكواتم الصوت لخصوم وناشطين سياسيين ومثقفين واكاديميين،فيما تراجع الخوف من السلطة عند الشخصية المصرية. اخيرا. كان علينا من زمن ان ندرك بان عقل الحاكم المنتمي لحزب اسلامي سياسي يكون مصابا بحول ادراكي..يرى الصواب في حزبه فقط.دليل ذلك ان مرسي بوصفه رجل دين سياسي،وصف المتظاهرين بأنهم "فلول النظام السابق"،كذلك وصف "المالكي" المتظاهرين بأنهم "فقاعات"..وهو وصف اكثر استهزاءا وحطا للكرامة..ما يوصلنا الى حكم مطلق هو..فشل الحكم الديني في العصر الراهن،لاسيما في العراق المتعدد المذاهب والاديان والقوميات،وان السياسي الاسلامي يبقى متمسكا بحزبه حتى لو حصل على دعم وتأييد اكبر قوتين في العراق..الشعب والمرجعية، وان الرهان ينبغي ان يكون على احياء واشاعة الشعور بالمواطنة..وليس على الحاكم.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حيدر العبادي..هاوي بس ما ناوي!
-
العلمانيون والفاسدون..من سيضحك أخيرا؟
-
شراع سفينة التظاهرات..ورياح التغيير
-
تحليل سيكولوجي لما حدث ويحدث
-
حيدر العبادي..بين التفويض والتقويض
-
فقاعات الشتاء السنّي ..فقاعات الصيف الشيعي
-
العراقيون..مازوشيون - مقال تحريضي!
-
عبد الكريم قاسم..والطائفيون - موازنة اخلاقية
-
تساؤل الى الامام علي في ذكرى استشهاده
-
داعش تفهمنا افضل مما نفهمها!
-
ازمة العقل السياسي العراقي-تحليل سيكوبولتك
-
المفقود في مواجهة الشخصية الداعشية
-
الطائفيون..هل استوعبوا الدرس من سقوط الموصل؟
-
اطفال العراق..(35) عاما بلا طفولة
-
اغلقي عينيك وفكري في انجلترا (2)
-
ماذا لو اغتيل السيد حيدر العبادي
-
الشخصية الميكيافيلية
-
استاذ مجنون يحصل على جائزة نوبل-اعادة نشر
-
العراقيون وسلطة الرمز الديني
-
كتابات ساخرة:ادفعي (80) دولارا..لتبكي!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|