محمد البسفي
الحوار المتمدن-العدد: 4944 - 2015 / 10 / 3 - 21:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*هامش مفصلي..
"إعلام متعدد الجنسيات".. مرآة نظام!
بدون مناسبة محددة – ساقتها حركة الحياة اليومية – وجدت نفسي غارقاً في حديث مع أحدي سائقي سيارات الأجرة "تاكسي", بدأ تطوعاً من جانبه مثنياً علي مشروع "قناة السويس الجديدة" – عشية "مهرجان" إفتتاحها "السلطوي" – وسار بفضل أسئلة مقتضبة من جانبي كلما أقتضت مجريات الحديث, عارضاً لعدة مشاريع تنموية آخري مثل مشاريع "العاصمة الإدارية الجديدة, ومنطقة تنمية الثروة السمكية,... إلخ", وعندما أكتشفت أن معلوماته لم تخرج عنما تردده و"تلقنه" أغلب القنوات الفضائية علي آذان الجماهير في تكرار دؤوب ليل نهار تزداد وتيرته كلما أقترب موعد "المهرجان" في 6 أغسطس 2015, ومدي عقم الحوار وجدبه أردت إنهاءه بسؤالي للسائق عن مدي إستفادته هو شخصياً كمواطن "كادح علي رزق يومه" من هذا المستوي "العالمي" من المشروعات؟!.. فوجئت برده الذي جاء بشكل أشبه بالآلي: "حتي نملك قوتنا ولا يتحكم فينا أحد" (!), ولم أشمئز من ذلك الإسلوب الذي يسوس به نظام "الثورة المضادة" الحاكم الأغلبية العظمي من أبناء الطبقات الدنيا والبرجوازية الصغري بسحقها تحت وطأة ضغط إحتياجاتها اليومية الملحة من أمن يلزم الإرتزاق بقوت "يومها" فقط والإنشغال بمخاوف ما يحمله "غدها" من مشاكل وقلاقل يؤخر إكتساب وتنمية "وعيهم" الإجتماعي والسياسي لذيل إهتمامهم, فلم أشمئز من إستغلال النظام لإحتياجات الطبقات العريضة من الشعب ببثه لمغالطاته الواقعية وعكسه للواقع وخلطه للأوراق بآلته الإعلامية ومن ورائها "قواه الدافعة", بقدر ما حزنت علي ما حملته جملة سائق "التاكسي" من "آماني" وأحلام وطنية - حقيقية - لتلك الطبقات في وطن تقدمي محرر من التبعية الإمبريالية ذو سيادة علي موارده ومقدراته التي يتم توزيعها بالعدل والمساواة.
ولكن ما روعني شخصياً إلي حد الغثيان, مقال مقتضب قصير ممهور بتوقيع المفكر الكبير الأشهر الدكتور "سمير أمين" نشرته الجريدة الحكومية "العتيقة" عشية "المهرجان السلطوي", تحت عنوان "قناة السويس الجديدة", والتي لم يكتفي بوصفها بـ"القناة الموازية لقناة السويس الحالية" بل تمادي طوال مقالته في سرد وتحليل معلومات مغلوطة وبعيدة كل البعد عن واقع ذلك المشروع "الخدمي"!
فيقول الدكتور أمين: "فعندما أعلنت الحكومة المصرية قرارها بتنفيذ مشروع ذهب الاعلام الدولى يزعم استحالة انجازه دون «معونة دولية حاسمة» لجمع التمويل المهول المطلوب، ثم عرض المشروع بمناقصة دولية بحيث أن توفر شركات أجنبية كبرى المؤهلات الفنية لتصميم المشروع وإدارة تنفيذه. ولكن مصر استطاعت أن تجمع التمويل المهول المطلوب فى لحظة من خلال تعبئة المدخرات المصرية فقط، وبعد أن رفضت عرض دولة قطر بتوفير التمويل. ثم تمت تعبئة الجيش المصرى الذى أنجز المشروع بالكامل، تصميمه وإدارة تنفيذه. فالشركات الأجنبية التى شاركت فى العمل بتوفير المعدات اللازمة (الجرارات والونشات والجرافات) قد وضعت فى مقام العامل من الباطن لصالح مشروع مصرى، وذلك على عكس مقولات المنهج الاقتصادى السائد الذى يتصور فقط إدارة أجنبية واستخدام القدرات المصرية بصفتها العاملة من الباطن!" (1).
وهنا تتجسد المفاجأة المروعة, لدي إكتشاف مدي هذا الضلال أو التضليل الذي يمكن أن يقع فيه مفكر وإقتصادي مرموق في حجم "د. سمير أمين", ولا أقول تضليل متعمد يحاول ترويجه أحد النخبة الثقافية والعلمية, متجاهلاً حقائق ووقائع مجسده في معلومات لا تحتاج إلي مجهود كبير في تحصيلها.. فبإستعراض بسيط لحركة أحداث عاماً واحداً فقط سابق لإفتتاح المشروع, تصدمنا المعلومات والأنباء المؤكدة مخالفة تماماً عما ساقه المفكر الكبير – فيما يشبه التمني وليس التقرير اليقيني المؤكد – حول حجم ما تلقاه رسمياً نظام "الثورة المضادة" من معونات ودعم من دول الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة فضلاً عن أذرعها الأقتصادية الممثلة في حلفائها من دول النفط الخليجية, ليس لتنفيذ مشروع "تفريعة" قناة السويس فقط بل تلقي التبرعات والدعم المالي لتنفيذ مشروعات "البنية التحتية" والخدمات الأساسية:
"في 16/3/2014, يصرح الوفد الألماني في زيارته للقاهرة بمنح مصر "10 ملايين يورو لبناء 75 مدرسة بقري الشرقية الفقيرة". وفي 11-9-2014, "مصر والبنك الدولي يوقعان قرضاً بنصف مليار دولار دعماً لغاز المنازل". وفي نفس اليوم 11/9/2014: "أمريكا تعرض علي مصر منحة بـ35 مليون دولار لمكافحة فيروس سي". أما في 15/12/2014: "قرارات جمهورية بإعتماد 5 إتفاقيات مع أمريكا بينها توليد الكهرباء". وفي 13/3/2015: "أمير الكويت يصرح: خصصنا 4 مليارات دولار للإستثمار في مصر".
وقائمة الأنباء السيارة عبر وسائل الأخبار الصحفية المطبوعة والإلكترونية طويلة, سوف نستعين بها علي طول دراستنا ضمن فصولها القادمة, والتي تعكس "واقع" دعم ومساندة الرأسمالية العالمية والأمريكية للنظام المصري وتوغلها في بنية المجتمع التحتية.. أما فيما يخص مشروع "تفريعة" قناة السويس والتي أعتبرها "أمين" قناة موازية فيكفي أن نسوق تلك الآنباء التي حملتها جميع وسائل الإعلام المحلية "الحكومية" في حينها عن دعم وتنفيذ المشروع من قبل دول وشركات أجنبية: "في 10/8/2014, يصرح المتحدث الإعلامي عن الجيش بأن "33 شركة عالمية تشارك في حفر قناة السويس الجديدة للإنتهاء منها خلال عام". وفي 12/8/2014, يأتي تصريح السيسي ذاته قائلاً: "إقامة منطقة صناعية روسية بمشروع قناة السويس". وفي 19/8/2014, يعلن رسمياً "فوز تحالف دار الهندسة المصري السعودي بتخطيط مشروع محور قناة السويس".
ومن البديهي مساندة دول الرأسمالية العالمية الأمريكية وحلفائها الأوروبية والخليجية – من دول مجلس التعاون الخليجي - لهذا المشروع "الخدمي" الآن بالذات, لما يمثله من الركائز اللوجيستية في صراعها الطويل – وربما يكون المصيري الآخير – مع دول شرق آسيا, وتسليك بعضاً من شرايينها وقنواتها التجارية المختنقة اليوم بعض الشئ.. ففي أول تقرير خبري نشرته جريدة "البداية" الإلكترونية القاهرية, فور الإفتتاح الرسمي لمشروع التفريعة يوم 6 أغسطس 2015, أتضح أن أول 3 سفن تعبر "تفريعة" قناة السويس بعد الافتتاح فرنسية وإيطالية وتايوانية مملوكة لـ 3 من أكبر شركات الملاحة MSC & CMA CGM .(2).
وبعد أقل من إسبوعين, يكشف تقرير خبري آخر تنشره جريدة "البورصة" القاهرية – المهتمة بالشئون الإقتصادية – علي موقعها الإلكتروني بتاريخ 5-9-2015, عن "إنخفاض أعداد السفن المارة بالمجرى الملاحى لقناة السويس خلال شهر أغسطس الماضى بنسبة 14% مقارنة بشهر أغسطس من العام السابق 2014", موضحاً بأنه "بحسب تقارير ملاحية صادرة عن هيئة قناة السويس عبرت 1356 سفينة قناة السويس خلال 28 يوماً، فى الفترة من 7 أغسطس وحتى 3 سبتمبر، فى حين عبرت 1577 سفينة مجرى القناة فى شهر أغسطس من عام 2014.
"ويرجح محللون أن الانخفاض الذى عانت منه القناة خاصة بعد افتتاح التفريعة الجديدة بطول 35 كيلومتراً، يرجع إلى انخفاض حركة التجارة العالمية وتراجع اليوان الصينى أمام الدولار واليورو خلال الشهرين الماضيين". وقد أستشهدت الصحيفة المصرية بما قالته صحفية «وول ستريت جورنال» الأمريكية, في أحدي مقالاتها عن "إن الخطوط الملاحية العملاقة ستقلل رحلاتها بين آسيا وأوروبا ومن بينها تحالف G6 الذى يضم خطوط (APL السنغافورى – هيونداى ميركانت مارين الكورى الجنوبى – ميتسوى OSK و NYK اليابانيين – Hapag Lloyd الألمانى – OOCL التابع لحكومة هونج كونج) بسبب انخفاض الطلب على السلع فى أوروبا.".
بكل تأكيد تلك الآنباء والحقائق لم تغب عن إقتصادي مخضرم ومرموق في حجم الدكتور "سمير أمين", الذي من غير المقبول إدراجه ضمن قائمة الأسماء والرموز القومية/الناصرية المرتبطة "عضوياً" بالمؤسسة – الدافعة والداعمة للنظام الحالي بكل قواها – والتي أرادت محاولة "خلق" الظاهرة "السيساوية" لشغل الفراغ "الزعاماتي" جماهيرياً, بل نحن علي يقين بأنه يملك الكثير من المؤشرات والدلائل علي "حقيقة" طبيعة الإقتصاد المصري الحالي والذي ما هو إلا إمتداد متطور من النظام الرأسمالي للسوق الحر المفتوح المدشن منذ 71/1974, بما عرف عنه – إعلامياً – بمرحلة "الإنفتاح" والذي إستهدف ضمن ما أستهدف إغراق أسواق الدول النامية بالسلع والصناعات الإستهلاكية التي تمهد للعولمة ولبرلة تلك الأسواق لتدخل المراحل والأطوار التالية عبر الشركات متعددة الجنسيات والأموال العابرة للقارات والتي وصلت حالياً ذروتها في المنطقة العربية والشرق أوسطية لكي تنقذ المنظومة الرأسمالية العالمية بالكامل من كبوتها الآخيرة, فتسارعت وتيرة حراكها الآن خاصة بعد عام 2011 في مواجهة الثورات والإنتفاضات الشعبية التي نجحت – علي الأقل في محاولاتها الأولية - في إجهاضها وإحتوائها بعنصر طيع مثل الإسلام السياسي أو بعناصرها القديمة من المؤسسات العسكرية الحليفة والتابعة, وذلك بإعادة رسم خرائط أسواق المنطقة لصالح تلك الشركات والأموال عبر شبكات متعددة ودقيقة من الإجراءات كان من أهمها حزم متنوعة من التشريعات والقوانين, ومصر كانت ومازالت مطالبة بتحويلها إلي ما يمكننا إصطلاحه بأسواق "السوبر ماركت" الضخمة علي نهج "دبي وهونج كونج ولبنان" في فترات المد والجزر وسنوات الذروة.
وبالطبع مثل هذه النوعية من الإقتصادات السوقية المستغلة تحتاج تهيئة مجتمعاتها بمنظومة تشريعية وقانونية تضمن إستهلاكية تلك المجتمعات وإستغلالها, فبرغم رغبة أغلبية الجموع "الشعبية" التي إنتفضت في خلال عامي 2012 و2013 لإزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم قبل تكوين "نخبة حاكمة" تستآثر بمقدرات الدولة ومواردها, إستكمالاً للثورة الشعبية الكبري في 25 يناير التي جاءت من جوف أبناء الطبقات المتوسطة الصغير والدنيا, أصرت قوي "الثورة المضادة" علي تدشين الدستور الذي سبق وأقرته جماعة الإخوان بعد إجراء التعديلات - المناسبة لها – عليه. وقد نص ذلك الدستور في مادته الثامنة ضمن باب "المقومات الأساسية للمجتمع", علي: "يقوم المجتمع علي التضامن الإجتماعي, وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الإجتماعية وتوفير سبل التكافل الإجتماعي, بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين, علي النحو الذي ينظمه القانون.".. لتنفتح الأسواق المصرية أكثر وتصبح مصر "إجتماعياً وثقافياً وإقتصادياً" مهيئةً لطور ومرحلة جديدة لتبعية الرأسمالية الغربية لتكمل المراحل الساداتية/المباركية, من كومبرادورية لسمسرة, يحاول بحثها الفصل القادم.
ربما لا يحتاج, أي مراقب أو راصد, لأكثر من ثلاثون دقيقة فقط مشاهدة لذلك السيل المتدفق من "الإعلانات" المنهمر من شاشات القنوات الفضائية – ولنقول المصرية فقط – خلال أي يوم من أيام شهر رمضان – بالذات – حتي يحاصر بثلاثة أنواع من المواد الإعلامية:
1 – إعلانات إيحائية وإرشادية عن جمعيات أو مراكز خيرية "تستعرض" جميع إحتياجات فقراء مصر الحيوية وحرمانهم منها بهدف جمع التبرعات المادية مصحوبة بخطابات إنشائية/درامية وطنية ودينية لزوم در العواطف وإستجداء رحمة "المحسنين" يقوم بها نجوم "الدين والفن وكرة القدم" لزوم الإنتشار والتأثير الإعلامي/المجتمعي, والملاحظ تغطية تلك الكيانات الخيرية "التسولية" لجميع الإحتياجات الحياتية الآدمية لأبناء الطبقات الدنيا والفقيرة وإستغلالها في إعلاناتهم: "رعاية صحية, طبية, مواد غذائية, إسكان, تشغيل, تعليم, مرافق حيوية من مياه وكهرباء وغاز ومجار مائية وصرف صحي, موارد حيوانية للريفيات, معاشات تقاعدية لكبار السن وغير القادرين ...إلخ".
2 – برامج عبثية تستهدف الترفيه والتسلية تمتاز بالسطحية والتفاهة, تُرصد لها ميزانيات مالية خرافية لما تعتمد عليه من أسلوب الإبهار والتشويق بهدف جذب أكبر عدد ممكن من نسب المشاهدة والإعجاب وبما يتناسب وذوق الطبقات البترولية الإستهلاكي في بلاد الخليج والوطن العربي. فقد نشرت صحيفة "TMZ" الأمريكية، المهتمة بشئون الفنانين العالميين, في بداية شهر يوليو الماضي, صيغة التعاقد الرسمي الذي عقد بين أحدي نجمات هوليود الأمريكية وهي "باريس هيلتون" وأحدي الشركات الفنية المصرية التي تخصصت في إنتاج برنامج هزلي "مقالب مصطنعة" أستخدم فيه طائرات خاصة, ومنح الممثلة الأمريكية مليون دولار نظير إشتراكها في ذلك البرنامج - بحسب بنود العقد المنشور - الذي تعاقد مع 29 فنان وفنانة – بخلاف الفنانة الأمريكية – من مختلف الجنسيات المصرية والكويتية والإماراتية والسعودية وغيرها(3).
3 – مواد درامية "مسلسلات وأفلام", تتمحور موضوعاتها وأحداثها في السيناريوهات التقليدية لذم "الحقد" الطبقي لدي الفقير لأنه تجرأ علي الغني بسؤاله عن مصدر ثروته, وتشجيع الأخير علي عدم الطمع في كامل ربحه من إستثمارات ثرواته وحتمية صرف "جزء" منها في مصارف "الخير" لإعانة المحتاج علي عيشه وضمان عدم عودته إلي الحقد عليه أو إحتمالية توسعة هذا الحقد إلي "جرم" أكبر وهو "الثورة" عليه بالإضافة إلي الرسالة الروحية التي تضمن در "الحسنة بعشر أمثالها" علي المحسن!.. وبالتالي الرجوع بالسيناريوهات الدرامية إلي خطابات سينما العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات – أيام الملكية – بنبذ الحقد لدي الفقير وحثه علي الرضي بما قسمه الله له ودعوة الغني للمساهمة في بناء مجتمعه بالعطف علي تلك "المخلوقات الفقيرة" بوازع وطني وديني. ولكن يأتي ذلك بخلطة عصرية تناسب عصر "دولة الشركات متعددة الجنسيات" والتي ترعي وتمول تلك المسلسلات والدراما, وتطَعمها بوجوه وشخصيات فنية ذات قبول وجماهيرية "عربية/خليجية", فنري المسلسل الواحد وقد ضم فنانين من سوريا ولبنان ومصر والسعودية ونحوها من الدول العربية ويتم تصويره في أفخم وأغني الأماكن – فنياً ومالياً – بعواصم سويسرا وتركيا وأمريكا وفرنسا والعديد من عواصم المال!
أكدت جريدة "البورصة" القاهرية في تقرير لها نشر علي موقعها الإلكتروني في 9 أغسطس الماضي, دُعم بالإحصائيات والمعلومات الدقيقة التي نقلتها عن الوكالات والمؤسسات الإعلانية الخاصة بأغلب القنوات الفضائية المصرية, أن أكبر 11 قناة فضائية في مصر أكثر من 1,1 مليار جنيه أرباح إعلاناتها علي موادها المذاعة خلال شهر رمضان 2015 فقط, وقد علقت الصحيفة علي ذلك الربح من حجم الإعلانات بأنه "الاعلى فى تاريخ الفضائيات على الرغم من الاوضاع الاقتصادية الراهنة".
وبالطبع ذلك "الأسلوب" الإعلامي الهش يستهدف تشكيل الخريطة المجتمعية بخلق الرأي العام "الإستهلاكي" الذي لا يعتمد علي المعلومات أو العلم بل يحارب الحقيقة بخلطها وتشويهها علي جميع المستويات سواء السياسية منها أو الإقتصادية وبالطبع الثقافية, وهي مرحلة من مراحل العولمة تم تسريعها في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بعد 11 سبتمبر 2001, وقد جاءت الإنتفاضات الشعبية في 2011 لتصعد وتيرتها, خاصة بعد إجهاض الإنتفاضات.
كتب الكاتب الصحفي الدكتور "محمود عبد الرحيم", معلقاً علي تلك المسابقات الجماهيرية المحاكية لبرنامج "أمريكا أيدول", والتي إنتشرت فيما يشبه الظاهرة, يقول: "في تصوري أن هذه النوعية من البرامج أو المسابقات التي لا تختلف عن "نجم العرب"، "فنان العرب"، "راقص العرب" وغيرها، من العناوين البراقة ذات الإنتاج الضخم والتسويق الكبير التي انتشرت بقوة في الفترات الأخيرة، خطورتها أنها تنسف فكرة الصعود الطبيعي عبر معايير عادلة كالعلم والعمل، ووفق قاعدة تكافؤ الفرص، فضلا أنها تحرض على الفهلوة والصعود بمحض الصدفة، وتكرس منطق الاستسهال والرهان على فرصة تأتي بمسابقة أو عبر برنامج تشترك في التحكيم فيه ممثلة، وليس أستاذا للإعلام ولا خبراء حقيقيين في مجالات رئيسة مرتبطة بالمجال كاللغة العربية وفن الإلقاء أو مثقف كبير يقوم على تقييم حصيلة الثقافة العامة", ويرصد نتائج أحدي تلك المسابقات قائلاً: "وجاءت النتيجة بتقدم إماراتي ومصري لسبب بسيط هو أن منظم المسابقة تليفزيون "أبو ظبي" الإماراتي و قناة "الحياة" المصرية." مستطرداً: "وكل من تابع من قبل كواليس مسابقات من هذه النوعية يعرف جيدا أن النتيجة يتم صنعها لإرضاء الممول، فضلا عن أنها لعبة لصناعة شخصية يتم تسليط الأضواء عليها لاستخدامها تجاريا، مع أمور أخرى كجذب الإعلانات، وملء مساحات من الهواء، علاوة على أن هذه المسابقات من الأساس تنطلق من منطق فهلوة بعض القائمين عليها الذين يستطيعون إقناع الممول (شخص أو مؤسسة) بالفكرة لصنع ما يسمي ب"السبوبة" الضخمة، واللبنانيون العاملون في مجال الإعلام بشكل خاص لديهم هذه المهارة والقدرة على تسويق اللاشئ."(4).
.............................................................
(1) أقرأ د. سمير أمين – "قناة السويس الجديدة" - جريدة "الأهرام" القاهرية – الموقع الإلكتروني – في: 4 أغسطس 2015.
(2) أخبار منقولة ومستقاة من الصحف والمواقع الخبرية المصرية والمحلية ذائعة الصيت, مثل الصحف والبوابات الإلكترونية لـ"الوطن, الشروق, اليوم السابع, الأهرام" ونحوها.
(3) نشر بجريدة "البداية" القاهرية – الإلكترونية – في: 4 يوليو 2015, بعنوان "صحيفة فنية أمريكية تنشر صيغة اتفاق باريس هيلتون ورامز جلال".
(4) "مذيع العرب- وتكريس الفهلوة الإعلامية" – محمود عبد الرحيم – "الحوار المتمدن" العدد 4838 – بتاريخ 15 يونيو 2015.
#محمد_البسفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟