أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير















المزيد.....

يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4944 - 2015 / 10 / 3 - 10:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قد نختلف في نظرتنا للاهوت المسيح أو نرفض فكرة وجود إله أصلا، أو نشكك في في كل ما هو ماورائي، أو لا نتفق على فكر العقائدي للمسيحية، أو لا نتفق مبدأ الخطيئة الاصلية، لكنني لا أظن ان إثنين يختلفان على سمو رسالة المسيح الأخلاقية.

عندما خرج المسيح حاملا رسالته لبني أمتّه، كان الاحباط والخراب يسود الحالة الاجتماعية والروحية والسياسية والاخلاقية. فروما كانت أشبه بالعملاق الذي يطبق قبدته الحديدية على كل ما تمسك به يده واليهودي لم يكم له خيار سوى الانصياع لأوامر أسياده، شأنه شأن كل شعوب الارض. لكن ما زاد الطين بلة هو خراب البيت اليهودي من الداخل. فالرومان كانوا قد ملّكوا على الامة السلالة الهيرودوسية التي كانت من أصول أدومية غير يهودية وكان هاجس هؤلاء الملوك الحفاظ على ود أسيادهم كيما لا يخسروا الكرسي الملكي. كان مجلس السنهدرين المكوّن من سبعين رجلا على رأسهم رئيس الكهنة يحاول خلق حالة توازن مع الرومان مما يسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية. لكن رجال الدين أولئك كانوا من رجال السياسة أيضا، ولا يخفى على أحد أنه لا بد لكل من يعمل في السياسة أن يغوص في مستنقعاتها حتى العنق.

لم يكن رجل الدين العادي أكثر استقامة من رؤسائه. بل كان يحزم الاحمال الثقيلة ويأمر أفراد الشعب بحملها دون أن يساندهم بطرف أصبعه. لذلك عندما دخل يسوع على الساحة، استفزه مشهد استغلال الانسان للإنسان، فأشعل حربا ضد رجال الدين عنوانها "الفساد الاخلاقي وازدواجية المعايير". في العظة على الجبل، أظهر يسوع تعاطفه مع الانسان الضعيف وأسس لمنهج أخلاقي يختلف كليا عما كان يعلّمه الفريسيون والكتبة. قد تكون مقولة يسوع "ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين أخيك" من أكثر المقولات التي رددها البشر خلال الالفي سنة الماضية لإدانة ازدواجية المعايير في التعامل مع الآخر.

عندما كان يسوع يخاطب الفريسيين، غالبا ما كان يرفق خطابه إياهم بكلمة المرائين. كان الفريسيون يركزون على الظاهر في حياتهم. كانوا يظهرون للناس بمظهر الاتقياء، لكنهم كانوا من الداخل على عكس ذلك تماما. دعى أحد الفريسيين يسوع يوما لتناول الطعام على مائدته. كان الفريسيون يتبعون طقوسا صارمة للاغتسال قبل الطعام. لكن عندما دخل يسوع واتكأ دون الالتزام بمعايير الاغتسال المنصوص عليها لدى الفريسيين، تعجب المضيف. فما كان من يسوع إلا أن قال له:
39 "أَنْتُمُ الآنَ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالْقَصْعَةِ، وَأَمَّا بَاطِنُكُمْ فَمَمْلُوءٌ اخْتِطَافًا وَخُبْثًا.
40 يَا أَغْبِيَاءُ، أَلَيْسَ الَّذِي صَنَعَ الْخَارِجَ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟
41 بَلْ أَعْطُوا مَا عِنْدَكُمْ صَدَقَةً، فَهُوَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ نَقِيًّا لَكُمْ.
42 وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالسَّذَابَ وَكُلَّ بَقْل، وَتَتَجَاوَزُونَ عَنِ الْحَقِّ وَمَحَبَّةِ اللهِ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.
43 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُحِبُّونَ الْمَجْلِسَ الأَوَّلَ فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ.
44 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ مِثْلُ الْقُبُورِ الْمُخْتَفِيَةِ، وَالَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَيْهَا لاَ يَعْلَمُونَ!».
45 فَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ النَّامُوسِيِّينَ وَقالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، حِينَ تَقُولُ هذَا تَشْتُمُنَا نَحْنُ أَيْضًا!».
46 فَقَالَ: «وَوَيْلٌ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُحَمِّلُونَ النَّاسَ أَحْمَالاً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَأَنْتُمْ لاَ تَمَسُّونَ الأَحْمَالَ بِإِحْدَى أَصَابِعِكُمْ.
47 وَيْلٌ لَكُمْ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ، وَآبَاؤُكُمْ قَتَلُوهُمْ.
48 إِذًا تَشْهَدُونَ وَتَرْضَوْنَ بِأَعْمَالِ آبَائِكُمْ، لأَنَّهُمْ هُمْ قَتَلُوهُمْ وَأَنْتُمْ تَبْنُونَ قُبُورَهُمْ.
49 لِذلِكَ أَيْضًا قَالَتْ حِكْمَةُ اللهِ: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ وَرُسُلاً، فَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَطْرُدُونَ
50 لِكَيْ يُطْلَبَ مِنْ هذَا الْجِيلِ دَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ الْمُهْرَقُ مُنْذُ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ،
51 مِنْ دَمِ هَابِيلَ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا الَّذِي أُهْلِكَ بَيْنَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ هذَا الْجِيلِ!
52 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ مِفْتَاحَ الْمَعْرِفَةِ. مَا دَخَلْتُمْ أَنْتُمْ، وَالدَّاخِلُونَ مَنَعْتُمُوهُمْ».
53 وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ بِهذَا، ابْتَدَأَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يَحْنَقُونَ جِدًّا، وَيُصَادِرُونَهُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ،
54 وَهُمْ يُرَاقِبُونَهُ طَالِبِينَ أَنْ يَصْطَادُوا شَيْئًا مِنْ فَمِهِ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ.

كان تركيز رجال الدين على نظافة اليدين. أما يسوع فكان يريد أن يرتقي بهم الى نظافة القلب. كانوا شأنهم شأن جميع الناس يحبون الشهرة والمجد التي كانوا يحصلون عليها من تحيات الناس لهم في الاسواق وفي جلوسهم على المقاعد الاولى في المتكآت. كان ظاهرهم جميلا كما شبهه يسوع بالكأس النقية والقصعة النظيفة، لكن القلب كان على خلاف ذلك تماما كما رمز إليه واصفا إياهم بالقبور المختفية. كانوا يفرضون على الناس عشر دخلهم بما في ذلك النعنع والسذاب والبقول إلا أنهم كانوا أبعد ما يكون عن الحق والرحمة. كانوا يبنون قبور الانبياء دلالة على تديّنهم، لكنهم كانوا في الوقت نفسه قتلة، أبناء قتلة، يشهدون ويرضون على أعمال آبائهم.

إن كان الفريسيون ركّزوا على الظاهر، إلا أن يسوع كان يريد أن يخلق ثقافة يتمتع فيها الداخل بالشفافية ذاتها التي يتمتع بها الظاهر. لذلك دعى تلاميذه الى تبني خطاب شفاف وصادق "بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ." (متى 5: 37). نهى يسوع تلامذته عن الحلف قائلا لهم 33 "أَيْضًا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ:لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ.
34 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ، لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللهِ،
35 وَلاَ بِالأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ.
36 وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ."

لقد رفض اليهود المسيح الذي أتاهم بخطاب جديد، لكن الكثيرين تبنوا هذا الخطاب على مد العصور. ولا شك أن هذا الخطاب أثمر في حياة الكثيرين حتى أصبحوا رمزا للصدق والسمو الاخلاقي والحس الانساني الراقي في مجتمعات وازمنة مختلفة وكثيرة.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع الثائر-7- نقد للتقاليد
- يسوع الثائر-6- رجال الدين
- إنها الحياة 5- الجنون فنون
- إنها الحياة 4- حرب البندورة
- إنها الحياة 3- شحاد ومشارط
- يسوع الثائر-5- رجال الدين
- إنها الحياة 2
- لبنان يا قطعة سما
- يسوع الثائر-4- من هو يسوع؟
- يسوع الثائر 3 مارتن لوثر كينغ والمسيح
- إنها الحياة 1
- يسوع الثائر 2 غاندي والمسيح
- أرجوكم،لا تكسروا زجاج السيارة!
- أتعهد بأن أحبك حتى الموت
- يسوع الثائر 1 تعريف الثورة
- قصة حب
- قاضٍ ومتهم
- يسوع المفكّر 8 - العدالة الاجتماعية
- أين أبي؟
- دفاعا عن الاسلاميين


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير