|
!ألف دولار للقاضي الكردي
علي شايع
الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:52
المحور:
حقوق الانسان
على فراش مرضه الأخير، متعباً؛باتجاه موت محتوم، سمع دكتاتور أسبانيا ضجة شديدة خارج القصر، فسأل زوجته على الفور وهو خائر القوى؛ ما الذي يحدث في الخارج؟!. قالت له؛ يا عزيزي خرجت أسبانيا كلها لوداعك. فرد باستغراب؛ ولكن إلى أين سيسافر الشعب الأسباني؟!.
هكذا ربما ظنّ طاغية آخر،أشد وأعتى،اقتيد قبل أيام إلى قاعة المحكمة، إن حضور تلك الجموع كان ترحيباً بإطلالته من جديد،وما تلك الكاميرات المبثوثة في المكان إلا نذر محبة واعتياد أدمنه لعقود من الهذر المتلفز.هكذا ربما وجد متسعاً ليستعرض أوهامه، في سعي، وهوس للحضور؛حضور عزّزته نظراته المتلصصة على مكان تفقّد زواياه وأمعن النظر في أركانه حدّ الطمأنينة التامة من أنه حاضر على الشاشة، وثمة جمهور سيراه و يتابعه "كبطل" يمارس بطولة السيادة على الوقت.. كانت نكتة من أيام الحرب على إيران تقول: إن إيران انتصرت في الحرب وقررت إبقاء صدام في السلطة(لسبب أو لآخر)شرط أن يبث التلفزيون العراقي قراءات قرآنية متواصلة،فوافق صدام شرط أن يقرأ هو القرآن..رغبة منه بالبقاء في أزل أمنياته التلفزيونية..هذا ما كنت أظنّ ملايين العراقيين تذكروه وهم يتابعون تخرصات طاغية يسهب بالحديث رغم إلحاح القاضي في أحد الأسئلة على إختصار الجواب بنعم أو لا.. وليوغل في تيه سياسي ورطانة جوفاء لو أن فصولها أكتملت في تلك الجلسة لكانت فسحة كوميدية هائلة ستدور مذ بدأها وهو يتحدى المحكمة بحجة كونه الرئيس المنتخب؛ له في يمينه مصحف الولاء الإسلامي،وفي يساره عهد الشعب وبيعته.. سخرية ما كان للقاضي الوديع إن يجيب فيها عن تساؤل الطاغية وإنكاره لهوية المحكمة،بأقل من الإفصاح عن الانتخابات والديموقراطية-التي نصّبت حكومة عينته قاضياً-وبأصوات ثمانية ملايين عراقي.. * * * دخل وكتابه في يمينه!،هكذا سيقولون.. لكن المصحف بين يدي الطاغية لم يكن ليضفي عليه وداعة عروس قبيل دخولها قفص الزوجية(كجري العادة العراقية في مثل هذه المناسبة)،لأن المصحف بين يديه كان مفخخاً،وأراد له غاية مصحف رفع على أسنّة الرماح ذات حرب أوشك فيها طرف على النصر لولا حجة تلك المصاحف المرفوعة طلباً لتحكيم كتاب الله.. مصحف الطاغية أرتفع سريعاً في فضاء الإعلام العربي..وبشعارات طالما سمعنا تكرارها؛ نثراً واستشهادا بالنصوص القرآنية والحديث،والخرافات عن حرب صليبية حذّر منها شاعر الطاغية عبد الرزاق عبد الواحد في نص شهير نشرته صحيفة البعث الرسمية وكرّره التلفزيون مع مشاهد تجمع الطاغية بالقرآن،وصوت الشاعر العلماني يكرّر:"هي حربٌ صليبيةٌ يا محمد.. هي حربٌ صليبيةٌ يا محمد "..تلك القصيدة التي بقيت منشورة في موقع إتحاد الكتاب العرب لأيام قليلة خلت، وتلاقفتها للنشر مواقع الكترونية عربية تمجّد بطل التحرير القومي. صراخ يتردّد صداه اليوم عبر عشرات الأصوات لكتاب وشعراء، بينهم من يفرط البوح لا كرهاً لأمريكا ولكن حبا للطاغية،وبمديح مبطّن،أبشعه قول أحدهم إن الطاغية يريد تأكيد تفرده واختلافه،بل زاد فيها حزنا على حزن مثله الأعلى في أقفاصه،ليفصح بنثر مأخوذ من مراثٍ لإبطال تكسرت النصال على النصال في حكاياهم،وليعلّل حضور بطله مع القرآن كبلاغة حال لازمة لأنهم لن يسمحوا له بإستعراضها في اللغة. * * * ثمة ألم يعرفه ضحايا الإرهاب بالقول: ليت قومي يعلمون.فهذا المصحف ذكّرنا ملياً بمصاحف تحدّث عنها بيان وزارة الداخلية السعودية قبل أشهر، يوم اكتشفوا كمية هائلة من مصاحف مفخخة بالقنابل كانت معدّة لعملية كبرى،وما كان لأحد إن يكتشف لغماً أولجه الشر في المقدس.. لطروادة أحصنتها إذن ولنا في المقدس ألم وحصان طروادي.. * * * أجزم إن العالم كلّه انشغل بمحاكمة الطاغية أكثر من الشعب العراقي،فثمة مشاغل قديمة ومشاكل تتكاثر،أورثنا خرابها هذا الجلاد،و ما زال الإنسان العراقي يركض سعيا لحلها ،حتى لم يعد ثمة وقت لترف مشاهدة طاغية يهذي..ظانّا بنفسه قدرة منح المكرمات حتى هذه الساعة،فالمعروف عن بعض عاداته التشريفية أيام رعب قصوره وسطوته،إن له من الحراس من يحصون حركاته ويتصرفون وفقها،فإشارة واحدة تعني "أقتلوه الآن"،وأخرى تعني أعطوه مالاً،وكلمة "عفية" التي يقولها الطاغية بحق شخص ما تعني إنه يقول له أحسنت بالدارج العراقي،وإنه سيُمنح إكرامية بمليون دينار يستلمها بعد أن ينفضّ المجلس..وتتضاعف له مع تكرار الكلمة. يوم 19-10-2005انفضت المحكمة وبقي للقاضي في ذمة الطاغية نصيب(عفيتين) قالهما بحقه،الأولى حين سمح بإعادة العقال إلى رؤوس المتهمين،والأخرى مجاملة للقاضي قصد التخفيف من وطء رفضه لسؤال الهوية،واظنّ إن الجميع عرف هوية الطاغية أكثر حين قال (عفيته) تلك وتلفّت إلى حراس القاعة ليبصر الوجوه الساخرة منه.
#علي_شايع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!شعوبية عروبية
-
الشاعر حيث أتى
-
!أنصالح من يطالح؟
-
أفلام قمعٍ تعرض لأول مرّة
-
وكم ذا بمصر من المضحكات
-
مصرع القاسم..المشترك
-
منامات عربية
-
قد أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى
-
! أحسنتَ إلى العصفور سيدي الرئيس
-
كراج النهضة
-
!ما لهذا الدستور ينسى تلكم الكبيرة
-
هام..تحذير من اغتيال سفير
-
خيانة المثقفين
-
السيد الجعفري.. قل الثقافة، وانسَ الرمح
-
!سجين أخطر من الديكتاتور نفسه؟
-
تأخير العدالة؛ظلم آخر..لو تعلمون
-
وصل السيل الزبى
-
دموع ماري
-
مقال منعه موقع إيلاف من النشر
-
الحصان الملكي وحيداً
المزيد.....
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|