رغم كل الضجيج الاعلامي الذي رافق مؤتمر اطراف وتيارات المعارضة البرجوازية العراقية الذي انعقد في لندن وسعي الكثيرين من الاطراف الى اعتباره المناسبة التي ستحدد مصير العراق السياسي!!، الا ان الوقائع التي رافقت المؤتمر ونتائجه ووثائقه لم تكن سوى خطوة اولى في تبيان ملامح المستقبل الاسود الذي ينتظر ملايين المحرومين في العراق إن وصلت هذه التيارات والاطراف المتصارعة منذ الان على حصصها وغنائمها الى السلطة بمساعدة امريكا وجيوشها واساطيلها وبعد ان تحيل الخراب الذي يعم المجتمع بكل مناحيه الاقتصادية والاجتماعية والصحية و...الخ الى خراب اشد وطأة واكثر انهياراً. لم يكن مؤتمر لندن سوى دعماً اعلامياً وسياسياً للهجمة الوحشية والهمجية التي تعمل امريكا على شنها ضد جماهير العراق وتكريس غطرستها وسياساتها المعادية للانسانية ولتواصل بذلك تلك المأساة والتراجيديا المروعة التي يعيشها ملايين المحرومين والمضطهدين منذ ما يزيد على 12 عام.
هكذا رسم رموز المعارضة العراقية او (العراقيون الاحرار) كما تسميهم الادارة الامريكية ملامح عراقهم الديمقراطي والفيدرالي الموعود الذي يطمحون الى حكمه لا على اساس مايمثلونه من قوى سياسية واحزاب وتيارات لها توجهاتها السياسية والايديولوجية المختلفة، بل على اساس النسب التي يمثلونها من اديانهم ومذاهبهم وطوائفهم وقومياتهم!! هكذا، وبكل صلف البرجوازية التي لاتستطيع ان تعيش دون الاتكاء على احط واقذر التقاليد والاعراف والشعائر الدينية والقومية والرجعية المعادية للبشر، حسم عملاء امريكا من اسلاميين وقوميين امرهم وقسموا الجماهير في العراق الى شيعة وسنة وعرب واكراد واشوريين وتركمان...الخ وكأن العراق لايمكن ان يكون سوى المكان الذي يعرف فيه البشر على اساس اديانهم ومذاهبهم وطوائفهم والقوميات التي ينحدرون منها. العراق، بنظر تيارات المعارضة الرجعية، ليس مكان لبروز قوى وتيارات سياسية وحركات اجتماعية وتوجهات علمانية وراديكالية وانسانية يمكن ان يعرف الانسان من خلال انتمائه لها: قومية، ليبرالية، شيوعية، مدافعة عن حقوق الانسان وغيرها، بل سيكون العراق "مقبرة" كل من يسعى لتعريف نفسه خارج الدائرة التي رسمتها له وحتى الان المعارضة او السلطة القادمة في العراق. ان العراق القادم وفقاً للتقسيمات والنسب التي حددوها واقروها في المؤتمر، سيكون بلداً لا يعرف الا الصراعات الطائفية والمذهبية والتناحر القومي بكل رجعيته ووحشيته؛ وستكون هذه الصراعات المطحنة التي تسحق الجماهير وستجعلهم يعيشون في بحر من الدماء. فمؤتمر لندن اعطى الضوء الاخضر لاشعال فتيل هذا الصراع ما بين الشيعة والسنة ومابين العرب والاكراد والاكراد والتركمان وغيرها.
ان ما جرى في مؤتمر لندن كان هو التكريس الطائفي والقومي بكل تجلياته ووضوحه الذي لايستره شيء. هذا هو العراق اليمقراطي للمعارضة، العراق الذي يمكن ان يعيش فيه الانسان بامان وسلام وبما يمكنه من ممارسة حرياته السياسية وحقوقه الفردية والمدنية بعد ان عاش عقود طويلة من القمع والارهاب وحمامات الدم والحروب والاعدامات وعمليات التطهير العرقي وحملات الابادة الجماعية والسجون والتعذيب. سيكون الانسان في العراق، مرة اخرى، خاضعاً لسلطة تستلبه وتذله وتسحق هويته الانسانية وفقاً لاعراف الاسلام وشرائعه التي طالب مؤتمر لندن بـ(احترامه كدين للدولة واحد مصادر التشريع الاساسية ويجب مراعاة تعاليمه في التشريع والثقافة والاعلام والتربية والاخذ بذلك كاحد المصادر الاساسية). حيث سيبقى الاسلام سيفاً مسلطاً على رقاب الجماهير ويتم تفسير حركاتها وسكناتها، مطاليبها واعتراضها، حقوقها وحرياتها، انتماءاتها السياسية وابداعها الفني والادبي والفكري وعلاقاتها الاجتماعية، مستوى تربية وتعليم اطفالها ودراستهم، وفقاً لمطابقتها نصوص القران وتفاسير الشيعة والسنة وعدم الخروج عنها. ومثلما اقروا الاسلام كدين للدولة من اجل التصدي للحركة المطالبة بضرورة فصل الدين عن الدولة ومنع الدين والشريعة والمفسرين وقوى الاسلام السياسي من التدخل في حياة الجماهير، فانهم قد حددوا مكانة المراة في عراقهم المقبل بما يتطابق مع النظرة الرجعية والمتخلفة والممارسات اللاانسانية للتيارات القومية والطائفية للمراة ومطاليبها وحقوقها وحرياتها السياسية. ففي الوقت الذي ما فتئوا فيه من تكرار خطابهم الطائفي والقومي واطلاق يد الاسلام، جاء ذكرهم للمراة في فقرة هشة وهزيلة ارغموا على ذكرها بفعل توسع الحركة المطالبة بحقوق المراة ومساواتها التامة مع الرجل على صعيد العالم وتزايد نشاط المنظمات النسوية الراديكالية واعتبار حقوق المراة ومطاليبها وحرياتها جزء لايتجزء من برنامج الاحزاب السياسية والتحررية والراديكالية. كذلك فانها جاءت من اجل ذر الرماد في العيون وخداع من تبقى واهماً بممارسات وتوجهات تيارات وفصائل مؤتمر لندن بان هذه القوى تعطي المراة اهمية خاصة في برنامجها السياسي وقوانينها وتشريعاتها القادمة عندما تصل الى السلطة (إن وصلت!).
ان عدم اقرار فصائل المعارضة بالمساواة التامة بين المراة والرجل وابدال ذلك بصيغة فجة وهزيلة ممثلة بـ(احترام حقوق المراة واهمية دورها في الحياة السياسية القادمة في العراق.... واشراكها ضمن صيغ ونسب موضحة ومثبتة دستورياً في كل مجالات العمل العام) لهو خير دليل على ماهية هذا المؤتمر المناهض للمراة ومكانتها في المجتمع. لقد حدد مؤتمر لندن، مسبقاً، المكانة الهامشية للمراة ومنعها مسبقاً ايضاً من ممارسة حقوقها السياسية والمدنية واعطى لمشرعي الدستور القادم الحق في ايجاد نسب (!!) حددت لمشاركة المراة في الحياة السياسية وحقها في التصويت والترشيح للبرلمان والمجالس البلدية وان يتم تثبيت هذه النسب، وفي الحقيقة، اشهارها بوجه الحركة النسوية والحركات والاحزاب السياسية المطالبة بحقوق المراة ومساواتها التامة مع الرجل قائلين: هذا هو الدستور وهذه هي الحقوق والمكانة التي حددها الدستور والقانون للمراة!! اليس صيغة كالتي جاءت في الاعلان الختامي لمؤتمر المعارضة بخصوص حقوق المراة تكشف لنا مسبقاً اية رجعية وتخلف وانحطاط سياسي واجتماعي سيسود العراق في ظل سلطة كالتي تريدها المعارضة العراقية الرجعية!! وكيف سيكون عليه حال حقوق ومطاليب الجماهير التواقة للحرية والمساواة والرفاه!!
ان مساواة المراة التامة مع الرجل سياسياً وحقوقياً واقتصادياً واجتماعياً والاقرار بحقوقها الفردية والمدنية وحياتها الشخصية كالعمل والسكن والتنقل والدراسة واختيار شريك الحياة وحرياتها الجنسية يشكل هاجساً مرعباً لهذه القوى التي احالت هذه القضية الهامة والحساسة على الصعيد اللسياسي والاجتماعي الى دستور سيقره برلمان يتم انتخابه وفقاً لنسبة وتناسب الشيعة والسنة والعرب والاكراد و...الخ. وعندها سيكون الهجوم على المراة وحقوقها وحرياتها ميدان لتنافس هذه القوى التي ستبدع وتتنافس في ابراز اقصى درجات رجعيتها وتخلفها وانحطاط ممارستها.
ان ما تطمح اليه الجماهير في العراق هو خلاصها من سلطة الحكومة الفاشية والديكتاتورية القائمة. غير ان خلاصها هذا وتحررها من الاستبداد والقهر لايمكن ان ياتي عبر فرض سلطة وحكومة اخرى تعمل على تقسيم الجماهير استناداً الى الهويات الكاذبة المذكورة واشعال فتيل الصراعات الطائفية والقومية بينها. ان فصائل مؤتمر لندن لاتمثل جماهير العراق. انها تمثل مصالحها ومساعيها من اجل السلطة باي ثمن حتى ولو كان على حساب رقاب الجماهير وموتها. انها تمثل اسيادها في المخابرات المركزية وقم وتركيا وغيرها.
ان التصدي لمشاريع المعارضة البرجوازية العراقية وفضحها وكشف المصير الاسود الذي تسعى الى فرضه على الجماهير في العراق هو احد الاهداف والممارسات السياسية التي يعمل الحزب الشيوعي العمالي العراقي من اجل انجازها وتحقيقها وحرمان هذه القوى من اشاعة المزيد من الاوهام بين صفوف محرومي وكادحي العراق. في الوقت ذاته، فانه يطرح بديله السياسي امام الجماهير والمتمثل باقامة الجمهورية الاشتراكية من اجل انقاذ جماهير العراق وخلاصها من ربقة القهر والاضطهاد.