أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله تركماني - المسيحون والمواطنة في المشرق العربي















المزيد.....

المسيحون والمواطنة في المشرق العربي


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 4940 - 2015 / 9 / 29 - 10:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المسيحيون والمواطنة في المشرق العربي (*) (1 – 3)
لعل واحداً من سر جمال التكوينات الثقافية المشرقية هو التنوّع والتعددية التي عرفها، دينياً وقومياً وسلالياً ولغوياً واجتماعياً. وقد كان المسيحيون وما زالوا جزءاً من هذا النسيج المشرقي.
ومن الواضح أنه في زمن الأزمات العاصفة تطرح المجموعات البشرية على نفسها مشكلة التعرّف على ذاتها، في ترافق مع العودة القوية للمقدس الديني في تمثُّل الهوية، حيث تتم مخاطبة عواطف الناس وانفعالاتهم للتأثير عليهم في اتجاه التمترس وراء هذه أو تلك من الجماعات السياسية، التي لا تجد من برامج تعبوية غير الشعارات الدينية فتستثمرها لإحاطة نفسها بعصبية طائفية أو مذهبية.
وفي الواقع لم يحدث، في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، أن دخلت المسيحية المشرقية في هواجس وجودية كما هي حالها اليوم، وذلك ارتباطاً مع انتشار موجة التشدد والغلو، وخصوصاً نشوء تيار إسلامي متطرف، سواءً اتخذ اسم تنظيمات " القاعدة " أو " داعش " أو أي مسمى آخر، وتزامن هذا الاستهداف مع الغزو الأمريكي للعراق في أفريل/نيسان 2003 وما تركه من تأثيرات وردود أفعال، وكذلك مع انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011 وما رافقها من عسكرة وأسلمة متطرفة.
الوجود التاريخي للمسيحية المشرقية
المسيحيون ليسوا أقلية في المشرق العربي، إنما هم سكان هذه الأرض منذ نحو ألفي عام. والمسيحية إحدى الديانات العربية بلا شك، حتى السيد المسيح نفسه آرامي من الناصرة في الجليل الفلسطيني، وكان يتكلم السريانية، فهو بالمعنى التاريخي والحضاري، سرياني من فلسطين. وعندما ظهر الإسلام كان نصف عرب الجزيرة من المسيحيين، كما كانوا - على اختلاف مذاهبهم - كثرة في الشام ومصر وشمال أفريقيا وآسيا الصغرى.
إنّ تاريخ المسيحية في المشرق العربي هو تاريخ العرب نفسه قبل الإسلام. ومنذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام والعراق ومصر، سار تاريخ المسيحية وتاريخ الإسلام معاً بلا انفصال، إلا في حقب تاريخية محدودة.
المسيحيون العرب هم الغساسنة في حوران وقاعدتهم بصرى الشام، وهم المناذرة في العراق وقاعدتهم الحيرة. وهم أحفاد بكر وتغلب وكلب وربيعة ومضر وتنوخ، هذه القبائل التي كانت قبل الإسلام، في أغلبيتها، مسيحية. والعرب المسيحيون لمع من بينهم أعلام كبار في الشعر والأدب والحكمة والخطابة أمثال امرئ القيس والأخطل (التغلبي) وعمرو بن كلثوم وأبو تمام (الطائي) والأعشى وأمية بن أبي الصلت وأكثم بن صيفي وورقة بن نوفل وغيرهم كثيرون.
والمسيحيون العرب هم الذين استقبلوا أبناء عمومتهم القادمين في ألوية الفتح، في جنوب سورية (الغساسنة) وفي شمال العراق (المناذرة)، وساعدوهم على الروم البيزنطيين. بيد أنّ هذا التحوّل الأول في الشهادة المسيحية العربية، ما لبث أن غالبه تقهقر الخلافة الإسلامية وتدهور الأوضاع في المشرق العربي، ابتداءً من القرن الثالث عشر، لتقذف بهم في لجة الدونية والتبعية. وظلوا على هذا اليأس حتى مطالع القرن التاسع عشر، حين رام المشرق العربي أن ينعتق من ربقة الأمبراطورية العثمانية وأن يعيد اتصاله الفكري بالغرب، وهو الاتصال الذي انقطع إثر سقوط الأندلس وانكفاء الحضارة العربية - الإسلامية إلى حالات الاسترهاب واستعداء الآخرين والاستنجاد بمآثر الماضي المندثر.
عند هذا المنعطف التاريخي انبرى المسيحيون العرب يختبرون تحوّلاً جديدًا في شهادتهم الروحية والفكرية، فكانت العروبة التي بها أراد المسيحيون أن يفصحوا عن خصوصية روحيتهم وشهادتهم في داخل المجتمعات العربية من حيث الإصرار على مبادئ المساواة والأخوّة والعدالة. ولكن سرعان ما أدركوا أنّ العروبة لا تقوى على استدخال مقولات الأنوار الغربية ما لم تقترن اقتراناً وثيقاً بتأويل خلاّق للنص القرآني.. وينضاف إلى هذا سوء الفعل السياسي الذي كان يستظل بالعروبة سعياً وراء السلطة.
أما التحوّل الثالث، فهو الذي استهله العقل العربي المسيحي في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، بعد أن ألفى الوعي الإسلامي المعاصر نفسه في انكماش وتشنج وتقوقع على هويته الدينية، حيث سارع المسيحيون العرب إلى استنطاق إيمانهم عن أنسب السبل لنجدة الوعي العربي - الإسلامي المرتبك والمتصلب. فوجدوا أنّ مبادئ العلمانية السمحاء ستسعف المجتمعات العربية على تجاوز أزمة الهوية والشروع في بناء الفعل الحضاري الملائم للزمن الحاضر.
مساهمة المسيحية العربية في الحضارة العربية - الإسلامية
كان المسيحيون العرب شركاء في تأسيس الحضارة العربية - الإسلامية من البداية، وأفاض سمير عبده في كتابه " دور المسيحيين في الحضارة العربية - الإسلامية " في هذا الموضوع. وأزاح الستار عن حضورهم في قرون الإسلام الأولى، وساعد على ذلك الحياة المشتركة لأتباع الديانتين، بسبب الأصول القبلية والعشائرية الواحدة.

• دورهم في الدولة الأموية
استعانت الدولة الأموية، التي امتدت من حدود الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ثم إلى بلاد الاندلس شمالاً، بالخبرات المحلية والإدارات البيزنطية. ولاسيما خبرات وعلوم المسيحيين السريان الذين كانوا يحملون لواء الثقافة اليونانية والبيزنطية. فقد استعان معاوية بن أبي سفيان بسرجون بن منصور رئيساً للديوان، وقنان بن متَّى كاتباً، وابنَ أثال طبيباً كما يقول أحمد أمين في كتابه " ضحى الأسلام ".
• دورهم في الدولة العباسية
في العصر العباسي قام أبو جعفر المنصور باستقدام الطبيب جورجيس بن بخت يشوع إلى بغداد، وظلت أسرة بخت يشوع ثلاثة قرون تتمتع بمكانة كبرى لدى الخلفاء العباسيين ووزرائهم وعلمائهم، للاستفادة من علمهم في الفلسفة والطب واللغات، مما أسهم في بناء صرح الحضارة العربية - الإسلامية التي ازدهرت في القرون الوسطى. ومن أشهر علماء هذه الأسرة يوحنا بن ماسويه، الذي عينه المأمون رئيساً لدار الحكمة، أكبر مؤسسة ثقافية علمية في العالم، في ذلك العصر.
• دورهم في عصر النهضة العربية الحديثة
لعل من الصعب أن يتخيل أي باحث هذا العصر من دون أن يلتفت إلى الدور الريادي الذي لعبه المسيحيون فيه. ومن بين أبرز أعلام هذه الحقبة: ناصيف اليازجي وإبراهيم اليازجي (أصلهما من حمص) وفرنسيس المراش (حلب) وأديب اسحق (دمشق) وأحمد فارس الشدياق وشبلي الشميل وفرح أنطون (لبنان) وجرجي زيدان (أصله من حوران) ولويس شيخو (العراق) ولويس المعلوف (واضع المنجد في اللغة) وعيسى اسكندر المعلوف (أصل آل المعلوف الزحليين من قرية داما في جبل العرب في سورية)، فضلاً عن جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) وفوزي المعلوف ونسيب عريضة وإيليا أبو ماضي ومي زيادة وخليل السكاكيني وغيرهم.
لقد اضطلع المفكرون والأدباء المسيحيون بدور متميز، وكانوا أول من رفع لواء القومية العربية عالياً ضد حملة حركة التتريك العثمانية. وقد قال الإمام محمد عبده " إنّ انتساب غير المسلمين إلى الأمة لايقل أصالة عن انتساب المسلمين أنفسهم إليها "، وهذا ما أثبته نشاط العرب المسيحيين، طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث لعبوا دوراً محورياً في حركة النهضة العربية الحديثة في بلاد الشام على الخصوص. فقد كان المعلم بطرس البستاني، وهو من أوائل المتنورين والمنورين، يفتخر بالحضارة العربية - الإسلامية ويؤمن بعروبة جميع الناطقين باللغة العربية مسلمين ومسيحيين " ألا تشربون كلكم نفس الماء. ألا تتنفسون كلكم نفس الهواء ".
وقد حظي النهضويون العرب بدعم الفئة المتنورة من العثمانيين التي كانت تريد تحديث السلطنة، من أمثال مدحت باشا الذي كتب في مجلة " الجنان " لبطرس البستاني، وحرر هذه المجلة من مقص الرقابة. كما أنّ من رجالات الدولة العثمانية من شارك في بعض جلسات " الجمعية العلمية السورية " بينما كان الخطباء يتبارون في الافتخار بانتمائهم القومي العربي والتغنِّي بأمجاد العرب.
• دورهم في التاريخ المعاصر
من الصعب بمكان الفصل بين النشاط الإبداعي للمثقف المسيحي المشرقي والنظرة العامة المعاصرة لكيانية العرب. لقد جسد بالفعل ومنذ البدء الحاضنة لكيانية الأمة هذه وذلك عبر مدها: أولاً، بخطاب تبريري لنشأتها ولانفصالها عن جذرها الديني. وثانياً، بـ " منظومة مفاهيمية " جديدة تسمح ببلورة هوية ونظرة جديدتين للذات الجمعية. وثالثاً، شرعنة الاستعارة الثقافية من المجتمعات الأخرى، وخاصة الأوروبية ذات الثقافة المتقدمة والمهيمنة في الآن نفسه.
ونذكر من جملة المسيحيين الذين لهم دور كبير في الفكر العربي المعاصر، والكفاح الوطني: سلامة موسى وأنطون سعادة وقسطنطين زريق، وجورج طرابيشي وجورج حبش وميشيل عفلق وجورج قرم وعزمي بشارة وكلوفيس مقصود وأدوارد خراط وناصيف نصار ولويس عوض وفؤاد زكريا وكمال اليازجي وأنطون غطاس كرم وغالي شكري ونادر فرجاني.
كما ساهموا كذلك في صوغ أفكار اليسار العربي، وكان من بينهم اسكندر الرياشي ونقولا الحداد ويوسف ابراهيم يزبك ورئيف خوري وسليم خياطة وفؤاد الشمالي وفرج الله الحلو وإميل توما وإميل حبيبي ويوسف سلمان (فهد). وفي السياسة برز في مصر مكرم عبيد، وفي سورية فارس الخوري الذي ترأس مجلس النواب السوري والحكومة السورية.
لقد امتلك كثيرون من النخب السياسية المسيحية العربية مشاريع سياسية جامعة لا تقسيمية ذات طابع قومي، أكان ذلك قومياً سورياً أم قومياً عربياً. وانخرط كثيرون منهم في مشاريع سياسية ذات طابع مساواتي، وذات مضمون اجتماعي مثل الأحزاب العلمانية واليسارية. وأسس بعض المسيحيين حركات للتحرر الوطني، ولا سيما في فلسطين أمثال جورج حبش ووديع حداد ونايف حواتمة وغيرهم.
والسؤال الآن هو: هل قدر المسيحيين الذين تبوأوا ريادة النهضة العربية الحديثة أن يكونوا أكبر ضحايا عثارها وإخفاقها وأن يدفعوا ثمن مخاضها المزمن والعسير؟ هل قدرهم أن يعاقَبوا على مناداتهم بحقوق الانسان والمواطن والنهضة العلمية والحكم الدستوري ودولة الحرية والمساواة ؟
تونس في 27/9/2015 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية
(*) – مقاربة قُدمت في إطار الندوة العلمية الدولية في القيروان/تونس في الفترة ما بين 28 و 30 أيلول/سبتمبر 2015، بدعوة كريمة من " مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان " و " جامعة الزيتونة " حول " الإصلاحية الإسلامية وسؤال الهوية ".



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روسيا وأقتعتها المكشوفة في الحالة السورية
- واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل
- هل ينجح ديمستورا في تغيير قواعد الحل السياسي في سوريا ؟
- حول المعطيات المستجدة لفوضى الحالة السورية
- الاستبداد في مواجهة الثورة السورية
- أي آفاق للثورة السورية ؟
- سورية مقبلة على التغيير .. ما مضمونه ؟
- جردة حساب للثورة السورية وآفاقها
- توصيف أولي لسلطة آل الأسد وتفاعلاتها
- خيار سلطة آل الأسد أم خيار الشعب السوري ؟
- سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام
- جذور الاتحاد المغاربي ومعوقاته وآفاقه
- هل تعيد الحالة الإسلامية تعريف دورها في مصر ؟
- ضوء على كونية وشمولية حقوق الإنسان
- رجال دولة أم عصابة سلطة في سورية ؟
- بشأن إشكالية العلاقة بين الدين والدولة
- ارتباك أداء قيادة المجلس حتّم إعادة هيكلته
- الأخضر الإبراهيمي أمام الامتحان الأصعب
- أية عدالة انتقالية بعد التغيير في سورية ؟
- عندما يحاول عنان - قضم - الثورة السورية


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله تركماني - المسيحون والمواطنة في المشرق العربي