|
تناقضات وألغاز تقرير ميليس وأهدافها
سهيل حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1356 - 2005 / 10 / 23 - 10:04
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
علينا قبل كل شيء أن نقرأ بدقة تقرير ميليس ونتائجه وتصوراته واستنتاجاته وكل ردود الأفعال العالمية والعربية التي ستصدر عن هذا التقرير وخاصة ردود الأفعال الأمريكية والفرنسية لوضع تصور ورؤية واضحة لمرحلة ما بعد التقرير واستمرار التحقيق وآلياته، وما هو الهدف منها، وأن نتعامل ونأخذ كل ما جاء في هذا التقرير بجدية وحذر شديدين. فالتقرير سياسي بعيد المدى يحمل في طياته الكثير من الغموض والتأويلات والتناقضات والألغاز. وليس من المستغرب أن تتهم سورية كنظام أو أطراف فيها بهذه الجريمة ويتم التجني عليها وعليهم بأي شكل كان، وإقحامها وإقحامهم بقضية شائكة حولتها الإدارة الأمريكية من قضية محلية إلى دولية بامتياز بهدف زيادة الضغوطات على سورية ومواقفها من الأجندة الأمريكية وجميع القضايا العربية والإقليمية وخاصة القضية الفلسطينية ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تريد الإدارة الأمريكية فرضه على دول المنطقة لتأمين مصالحها الحيوية وخاصة السيطرة على منابع النفط بعد غزوها لأفغانستان واحتلال العراق. وقد بدأت هذه الضغوط بالظهور علانية وبشراسة وبكل الوسائل والسبل بعد الاحتلال الأمريكي للعراق نظراً لموقف سورية الرافض لهذا العدوان الأمريكي قبل وبعد الاحتلال السافر وغير المبرر لهذا البلد، ولعدم موافقة سورية على الأجندة الأمريكية الموضوعة للمنطقة بأسرها. ولكي تحقق الإدارة الأمريكية مسعاها في الحصول من سورية على دعم لعدوانها ومشروعها في العراق، وفرض شروطها وطلباتها فيما يخص أمن إسرائيل والتطبيع معها، وهنا بيت القصيد من كل هذه الحملة الأمريكية الشرسة على المنطقة، بدأت بتطبيق ضغوط سياسية ودبلوماسية أتبعتها بعقوبات اقتصادية وتجارية وتهديدات عسكرية وعقوبات دولية وعزلة دولية وتهديد بتغيير النظام برمته كما فعلت بالعراق أو تغيير مواقفه كما حدث مع ليبيا لإضعاف وإنهاك البلد والإتيان بأنظمة صورية تحقق رغباتها. وكانت بوابة العبور الرئيسية لممارسة هذه الضغوط هي لبنان. فهناك إلى فترة مضت يوجد تواجد عسكري سوري بحسب اتفاقيات الطائف وموافقات دولية وشرعية لضمان أمن ووحدة واستقرار هذا البلد الذي كان يعاني من ويلات الحرب الأهلية الدامية. وبمساعدة أطراف لبنانية محلية معارضة للوجود السوري في لبنان تم تضخيم واستغلال أخطاء ممارسات فردية وشخصية لبعض المسؤولين عن هذا التواجد الذي دام قرابة 30 عاماً لتأليب الرأي العام اللبناني والدولي ضد هذه الممارسات وضد سورية ودورها في هذا البلد. ولإضعاف موقف سورية إقليمياً ودولياً اتخذت فرنسا والإدارة الأمريكية احتجاجات هذه الأطراف التي أدت دورها على أكمل وجه في إظهار دور سورية وكأنه مهمين على القرار اللبناني برمته بمعارضتها قرار التمديد للرئيس اللبناني مرة أخرى، ذريعة لكي يصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1559 والذي ينص على انسحاب الجيوش الأجنبية من لبنان بدون الإشارة إلى من هو معني بهذا الانسحاب الجيش الإسرائيلي المحتل لمزارع شبعا أم الجيش السوري الذي دخل إلى لبنان تحت شرعية عربية ودولية، وعلى سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات، وسلاح حزب الله المقاوم للاحتلال الإسرائيلي وأطماعه التوسعية. ولكن حقيقة القرار كانت استهداف سورية ودورها في لبنان ودعمها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية واستهدافهما معاً. وبما أن القرار غير واضح بشأن التواجد السوري في لبنان ولتحريك مسار هذا القرار وإخراج سورية من لبنان وتصوير أن تواجد جيشها لم يعد قادر على ضمان امن واستقرار هذا البلد كانت جريمة اغتيال الحريري التي خطط لها بدقة في أروقة البيت الأبيض وسراديب الموساد في تل أبيب، واتهمت فيها سورية ومن يتعامل معها من قوى وطنية في لبنان، فهي من جهة ذريعة لإخراج سورية وتحجيم دورها في لبنان، ومن جهة أخرى إبعاد وإلهاء الرأي العام العالمي عما يحدث في العراق من تدمير وتهويد وقتل، وإلى ما أل إليه الوضع المزري للجيش الأمريكي هناك تحت ضربات المقاومة للاحتلال، وما يرسم لفلسطين ودول المنطقة من مشاريع استسلامية وجزئية تتطابق مع مصالح إسرائيل وإستراتيجيتها في فرض شروطها بما يخص مشروع السلام وإعادة الأراضي المحتلة لأصحابها الشرعيين، وتوطين اللاجئين، وتسريع وتيرة التطبيع مع الدول العربية لفك عزلتها الإقليمية والاقتصادية وجعلها القطب الإقليمي المهيمن على المنطقة عسكريا واقتصادياً... فهل كان بمقدورنا أن نتصور بظل هيمنة أمريكية على دوائر القرار الدولي ومجرياته أن يخرج تقرير ميليس عن هذا المسار الذي رسم له مسبقاً في دوائر البيت الأبيض، وهل كان يعقل أن يخرج تقريره حيادياً بدون الإشارة من قريب أو بعيد لدور سوري معين في هذه القضية؟. وهل هناك من يعتقد بأن مهمة ميليس هي فقط لإظهار الحقيقة البينة بجلاء ووضوح، وكشف مخططي ومدبري ومنفذي هذه العملية؟. لماذا التحقيق إذاً مع أطراف دون غيرها في بلد تحكمه تيارات عدة متوافقة ومتنازعة وأم تلك الأخرى الأطراف معصومة ومحمية من الراعي الأكبر في الإدارة الأمريكية؟. ولماذا مع سورية دون غيرها؟. فقط لأن جيشها متواجد على أرض هذا البلد؟. وهو متواجد منذ ثلاثة عقود كان الحريري رئيس للوزراء عدة مرات في أخرها؟!!!. كثر هم من يريدون زعزعة استقرار لبنان والقضاء على مقاومته وسلاحها. كثر هم غير سورية من لا تتماشى مصالحهم بوجود لبنان موحد وقوي ومستقر. فهل إسرائيل وأجهزتها بعيدة عن ذلك؟. كثر هم من كان الحريري يهدد مصالحهم وطموحاتهم الشخصية السياسية والاقتصادية في لبنان. لماذا الإشارة فقط لسورية؟. وهي البلد الوحيد الذي تضرر من هذه العملية وتداعياتها. أيعقل أو يتصور شخصاً مهما كان محدود التفكير أن يصدق أن تقرير ميليس حيادي وغير مسيس، ورئيس سورية وفي كل المحافل يؤكد ويصرح بأنه ليس لسورية أي دور في هذه القضية وهي بريئة مائة بالمائة من هذه العملية، وإذا كان هنالك لأي سوري دور فردي في هذه العملية فمصيره مصير خائن لأمن سورية وشعبها، وسوف يحاكم لارتكابه هذا الفعل. وهو يعلم أيضاً، بحكم إطلاعه الواسع على كل مجريات القضية من بدايتها إلى نهايتها بأن وراء هذا التحقيق الدولي دول كثيرة تريد النيل من سورية ودورها ومواقفها إذا ثبت بأي شكل من الأشكال أي دور لها. فمنذ البداية اتضحت معالم هذه القضية ولم يعد يخفى على أحد بأنها مدبرة من أجل اتهام سورية فيها، ومخطئ من يظن أن رحلة ميليس انتهت بكتابة تقريره ذو النسخ المتعددة بتناقضاتها وألغازها، فمهمته قد بدأت الآن بعد أن أعطى لنفسه مدى زمني بعيد قد يطول ويقصر بحسب التغيرات الدولية والإقليمية في المنطقة، ودوره الجديد ينحصر بإبقاء جميع الأمور في التحقيق معلقة بين اشتباه واتهام وبراءة إلى ما شاء الله، ويترك الجميع يبحث عن الحقيقة التي قد لا تظهر نهائياً أو تحتاج لعدة سنوات كما قال، إلا الإدارة الأمريكية التي تبحث عن مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة ومشاريعهم، وكيف ستجير هذه القضية وتداعياتها لتحقيق هذه المصالح. وبالتالي لن يكون لتقرير ميليس دور في الوقت الحالي إلا إبقاء جميع الأطراف في لبنان تحت رحمة التحقيق وتداعيات القضية وبالتالي تحت وصاية أمريكية بغض النظر عن كونها موالاة أو معارضة، أما بالنسبة لسورية فهو ورقة لزيادة الضغوط الأمريكية عليها، إلا إذا رضخت لمطالبها، وعندها سيكون لميليس مهمة أخرى في مكان أخر ورحم الله رفيق الحريري وأسكنه فسيح جنانه. سورية - دمشق، في 22/10/2005. د. سهيل حداد
#سهيل_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعلان دمشق دعوة للتغيير الوطني أم للاستيلاء على السلطة؟
-
أمريكا على حدود سورية .. والشرق الأوسط .. وليس العكس
-
عزل سورية سياسة أمريكية خاطئة
-
إعلام الفتنة والتحريض والذل، نهج أم عمالة
-
ما وراء قتل الرموز الوطنية في لبنان !!
-
الحقيقة الواضحة لمن يريد معرفتها
-
الدين لله والوطن للجميع
-
رسائل الإخوان المسلمين الأخيرة وشعاراتها الخداعة .. مناورة أ
...
-
سوق هال الفضائيات العربية، والمزايدات السياسية
-
التخوف الأمريكي وأبعاده
-
-سورية في قلب الهدف الأمريكي-
-
رسالة ديموقراطية إلى ما يسمى العالم الحر
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|