|
العرب قبل وبعد الإسلام (10)
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 13:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العرب قبل وبعد الإسلام (10) طلعت رضوان إذا كان أبرهة الحبشى حاول أنْ يهدم الكعبة (كما تقول كتب التراث العربى / الإسلامى) وإذا كانت تلك الواقعة حدثتْ فى نفس العام الذى وُلد فيه الطفل (قــُـثــُـم) بمعنى جامع الخير، والذى سيصير بعد ذلك هو النبى محمد ، وإذا كانت الكعبة (قبل الإسلام) مزار (الوثنيين) كما وصفهم محمد ، فلماذا وقف القرآن مع (الكعبة الوثنية) ضد أبرهة (المسيحى) وبمراعاة أنّ الديانة المسيحية هى السابقة على الإسلام وأنّ القرآن اعترف بها ، ورغم ذلك فإنّ القرآن وقف مع (الوثنية) ضد المسيحية ، فأدان محاولة أبرهة وصوّر ما حدث فى سورة الفيل ((ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم فى تضليل . وأرسل عليهم طيرًا أبابل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول)) والمُـلفتْ للإنتباه أنّ تلك السورة فى القرآن جاءتْ مُــتطابقة مع الشعر الذى قاله (رؤبة بن العجاج) وهو من (شعراء الجاهلية) وجاء التطابق فى المعنى وفى الألفاظ حيث قال ((ومسّـهم ما مسّ أصحاب الفيل / ترميهم حجارة من سجيل / ولعبتْ طير بهم أبابيل)) (نقلا عن المستشار محمد سعيد العشماوى – الخلافة الإسلامية- سينا للنشر- عام 1990- ص46) إذا كان هذا هو الوضع : 1- الكعبة قبل الإسلام (مزار وثنى) ومع هذا وقف القرآن ضد أبرهة الذى حاول هدمها 2- الكعبة بعد الإسلام مكان مقدس. ولكن هل حافظ العرب الذين دخلوا فى دين محمد أفواجـًا على تلك القداسة ؟ وقائع التاريخ العربى / الإسلامى تؤكد أنّ العرب المسلمين المُوحدين لم يُـحافظوا على تلك القداسة ، مثلما حادث سنة 64 هجرية (أى قبل مرور مائة سنة على التاريخ الذى اختاره محمد) ففى ذاك العام حرق مسلمون مُوحدون البيت (الحرام) بالمنجنيق ولم يكتفوا بذلك وإنما ارتجزوا شعرًا فقالوا ((خطــّـارةٌ مثل الفــَـنيق المُـزْبدِ/ نرمى بها أعوادَ هذا المسجد)) وقال عمرو بن حوط السدوسى ((كيف ترى صنيع أم فروه / تأخذهم بين الصفا والمروه)) وكان يعنى بأم فروه (المنجنيق) وذكر الواقدى أنّ (الحصين بن نمير) عندما تمّ دفن مسلم بن عقبة ، توجـّـه إلى مكة وحاصر الزبير بن العوام (الذى انضم لجيش معاوية بن أبى سفيان فى حربه ضد على بن أبى طالب ، ومع ملاحظة أنْ الزبير أحد العشرة الذين حصلوا على تأشيرة دخول الجنة (مُـسبقــًا) واستمرّ حصار الزبير لمدة 64 يومًا. احترقتْ الكعبة وفى الوصف الذى ذكره المعاصرون للأحداث جاء به ((كانوا يوقدون حول الكعبة. فأقبلتْ شررة هبّتْ بها الريح فاحترقتْ ثياب الكعبة واحترق خشب البيت.. وأشاروا إلى رجل من أصحاب عبد الله بن الزبير، وقالوا احترقتْ بسببه (حيث) أخذ قبسًا فى رأس رمح له فطيّرتْ الريح به فضرب أستار الكعبة ما بين الركن اليمانى (يقصد الأيمن) والأسود (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى للمطبوعات – بيروت – لبنان- ج4- ص383) وعند قراءة أسباب حرق الكعبة بالمنجنيق ، فإنّ السبب يكمن فى الصراع على السلطة (كما كان يحدث تمامًا قبل الإسلام بين القبائل العربية) حيث أنّ عبد الله بن الزبير بن العوام قد دعا (بعد مصرع الحسين) إلى بيعته بالخلافة ، فبايعه أهل تهامة والحجاز، وسلــّـم الناس له بالخلافة. فسيّر يزيد بن معاوبة جيشًا لقتال ابن الزبير بقيادة (الحصين بن نمير السكونى) فسار إليه فى مكة. فتحصن ابن الزبير فى الكعبة (المسجد الحرام) غير أنّ جيش (المسلمين) بقيادة الحصين حاصر جيش (المسلمين) بقيادة الزبير. ونصب الأول المنجنيق ورمى به الكعبة. وكانت تلك هى المرة الأولى لحرق الكعبة ، أما المرة الثانية فكانت فى عهد عبد الملك بن مروان الذى سيّر الحجاج بن يوسف الثقفى لمحاربة عبد الله بن الزبير، فحاصره بجيشه فى الكعبة ، وللمرة الثانية يضرب جيش (المسلمين) كعبة (المسلمين) بالمنجنيق (وكان ابن الزبير قد أعاد بناءها بعد أنْ احترقتْ من الضرب الأول) واحتز جيش الحجاج رأس عبد لله بن الزبير وصلبوا جثته ، حتى كتب عبد الملك إلى الحجاج فأنزلها وسلــّـمها لأمه ، وقيل أنّ الجثة ألقيتْ فى مقابر اليهود. كان هذا مصير الزبير، مع ملاحظة أنه أحد المُـبشرين بالجنة. فهل ما حدث من مسلمين مُوحدين ضد مسلمين مُوحدين يختلف عن الصراع الذى كان سائدأ بين القبائل العربية قبل الإسلام ؟ وإذا كان عرب ما قبل الإسلام تمّ نعتهم ب (الوثنية) يكون لهم العذر فى رؤيتهم للكعبة الخالية (من القداسة) فكيف ولماذا تجرّدتْ مشاعر العرب المسلمين من تلك القداسة ؟ لدرجة حرق الكعبة بالمنجنيق مرتيْن؟ وهل هناك درس غير أنّ عرب ما بعد الإسلام لم يختلفوا عن عرب ما قبل الإسلام ؟ بل إنّ العقل الحر لابد وأنْ يتعلــّـم من درس آخر، لا يقل أهمية عن حرق الكعبة ، أى درس علاقة صحابة محمد ببعضهم البعض، بل علاقة العشرة الذين منحهم محمد تأشيرة دخول الجنة (مُـسبقــًا) بل إنّ أتباع على بن أبى طالب (فى ذروة صراعه على الخلافة مع معاوية بن أبى سفيان) انشقوا عليه واتهموه بالكفر. بل إنّ طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام (وهما من ضمن العشرة الذين حصلوا على تأشيرة دخول الجنة) تمرّدا على على بن أبى طالب ، وانضما إلى جيش معاوية بن أبى سفيان ، وكانت ثالثتهما عائشة زوجة محمد (النبى) ثم كانت الكارثة الكبرى عندما ترك عدد كبير من أتباع على بن أبى طالب المعركة وهم الذين عُرفوا ب (الخوارج) وكفــّـروا على ومن معه. وفى صياغة دقيقة عن تلك المشاهد المأساوية التى هى استمرار لما كان سائدًا قبل دعوة محمد ، كتب المستشار محمد سعيد العشماوى ((وخلال الانشقاقات حارب المُـبشرون بالجنة المُـبشرين بالجنة. وصارع الصحابة الصحابة. وقاتل المسلمون المسلمين . واغتال المؤمنون المؤمنين . وفى كل هذه الصراعات العنيفة كان كل من المسلمين يعتقد أنه على الحق والجادة ، وغيره على الباطل والكفر. وهو فهمٌ سوف يُـصبح ديدن جماعات كثيرة من المسلمين ، طوال التاريخ الإسلامى وحتى العصر الحالى)) (الخلافة الإسلامية- مصدر سابق – ص118) وبعد الصراع بين يزيد بن معاوية والزبير بن العاوام على السلطة ، والذى تسبّب فى حرق الكعبة مرتيْن ، ظهرتْ جماعة (القرامطة) وهم من المسلمين المُوحدين ، ويحلو لبعض الماركسيين وصفهم ب (الثوار) وأنّ حركتهم ((كانت ثورة ضد مظالم الخلافة الإسلامية)) إلى آخر تخريجاتهم التى لا علاقة لها ، لا بلغة العلم ولا بما ورد فى أمهات الكتب التى أرّختْ للتاريخ العربى/ الإسلامى ، وقد ذكر الطبرى قصة القرامطة ، وأنّ صاحب الدعوة اسمه (كرميت) ثم تمّ تخفيف الاسم إلى (قرمط) وأنّ أتباعه سموا (القرامطة) وأنهم اتخذوا البحرين والإحساء مقرًا لنشاطهم ، وكانوا يعتدون على المواقع القريبة منهم ، ثم اجتاحوا البصرة والكوفة ودخلوا مكة وأخذوا الحجر الأسود ، كما دانتْ لهم معظم مناطق شرق الجزيرة العربية. وفى خلافة الفاطميين ، تمكــّـن الفاطميون من إقناع القرامطة برد الحجر الأسود إلى مكة فردوه كما ذكر الطبرى ، الذى ذكر أنّ بدايتهم بدأتْ عام 278 هجرية بقدوم رجل من خورستان إلى الكوفة ، وأظهر الزهد والتقشف ، وكان يقول إنّ الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة فى كل يوم وليلة. وقال محمد بن داود أنّ قرمط رجل من سواد الكوفة يُسمى حمدان ويلقب ب (قرمط) وأنّ القرامطة ((أحدثوا دينـًا غير الإسلام ، وأنهم يرون السيف على أمة محمد إلاّ من بايعهم على دينهم)) ولهم كتاب جاء فيه ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وبعد كلام كثير عن شخص اسمه الفرج بن عثمان.. وأنه عيسى.. وأنه جبريل.. إلخ ثم توجه الخطاب إلى هذا الشخص فقال كاتب الرسالة له ((إنك روح القدس.. وأنت يحيى بن زكريا وأنّ الصلاة أربع ركعات : ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان بعد غروبها.. ويقول فى الأذان الله أكبر.. أشهد أنّ لا إلاه إلا الله.. أشهد أنّ آدم رسول الله.. أشهد أنّ نوحـًا رسول الله.. أشهد أنّ موسى رسول الله.. أشهد أنّ عيسى رسول الله.. أشهد أنّ محمدًا رسول الله.. أشهد أنّ أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله.. والقبلة إلى بيت المقدس والحج إلى بيت المقدس.. وأنّ الصوم يومان فى السنة)) وعن أحداث سنة 287 هجرية ذكر الطبرى أنه فى هذه السنة خرج العباس بن عمرو الغنوى من البصرة ومن معه من الجند ، ومن انضوى إليه من القرامطة ، فلقيهم طلائع بنى سعيد فتناوشوا القتال . واقتتلوا قتالا شديدًا . ثم إنّ صاحب ميسرة العباس حمل فى جماعة من أصحابه زهاء مائة رجل على ميمنة أبى سعيد ، فوغلوا فيهم (أى خاضوا فى دمائهم) فقــُـتل أبى سعيد وجميع من معه. وحمل الجنــّـابى وأصحابه على أصحاب العباس فانهزموا.. فلما كان من غد يوم الواقعة أحضر الجنــّـابى من كان أسر من أصحاب العباس فقتلهم جميعَا ثمّ أمر بحطب فطــُـرح عليهم وأحرقهم . وذكرالطبرى الكثير من التفاصيل عن جرائم القرامطة ضد (المسلمين) من ذبح للنساء والأطفال والشيوخ ، ولذلك ورد فى رسالة محمد بن سلمان إلى وزيره وصف القرمطى ب (اللعين والكافر) وعن أحداث سنة 291 هجرية ذكر الطبرى أنّ المكتفى بالله جمع القرامطة الذين كانوا فى السجن فقــُـطعتْ أيديهم وأرجلهم وضُـربتْ أعناقهم واحدًا بعد واحد .. وكان يؤخذ الرجل فيُـبطح على وجهه فتــُـقطع يمنى يديه ويُحلــّـق بها ليراها الناس ثم تــُـقطع رجله اليسرى ثم يسرى يديه ثم يمنى رجليه.. ثم يقعد فيمد رأسه فيُضرب عنقه.. وكان كثيرون منهم يحلفون أنهم ليسوا من القرامطة. وكان عدد الذين قتلوا بهذه الطريقة اللا إنسانية 34 شخصًا.. أما كبراء القرامطة مثل الذى أطلق على نفسه اسم (المُـدثر) فقــُـطعتْ يداه ورجلاه وضُرب عنقه. ثم نودى على كبير آخر من القرامطة فضُرب مائتىْ سوط ثم قــُـطعت يداه ورجلاه وكوى بالنار فغشى عليه. ثم أخذ خشب فأضرمتْ فيه النار. ووضع فى خواصره وبطنه فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما... وأخيرًا ضرب عنقه. وإذا كان البعض لا يمتلك نسخة أصلية من تاريخ الأمم والملوك للطبرى ، فإنّ المستشار محمد سعيد العشماوى فى كتابه (الخلافة الإسلامية) لخــّـص جرائم القرامطة فكتب أنهم قطعوا الطريق بين مكة والشرق . وفى سنة 928م (316 هـ) شنوا غارات مُـتفرّقة تقوم بها عصابات من صحراء الشام إلى جبل (سنجار) وخرّبوا الشام تخريبًا شديدًا ، ثم امتدتْ غاراتهم ففتحوا البصرة والكوفة وأعملوا فيها النهب وألقوا الرعب فى كل مكان.. وفى السنة التالية اقتحموا برئاسة أبى طاهر القرمطى مكة ونهبوا أموال الحجاج وقتلوهم حتى فى المسجد الحرام وفى البيت نفسه. وقلعوا باب البيت كما قلعوا الحجر الأسود ونقلوه من مكانه (يرى بعض المؤرخين أنهم نقلوه إلى الإحساء أو الكوفة ويرى آخرون أنّ ملك البحرين – أبوطاهر القرمطى- أخذه إلى البحرين ليجعل الحج عنده بدلا من مكة.. ويقال أنهم هدموا بئر زمزم وقتلوا فى موسم الحج مائة ألف إنسان) واقتسموا كسوة الكعبة بينهم ونهبوا دور أهل مكة. وبينما شارك بعض أهل مكة المُـغيرين فى نهب البلد الحرام فقد نهض لمقاومتهم البدو الأعراب الذين يُـقيمون خارج مكة. وفى سنة 950م (339 هـ) ردوا الحجر الأسود إلى مكة.. على أنّ أعمال القرامطة الظاهرة ، على قسوتها وفظاعتها ، لا تــُـماثل دعواهم بإنتهاء الشريعة الإسلامية وإنتهاء الدعوة المحمدية. وحلول نبى آخر منهم ودعوة جديدة بدلا منها ، وهو الأمر الذى عبّر عنه الشاعر فقال وهو على المنبر ببلدة الجند ((خذى الدفّ يا هذه والعبى/ وغنى هزازيك ثم اطربى/ تولى نبى بنى هاشم/ وهذا نبى بنى يعرب/ لكل نبى مضى شرعة / وهذى شرائع هذا النبى/ فقد حطـّ عنا فروض الصلاة/ وحطـّ الصيام ولم يُـتعب/ فلا تطلبى السعى عند الصفا / ولا زورة القبر فى يثرب)) (الخلافة الإسلامية – مصر سابق – ص170، 171) ومن خلال قراءته للتاريخ العربى/ الإسلامى ، فقد شخــّـص (المستشار العشماوى) تصرفات العرب بعد الإسلام قائلا ((يتميّز التاريخ الإسلامى بخاصية مُعينة ، تظهر فى التاريخ البشرى عمومًا ، لكن ليس بمثل ظهورها وبروزها فى التاريخ الإسلامى ، هى قيام الحركات السياسية أولا ، ثم ظهور الفرق والتيارات والمذاهب بعد ذلك ، حول الحركة التى ظهرتْ ابتداءً ، وبقصد تبريرها أو تسويفها أو تثبيتها ، وربما كانت علة وضوح هذه الخاصية فى التاريخ الإسلامى ، أنّ هذا التاريخ محكوم ببعض العوامل التى بدأتْ منذ ما قبل الإسلام (فى العهد الجاهلى) حين كانت كل تصرفات (عرب الجاهلية) آنذاك حركات بلا فكر، وتصرفات دون مذهب ، وردودًا بغير اعتقاد ، فلما جاء الإسلام لم تكن هذه العوامل قد انتهتْ وزال كل أثر لها ، فاستمرّتْ فاعلتها مع الأحداث ، وخاصة أنّ تداخل السياسة مع الإسلام فاجأ المسلمين بانشقاقات سياسية وحركات حزبية وتصرفات (جاهلية) منذ الفترة الأولى فى النصف الثانى من عهد عثمان بن عفان ، وقبل مرور عشرين عامًا على وفاة النبى ، وكانت المفاجأة من قبل أنْ يتكامل للمسلمين فكر أو تتحـدّد لهم مذاهب أو ينبنى لهم فقه ، فأدى ذلك إلى تأثر كل اتجاهاتهم الفكرية بالحركات السياسية : بالخلافة من جانب حزب الخليفة ، وبطلاب الخلافة من جانب حزب المعارضة. فالحركة السياسية تبدأ لتأييد موقف أو تحبيذ اتجاه أو تعزيز حاكم ثم يلتف الفكر حول الحركة ، فيلتصق بها ويؤثر فيها ويختلط معها ، فإذا به مجرد تبرير للموقف أو تسويغ للاتجاه أو تقديس للحاكم أو المُـطالب بالحكم)) (المصدر السابق – ص148) وذكر أنّ الخلافة الإسلامية ((أضرّتْ بالإسلام)) حيث تحوّلتْ من أنْ تكون (خالفة) للنبى إلى أنْ أصبحتْ خلافة للرسول ثم خلافة لله ثم (نور الله) ثم ((ظل الله على الأرض)) فضيّـعتْ حق الإسلام والمسلمين.. ما دام الخليفة مُـختارًا من (الله) وما دام قوله هو (قول الله) وفعله هو (فعل الله) وحكمه هو (حكم الله) فلا مجال لأى فكر سياسى يُـنظــّـم طريقة اختيار الخليفة ونظام عمله وحقوقه والتزاماته وكيفية عزله.. فليس على الخليفة أى التزام قِبل أى شخص ، لأنّ الناس جميعـًا عبيد له وإماء لحضرته ، أرواحهم ملكه ، يزهقها حين يُريد وأموالهم له يستبيحها كيفما يرى ويشاء (ص21) ومن خلال ذلك التشريح لما حدث بعد الإسلام ، يتيقــّـن العقل الحر من أنه لا فرق بين الخليفة (المسلم) ورئيس القبيلة الذى كان يتحكم فى أبناء قبيلته ورفض الدخول فى الإسلام . وكما كان رؤساء القبائل (فى الجاهلية) يُـمتــّـعون أنفسهم بالخمر واللهو والنساء ، كذلك فعل معظم الخلفاء المسلمين ، حيث كانت قصورهم عبارة عن مغانى ومراقص ومحافل ومقاصف ومشارب ، يجرى فيها الغناء ويدور الرقص ويقع اللهو وتــُـشرب الخمر وتنتشر المباذل ثم عمّ الفساد فى كل مكان . وقد أدى هذا الفساد الشائع إلى أنْ يقول مسلم ورع (بشر بن الحارث) عن بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية (فى أوج الخلافة وعز مجدها) : ((بغداد ضيقة على المتقين.. لا ينبغى لمؤمن أنْ يقيم بها)) وقال شاعر يصف واقع الحال فى بغداد فى ذلك العصر ((قلْ لمنْ أظهر التنسك فى الناس/ وأمسى يُـعدُ فى الزهاد/ إلزم الثغر والتواضع فيه/ ليس بغداد منزل العُـباد)) كما أنّ العرب المسلمين (وتحت مُـسمى الخلافة الإسلامية) انقسموا على بعض حيث كانت توجد (فى وقت واحد) ثلاث خلافات : الخلافة العباسية فى بغداد ، والخلافة الفاطمية فى مصر، والخلافة الأموية فى الأندلس (إسبانيا) وفى البداية وٌجدتْ خلافتان إحداهما لعلى بن أبى طالب والثانية لمعاوية بن أبى سفيان . وفى أوائل عهد الخلافة الأموية وُجدتْ إلى جانب هذه الخلافة ، خلافة أخرى كان مركزها مكة وكانت لعبد الهى بن الزبير. ولأنّ العرب المسلمين كانوا مُـتأثرين بعرب (الجاهلية) لذلك كثر الصراع بينهم ، فلم يتمكــّـنوا من (الحفاظ) على سيطرتهم على الحكم ، فتقطــّـعتْ البلاد (الإسلامية) فى أوائل القرن الرابع الهجرى فكانت فارس والرى وأصبهان والجبل فى أيدى (بنى بويه) و(كرمان) فى يد محمد بن إلياس ، والموصل وديار بكر وديار مضر فى أيدى (بنى حمدان) ومصر والشام فى يد محمد بن طغج الإخشيدى ، والمغرب وشمال إفريقيا فى يد الفاطميين ، والأندلس (إسبانيا) فى أيدى ملوك الطوائف ، وخراسان فى يد نصر بن أحمد الساسانى ، والأهواز وواسط والبصرة فى يد (البريديين) واليمامة والبحرين فى يد أبى طاهر القرمطى ، وطبرستان وجرجان فى يد (الديلم) ولم يبق فى يد الخليفة العباسى ووزرائه إلاّ بغداد.. ونتيجة ذلك فإنّ الخلافة الإسلامية لم تــُـحقق عزة للإسلام ولا مجدًا للمسلمين ، وإنما كان شأنها فى ذلك شأن أى امبراطورية أو قيصرية أو كسروية ، تمر بها فترات عزة ومجد وانتصار، ثم تدول بها الأيام فتتحوّل العزة إلى هوان ويصير المجد إلى فشل وينتهى الانتصار إلى هزائم.. ونتيجة ذلك شكا المؤرخ المسعودى مما حدث للإسلام فى عصره فكتب ((ضـَـعُـفَ الإسلام فى ذلك الوقت وذهب ، وظهر الروم على المسلمين ، وفسد الحج وانتشر عدم (الجهاد) وانقطعتْ السبل وفسد الطريق)) ثم أضاف ((إنّ الإسلام كان مُـستظهرًا (أى غالبًا) حتى ذلك الوقت ، فتداعتْ دعائمه وهى أسه)) وقال المؤرخ المسلم المقدسى عن بغداد عاصة الخلافة العباسية أنها ((كانت أحسن شىء للمسلمين وأجل بلد.. حتى ضعف أمر الخلافة فاختلتْ وخفّ أهلها.. فأما المدينة فخراب ، والجامع يعمر فى الجُـمع ، ثم يتخلــّـلها بعد ذلك الخراب.. وهى كل يوم إلى وراء.. مع كثرة الفساد والجهل والفسق وجور السلطان)) وكان من رأى المستشار العشماوى أنّ ((نشر الإسلام فى ربوع الأماكن المفتوحة (أى المغزوة) إنْ كان نجاحـًا ، فإنه لا يُـقاس بمدى ما ألحق بالمسلمين من هوان ، وما ضيّـع لهم من حقوق وما جمّـد لهم من فكر. وما بذر بينهم من شقاق ، وما انتهى بهم إلى فراق)) وردًا على الأصوليين الإسلاميين والعروبيين وأدعياء الليبرالية الذين كتبوا كثيرًا أنّ التاريخ الإسلامى ((تمّ تزييفه وتحريفه)) إلى آخره فى دفاع محموم عن الخلافة الإسلامية رغم كل الجرائم التى ارتكبها المسلمون من خلفاء وولاة ، فإنّ المستشار العشماوى واجههم بالحقيقة التى يُـصرون على تجاهلها فكتب ((فدعوى تزييف التاريخ دعوى حديثة لم يقل بها أحد من القدماء الثقاة المشهود لهم بكتابة التاريخ مثل الطبرى والسيوطى وابن الأثير وغيرهم ، وهى (دعوى تزييف التاريخ) تــُـرفع فى الآونة الأخيرة من جانب تيار الإسلام السياسى ، ومن يلوذ به أو ينتفع منه أو يسعى إليه ، بقصد اسقاط الحُـجج المُـقابلة الدامغة التى أثبتتْ – من واقع التاريخ وصميم الأحداث – بطلان دعاوى هذا التيار، وهزمته الأسانيد القاطعة إلى إنكارها جميعـًا ، فكان بذلك أشبه ما يكون بأوديب فى الأسطورة الإغريقية ، يفقأ عينيه بيديه حتى لا يرى الحقيقة)) (المصدر السابق – من ص21- 23) وإذا كان العروبيون والإسلاميون ومعظم الماركسيين يتحجـّـجون بأنّ أغلب الخلفاء المسلمين (خاصة بعد الخلافة الأموية وبداية من الخلافة العباسية) لم يكونوا من العرب (وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها) ولكن ماذا عن الخلفاء العرب ، بل والقرشيين الذين انتهتْ حياتهم بالتصفية الجسدية (عمر بن الخطاب ، عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب) فهل تلك الاغتيالات السياسية تختلف عن اغتيالات الخصوم فى الفترة التى نعتها محمد ب (الجاهلية) ؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب قبل وبعد الإسلام (9)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (8)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (7)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (6)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (5)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (4)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (3)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (2)
-
العرب قبل وبعد الإسلام (1)
-
مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
-
القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
-
العدوة لعصور الظلام
-
السامية والحامية ولغة العلم
-
رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال
...
-
أسباب فشل اليسار المصرى
-
الدولة شخصية اعتبارية
-
الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
-
الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
-
أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
-
الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
المزيد.....
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|