|
ما الذي يجعل زوغانوف يساعد بوتين؟
مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر
(M.yammine)
الحوار المتمدن-العدد: 4933 - 2015 / 9 / 22 - 00:39
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
بدلا من أن ينتقد زوغانوف (الذي لا يزال حزبه عن طريق الخطأ يطلق على نفسه اسم "الحزب الشيوعي") في خطبه سياسات الحكومة والسلطات الروسية المعادية للشعب، فإنه يركز خاصة على الأعداء الغربيين الذين "فرضوا على روسيا عقوبات"، كما لو أنه لم يكن بوتين، بل أوباما مع وزارة خارجيته هو من أمر بسحق المنتجات الغذائية التي طاولتها "العقوبات" بالجرارات. وبشكل عام، يرى زوغانوف أن القضية الأكثر إلحاحا والتي ينبغي أن تقلق الروس وتغضبهم هي منع الأميركيين بضعة مسؤولين روس من السفر إلى الولايات المتحدة، حيث قال أن "لا رئيس مجلس الدوما، ولا رئيس مجلس الاتحاد يمكنه ان يسافر إلى خارج البلاد، وأن مثل هذا الإذلال لم يعرف مثيله بلدنا منذ مئات السنين. " في الواقع، هذه مأساة رهيبة: أن لا يُسمح لاثنين من الطفيليين الحاكمين سعيداً بالسفر إلى أمريكا! ليست مفهومة عموما الضجة التي تفتعلها وسائل الإعلام التابعة للنظام بشأن فرض عقوبات على قرابة عشرين من المسؤولين الروس. فقد كان من المتوقع طبعاً أن يتخذ الغرب هذا الإجراء ردا على ضم روسيا شبه جزيرة القرم كتدبير انتقامي، أو على منافستها الخجولة له في الشرق الأوسط. والأمر دائما هكذا. على سبيل المثال، عندما استعاد الاتحاد السوفياتي منطقة فيبورغ في نهاية الحرب الفنلندية عامي 1939-1940، وأتخذ "المجتمع الدولي" إثر ذلك عقوبات قضت بطرد الاتحاد السوفيتي من عصبة الأمم، لم يبد مولوتوف مثل هذه الهستيريا ولم يعتبر هذا مثابة "إذلال رهيب لم يعرف مثله التاريخ" لأنه لم يُسمح له بالذهاب إلى جنيف!. ما المشكلة، أسمحوا أم لم يسمحوا. فالمشاغل كثيرة في داخل البلد. |أما بالنسبة إلى الحكومة الروسية ولواحيقها من "المعارضة" في مجلس الدوما فمثل هذا النهج غريب عليهم. فهم على أعين الجمهور فقط يلعنون الغرب باعتباره عدواً لروسيا، فيما لهم هناك حسابات وعقارات، وأطفال يولدون هناك، ويتعلمون هناك، ويتعالجون هناك (لأن مستوى التوليد والتعليم والتطبيب في البلد الذي يحكمونه بالخداع والدجل واستعمال أحدث تكنولوجيات التضليل الجماهيري لا يعجبهم ولا يتناسب و"نخبويتهم"). فهذا بالنسبة إليهم هو حقا المأساة بعينها، عندما لا يسمح لهم دخول الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن ليس من الواضح لماذا زوغانوف يؤيدهم في ذلك. هل لأن له هو أيضا في الخارج شيئا ما؟ يتبجح زوغانوف مثلا في أحد مهرجاناته بأنه أعاد بناء كنيسة مدمرة. فهل من يحتاج إلى كنيسة عندما لا يكون للناس مسكن يعيشون فيه، أو مستشفى أو مدرسة ليتطببوا ويعلموا أولادهم، أو مصنع مدمر ليعملوا فيه ويرتزقوا من كدحهم؟ ولكن هذه الأسئلة لا تأتي على باله، بل هو يكرر دائماً أن "بوتين يقود البلد بالطريق الصحيح، ولكن في حكومة ميدفيديف مخربين مكشوفين". ومع ذلك، لم يأت غينادي زوغانوف بمثل واحد على أن حكومة ميدفيديف تعرقل خطوات بوتين. ما نعلمه هو أن كل الإصلاحات المعادية للمجتمع والشعب في الأونة الأخيرة كالإتاوة المفروضة على المواطنين لأجل إصلاح المساكن التي يعيشون فيها ولكن بعد 20-30 سنة (قد يكونون توفوا حتى ذلك الحين، وحسب قانون الخصخصة المتخذ منذ 20 عاما على الدولة أن تقوم بهذا) أو لـ"ترشيد" التعليم والصحة (أي إغلاق ما هو مجاني من المدارس والمستشفيات والأسرة في المستشفيات)، أو تقليص التقديمات الأخرى - كل هذا يتم بناء على أوامر من بوتين وحكومة ميدفيديف بالطبع لا تضع العراقيل أمام خطوات بوتين ولا "تخرب عليها"، بل تنفذها بأداء حماسي. وزوغانوف الذي هو ضد "التطرف" وضد الحجارة ومع اللوائح الانتخابية فقط، لا يرغب بتشجيع المواطنين على المقاومة المنظمة لكل هذه "الإصلاحات". فهو ضد "خضخضة" السفينة وأرجحتها! من ناحية، بات معروفاً بطبيعة الحال منذ فترة طويلة أن الحزب الذي يرأسه زوغانوف لم يعد حزباً شيوعياً. بل هو منذ عهد يلتسين يخدم مصالح الحزب الحاكم. ولكن، من ناحية أخرى، لا يمكنك الاستسلام كليا للسلطة وبمثل هذا التفاخر! لعل زوغانوف، على ما يبدو، نسي أن حزبه مع الاشتراكيين الثوريين (حزب "روسيا العادلة" - ميرونوف) وحزب الوطنيين الأحرار (جيرينوفسكي) تدفع له مبالغ من الميزانية (أكثر من مائة روبل على صوت كل ناخب) فقط من أجل الظهور بمظهر المعارضة، فقط بالمظهر. فإذا لم يؤدِّ هذا الدور، فلن يكون له لزوم. أم أن زوغانوف يعتقد أن "شعبية بوتين الآن مرتفعة، وبالتالي فمن الأفضل الامتناع عن نقده"؟ ولكن هذا أيضا نهج خاطئ. لأن تجربة التاريخ تبين أن شعبية الحكام الواسعة اليوم قد تنكمش غداً بسرعة. هذا غيض من فيض انتهازية زعيم المعارضة "الشيوعية" في الدوما غينادي زوغانوف، المساعد الحقيقي للنظام البرجوازي والغيور على تعزيزه. وأساس مقولته قديم قدم التاريخ نفسه، تاريخ الصراع الطبقي: الملك صالح ومع الشعب، بينما من هم حواليه بوطة من اللصوص والمحتالين. والمسألة بحاجة فقط إلى تغيير الحكومة والإتيان بحكومة "ثقة شعبية". وصفة بسيطة هي معادلة الحزب الشيوعي الروسي "الزوغانوفي"- العمل مع السلطة كمدافع عن الشعب براتب جيد. و لمن ذاكرته قصيرة نقول إن بوتين كان هو أيضا رئيسا للحكومة في عهد يلتسين وفي عهد مدفيديف... فماذا فعل من أجل الشعب العامل، علما أن رئيس الوزراء يعينه الرئيس في الواقع. النظام الرأسمالي يعمل في ظل سلطة رأس المال، والاختيار يقع على أولئك الذين يروقون اليوم أكثر لرأس المال هذا لأنه يخدمهم خير خدمة. النظام ضحى بيلتسين لإنقاذ الوضع عندما بات حصاناً أعرج. وتم استبداله ببوتين. واليوم يخلق الحزب الشيوعي رأياً عاماً ضد ميدفيديف لأجل أن يضحي به بوتين من أجل المحافظة على السلطة. كان هذا هو الحال في عام 1998، عندما ساعد زوغانوف يلتسين من خلال المجيء بحكومة بريماكوف، "حكومة الثقة الشعبية" التي أتاحت ليلتسين أن يخدع الشعب ويدفع له المتأخرات بربع قيمتها. وعندما لم تعد لازمة أزاحها يلتسين، وخرج الحزب الشيوعي من السلطة بكفي حنين. ولكن تلك الخطوة الانتهازية ساعدته طبعا على البقاء في كراسي البرلمان الدافئة لأنه بات موضع ثقة النظام البرجوازي، يهرع لمد يد العون كما الصديق عند الضيق. لقد سخر لينين بشدة في حينه من تلك المشاعر الجياشة حيال الحفاظ على الحياة البرلمانية في ظل سلطة رأس المال فقال: "إنها لذروة الغباء أو النفاق أن يستبدل الصراع الطبقي والثورة بالتصويت والانتخابات في ظل النظام القديم، في ظل السلطة القديمة." هكذا يقوم زوغانوف ورفاقه بتنفيذ مهمة مزدوجة هي تعزيز دكتاتورية البرجوازية في شخص مؤسسة الرئاسة وتقوية موقف الحزب الشيوعي باعتباره عنصرا ضروريا من عناصر الحفاظ على نظام الحكم البرجوازي.
#مشعل_يسار (هاشتاغ)
M.yammine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفكك «سيريزا» والمحاولة الجديدة لخداع الجماهير في اليونان
-
-الأله كوزيا- كمرآة للسوق الروسية
-
سيل جديد من أكاذيب قديمة
-
-سيريزا رقم 2» محاولة جديدة لخداع الشعب
-
انتفاضة لبنان: اليأس أم الإصرار؟
-
مشروع الرئيس بوتين تعزيز دكتاتورية الطبقة البرجوازية
-
ميرتنز ليس مارتنز - من حزب شيوعي ذي تاريخ مجيد إلى حزب تحريف
...
-
حقائق تفضح الكذب
-
محاربة الستالينية جزء أساسي من حملة مكافحة الشيوعية
-
دفاعاً عن النظرة التاريخية
-
نضال النساء التركيات تحت راية الحزب الشيوعي
-
الفاشية وليدة شرعية ل-الديمقراطية الغربية- في عصر الأزمة
-
في الدكتاتورية والديموقراطية
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|