ديمونة ضمن استراتيجية الإبادة الشاملة

سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 4930 - 2015 / 9 / 19 - 15:04
المحور: القضية الفلسطينية
    

انقطعْت عن القراء فترة زمنية ترددت خلالها على العيادات وخضعت لعمليات تنظير واخيرا لمبضع الجراح. فقد وقعت ، شأن ما يقدر بمئات الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني، ضحية مفرخة الموت في مفاعل ديمونة النووي. وكنت قد كتبت عن هذه المنشأة المهيأة للقتل الجماعي على موقع الحوار المتمدن[ مؤتمر من أجل شرق أوسط خال من اسٍلحة الإبادة الشاملة/ العدد4297 بتاريخ 6ديسمبر 2013 ، والعدد 4300 بتاريخ 19ديسمبر(كانون اول)2013] . عجلْت في متابعة حالة نزيف في المجرى البولي، خضعت ابتداءا من ديسمبر الماضي لعمليات تنظير وتشخيص غير موضوعي تواصل خلالها نزيف الدم حتى شهر آب الماضي ، حيث استطاع الطبيب الجراح الأردني، الدكتور صدام الضمور العثور على ورم سرطاني في الكلية اليمنى، واستأصله بعملية جراحية. استؤصلت الكلية ولكن يتعذر الاطمئنان إلى استئصال الخلايا المسرطنة من الجسم.
هذا المفاعل قنبلة تتفجر على مدار الساعة بالإشعاعات النووية المهلكة. إنه حرب نووية غير معلنة تشنها إسرائيل ضد الجماهير الفلسطينية؛ يشهد على ذلك النسب العالية في فلسطين من الإصابات والوفيات بامراض السرطان أو التشوهات الخلقية للأجنة في بطون الأمهات، او تلوث حليب الدواجن ولحومها ، وتلوث مياه الشرب، حيث ينزل مع الأمطار إلى الينابيع والمياه الجوفية ويختلط بغذاء الأعشاب الذي تتناوله البهائم. باختصار مفاعل ديمونة إحدى أدوت الإبادة الجماعية التي وظفتها العقلية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، حيث يسري الموت بدون دوي الطلقات وهدير الصواريخ، وبدون أن يشهر بالجريمة المتعمدة .
يتجلى تعمد اقتراف جريمة الإبادة الجماعية في تواصل عمل المفاعل رغم تجاوز عمره الافتراضي بعشرات الأعوام ولحقته التصدعات وينفث الإشعاعات النووية من كل جنباته، يصل مفعولها القاتل قطاع غزة عبر المياه الجوفية ومع الرياح ويصل بكثافة جنوبي الضفة الغربية وشرقي الأردن ومدن الكرك والطفيلة ومأدبا في الجنوب. واظهرت دراسة أجرتها جمعية فنلندية في منطقة النقب أن 95 بالمائة من أيام السنة تحمل هواء ملوثا في المنطقة الجنوبية. وإمعانا في تكثيف عوامل الإبادة حولت إسرائيل الضفة الغربية إلى مكب نفايات نووية دون علم المواطنين المحليين.وهذا يعد انتهاكا للقانون الدولي. في أحد كهوف بلدة بني نعيم شرقي مدينة الخليل طمرت نفايات مشعة، ويقال أن أخدودا امتد بضعة كيلومترات غربي محافظة الخليل من حدود إسرائيل في أقصى الجنوب حتى بلدة الدوايمة المدمرة ( احتلت عام 1949) قد طمرت فيه النفايات المشعة. إلى جانب ذلك تتناثر مكبات النفايات النووية في أنحاء الضفة.
بينت الأقمار الصناعية الفرنسية والبريطانية والروسية تسرب النيوترونات من المفاعل ، تنتج فقاعات غازية داخل الدعامات الخرسانية للمبنى مما يسرع عملية تصدعه. وقد يحدث انفجار بسبب تشقق الأساسات يطال تأثيره المدمر دائرة يمتد نصف قطرها حتى جزيرة قبرص. لا يصدر رسميا عن إسرائيل تعليق أو مجرد خبر عن النشاط المشع من مبنى المفاعل، وفي تقرير بثته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي تبين موت العشرات من الخبراء العاملين بالمفاعل وتنظر المحاكم في قضايا تعويض رفعها ورثتهم، مع ان المراقبة الصارمة تحظر أي ذكر عن المفاعل . وسُرِبت تقارير تفيد انه تم اكتشاف مرض السرطان لدى سبعين بالمائة من سكان النقب، ولم يتم إجراء فحوص أو اختبارات على أي من المناطق الفلسطينية. وتوزع السلطات حبوب اليود وأدوية وقائية اخرى من المواد المشعة على السكان اليهود، دون ان ينال العرب شيئ منها.
أكدت الوقائع منذ صدور وعد بلفور عام 1917 أن الحركة الصهيونية أضمرت مصير التهجير والإبادة الجماعيين للمواطنين الفلسطينيين. ومن اجل ذلك تنصلت قياداتها لدى التعامل مع عرب فلسطين من جميع القيم الحضارية المتراكمة منذ آلاف السنين؛ وفرضت على الشعب الفلسطيني العيش في بيئة همجية لاتعمل فيها القوانين وحقوق الإنسان، معزولة عن قيم الحضارة ومنجزاتها. لم يدر بخلد القادة الصهاينة خلال هذه السنين الطويلة المليئة بالمكابدة التصالح مع الشعب الفلسطيني. يشهد على هذا خطة بن غوريون منذ العقد الأول من القرن الماضي لإحداث قطيعة تامة مع المجتمع الفلسطيني، يحظر بموجبها تشغيل العرب في المشاريع اليهودية وأبيح طرد الفلاحين العرب من الأراضي التي تشتريها الوكالة اليهودية عبر الصندوق القومي اليهودي، وكذلك حظر قبول العرب والنقابات العمالية المشتركة في قوام الهستدروت. وفي عقد الثلاثينات أعدت خطة تهجير العرب من قراهم ومدنهم وصولا لدولة نقية. وعبر نصف قرن من الاحتلال لم تشيد إسرائيل داخل الأراضي المحتلة منشأة صحية او تعليمية. بالعكس من ذلك لم تتوقف عمليات مصادرة الأراضي وهدم البيوت وتدمير المزروعات وقطع أشجار الزيتون مصدر دخل معظم المزارعين الفلسطينيين. الشعب الفلسطيني يخضع لعلاقة رأسمالية الكازينو واخلاقها ، حيث ينعدم منطق الضحية ويرفض التضامن .
فكما نجحت إسرائيل في تجسيد خرافات التوراة واقعا متعينا فوق الأرض الفلسطينية تبذل المساعي المحمومة والمتواترة لتجسيد خرافة "أرض بلا شعب" في الواقع الفلسطيني. ولا يرتفع صوت يفضح مخطط الإبادة الجماعية هذا، أو ينذر من خطورة مفاعل ديمونة على حياة المواطنين العرب.فإسرائيل رائدة في فنون جعل الحياة لا تطاق كي ترغم الأهالي على الرحيل. وهذا ما حاول توضيحه وإثباته جيف هالبر الرئيس السابق لمنظمة مقاومة هدم البيوت العربية.
فبمناسبة اعتزاله المنصب بسبب الشيخوخة طلع على القراء بكتاب صدر خلال الأيام الأخيرة، كما أفاد الصحفي جوناثان كوك الذي قدم عرضا للكتاب. عنوان الكتاب "حرب ضد الشعب: اسرائيل والفلسطينيون وصنع السلام العالمي". يخلص هالبر إلى التأكيد في كتابه أن إسرائيل أقامت نموذجا لدمج الشرطة مع الجيش في العمل معا ، وباتت مؤهلة بشكل جيد لتصدير خبراتها في هذه المجالات، حيث ينصب الاهتمام على الاحتفاظ بنظام اجتماعي يساير الرأسمالية نظرا لوجود مناطق شاسعة على الكرة الأرضية تعاني الفقر ويسعى المهاجرون للخلاص من محنتهم .اورد كل من البروفيسور نوعام تشومسكي والبروفيسور هنري غيروكس – وهما اميركيان – مثال العدوان العسكري على غزة نموذجا من العلاقات غير الإنسانية يراد تعميمه على العالم كله. واختصر هنري غيروكس مفهوم رأسمالية الكازينو تعبيرا عن مجمل العلاقات المراد فرضها في التعامل مع أربعة اخماس شعوب الكرة الأرضية. فهؤلاء ممن يعتبرون فائضين عن الحاجة، لا ينظر إليهم ضحايا الجشع الرأسمالي إلى الربح، بل فاشلين عجزوا عن التكيف مع النظام، كما اورد جوناثان كوك.
اورد الصحفي جوناثان كوك احتواء الكتاب على تسخير الأراضي الفلسطينية مختبرا ضخما لتطوير واختبار جديد الأفكار والتقاني والتكتيكات والأسلحة.فلولا الاحتلال لبقيت إسرائيل دولة مثل نيوزيلندة تستقبل السياح. والتقديرات العالمية للتسلح تضع إسرائيل على رأس قائمة الدول المعسكَرة خلال السنوات منذ 2007. وهي تتولى مهام الاستشارة والدعم للقوات المسلحة والشرطة واجهزة الأمن في الدول القمعية المنتشرة في انحاء العالم.
الديبلوماسية المراد تعميمها في كنف رأسمالية الكازينو أشد قسوة وفتكا من مرض السرطان حين يكشف عن وجوده وتلتهم خلاياه الموبوءة الخلايا الحية ونسغ الحياة.

#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات