|
عن صراعات الماء والكلأ ، في مراعي الموازنة العامة للدولة
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4930 - 2015 / 9 / 19 - 12:48
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عن صراعات الماء والكلأ ، في مراعي الموازنة العامة للدولة
نحنُ مهمومون بسعر النفط الخام . مغموسونَ حتّى النخاع ، بسَخام الآبار الأسود . تابِعونَ أذِلاّء لحجم العائدات النفطيّة التي يحدّدها السوق . ومع ذلك ، فنحنُ نُمَزّقُ بعضنا بحماسةٍ عجيبة .. كُتَلاً مع كُتَل ، و كيانات مع كيانات ، ومكوّنات مع مكّونات ، و نوّاباً مع وزراء ، وبسطاء مع بسطاء .. و نتكالَبُ على لُقْمَةِ الريعِ التي تصغرُ يوماً بعد يومٍ ، ولم تعُد قابلةً للقسمة بين الأضداد ، ولا كافيةً لستر العَورات ، بعد عقودٍ من الهدر ، والقهر ، و غياب الإنصاف . وبينما نحنُ متورّطونَ في أسباب هذا الخراب ، ومتواطئون فيها .. فأنّنا نتجاهلُ عن عمَدٍ ، ومع سبق الإصرار والترصّد ، أنّ شباب هذا البلد ، و هُم موردهُ الأغلى ، و هِبَتَهُ الناضبة .. يتسربونَ من بين أنقاض بيوتهم ، ومدنهم ، وأرواحهم .. ذاهبين إلى المجهول .. تماماً كما تتسرّبُ الحكمةُ ، كالرملُ ، من بين أصابع الإدارات غير الحكيمة ، التي أصبح اصحابها متحكّمين بمصائرنا كلّها ، في غفلةٍ من هذا الزمان الرخيص . كلّ هؤلاء النوّاب والوزراء ، والقادةُ والزعماء ، وحاشيتهُم وحواشيهم، الذين يتم تدويرهم منذ ثلاثة عشر عاماً، وكأن العراق لم يُنجِبْ سواهُم .. يتقاتلونَ دائماً ( وليس الان فقط ) على حفنةٍ من الدرجات الوظيفية ( التي لا أدري أيّ عقلٍ جبّارٍ يقومُ بتحديد عددها ، ورصد التخصيصات لها ، كلّ عام ، في الموازنة العامة للدولة ) .. في وقتٍ لانعرفُ ماذا نفعلُ فيه بالفائض المُحرجِ ( بل والمُخجِل ) في عدد الموظفين الذين ليس لديهم ما يفعلونه في جميع المؤسسات الحكومية . في كلّ عام ، هناك " حُصَصٌ " من الدرجات الوظيفية ، لكلّ " مقاطعةٍ " وزاريّة ، يتمّ رصدُ التخصيصات لها في الموازنة العامة للدولة . في كلّ عامٍ " يُعَيّروننا " بالأربعة ملايين موظف ( و هُم على حق ) ، و يشكون من انعدام انتاجيتهم ، وبطالتهم الصريحة ( وليس المقنّعة ) في كلّ دوائر الدولة .. وفي كلّ عامٍ ، هُم أنفسهُم ، يخترعونَ درجات جديدة ، لوظائف جديدة . في كلّ عام ، منذ عشرة أعوام ، في قانون الموازنة العامة للدولة ، تجدُ نصّاً عجائبياً يقول : " عند نقل الموظف من دائرة من دوائر الدولة الممولة مركزياً أو ذاتياً الى القطاع الخاص ، تتحمّل الوزارة ، أو الجهة غير المرتبطة بوزارة ، نصف راتبه الذي يتقاضاهُ من الدائرة المنقول منها لمدة سنتين ، اعتباراً من تاريخ نقله ،على ان تُقطَع علاقتهُ من دائرته نهائياً ". ( المادة – 31 – من قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2015 ) . ومنذ عشرة أعوامِ لم يقُم موظفٌ واحدٌ بتقديم طلبٍ واحدٍ للإستفادة من هذا النصّ . والسبب هو ليس ، فقط ، أنّ راتب الوظيفة العامة هو أعلى من نظيره في القطاع الخاص . أو ان الموظف في القطاع العام يتقاضاهُ دون أن يؤدي في مقابلهُ عملاً ما ( حيث ان معدل عمل الموظف الحكومي هو 16 دقيقة فقط في يوم العمل الكامل) .. بل لأنّ القطاع الخاص الموجود في العراق حاليّاً ، هو قطاعٌ ضعيفٌ و مُنهَك ، وغيرُ قادرٍ على جذبِ موظفٍ فائضٍ واحد من بين أكثر من ثلاثة ملايين موظف ( على الملاك الدائم فقط ) تعجّ وتضَجُّ بهم ، دوائر الدولة الفاشلة العقيمة . انّ خيرة شباب العراق ، ضمن الفئة العُمريّة ( 15- 29 سنة ) ، يُفكّرونَ في التسرّب من المدرسة . في ترك الدراسة الأعدادية . بعدم الألتحاق بالدراسة الجامعية . و بعدم اكمال تعليمهم في مختلف المراحل ، وفي مختلف الأختصاصات . يُفكّرونَ بالهجرة من هذا البلد – الكابوس إلى الأبد . وعندما تحاولُ أن تفعل شيئاً لتغيير قناعاتهم .. يواجهونكَ بما لاقدرة لك على ردّهِ قائلين : حيثُ نحنُ هنا الآن .. لا فرصة للعيش . لا مجال للعمل . لا شهادة اكاديمية ، أو مهنيّة مُعتَرَفٌ بها في الداخل والخارج . و فوق هذا كلّه .. حكوماتٌ مٌتعاقبةٌ ينخرها الفساد . و حروبٌ لا تنتهي . و فوضى لا يصدّقها عاقِل ، ولا يمكن حتّى لمجنونٍ أن يتعايش معها . و كوميديا سوداء ، تجعلُ حتّى الرضيع العراقيّ ، يُفكّرُ بالفرار من صدر أمّه . وسطَ هذا كلّه ، تخوضُ " الحماياتُ " ( التي تمّ تقليصها !!!! ) حروب شوارعَ في وضح النهار ، من اجل الحصول على " حصّة " من الماء والكلأ ، في المراعي الضيّقة للموازنة العامة للدولة . حروبٌ خفيّةُ ، وأخرى مُعلَنة ، من أجل الاستئثار ببضعة درجاتِ وظيفية في وزارةٍ يبلغُ تعداد القوى العاملة فيها ( على الملاك الدائم فقط ) 665953 ( أي ما يقرب من 700 الف موظف ) .. يتكدّسُ في بعض مدارسها عشراتُ المعلّمين والمُدرّسين دون عمل .. وفي مدارس أخرى لا تكادُ تجدُ حتّى مُعَلّماً واحداً ، قادراً على تعليم الأبجديّة لعشرات الآلآف من من ابناء البسطاء والمساكين ، في الكثير من الأقضيّة والنواحي والقُرى ، وفي جميع المحافظات المنكوبة ،على أرض هذا البلد . حروبٌ مُلطّخة بغبار داحس والغبراء . و بسخام الذين ماتوا قبل ألفي عام . و بـ " ديّات " القتلى .. و " فصول " العشائر . حروبٌ ستجترّنا .. وترمينا كعصفٍ مأكول .. كلّما ضاقتْ سبُلُ الرعاة ، وتضاءل الماءُ والكلأ .. في مراعي الموازنة العامة للدولة .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الشتائمِ التي لا تُشفي الغليل
-
عندما لا تكونُ طائفيّاً .. يا فلان
-
الصبرُ .. ليسَ مفتاحُ الفَرَج
-
عن الأباحيّة .. والأباحيّون .. وحجب المواقع الأباحيّة
-
حدثَ ذلكَ .. في السويد
-
أمّي .. قالَت
-
اسئلة الهجرة الى الليل
-
الهجرة .. الى العراق
-
في كلّ اسبوعٍ .. يومُ جمعة
-
مفيش فايدة .. شدّي اللحاف ي صفيّة
-
عندما تعودُ مُتعَباً الى البيت
-
في هذه الظلمة الشاسعة
-
عمّي .. على كيفكُم ويّانه
-
التخفيف من الفقر في العراق : محاولة لأعادة ترتيب الأولويات ف
...
-
حملة الأحتجاجات الحالية ، و مأزق ترتيب الأولويّات المطلبيّة
-
خرابٌ خاص .. خرابٌ عام
-
عندما يأكل المسؤولُ .. كلّ الدجاجة
-
رسائل .. ليست شخصيّة
-
عندما تنامُ النواطير ، تأكلُ الثعالبُ .. دجاجةَ السُلْطة
-
نهايات هادئة
المزيد.....
-
زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
-
-الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج
...
-
إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
-
عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس
...
-
الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول
...
-
نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
-
بعد فوز ترامب.. الاهتمام بـ-التأشيرات الذهبية- بين المواطنين
...
-
الأخضر اتجنن.. سعر الدولار اليوم الخميس 11-11-2024 في البنوك
...
-
عملة -البيتكوين- تبلغ ذروة جديدة
-
الذهب يواصل رحلة الصعود وسط التوترات الجيوسياسية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|