أمين نور
الحوار المتمدن-العدد: 4930 - 2015 / 9 / 19 - 05:55
المحور:
المجتمع المدني
أدى الربيع العربي إلى انفتاح شديد غير مسبوق للشباب العربي, و ساهم كثيراً في صياغة فكر الشباب, أو بالأحرى إعادة صياغته, فبعض الصوفيين تحول إلى السلفية, و بعض السلفيين تحول إلى الأشعرية, و غيرها من التغيرات داخل الإسلام, لكن, ظهر تيار جديد بوضوح أكثر خلال هذه الفترة, و هو التيار الإلحادي, الذي اشتد أثره نتيجة عدة أسباب, و الذي دخل صراع الأيديولوجيات, و اصطدم مع الإسلام العربي. و ليس من الشك أن هذا التيار يجتذب العديد من الشباب اليوم في الشارع, و ينتشر بكثرة واضحة, و معالم هذا الانتشار تأخذ ضجيجاً ذو اعتبار. و ما لبث التياران الاسلامي(أو الديني) و الإلحادي, أن اصطدما معاً في محنة شعر بها الشباب بعمق, و لربما شارك بها أغلبهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, خصوصاً مع التواصل الاجتماعي المتاح اليوم.
و بالنسبة للتيار الإلحادي, فإن مرور الفكر الإلحادي على مجموعة من الناس, لا يؤدي إلى إلحاد بعضهم فقط, بل هناك تأثير جانبي آخر, و هو تضعيف الإيمان الديني, و إرجاع الحالة الإيمانية إلى اللادينية, أو اللاأدرية. و هنا تشكل لدينا معسكران بشكل عام, المعسكر الإسلامي, و لنقل المعسكر اللاديني باعتباره الحالة الأسياسية التي يشترك بها الملحدون و اللاأدريون و اللادينيون. و أدرك تماماً انزعاج اللاديني عند وصفه بما ليس هو عليه كالملحد مثلاً. أضف أيضاً إلى تبلور بنية إسلامية جديدة من الشباب نتيجة الصراع بين المعسكرين, و هم الشباب الذي لا يستطيعون اعتناق إسلام آبائهم الوراثي, بل يميلون إلى عقلنة الإسلام, و تفسيره عقلانياً و عصرياً و تقبل النظريات التي رفضها الجيل السابق, و هذا يعني إعادة تفسيره تماماً, حتى لو كان هذا على حساب عدم مباركة المسلمين الآخرين, و قد يصل بهم الحد لرفض الحديث النبوي كمصدرٍ للتشريع, و هو ما يضعهم دائماً في حالة من الهجوم, فكثيراً ما يتم اتهامهم إسلامياً بالضياع و تفصيل الدين على الكيف و العمالة الهدّامة للدين و الخ... و هذه البنية الجديدة هي إعادة تفعيل لتيار التجديد و العصرنة الإسلامي الذي ظهر في الثمانينيات و التسعينيات و اختفى تقريباً على الساحة العربية في الألفية الجديدة . فترى هؤلاء الشباب في منتصف الملعب على حلبة الصراع اللاديني الإسلامي. يتقبلون و يتأثرون بعقلانية الملحدين, و يتمسكون بإيمان المؤمنين, و مع ذلك فكلا المعسكرين مستعد لمحاربتهم. هذه البنية الشبابية الإسلامية الجديدة, و التي تنتشر بسرعة لا تقل هيبة عن التيار اللاديني, أرى أنها تستحق التعاطف معها و الرهان عليها كحل إصلاحي معتدل, لا تودي إلى إسلام جاف منغلق.
و إن مناقشة المشكلة بواقعية علمية بعيدة عن الانحيازات المسبقة, و معرفة أصل هذا الصراع, قد تفيد المجتمع العربي في حلحلة صراعه هذا, و لنبدأ بالقول, أن الجماعة اللادينية هي جماعة منشقة من الإسلام, و لم تعد تريد الانتماء إليه و الخضوع له لعدم ظنها بأن الإسلام و الدين مناسبان لها, و أن الهوية الإسلامية غير مرغوب بها بعد اليوم. ولا أظن أن كلا الفريقين سيختلفان على هذه الفكرة.
و هنا, من واجب المسلم تفهم سبب الإلحاد في مواجهته, لا شتمه و زجره ظاناً أنه سيفند التيار اللاديني هذا, فمن شبه المستحيل بعد اليوم بوجود الإعلام الحديث و التواصل الإجتماعي المنتشر في كل منزل تفنيد أي أيديولوجيا منتشرة بالمقاومة العنفية, و الرد المناسب الأكثر واقعية هو مواجهتها بالحجة. فالمسلم عندما يشتم الملحدين مثلاً لن ينفعه هذا إلا أنه يهدر طاقته.
أما إدراك المجتمع الإسلامي حاجة الملحد للخروج عن دينيه, خصوصاً في مجتمع محافظ متدين كمجتمعاتنا حيث قيمة الله قيمة عظيمة جداً و مرسخة بعمق صارخ, يجب أن تدفعه لدراسة الحالة, الحالة التي دفعت أحد الناس من مجتمعنا المحافظ ليكفر بهذا الإله, فإن سبب كفره بهذا الإله الشديد القدسية بالتأكيد سببٌ قوي يجب أن يُحرك المسلم لدراسته و علاجه و إصلاحه, آخذاً بعين الاعتبار أن لا يقع في فخ الدكتاتوريين باستخدامهم مصطلح "تطهير" و يلتزم بمصلطح "اصلاح الأسباب". و لا شك أبداً أن تصرفات المسلمين اليوم, إن لم نقل سوء سمعة الجهاديين أو تزمت السلفيين, فتقاعس المسلمين الباقين, هي التي تدفع اللاديني في رفضه لهذا الدين, و رفضه للانتماء لهذه الجماعة المتقاعسة أو المتطرفة. فبعض الشباب العربي, الذي اجتمع مع انفتاح عصر المعلومات, قد يكون عقلانياً بدرجة أعلى من مستوى عقلانية المجتمع لدرجة تدفعه لرفض هذا المجتمع الذي يراه سيء, و البحث عن جذوره و متمسكاته, بما في ذلك الدين و التراث لتركها, لا بل تحديداً الدين و التراث العربيان, و لعل السأم من اتخاذ "حماية الدين من الأفكار الهدامة" شماعة للإسلامويين في الانغلاق و رفض الجديد و التحديث, و السأم أيضاً من ترديد أمجاد الماضي ساهم في تشكل هذه الحالة, و ذلك ما دفع شبابنا أيضاً لأن يكتشف إحباطه عندما يدرك أن المسلمين و العرب في العصر الحديث لم يقدموا شيئاً يذكر للبشرية, لا بل أضروها, و هو بفعله هذا يعلن فقد أمله من المسلمين, ثم ترى الشاب يجد ملاذه بنور الفكر الغربي, فيتمسك بالتغريب العلماني, و هي حالة صحية بالنسبة له, و عندما يواجهه المسلمون بتطرف, يؤكد هذا توقعاته و ظنونه, و يتمسك بفكره أكثر و أكثر. و لا شك أيضاً أن أغلب المسلمين يردون بنوع من العنف اتجاه هذه الأفكار, و هو ما ساهم في انتشار التيار اللاديني, إذ أن إحدى الدلائل التي تدعم انتشاره هو ميل للمسلمين للعنف(أقصد العنف اللساني خصيصاً و العنف الجسدي بشكل عام).
و واجب على المسلم و اللاديني على حد سواء, أن يدركا أزمة الهوية التي تحيط بحالتيهما, و التي أصلا تعاني منها المجتمعات العربية, ألا و هي ارتباطهما ببعضهما عالمياً, أي, أن الملحد العربي-سواءاً أعجبه أم لم يعجبه- سيشار إليه على أنه مسلم في أوروبا, فالصورة النمطية عن العرب هي أنهم مسلمون. و هي نفس حالة اليهود, إذ يشار إلى الملحد الذي ولد من أبين يهوديين "ملحداً يهودياً", أي أن انتمائه الاجتماعي هو لليهود, و هويته ستبقى يهودية, و مساهماته سيتم التعريف عنها على أنها مساهمات من المجتمع اليهودي, و لاأدرية ابن سينا دليل إسلامي تاريخي واضح على وصف "النتاج الإسلامي" حتى ولو صدر من لاديني. و قد لا يدرك بعض اللادينيين هذه الحالة, و لكن واجبهم إدراكه. و أما بالنسبة للمسلمين الأغلبية, فواجب عليهم أكثر معرفة أن مصلحة المسلم من مصلحة الملحد العربي, و حسن صيت المسلم من حسن صيت الملحد العربي. و أن الملحد العربي لا يسعد بانحطاط المسلمين, بل على العكس, إن رقي المسلمين من مصلحته الشخصية تماماً.
و لا يظنن المسلمون أن اللادينيين بلا أخلاق, أو أن هدفهم جنسي أو ما شابه, بل كما قلت سابقاً, أغلب اللادينيون يعوضون الفراغ الفكري و الأخلاقي, بالفكر الغربي المغري, و هو مليء بالحلول الأخلاقية العلمانية, و التي تفتح على اللادينيين أبواب التنوير الغربي بشكل خاص و الثقافة العالمية بشكل عام, فتلاحظ أن كثيراً منهم مثقفين. و صادفت في عدة مرات تفاجؤ المسلمين أنفسهم عندما يعرفون أن شخصاً أخلاقياً و إنسانياً جداً يعتنق الإلحاد.
و يلاحظ في هذا الصراع بين المعسكرين, استخدام العلم في تفنيد الأيديوجيا المقابلة, التي بالرغم من أخطاء التيار اللاديني العربي الكثيرة فيها, إلا أن المعسكر الإسلامي في حالة أسوء, إذ أنتج لدينا ظاهرة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم, و التي بدل أن تثبط من الإلحاد, أنتجت نتائج معاكسة عندما تم الرد عليها من قبل العقلانية العلمية للادينيين, و هذه المعركة بالذات أثرت كثيراً في تكوين الطبقة الإسلامية العقلانية من الشباب, التي استسلمت للعلم و المنطق دون أن تخرج عن الإيمان الإلهي. و أرى أن الإسلامويين ارتكبوا خطأً بوقوعهم في هذا الفخ, فهم لم يأتوا إلى ميدان البراعة اللادينية و حسب, بل الأسوء أنهم حوّلوا الصراع الإيماني إلى صراع علمي, صراعٌ يحتمل الفوز أو الخسارة, حيث الخاسر هو المخطئ و الفائز هو المحق, و تحققت فاجعة فكرية عندما خسر المتدينون المعركة. و كان بالأولى لكلا الطرفين, العراك على ميدان آخر, ميدان مناسب لهذا النوع من المعارك, و هو الميدان الفلسفي.
و في الناحية الأخرى, نجد ظاهرة سيئة في التيار اللاديني العربي, و هو الاستشهاد بالدلائل النقلية دون وعي بماهيتها, و هو ذات الفخ الذي وقع فيه المجتمع الإسلامي. أي التطور مثلاً, حيث قد يُسأل بعض اللادينيين سؤالاً استئنافياً عن التطور, فلا يعرف كيف يجيب, لا لأنه لم يتحرَ فكره و حسب, بل و أيضاً لأنه سمع بدليل التطور نقلاً عن غيره, أي لم يشك به ليختبر مدى إيمانه بصحة هذا الدليل. و هذا ما يعزز موقف المسلم عند المحاججة أيضاً. أضف إلى حالة التطرف الإلحادية عند الملحدين الجدد, و التي دائماً ما تكون ظاهرية جداً و متحررة من قيود أخلاقية نسبياً و مليئة بالتعجرف, و التي قد يراها المسلمون حجة رابحة.
إن إغراء المنطق و العقلانية لا يُقاوم أبداً عند اكتشافه, و التيار اللاديني الحالي سينمو ليصبح جزءاً مؤثراً فاعلاً في المجتمع عما قريب, و من واجب المجتمع حل الخلاف بين المعسكرين قبل أن يفوت الآوان, فالحالة الطبيعية لهذا الصراع هو استمراره على شكل تبادل فكري و حججي, لا تعنيف و مشاتمة. و لا بد من الذكر أن هذا الصراع حرك شيئاً من التحري و العقلانية عند بعض أفراد المجتمع, فأصبح المحاجج يحاجج عن إدراك لا عن نقل, و اختزن شيئاً من الفلسفة و العلم اللازمين للمواجهة, و روّضت عقله لنبذ المصادر الغير موثوقة أو الغير واقعية, و هو تأثير إيجابي يجب البناء عليه, ليصبح هو النتاج الأول لهذا الصراع.
#أمين_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟