أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (5)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (5)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4929 - 2015 / 9 / 18 - 14:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (5)
طلعت رضوان
وقع فى يدى كتاب بعنوان (علاقة الأفكار النقدية بالسلطة السياسية حتى القرن الرابع الهجرى) وبعد قراءة الصفحات الأولى ، قرّرتُ أنْ أنصرف عن القراءة ، حيث لاحظتُ أنّ المؤلف (أحمد حلمى عبد الحليم خلف) شديد الإيمان بالدين الإسلامى ، فتوهـّـمتُ أنه لن يُـضيف إلى معلوماتى أى شيىء جديد عن التاريخ العربى/ الإسلامى ، خاصة وأنه صـدّر كتابه بآية قرآنية ((رب أوزعنى أنْ أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدى وأنْ أعمل صالحًا ترضيه)) (الأحقاف / 15) كما أنه (المؤلف) يكن تقديرًا واحترامـًا للخلفاء بما فيهم معاوية بن أبى سفيان ، فيقول عنه كلــّـما جاء ذكره فى كل صفحات الكتاب ((سيدنا معاوية)) (ص136 على سبيل المثال) وذلك بالرغم من كل جرائم معاوية وخصوصًا موقفه من على بن أبى طالب. ولكن (حب الاستطلاع والمعرفة) جعلنى استمر فى القراءة ، فاكتشفتُ أننى أمام وثيقة دامغة (بشهادة كاتب لا يُخفى (إسلامه) بل إنه (إسلامى) حتى النخاع ، ومع ذلك كان موضوعيًا بدرجة مُـذهلة وهو يستعرض المعلومات المُـوثــّـقة عن التاريخ العربى/ الإسلامى ، وبالتالى فإنّ كتابه ينطبق عليه المثل الشائع ((وشهد شاهد من أهلها) وتبعـًا لذلك فإنّ شهادته لا تقبل الطعن عليها من الأصوليين الإسلاميين أو من العروبيين أو من أدعياء الليبرالية. والكتاب صادر عن هيئة الكتاب المصرية – عام 2014.
فى فصل تمهيدى بعنوان (النظام القبلى والدور الاجتماعى للشاعر) كتب أنّ القبائل العربية فى الفترة الموصومة فى الإسلام (الجاهلية) وتعبير (العصر الجاهلى) وافق عليه المؤلف ، رغم أنه تعبير لا يستند إلى الحقيقة ، خاصة وأنّ الإسلام أخذ منه العديد من الطقوس والعادات ، كما ذكرتُ فى مقالاتى السابقة. ولكن المهم أنّ المؤلف ذكر أنّ المجتمع القبلى (الجاهلى) كان يتألف من 1- طبقة الأحرار وتضم السادة الأشراف.. إلخ 2- طبقة العبيد الذين جمعهم الأسر والاسترقاق بالشراء والاختطاف ، وعملهم خدمة (الأحرار) 3- طبقة الموالى (أى غير العرب ودخلوا فى الإسلام) ومنزلة تلك الطبقة بين بين ، فهى دون الأحرار وفوق العبيد شرفــًا وعملا (ص53) وكما أنّ المجتمعات العربية/ الإسلامية فى القرن الحادى والعشرين (مجتعات ذكورية) حيث يسود عدم الاعتراف ب (الأنثى) كإنسان ، وأنها مجرد أداة للمتعة وموضوع للفراش (كما رآها العرب قبل الإسلام وبعده) كذلك كان وضعها فى الفترة التى أطلق عليها الإسلام (جاهلية) فكتب المؤلف عن العامل الاقتصادى فى مجتمع البداوة ، حيث الصحراء القاحلة ، وندرة المياه ، والترحال باستمرار للبحث عن الماء والكلأ والأعشاب ، فأدى كل ذلك إلى عدم الاستقرار، ومن ثم – كما ذكر المؤلف ((فقد أنتجتْ هذه البيئة الجافة مجتمعًا ذكوريًا أبويًا)) وأضاف ((فمن المعروف أنّ أهل الوبر لم تكن لهم أوطان ثابتة ، بسبب تنقلهم الدائم وراء مصادر العشب والماء ، وكان ضيق أسباب الحياة فى الصحراء حافزًا لهذه القبائل (البدوية) على التنقل والترحال ، كما كان سببًا فى تمسكهم بالعصبية.. حتى شاع بينهم المثل الشهير: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)) (ص57) وأنّ عرب (ما قبل الإسلام) كانوا يعتصمون ((بصهوات جيادهم ، ويجدون فى قعقعة السيوف ووقع الأسنة ، وصهيل الخيل ، استجابة لمعانى (البطولة والقوة فى نفوسهم) يسمع الواحد منهم (الصارخة) فيهب لنصرة قومه ، عـَـلـِمَ السبب أم لم يعلم) (ص58) فهل تلك العقلية تستحق الثناء كما كتب المؤلف (استجابة لمعانى البطولة والقوة) ؟ أم تستحق الاستهجان والإدانة خاصة وأنّ العربى يدخل المعركة وهو لا يهتم ب (السبب) بل إنه لا يعرف أسباب اشتعال المعركة بين قبيلة وأخرى ؟ وبعد صفحة واحدة انتقل المؤلف إلى (عصر الخلافة الإسلامية) فكتب أنه (رُوى عن عبد الملك بن مروان أنه سأل ابن مطاع الغترى : أخبرنى عن مالك بن مسمع ، قال : لو غضب مالك لغضب معه مائة ألف سيف لا يسألونه فى أى شيىء غضب ، فقال عبد الملك : هذا والله السؤدد)) (ص59) وترجمة تلك الواقعة (التى يرجع جذرها إلى فترة (الجاهلية) كما نعتها محمد ، أنّ العرب (قبل وبعد الإسلام) مرضى بمرض آلية (القطيع) وعبادة الحاكم الفرد الواحد الأحد ، ومع ملاحظة أنّ العرب (قبل وبعد الإسلام) كانوا يُـطلقون على مواطنى الدولة (الرعية) وفى قواميس اللغة العربية ((الرعية هى الماشية التى ترعى الكلأ)) و((الرعية هى العامة (من الناس) وأرعى الله الماشية أنبتَ لها ما ترعاه)) و((رعى الأمير رعيته (مختار الصحاح – المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص269) وبينما العرب (قبل وبعد الإسلام) مُـصابون بمرض (عبادة الحاكم) فإنّ الفيلسوف الألمانى (هيجل) كتب ((ملعون الشعب الذى يعبد البطل.. حتى ولو كان بطلا بالفعل)) أى ليس بالشعارات والادعاءات التى يُـكذبها الواقع.
وفى فصل بعنوان (التأسيس لبلاغة التعبير الجماعى فى الشعر الجاهلى) كتب المؤلف عن الخصومة التى كانت بين عمروبن كلثوم وعمروبن هند ، وعن الحيلة التى لجأ إليها عمروبن هند حتى يجعل أم عمروبن كلثوم تخدم أمه.. وعندما طلبتْ أم عمروبن كلثوم من أم عمروبن هند طلبًا وقالت لها : ناولينى ذلك الطبق . فقالت أم عمروبن هند : لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها ، فأعادتْ عليها الطلب وألحـّـتْ : فصاحتْ أم عمربن كلثوم : وا ذلاه ! يا لتغلب ، فسمعها ابنها عمروبن كلثوم فثار الدم فى وجهه ، ونظر إليه عمروبن هند فعرف الشر فى وجهه ، فوثب عمروبن كلثوم إلى سيف لعمروبن هند فضرب رأس عمروبن هند)) (ص70، 71)
وعن تلك الواقعة كتب عمروبن كلثوم (شعرًا) قال فيه يخاطب عمروبن هند ((تــُهددنا وتوعدنا رويدًا / متى كنا لأمك مقتوينا)) ولم يتعرض د. خلف لمعنى كلمة (مقتوينا) فى اللغة العربية ، وهى كلمة عجز مدرس اللغة العربية (المصرى) عن شرحها للتلاميذ (المصريين) وبعد ضغط من التلاميذ قال لهم بالمصرى الفصيح ((معنى البيت : ما كناش خدامين عند أمك)) وتلك الواقعة حكاها د. أحمد درويش (من عتاة المدافعين عن اللغة العربية) فى صحيفة الأهرام – 22 برمهات/ مارس1996- نقلا عن بيومى قنديل فى كتابه : حاضر الثقافة فى مصر- ص250) والمثير للتساؤل أيضًا : لماذا أغفل د. خلف شعر عمروبن كلثوم الذى قال فيه ((لنا الدنيا ومن أمسى عليها / ونبطش حين نبطش قادرينا / طغاة ظالمون وما ظــُـلمنا / ونظلم حين نظلم بادئينا)) (نقلا عن المفكر السعودى عبد الله القصيمى فى كتابه " العرب ظاهرة صوتية " - منشوروات الجمل – عام 2000- ص 253)
وكان من بين الأسئلة المهمة التى طرحها د. خلف ((لماذا دخل عمروبن كلثوم التاريخ الأدبى بقصيدة (وحيدة) ؟ ولماذا حفظها بنو تغلب وتناقلوها وظلوا يُـفاخرون بها جيلا بعد جيل ؟ ألتدفق المعنى وقوة السبك وجودة الصياغة ؟ أم لأنها ارتبطتْ بحياة القبيلة ارتباطــًا مباشرًا ، وبما دار من حروب بينها وبين قبلة (بكر) فيما عُـرف بحرب البسوس ؟ ثمّ نقل عن عمروبن كلثوم قوله ((ورثنا المجد قد علمتْ مـَـعـَـدٌ / نـُـطاعنُ دونه حتى يبينا / ونحن إذا عماد الحى خرّتْ/ عن الأحفاض نمنع من يلينا / بشبان يرون القتل مجدًا / وشيب فى الحروب مُـجرّبينا / ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلينا)) هكذا يرى (الشاعر) أنّ شباب العرب مؤمنون بآلية (القتل) تلك الآلية التى أدانها كل شاعر وكل فيلسوف مؤمن بحق البشر فى أنْ يسود بينهم السلام والوئام ، وتختفى من حياتهم المعارك التى تحصد أرواح الأبرياء ، كل تلك المعانى لم تخطر على بال عمروبن كلثوم ، ولم تخطر على بال من أرّخوا لحياته وكتبوا عن (أشعاره) ولماذا لم يربط د. خلف (شعر) عمروبن كلثوم ب (شعر) غيره مثل ذاك (الشاعر) العربى الذى قال ((فهل الناس غير أبناء قحطان/ إذا ما ذكرتُ غير عبيدى/ كل من يحتذى النعال ومن لا / يحتذيها من البرية عبيدى / لا ينكر الناس منا يوم نملكهم / كانوا عبيدًا وكنا نحن أربابًا)) فهل هذا (شعر)؟ وهل قائله (شاعر)؟ وهو يُــكرّس للعبودية ؟ وأنّ البشر (غير العرب) من العبيد ، وأنّ العرب هم الأرباب ؟ وكان تعليق عبد الله القصيمى الذى نقل هذا (الشعر) أنه يشعر بالخجل والاشمئزاز من ضخامة العار. لقد أصبح العرب عارًا وهوانـًا وسبابًا لكل العالم)) وبعد أنْ كان العرب (قبل غزواتهم للشعوب المتحضرة) يعتمدون على ريع الغنم ، فإنهم فى العصر الحديث أصبحوا يعتمدون على ريع البترول ، لذلك أضاف القصيمى ((إنّ النفط العربى خلق لهم كل مجدهم وشهرتهم.. فهل وُجد خالق مثل النفط العربى؟)) (العرب ظاهرة صوتية - مصدر سابق - ص380، 394) وهل من (الشعر) أنْ يقول أحدهم ((وحتى الذباب فوق أنف نبينا / نراه جمالا يُبهر العقل والقلبا / لأنــّـا رأينا ما اعتقدنا كماله / وصغناه مكتوبًا بأخلاقنا الغضبى/ لذا عزّ من شئنا له العز وحده / لذا ذلّ من شئنا له الذل والكربا / لذا نال ما يبغى المُـطيع لأمرنا / لذا نال من يعصوننا السلب والصلبا)) (العرب ظاهرة صوتية - ص394) فى تلك (القصيدة) فإنّ (المُـطيع ينال العز، و(العاصى) ينال (الذل والسلب والصلب) وواضح من (القصيدة) أنّ قائلها عاش فى فترة الدعوة المحمدية بدليل أنّ مطلعها عن محمد / النبى حيث قال ((وحتى الذباب فوق أنف نبينا.. إلخ)) والغرور العربى عبّر عنه المتنبى عندما قال ((أى محل أرتقى/ أى عظيم أتقى/ وكل ما قد خلق الله/ وما لم يخلق/ مُـحتقر فى همتى/ كشعرة فى مفرقى)) قال هذا بينما هو كان – على مستوى سيرة حياته وما كــُــتبَ عنه كان بلا ضمير وبلا شرف ، حيث يمدح من يُعطيه ، ويهجو من يمنع عنه العطاء ، بل إنّ ما قاله فى القصيدة السابقة يتناقض مع ما قاله لكافور عندما تملــّـقه ليحصل على عطاياه فقال ((أبا المسك هل فى الكأس فضل أناله/ فإنى أغنى منذ حين وتشرب/ فإنْ لم تنط بى ضيعة أو ولاية/ فجودك يكسونى وفضلك أرحب)) فهل يوجد احتقار للذات أكثر من ذلك ؟ وأليس هذا الاحتقار للذات يتناقض مع قوله السابق ((وكل ما قد خلق الله/ وما لم يخلق/ مُحتقر فى همتى/ كشعرة فى مفرقى))؟!
وبينما المُـفترض فى أى شاعر أنْ يُرسخ لقيم النبل الإنسانى ، ويُدين استعلاء الحكام على شعوبهم.. إلخ فإنّ المتنبى الذى يعتبره المُـتعلمون المصريون الكبار ((أهم شاعر عربى)) ويتغافلون عن احتقاره للشعوب فى جديلة واحدة مع تعظيمه للملوك ، حيث قال ((وإنما الناسُ بالملوك ولا / تفلح عربٌ ملوكهم عجم/ لا أدب عندهم ولا حسب/ ولا عهود لهم ولا ذمم)) هكذا يرى المتنبى أنّ الملوك أهم من كل الناس ، ثم استخدم لفظة (العجم) وقصد بها كل البشر غير العرب ، كما تعلــّـم من اللغة العربية ، حيث أنّ لفظة (عجم) تعنى العجماء أى البهيمة ، حتى المرأة (العربية) عجماء أى بهيمة (مختار الصحاح – ص440) ولذلك كتب القصيمى أنّ ((العرب لم يلتفتوا إلى المتنبى إلاّ لأنهم وجدوا أو رأوا فــُـحشه وقبحه الضاجيْن بكل البذاءات والغرور والسباب ، أعظم من كل القبح والفحش . إنّ فحش المتنبى وقبحه قد لقيا من الاستقبال والحفاوة ما لم يلق أى قبح ولا أى فــُـحش آخر، وهل توجد بداوة فكرية أو تحقير للإنسان أكثر من هذا (الشاعر) المُـحتكر لأضخم الحظوظ فى الأسواق العربية؟)) (ص492)

نقل د. خلف (المبارزة الشعرية) بين (شاعريْن) عن التعصب وأنّ قبيلة كل (شاعر) هى أفضل القبائل ، فقال الأول (عمارة بن الوليد) : ((خـُـلق البيض الحسان لنا / وجياد الرّيْـطِ والأزُرُ/ كابرًا كنا أحق به/ حين صيغ الشمس والقمرُ)) وكان يعنى قومه بنى مخزوم ، فردّ عليه الشاعر الثانى واسمه (مسافر بن أبى عمرو) فقال ((خـُـلق البيض الحسان لنا / وجياد الرّيطِ والحيره/ كابرًا كنا أحق بها / كل حى تابع أثره)) مع ملاحظة أنّ تعبير (البيض الحسان) عند (الشاعريْن) المقصود به (البنات الجميلات) وأنهنّ خـُـلقنَ من أجل (قبيلة كل (شاعر) اكتفى د. خلف بأنْ نقل (هذه المبارزة الشعرية) دون تعليق ، رغم ما فى ذاك (الشعر) من تعصب وتضخيم للذات واستعلاء بل وفجاجة.
نال عنترة (الذى عاش العبودية) شهرة كبيرة فى الشجاعة و(النبل والشمم) وفق ما كتبه عنه مؤرخو حياته ، ورغم ذلك فإنه عندما امتدح حبيبته (عبلة) قال ((أثنى علىّ بما علمتِ ، فإننى / سمح مخالفتى إذا لم أظلم / وإذا ظلمتُ فإنّ ظلمى باسل / مرٌ مذاقه كطعم العلقم)) وهنا فإنّ د. خلف لم يُعلــّـق على تلك النزعة العدوانية فى (شعر) عنترة الذى يستحل ظلم غيره ((وإذا ظلمتُ فإنّ ظلمى باسل)) قال عنترة ذلك رغم أنه تعرّض للظلم قبل أنْ يعتقه سيده.
والفرق بين عنترة وبين الشعراء (الحقيقيين) الذين مجـّـدوا الإنسان ورفضوا (العبودية) وأشادوا ب (العقل) كتعبير عن رفضهم لأى تعصب عرقى أو دينى أو مذهبى ، وكان من بين هؤلاء الشعراء أبو العلاء المعرى (973- 1057) المولود فى معرة النعمان (شمال سوريا بين حلب وحمص) وهو الشاعر الذى صاغ المعانى الفلسفية شعرًا من ذلك قوله ((يـَـرتجى الناسُ أنْ يقوم إمام / ناطق فى الكتيبة الخرساء / كذب الظن ، لا إمام سوى العقل/ مشيرًا فى صبحه والمساء)) وقال ((فى بطحاء مكة شر قوم/ وليسوا بالحماة ولا الغيارى/ وإنّ رجال (شيبة) سادنيها / إذا راحتْ لكعبتها الجمارى/ قيام يدفعون الوفد شفعـًا / إلى البيت الحرام وهم سكارى)) وعن العلاقة المزدوجة بين الإيمان بالميتافيزيقا والواقع العربى قال عن العرب ((أقروا بالإله وأثبتوه/ وقالوا : لا نبى ولا كتاب / ووطءُ بناتنا حِلٌ مباح / رويدكم ، فقد بطل العتاب / تمادوا فى العتاب ولم يتوبوا / ولو سمعوا صليل السيف تابوا)) وكان المعرى يشيرفى قوله ((لا نبى ولا كتاب)) إلى عبد الله بن الزبعرى الذى قال ((لعبتْ هاشم بالملك فلا / خبر جاء ولا وحى نزل)) ونفس المعنى قاله الوليد بن يزيد الخليفة الأموى ((تلعب بالنبوة هاشمى/ بلا وحى أتاه ولا كتاب)) أما عندما يسمعون صليل السيوف ، فإنهم يتراجعون عن أقوالهم ويعودون للتمسح فى الدين ، كما فعل الأميون بعد أنْ هزمهم العباسيون.
والمعرى فى أغلب أشعاره يرى أنه ليس عربيًا فقال ((استنبط العرب لفظــًا وانبرى نبط / يخاطبونك من أفواه أعراب/ كلــّـمتُ باللحن أهل اللحن أنفسهم/ لأنّ عيبى عند القوم إعرابى)) وهكذا كان قومه يرون أنّ (العروبة) عيب ، ولذلك فإنّ المعرى كان يتعمد الكلام مع أهل اللحن (أى الخطأ فى إعراب اللغة العربية) ب (اللحن) مثلهم . وإذا كان شعراء (العروبة) أمثال المتنبى أشادوا ب (السيف) أى القتل والدمار، فإنّ المعرى اختلف معهم فقال ((السيف والرمح قد أودى زمانهما / فهل لكفك فى عود ومضراب)) أى أنه يتمنى لو تخلى البشر عن السيف ، ويتمسكون بالحياة وبهجتها عندما رمز بذلك إلى أنْ يكون فى اليد آلة عزف الموسيقى (العود) ولذلك فإنه (فى اللزوميات) انتقد الشعراء العرب فقال ((بنى الآداب : غرتكم قديمًا / زخارف مثل زمزمة الذباب / وما شعراؤكم إلا ذئاب/ تلصص فى المدائح والسباب)) ولأنه كان يعتمد (العقل) كمرجعية أولى ، لذلك رفض الاعتماد على الميتافيزيقا ، وتجاوب مع نداء العقل والواقع المادى الذى عاش فيه فقال عن العلاقة بين الأديان والواقع ((إنّ الشرائع ألقتْ بيننا إحنـًا / وأودعتنا أفانين العداوات / وهل أبيحتْ نساء القوم عن عرض/ للعرب إلاّ بأحكام النبوات !))
ولخــّـص المعرى ما أذهب إليه من أنّ عرب ما بعد الإسلام لم يختلفوا عن عرب ما قبل الإسلام فقال ((عاشوا كما عاش آباءٌ لهم سلفوا / وأورثوا الدين تقليدًا كما وجــَـدوا / فيما يراعون ما قالوا وما سمعوا / ولا يبالون – من غى – لمن سجدوا / والعُـدْمُ أروَحُ فما فيه عالمهم / وهو التكلف إنْ هبوا وإنْ هجدوا / والناس يطغون فى ديناهم أشرًا / لولا المخافة ما زكوا ولا سجدوا)) ورأى أنّ حيوانات الغابة (عندما تقتل فريستها) أفضل من العرب الذين يقتلون بشرًا مثلهم فقال ((أرى حيوان الأرض غير أنسيها / إذا اقتاتَ لم يفرح بظلم ولا جدا / أتعلم أسد الغيل بعد افتراسها / تــُحاول درًا أو تــُحاول عسجدا / وأنصفهم : ما هابتْ الوحش سبة/ ولا وقعتْ من خشية الله سجدًا)) ورأى أنّ الذين دخلوا فى دين محمد أفواجـًا لم يتغيروا ولجأوا للقتال والسيف كما كانوا فى (الجاهلية) فقال يخاطب المرأة ((إذا دنوتِ لشام أو مررتِ به/ فنكبيه وراء الظهر أو حيدى/ قد غيّر الدهر منه بعد مبتهج / وألحد السيف فيه بعد توحيد))
وإذا كان عرب ما قبل الإسلام سموا أنفسهم (عبد الدار) و(عبد مناف) إلخ فإنّ عرب ما بعد الإسلام حافظوا على آلية (العبودية) فى اختيار أسمائهم ، فعبّر المعرى عن تلك الظاهرة فقال ((يسمون بالجهل (عبد الرحيم) / و(عبد العزيز) و(عبد الصمد) / وما بلغوا أنْ يكونوا له/ عبيدًا وذلك أقصى الأمد)) وكان يرى أنّ (الفتوحات الإسلامية) احتلال ونهب لموارد الشعوب ، ولأنه من بلاد الشام قال ((ألفنا بلاد الشام إلف ولادة/ نلاقى بها سود الخطوب وحـُـمرها / فإنى أرى الآفاق دانت لظالم / يغر بغاياها ويشرب خمرها / ولو كانت الدنيا من الإنس ، لم تكن/ سوى مومس أفنتْ بما ساء عمرها)) وهو فى تلك القصيدة أكــّـد على حقيقتيْن 1- (الفتوحات الإسلامية) غزو مسلح لنهب موارد الشعوب ، بدليل أنّ ((الآفاق دانت لظالم)) 2- التأكيد على أنّ أبناء الشام لا ينتمون إلى (العروبة) التى جاء منها الغزو العربى ، وأكــّـد ذلك فى قصيدة أخرى قال فيها ((ودين مكة طاوعنا أئمته / عصرًا ، فما بال دين جاء من هـَجـَـرا))
انتشرتْ بين الخلفاء المسلمين ظاهرة لصق اسم (الله) فى نهاية أسمائهم مثل (المتوكل على الله) و(المعتصم بالله) و(الواثق بالله) و(المنتصر بالله) و(المستعين بالله) إلخ ، بخلاف التمسح فى صفات (الله) مثل (القادر) و(القاهر) إلخ وهم مجرد أمثلة (خشية التكرار) وهم من خلافة واحدة (الخلافة العباسية) وببصيرته النافذة لاحظ المعرى تلك الظاهرة فقال ((لم أرض رأى ولاة قوم لقبوا / ملكــًا بمقتدر وآخر قاهرًا / هذى صفات الله جلّ جلاله / فالحق بمن هجر الغواة مظاهرًا / والناس فى ظلم الشكوك تنازعوا / فيها وما لمحوا نهارًا باهرًا))
وعن الفرق بين العرب وغيرهم من الشعوب قال المعرى ((والعرب خالفتْ الحضارة وانتقتْ / سكنى الفلاة ورعلها وصفارها / كانت إماؤهم زوافر مورد/ فالآن أثقل نضرها أزفارها / أهلــّـتْ بها الأمصار فهى ضوارب/ عمد الممالك لا تريد قفارها)) ورأى المعرى أنه لا فرق بين عرب ما قبل الإسلام وعرب ما بعد الإسلام فقال ((ما للمذاهب قد أمستْ مغيرة/ لا انتساب إلى (القداح) أو (هجر) قالوا : البرية فوضى لا حساب لها / وإنما هى مثل النبت والشجر/ فالجاهلية خير من إباحتهم / سجية (الحارث) الحراب أو حجر/ فما أفادوا سوى إحلال نسوتهم / معرضات لأهل الباطن الفجر)) أى أنه رأى أنّ (الجاهلية) التى أدانها الإسلام أفضل مما حدث فى عهود الخلافة الإسلامية ، حيث تعرّضتْ النساء لأهل الفجور. وإذا كانت الكعبة قبل الإسلام مكان لهو وفحش ، فهل تغيّر الوضع فى (المساجد) بعد الإسلام ؟ أجاب المعرى على هذا السؤال حيث رأى أنّ المساجد كالمواخير، فقال ((مساجدكم ومواخيركم/ سواء ، فبُعدًا لكم من بشر/ فيا ليتنى فى الثرى لا أقوم/ إنِ الله ناداكم أو حشر)) ولأنه كان يُـتابع ما يحدث على أرض الواقع (وهو فى محبسه) قال ((أما الحجاز فما يُرجى المقام به/ لأنه بالحرار الخمس محتجز/ والشام فيه وقود الحرب مشتعل/ يشبه القوم شدتْ منهم الحجز/ وبالعراق وميض يستهل دمًا / وراعد بلقاء الشر يرتجز)) ولشدة يأسه وحزنه على أبناء الشعوب التى احتلها العرب قال ساخرًا ((وليس على الحقائق كل قولى / ولكن فيه أصناف المجاز/ لعلّ الرافديْن ونيل مصر/ يَـحـُـزن ، فينتقلنّ إلى الحجاز)) وكما كانت القبائل العربية (قبل الإسلام) تحصل على غنائم الحروب ، ويُنفقونها على الفسق والفجور والخمور، كذلك كان العرب بعد الإسلام ، وهو ما عبّر عنه المعرى قائلا ((وجدتُ غنائم الإسلام نهبًا / لأصحاب المعازف والملاهى / وكيف يصح إجماع البرايا / وهم لا يُـجمعون على الإله؟!))
أعتقد أنّ قارىء شعر المعرى (خاصة اللزوميات) يصل إلى نتيجة مؤداها أنه رأى 1- أنّ أبناء الشعوب التى احتل العرب أراضيها ونهبوا مواردها ، مثل أبناء العراق والشام والمغرب ومصر، ليسوا عربـًا 2- أنّ عرب ما بعد الإسلام لم يختلفوا عن عرب ما قبل الإسلام ، خاصة فى السلب والنهب وتفضيل السيف على القلم إلخ. ولعل فى شهادة د. خلف (المدافع عن العروبة والإسلام) ما تــُـقنع العروبيين والإسلاميين وأدعياء الليبرالية ، بما أذهب إليه من أنّ العرب لم يتغيروا بعد الإسلام ، حيث كتب د. خلف ((إنّ العرب قد عادتْ إلى جاهليتها ولم يعد الإسلام إلاّ قناعـًا ومظهرًا)) (مصدر سابق – ص135)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
- أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
- الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
- حياة سيد قطب الدرامية
- المرأة رمز الحية ورمز الحياة
- الطوباوية العربية وطلب المستحيل
- متى يكون المثقف مستقلا ؟
- المثقف والثقافة السائدة (3)


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (5)