أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خطاب عمران الضامن - حديث جدتي، وجملة ابي وحياتي.














المزيد.....

حديث جدتي، وجملة ابي وحياتي.


خطاب عمران الضامن
باحث وكاتب.

(Khattab Imran Al Thamin)


الحوار المتمدن-العدد: 4929 - 2015 / 9 / 18 - 01:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


طالما سمعت أحاديث من جدتي الكريمة والقريبة على قلبي، أحاديث حزينة أسفاً منها وألماً لذكرى ولدها الفقيد وهو والدي أبنها الأكبر عمران, كلما زارتني أو زرتها.
وفي احد الأيام طلبت منها أن تحدثني عن ذلك الحزن الذي طالما كبتته في قلبها تجاه ولده الفقيد. فطلبت منها أن تبوح...
عندها تنهدت قليلاً ثم قالت جدتي:

كان والدك في صفوف القوات العراقية في بداية الحرب مع إيران، حيث أجبر ولبس العسكرية مرة أخرى، بعد أن أتم خدمته الإلزامية في الجيش وهو خريج كلية الآداب جامعة البصرة حينها ومن قسم الجغرافية، ونتيجة لظروف الحرب القاسية وقلة أيام الأجازة، اعتاد أن يمضي شهراً في خدمته العسكرية, ليعود بإجازة أمدها أربع أو خمسة أيام, لينعم برؤانا وننعم بالاطمئنان علية في تلك الحرب التي حصدت أرواح مئات الآلاف من الشباب كما لو كانت الطاعون أو غيره من الأوبئة في سالف الأزمان.
وفي أحدى الإمرار أطال ولدي الغيبه, مضى شهر وانقضى الشهر الثاني دون أن نسمع ضجيج إخوته الصغار، وهم يهتفون باسمه ويركضون لاستقباله من الطريق الترابي المؤدي إلى دارنا الذي تقع فوق تلةً عالية من التلال المطلة على نهر دجلة.
وبعد سبعون يوماً أمضيناها بالخوف والوجل والسؤال والأمل, وفي صباح يوم دافئً ومشرق من أيام أيلول, سمعت ضجة الأولاد والبنات وهم يركضون ويهتفون, جاء عمران جاء عمران.
تقول جدتي:

ملئت فرحاً حينها وغبطه, ولم تسعني الأرض كلها من شدة فرحتي ولهفتي، فوددت لو كان لي أجنحة لأحلق من شدة ما أصابني من الرضى, تقدمت نحو ولدي وفلذة كبدي الناجي من محرقة الحرب، امشي في طابور من المستقبلين, بينهم والده, إخوته, أخواته, أمهاته الأخريات, والجيران أيضا حضروا معنا لاستقباله, رأيت وجهه الأسمر الذي لم يفارق عيني منذ التحاقه الأخير , فما كان مني إلا أن اركض دون وعي صوبه لأحضنه واقبله, بعد أن احتضنته وتشابكت أكفي على ظهره, فلما أبصرني قال أمي, أمي ولا زلت أذكر نبرة صوته المتسارعة في تلك اللحظة.
بعدها سمعت صوته وهو يصيح بخجل, آه آه أمي كتفي يؤلمني أه أه, عندها سحبت يداي وقلت, خير يمه سلامتك شبيك, فقال لي, سوف أحدثك عن كل شيء يا أمي بعد قليل.
تقول جدتي:

وبعد انشغال الأولاد بصوغة أخيهم من فواكه ولعب, ثياب وأدوات مدرسية, جئت مسرعة إلى ولدي فقلت:
ما بك يا ولدي طمئني عليك.

تنهد قليلاً ثم قال:

لا تعلمين يا أمي ماذا حل بولدك منذ يومين في منطقة نهر الكارون، قبل ليلتتن من اليوم وفي جنح الظلام تعرضنا لهجوم كاسح وفضيع من قبل الإيرانيين، كانت السماء تمطر لهيباً وحمماً, واكتظت الأرض من حولنا بالآلاف منهم وهم يطلقون الرصاص ويصرخون الله اكبر الله اكبر..
لم يكن أمامنا من منجى سوى القفز في ذلك النهر والعبور لضفته الغربية للنجاة بأنفسنا من ذلك الجحيم الذي لم يكن مجالً لملاقاته, فهو كان كالسيل الجارف يسحق ويدفع كل شيء أمامه حيث لا يقاومه بشر, قفزت وكنت أسبح بينما النيران تنير السماء من فوقي وأصوات الانفجارات المدوية والرصاص تصم إذني، بعدها أحسست بألم وحرارة في كتفي وعنقي, علمت إني قد أصبت بشظايا قنبلة وان الدماء تسيل مني بغزارة, فأشرفت على الموت وكان قريباً مني يا أمي.
تقول جدتي: عندها سألته:

حمداً لله على سلامتك يا ولدي، لابد أنك تذكرتني حينها:

يقول أبي:

لا والله يا أمي, لم تأتي أنت بالتحديد على بالي فوالدي صحيح والحمد لله وأخوتي كثر وفيهم عزائي لك.
لم يأت على بالي سوى ولدي, ذلك الطفل الوديع, ذو السنة والنصف من السنين.

فسألت نفسي حينها:

ماذا سيحل بك يا ولدي من بعدي؟. انتهى.

أقول أنا:

أبتاه, لا بأس عليك أبداً إن رحلت مبكرا، قد كنت خير أباً لولد.

أنت لم ترحل عني مطلقاً, ولم تتركني أبداً, وكنت حاضراً معي في كل مكان وزمان
في المدرسة كنت أنت موجوداً ولطالما ذهبت معي كل صباح, وكنت تحثني وتشجعني, وكلما ذهبت لمكان وكلمت إنسان, كنت بصحبتي, تعلمني ماذا أقول وكيف اصنع..
روحك الزكية كانت ولم تزل مصدر ألهامي ومنبع قوتي وسبب فخري وعزتي, أقولها صراحة, لولاك لم أكن لأكون كما أنا..

فهل تريد أن تقنعني انك قصرت, لا زلت برفقتي تلهمني وتبث في روحي المزيد من القوة والعزم أيها العظيم الخالد.

قد يسأل القراء الكرام عن سبب ذكر هكذا قصة في مثل هذا اليوم, والسبب أن في مثل هذا اليوم سقط والدي عمران صالح ضامن صريعاً في معركة الحرب العراقية الإيرانية، تلك الحرب التي كانت أسبابها دينية سياسية طائفية وقومية. ولم تنتج سوى القتل والدمار لطرفيها.
شكراً لكم على الاطلاع وتقبلوا تقديري.



#خطاب_عمران_الضامن (هاشتاغ)       Khattab_Imran_Al_Thamin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق العربي واللا دينية.
- في ذكر الشهيد جمال الضامن
- الصراع الطائفي في العراق .... الأسباب والنتائج (2).
- الصراع الطائفي في العراق .... الأسباب والنتائج (1).
- مجلس النواب الأميركي وقانون العراق
- ألعرب بين الهوية القومية والهويات الطائفية
- الحرب العراقية الايرانية .. الاسباب والنتائج


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خطاب عمران الضامن - حديث جدتي، وجملة ابي وحياتي.