علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 1355 - 2005 / 10 / 22 - 10:30
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
موسم المؤتمرات : في خضم موسم المؤتمرات السياسية المستمر في العراق ، عقد في بغداد يوم الاثنين 17/10/ من الشهر الجاري ،و بعد سلسلة تأجيلات ، مؤتمر سياسي تحت عنوان " مؤتمر الوحدة الوطنية " . دعت إليه وخططت له " حركة الوفاق الوطني " التي يقودها الدكتور أياد علاوي رئيس الوزراء السابق . كان مخططا في الأصل، لأن يكون هذا المؤتمر أكثر اتساعا ليستوعب بحدود ألفي مشارك .هذه الصورة تذكرنا بمشروع لتشكيل "مؤتمر تأسيسي عراقي" ولكن مستقل عن الاحتلال تم استنساخها بشكل معين لتكون صورة لدكان سياسي صغير . ثم قيل بأن الأوضاع الأمنية ستضطر المنظمين للمؤتمر الجديد موضوع الحديث إلى عقد ثلاثة مؤتمرات في الأقاليم العراقية الثلاثة : الشمال والوسط والجنوب . وأخيرا ، تم الاتفاق ، وفي خضم تسويق مبادرة الجامعة العربية الراهنة ، على عقد مؤتمر حركة السيد علاوي بمن حضر ، وفي مؤتمر مركزي واحد عقد في بغداد .
نظرة واحدة على الأسماء والاتجاهات السياسية للمشاركين تعطي الانطباع بأن مجلس الحكم الانتقالي المنحل والذي شكلته سلطات الاحتلال على عجل قد بعث من قبره حيث لم يشارك من مكونات ذلك المجلس سوى الأحزاب الأربعة التي تقود الحكومة الانتقالية الحالية وهي : المجلس الأعلى والدعوة والديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني . أريد لهذا المؤتمر أن يكون بديلا أكثر اتزانا وموثوقية ومقبولية وانفتاحا من التشكيلة الحاكمة فجاء كحكومة ظل موسعة ، أو كمجلس حكم احتياط على وشك الحلول محل التشكيلة الحاكمة . وتقرأ الشعارات الأساسية والأهداف المعلنة بعد أن ترفع عنها طبقات البلاغة المعتادة فلا تجد جديدا يُعْتد به .
تغييب الكلمة المفتاح: نقرأ مثلا أن المشاركين تعهدوا ( بـتجميع الجهود وتوحيدها حول برنامج سليم وفعال للإنقاذ والوحدة الوطنية والتغيير الديمقراطي الشامل) قصارى الكلام : ليس سوى كلمات منتقاة بقصدية ، لكي تحل محل الكلمات الحقيقة المطلوبة . بالأحرى ، الكلمة المطلوبة والمعتم عليها بقصدية ، ففي حضور : البرنامج السليم ، الفعال ، الإنقاذ ، الوحدة الوطنية ، التغير الديموقراطي ، استحقاقات المواطنة ، في حضور هذا الحشد البلاغي غابت كلمة " التحرير " أو " الاستقلال " وكأن العراق بلد مستقل يرفل بالسيادة التامة ، ولم يتبقَ أمام المؤتمرين سوى الدخول في التفاصيل الصغيرة والهامشية لتشكيل تحالف انتخابي جديد يهدف إلى إخراج تحالف الأحزاب الحاكمة الآن .
صحيح أن قوى وتيارات صغيرة حضرت المؤتمر من خارج السياقات المعهودة ، كبعض الأحزاب القومية العربية ، غير أن أهل الدار ظلوا هم أنفسهم أهل الدار . وقد يأخذ المراقب العجب ، الممزوج بالدهشة ،حين يعلم بأن رئيس الجمعية الوطنية القائمة حاليا السيد حاجم الحسني كان حاضرا، وأن نائب رئيس الوزراء الحالي والرئيس السابق للجمهورية الشيخ غازي الياور كان حاضرا أيضا، إضافة إلى ممثلين أو زاعمي تمثيل ، أو منشقين عن أغلب الأحزاب المتحالفة مع الاحتلال أو الساكتة عن التحالف معه في حين غابت تيارات وقوى أخرى لها مواقفها الوطنية المناهضة للاحتلال .
الهدف الذي حدده المؤتمر هو – حرفيا - ( المضي باستكمال التحولات السياسية وتطبيع الوضع العام في البلاد، بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وتمكين القوى الديمقراطية المعتدلة من تحقيق نتائج إيجابية فيها على أساس برنامج وطني يحرص على حماية الوحدة الوطنية واستحقاقات المواطنة ووضع حد لجميع مظاهر الاستقطاب الطائفي والفئوي، وذلك بتشجيع منهج الحوار الوطني، ودعم المبادرات الهادفة لذلك.) إنه إذن اجتماع انتخابي كما يبدو من القراءة الأولى لهذه الفقرة ، هدفه تشكيل جبهة انتخابية علمانية ديموقراطية تنافس القوى المحافظة وهنا الخلل الكبير إن لم نقل اللغم الكبير .كيف ذلك ؟
مضمونان للصراع في العراق : إن هذا المؤتمر يحاول إعطاء الصراع الدائر حاليا في العراق مضمونا مضللا آخر ، غير مضمونه الحقيقي ، ليجعله صراعا بين علمانيين ديموقراطيين في مواجهة طائفيين محافظين .وهذا قلب أو حرف تام لواقع الحال . ومع أن هذا الوصف لا يصدق حتى في حده الأدنى إذ أن هناك شخصيات واتجاهات إسلامية ومحافظة في مؤتمر السيد علاوي ، مثلما أن هناك علمانيين " متشددين " في التحالف الحاكم ممثلين بالحزبين القوميين الكرديين ، فإن واقع الحال يقول ، بأن مضمون الصراع الحالي هو بين علمانيين وإسلاميين وقوميين متحالفين مع الاحتلال أو مطالبين ببقائه أو ساكتين عن وجوده و بين علمانيين وإسلاميين وقوميين يناهضون ويرفضون الاحتلال ويطالبون برحيله وبالاستقلال الحقيقي .
لننظر إلى المؤتمر موضوع الحديث نظرة أخرى ، ولكن من داخله : إنه يريد أن يقدم نفسه كقطع جوهري مع ماض قريب صار مرفوضا ، أو في الأقل عديم الفاعلية . مثال ذلك نجده في موضوعة "المحاصصة الطائفية والإثنية " في الحكم ، فالمشاركون في هذا المؤتمر "للوحدة الوطنية " والمناهضين - الآن والآن وحسب – لمبادئ المحاصصة الطائفية والإثنية جاءوا كلهم أو في أغلبيتهم الساحقة من هيئات قامت ونشطت على أساس تلك المبادئ وفي مقدمتها حكومة السيد علاوي وأعضاء مجلس الحكم وأغلب القوى التي حضرت .
المشكلة الكبرى التي تعترض أية محاولة جدية للقطع السياسي مع السائد ، وتقديم تشكيل سياسي تحالفي جديد يصطدم -شئنا أم أبينا - بهذه الحقيقة والتي لم تصبح عتيقة بعد هي الأماء والعناوين الرئيسية : السيد علاوي كان لعدة أشهر خلت رئيسا للحكومة التي أشرفت على ، وساهمت في أحداث خطيرة ، وقمعت انتفاضات كبرى كما حدث في النجف الأشرف والفلوجة مثالا لا حصرا ، أما الفساد الشامل والعميق ، وعمليات النهب والاختلاسات من المال العام، والفلتان الأمني ، أما كل هذا الذي تؤاخذ عليه الحكومة القائمة " حكومة الجعفري " ولد وترعرع في حكومة السيد علاوي ذاتها وأينعت ثماره ،أو بعضها،و فضائح وزارتي الدفاع والكهرباء مثالين براقين جدا ، في تلك الحقبة غير البعيدة ، ويمكن إضافة لطخات قاتمة أخرى للمشهد العام بما يؤكد أن السيد علاوي نفسه بات يمثل مشكلة للمؤتمر السياسي الذي سعى وخطط من اجله .
لغم الديموقراطية التوافقية : أما دخول الجامعة العربية على خط هذا المؤتمر ، وتكليف السيد حسن حجازي ،القائم بأعمال السفارة اللبنانية في بغداد ،بإلقاء كلمة باسم الجامعة العربية في هذا المؤتمر الحزبي الانتخابي ، فليس له من باعث أو تفسير سوى أنه جاء كمحاولة تمهيدية وتسويقية لزيارة السيد عمر موسى الأمين العام للجامعة العربية إلى بغداد وليس من الأكيد أن هذا الدخول سيكون مفيدا أو فعلا في تعويم المحاولة إلا بالموافقة سلفا على الشروط الأمريكية التي تحكم الملعب العراقي ، وقد قيل ذلك صراحة : إذا كانت الجامعة العربية ، قادرة على المساهمة في تقعيد وبرمجة الوضع العام ضمن العملية السياسية الجارية والمدارة أمريكا فأهلا وسهلا بك يا بيت العرب !وإلا فإن الجامعة العربية لن تكون قادرة على إدخال الجمل العراقي في سم الخياط العربي .أما شعار " الديموقراطية التوافقية الذي ترفعه الجامعة الآن ،والذي اقترحته دولة عربية مجاورة للعراق بهدف "منع عزل وتهميش السنة العرب " كما قيل ، فسيضيف تعقيدا خطيرا جديدا للوضع العام ، إذ ستكون الجامعة العربية ، عَرّابا- لم تثبت جدواه لبنانيا - لطائف عراقي جديد يضمن حصة العرب السنة من كعكة السلطة بما يكرس لعنة المحاصصة الطائفية . ولهذا، فإن وصفة " الديموقراطية التوافقية " ستكون نوعا من الحل المقبول به أمريكيا وطائفيا من قبل بعض مكونات المجمع العراقي ، ولكنه سيكون سما زعافا لأي مشروع ديموقراطي واستقلالي حقيقي يقوم على مبادئ المواطنة الحديثة وليس على أساس الانتماءات الطائفية والإثنية والعشائرية !
حل اللغز : نختم بالإشارة إلى موضوعة " الاحتلال الأجنبي للعراق " لم تغب تماما من البيان الختامي للمؤتمر ، فقد وردت فيه عبارة تقول (الالتزام بإقامة نظام ديمقراطي فيدرالي مستقل يحترم مبادئ حقوق الإنسان بما فيها الحقوق القومية الخاصة لجميع الفئات وحقوق المرأة، ويصون السيادة الوطنية واستقلال البلاد بوجه التدخلات الإقليمية والخارجية. ويسعى لتوفير الظروف المناسبة لإنهاء الوجود الأجنبي وفق الالتزامات الدولية المبرمة. ) ففي هذه الفقرة نجد لب "العملية السياسية الجارية "الهادفة إلى توفير الظروف المناسبة لما تسميه الوثيقة ( إنهاء الوجود الأجنبي وفق الالتزامات الدولية المبرمة ) وإذا ما علمنا أن هذه الالتزامات أبرمت بين حكومة السيد علاوي وسلطات الاحتلال التي قادها "بول بريمر" سيتضح كل شيء ، وليس ثمة ما يبهج المحتل الأمريكي أكثر من هكذا مسار يضبط له الوضع ، ويوفر له فرصة الإنهاء العلني لوجوده الاحتلالي لننتقل بذلك إلى مرحلة القواعد العسكرية الكبرى الضامنة بلغة المؤتمر للديموقراطية ، وبلغة الواقع لاستمرار الاحتلال .. وبهذا ، وفي ظل تشرذم وتفتت القوى الوطنية الاستقلالية حقا والمناهضة للاحتلال فعلا ، سيكون العراق قد عبر إلى مرحلة ، سبق له أن عاشها في القرن الماضي حين تمكن الاستعمار البريطاني من هزيمة الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 وأرسى ركائز النظام " المحلي " الحليف متمثلا بالحكم الملكي الهاشمي ! فمن سيكون "الملك" العلماني ،لإسلامي ، الديموقراطي، الجمهوري ، القادم في العراق الأمريكي ؟
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟