|
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 6/6
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4928 - 2015 / 9 / 17 - 15:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 6/6 ضياء الشكرجي [email protected] www.nasmaa.org وهذه هي جولتي الحوارية الأخيرة في مناقشتي لمناقشة الأستاذ مالوم أبو رغيف لأفكاري موضع المناقشة. أبو رغيف: لكن لنسأل مرة أخرى إذا كان الأستاذ الشكرجي مع الافتخار، فهل يحق للمسلم الافتخار بدينه؟ لكن! أليس الافتخار بأن الدين عند الله الإسلام هو تكفير غير مباشر لبقية الأديان؟ ترى كيف لعلماني أن يطرح حق التفاخر للمذهبيين والمتدينين ليمنح نفسه حق الفخر بدين جديد أوجده لنفسه بينما يدعو إلى عزل الدين عن الدولة؟ الشكرجي: أتصور كل من قرأ ما كتبته عن لاهوت التنزيه، يدرك جيدا أن ما أطرحه أبعد ما يكون توصيفه بالدين. فلا حقيقة مطلقة يدعيها، ولا أحكام شرعية، ولا تكفير، ولا وعيد بنار جهنم لمن لا يؤمن بلاهوت التنزيه، ولا مشكلة للاهوت التنزيه مع من لا يؤمن بالله. لاهوت يدعو للتعايش على أساسي العقلانية والإنسانية، مع تأكيد إن كلا منهما تبقى في عالم الإنسان نسبية. فدلني على دين يتبنى مثل هذه الأفكار. ثم يثير أبو رغيف استغرابه، كيف أتبنى مثل هذه الأفكار وأكون في نفس الوقت علمانيا. أرجو ألا يكون مقصده التلازم بين العلمانية والإلحاد، فيقدم بذلك هدية للإسلاميين الذين يشيعون فكرة أن العلمانية مساوقة ومساوية للإلحاد، بينما العلمانية ليست إلا الفصل التام بين ما هو الموقف الميتافيزيقي إيجابا أو سلبا، وبين السياسة. فالمتدين العلماني تدينه شأن شخصي، لا يحق له إقحامه في السياسة. والملحد إلحاده شأن شخصي، لا يحق له إقحامه في السياسة، والإلهي اللاديني مثلي لادينيته شأن شخصي، لا يحق له إقحامها في السياسة. لكن كل منهم، وبعيدا عن السياسة، يحق له أن يعبر عن عقيدته. وهذا ما أفعله عندما أكتب عن لاهوت التنزيه، الذي لا أسمح لنفسي أن أقحمه في الشأن السياسي. لكني هنا لا أبحث كسياسي، بل كإنسان، كمواطن، كمحاول لمزاولة الفكر، كي لا أقول كمفكر. أبو رغيف: التقية الدينية يقول الأستاذ ضياء الشكرجي (والخطأ الآخر الذي وقع فيه (يقصدني أنا) إنه لم يميز بين التقية والباطنية ولعله النفاق.) والحقيقة أنا لم أتحدث عن التقية كتكتيك أو كوسيلة معمول بها لاتقاء الخطر، بل عنيت بأنها وسيلة دينية شرعية مطبقة عمليا وبسند قرآني عند الشيعة. ولم أتحدث عن الظروف التي أدت إلى انتشارها، ولا عن اضطرار اللجوء إليها، بل أشرت إلى فهم الآخر لها. ذلك إن المسلمين لا يثقون بالشيعة، لا سياسيا ولا دينيا، ويفسرون أي سعي للتقارب معهم بأنه نوع من أنواع التقية. التقية وإن كانت منصوصا عليها مذهبيا عند الشيعة، لكن أيضا وبنفس القدر من الاهتمام تفتي المرجعيات السنية بتحليل الكذب لاتقاء الخطر، لكن ذلك ليس من صميم الدين، بل فرض الضرورة. ومع هذا نشير إلى أن المقصود بالتقية التي قصدناها هو فهم الآخر المختلف مذهبيا لها، وهو فهم لا يختلف كثيرا عن الفهم الذي دعى الأستاذ الشكرجي إلى إقران الحركات الباطنية بالنفاق. الشكرجي: لا أختلف مع الأستاذ أبو رغيف. الشيعة خالفوا الحكمة العقلائية الواردة في نص حديث نبوي مفادها: «رحم الله من جبَّ الغيبة عن نفسه»، فأكدوا على التقية بما يتجاوز الضرورة، وكأنها خصوصية شيعية، بينما هي ممارسة وقائية استثنائية، عندما يكون إنسان ما أو جماعة ما معرضين للخطر، إذا ما أظهروا حقيقة معتقداتهم. لكن لكون إمامهم السادس جعفر بن محمد قال ما مضمونه إن التقية ديني ودين آبائي، فأصبحت التقية أحد المواضيع الأساسية التي تطرح في كتب الشيعة، كمَعلَم مهم من معالم التشيع. واستطاع خصومهم من السنة المتطرفين ضد الشيعة أن يستثمروا ذلك لتصوير الشيعة أنهم باطنيون. ولو إني وجدت السلوك الباطني عموما عند الكثير من المتدينين سنة وشيعة وعند الكثير من الإسلاميين سنة وشيعة. فكثير منهم على سبيل المثال يقولون آمنا بالديمقراطية والدولة المدنية ولوائح حقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل وعدم تكفير غير المسلمين، وما هم بمؤمنين بأي من ذلك، يخادعون ربهم وشعوبهم وما يخدعون إلا أنفسهم، باستثناء القلة الصادقة منهم. أبو رغيف: ما يلفت النظر هنا هو إلصاق النفاق بالحركات الباطنية، وذلك باتهامهم باستبطان أمور لا يظهرونها. الأستاذ الشكرجي يكرر تهمة ترد كثيرا في كتب الوهابية وكتب الحنابلة للحط من العلويين والإسماعيليين والقرامطة وبقية الفرق المطاردة تلك التي لجأت إلى أسلوب العمل السري وعدم الإفصاح عن نواياها، ذلك لهمجية السلطات الحاكمة ولوحشية العواقب. غريب أن تصدر مثل هذه التهمة من الأستاذ الشكرجي وهو بحكم انتمائه السابق لحزب الدعوة يكون قد اطلع على التاريخ الإسلامي وعلى حركاته السياسة والدينية فيقرنها بالنفاق. الشكرجي: هنا حصل سوء فهم، والعتب عليّ، لأني ربما لم أوضح الفكرة بدرجة كافية بما يزيل اللبس المحتمل. أنا أعلم إن الباطنية نشأت في كثير من الأحيان بسبب القمع، كما حصل للدروز على أيدي العثمانيين، فتحول الاضطرار عبر الأجيال إلى عقيدة. كلامي عن النفاق لم يعن مثل هذه الفرق يا أستاذي العزيز. إنما ذكرت ذلك لما لمسته من الإسلاميين الشيعة أثناء تجربتي في الجمعية الوطنية ولجنة كتابة الدستور ما نعتُّه بالباطنية السياسية، والتي اقتربت عند الكثير منهم من النفاق. فما ذهب إليه السيد أبو رغيف بعيد جدا عما عنيته، ولكنه لا يلام، كوني لم أوضح مرادي بما فيه الكفاية. أبو رغيف: يختتم الاستاذ الشكرجي مقالته بموقف عدمي فيقول (فأقول لست معنيا لا بالتشيع ولا بالتسنن، لا بالتشيع كطائفة، ولا كمذهب، ولا كتاريخ، ولا كانتماء اجتماعي، كما إني لست معنيا بتاريخ الأربعة عشر قرنا. فلكل عقيدته، وعقيدتي اخترتها بعد مخاضات). أغلب حياة الأستاذ الشكرجي السياسية والدينية قضاها منتميا لحزب الدعوة، لقد لبس الجبة والعمامة، وألقى المحاضرات، وأصبح كادرا متقدما وعضوا في الجمعية الوطنية عن نفس الحزب الذي رشحه للجنة كتابة الدستور، ثم شارك بالانتخابات بقائمة خاصة لم يوفقه الحظ بالفوز بأصوات الناخبين، ومع هذا وبفترة قصيرة من الزمن نسبيا يقطع حبل الوصل بين تاريخه الحافل بمسلمات الدين وأحداثه ليقول بكل بساطة إنه لم يعد معنيا إطلاقا. الشكرجي: إذا كان التحول في القناعات والتطور الفكري يمثل عيبا يعاب عليه صاحبه، فإني أعترف بهذا العيب، ولعلي أعتز به، من أجل ألا أتورط ثانية باستخدام مفردة الافتخار، فأقول أفتخر به. ولكن أحب أن أصحح معلومة، وأضيف معلوم ثانية. أصحح فأقول إن حزب الدعوة لم يرشحني للجنة كتابة الدستور، بل أنا الذي رشحت نفسي لشدة اهتمامي آنذاك بموضوعة الدستور، وعندما كان عدد المترشحين أكثر من العدد المطلوب، حسم الأمر بالتصويت على مرشحي كل كتلة برلمانية داخليا، فكان اسمي ضمن الذين صُوِّت لهم. ثم دوري كان في لجنة كتابة الدستور معارضا لطروحات الإسلاميين الشيعة في المبالغة في إضفاء الصبغة الدينية (الإسلامية)، والصبغة المذهبية (الشيعية)، وأحيل بهذا الصدد إلى الجزء الثاني من كتابي «ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي». أما كوني لم أفز في انتخابات 2010، فرموز سياسية مهمة وأحزاب عريقة لم تفز أيضا. وعدم فوزي كان بتقديري ضريبة تحولي للعلمانية، أو لأني لا أتمتع بمقبولية كافية في أوساط الناخبين. أبو رغيف: ترى ما عدد الناس الذين زرع الأستاذ الشكرجي في أدمغتهم مسلمات دينية لم يعد مقتنعا بها، وكم هو عدد الناس الذين أثر عليهم وثقفهم بتاريخ ونصوص وأقوال لم يعد مؤمنا بها؟ أليس من واجبه أن يزيل الوهم الذي زرعه بنفسه الذي ربما قد أثمر جهلا وتشويشا عقليا؟ أليس الواجب بدل من كل هذه السرديات والنثريات والتغزل بالإله الجديد أن يسارع الأستاذ الشكرجي ليس إلى انتقاد حزب الدعوة من ناحية سياسية أو سلوكية وهي مهمة بالطبع، لكن أيضا بنقد ما لم يتفق معه أكان مذهبيا أو آيدلوجيا؟ الشكرجي: وهذا ما أقوم به، لكني لا أقوم به وفقا لذوق وقناعات وعقيدة مالوم أبو رغيف. مع هذا أسجل للتاريخ، أني خلال الثلاثين سنة لا أتذكر أني كنت سببا في تحول مسلم غير متدين إلى متدين، ناهيك عن تحول غير مسلم إلى مسلم، أو سني إلى شيعي. بل كنت أحاضر في وسط المتدينين، وأثرت، لاسيما في التسعينات، على الكثيرين إيجابيا، بجعل تدينهم عقلانيا وإنسانيا ومعتدلا، وتشيع الشيعة منهم تشيعا غير طائفي، أما المتزمتون والمتعصبون، فهم الذين قاطعوني بمجرد تحولي إلى العلمانية سياسيا، قبل أن أتحول في عقيدتي إلى الإلهية العقلية اللادينية، أو ما أسميه بلاهوت التنزيه. ثم لو اطلع السيد أبو رغيف على كتبي، لعلم أني أفعل ما يتمناه عليّ، ولكن ليس من موقع تأنيب الضمير، وإنما من موقع مزاولة حقي في التعبير، وانتصارا لقيمة الحرية، ومن أجل أحرك العقول نحو البحث والتساؤل. أبو رغيف: شكرا وتحية للأستاذ الشكرجي على سعة صدرة وروحه الديمقراطية. الشكرجي: وشكرا جزيلا للأستاذ مالوم أبو رغيف على إثاراته المهمة، راجيا ألا تكون إجاباتي سببا في أن يغير رأيه في سعة صدري وروحي الديمقراطية، كما عبر، وشكرا لسعة صدره، هو كما أتوقع. وأخيرا أقول: ليس المهم عندي أن أقنع محاوري أو قرائي، بل أن أعرض الأفكار، ويبقى الفكر نسبيا، يحتمل الصواب والخطأ، ولا أبرئ نفسي من احتمال وقوعي في الخطأ، لكني إلّم أضمن لنفسي الصواب على طول الخط، فأزعم على الأقل أني كنت صادقا مع نفسي، ومع ربي الذي أؤمن به، أو الذي صنعته، كما يحب أبو رغيف أن يعبر عنه، ويصر على ذلك، كما وكنت صادقا مع الناس.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 5/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 4/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 3/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 2/6
-
مع مالوم أبو رغيف فيما أسماه صناعتي للإله 1/6
-
ألمانيا تتحول إلى مثل أعلى للإنسانية
-
لماذا «العلمانية» وليس «المدنية»؟
-
الدستور العلماني ضرورة لا يكتمل الإصلاح بدونها
-
العبادي والحكومة المطالب بتشكيلها
-
مثلث (الشعب-العبادي-المرجعية)
-
مرة أخرى يوجه خامنئي إهانته للشعب العراقي
-
إرادة الشعب تنتصر: هل نشهد بداية البداية؟
-
مناقشة متأخرة لمقالة للسيد مالوم أبو رغيف عني 2/2
-
مناقشة متأخرة لمقالة للسيد مالوم أبو رغيف عني 1/2
-
كتابي „الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل“ في الأسواق
-
مطلبا تحويل الإقليم إلى برلماني والعراق إلى رئاسي
-
نصان من 2009: الغوص وذاك الغريب
-
دعوة لثورة النساء
-
أريد أن أطير
-
أشعر بالغربة
المزيد.....
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|