حسن محمد طوالبه
الحوار المتمدن-العدد: 4927 - 2015 / 9 / 16 - 15:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
روسيا بدأت مرحلة الاقتحام في سوريه
د. حسن طوالبه
مصالح الدول الكبرى فوق اي اعتبار للمبادئ او الاخلاق او الحالات الانسانية التي تدافع عنها منظمات حقوق الانسان في العالم . وهذه الخلاصة اتية من سير احداث التاريخ القديم والحديث , وفي المصالح لا توجد صداقات دائمة وقد يصبح صديق الامس عدو اليوم والعكس صحيح .
من هذه المقدمة نلج الى الموقف الروسي الذي يعتبره البعض تطورا مفاجئا في سياق الاحداث الجارية في سوريه , بعد ان اعلن عن تزويد نظام الاسد بالاسلحة والمعدات العسكرية , بل هو موقف قديم تطور مع تطور الاحداث في سوريه . كل التقارير الدولية تتحدث عن صفقة فيما بين الدول الكبرى بشأن المنطقة العربية , اي تقسيم الكعكة فيما بينها , كما حصل بين دول الغرب المنتصرة في الحرب العالمية الاولى , المعروفة باتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 . فالولايات المتحدة تحدثت منذ زمن عن الشرق الاوسط الكبير الذي يضم الى جانب الدول العربية كل من تركيا وايران واسرائيل , وهذا الشرق يضم مجموعة من الدول الدينية والطائفية والقومية , بحيث تظل تركيا وايران واسرائيل هي الدول المتحكمة بمسار المنطقة وبما يخدم مصالح الغرب .
في ضؤ هذه الصفقة التي تطبح على نار هادئة بدماء ابناء العرب تحركت روسيا منذ بداية ما سمي بالربيع العربي عام 2011 لتأخذ نصيبها من الصفقه . وعندما حصلت الازمة الليبية انخدعت روسيا واعتقدت انها خرجت من المولد بلا حمص كما يقول المثل الشعبي . وعليه قررت ان لا تخرج من الازمة السورية بما خرجت به من ليبيا .
ما هي الاسباب التي دفعت روسيا الى تصعيد موقفها المؤيد لنظام بشار الاسد رغم انها تعرف انه نظام منهار ويلفظ انفاسه الاخيرة بعد ان فقد نصف مساحة سوريه . وهو محاصر في دمشق والساحل السوري ؟ .
1. ترغب روسيا ان تصبح لاعبا دوليا اساسيا مع الولايات المتحدة , في ادارة شؤون العالم كما كان الاتحاد السوفيتي السابق , ولذلك فانها تستثمر الاوضاع الاميريكية المضطربة الداخلية والخارجية , حيث يتخبط اوباما في سياسته الداخلية والخارجية وعدم قدرته على الوفاء بما وعد به عندما ترشح للرئاسة الامريكية الاولى , ولاسيما في خطابه في جامعة القاهرة .
2. بوتن الذي رفع شأن روسيا باجراءات اقرب ما تكون الى الوضع الروسي السابق اي ديكتاتورية تحت خيمة الديمقراطية البرلمانية , التي تناوب فيها مع ديمتريف الرئاسة ورئاسة الوزراء . يرغب بوتن في استعادة وزن الاتحاد السوفيتي السابق , وقد تصبح الازمة السورية شبيهة بالازمة الكوبية ايام خروشوف .
3. بعد ان احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وضمها الى روسيا نظرا لما لها من اهمية استراتيجية على البحر الاسود ولاسطول روسيا الذري , بعد هذا الاجراء الذي لم يعجب الغرب دخل في ازمة مع اوكرانيا , وناصر المعارضين لنظام الحكم في كييف المدعوم من الغرب , وعليه فان روسيا قد تستخدم الورقة السورية لصالح الورقة الاوكرانية .
4. روسيا ليس لها اية قواعد في المنطقة غير قاعدة طرطوس في سوريا , ولو فقدت هذه القاعدة لفقدت دورها في المنطقة , وعندما تتحدث الانباء عن عزم روسيا انشاء قاعدة جوية جديدة في اللاذقية فانها تستبق الزمن والاحداث المقبلة لتأمين وجودها في سوريه بوجود الاسد ام بغيره .
5. يساعد روسيا في هذا التواجد الوجود الايراني في سوريه , وهو الوجود العسكري والفني والمالي والسياسي والعقدي , اذ ترى ايران اهمية وجودها في سوريه لاكثر من اعتبار اولها التواجد على شواطئ البحر المتوسط , وبمحاذاة لبنان حيث وجود حزب الله الذي دخل في الازمة السورية بثقل عسكري مميز وخاصة في الجبهات المحاذية الى لبنان .
6. وفي اطار النظرة المستقبلية فان الشواطئ السورية واللبنانية ستكون ذات اهمية اقتصادية كبيرة بعد استخراج الغاز من تحت البحر , اذ يقدر الخبراء وجود كميات تجارية ضخمة من الغاز الطبيعي يفوق ما موجود في روسيا وقطر باضعاف . وهذه الثروة تستحق المغامرة الروسية في سوريه .
كل هذه الاسباب تغلف بسبب اوضحها بوتن والساسة الروس اكثر من مرة واخيرا عبر الرئيس بوتن في كلمة خلال قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي المنعقدة بدوشنبه الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول أن بلاده ستواصل تقديم المساعدات العسكرية التقنية لسوريا من أجل مواجهة الأخيرة لإرهابيي تنظيم "الدولة الإسلامية". وتابع "إننا ندعم الحكومة السورية في مواجهة العدوان الإرهابي، ونحن قدمنا لها وسنقدم في المستقبل جميع المساعدات الضرورية في المجال العسكري التقني، وندعو الدول الأخرى إلى الانضمام إلى جهودنا". وشدد على أن توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب أصبح اليوم أولوية مطلقة، إذ "لا يمكن بدونه حل القضايا الملحة الأخرى التي تتفاقم، ومنها قضية اللاجئين". وأكد بوتن أنه لو لا الدعم الروسي لسوريا، لكان الوضع في هذا البلد أسوأ مما في ليبيا، ولكان تدفق اللاجئين أكبر بكثير.
وقال بوتين إن نظيره السوري بشار الأسد مستعد لإشراك القوى البناءة في صفوف المعارضة السورية في شؤون الإدارة بالدولة. وأردف: "من الضروري التفكير في الإصلاحات السياسية في هذ البلد. إننا نعرف عن استعداد الرئيس الأسد لإشراك "القوى السليمة" من المعارضة السورية في هذه العملية".
من الواضح ان بوتن يراهن على بقاء حليفه الاسد في الحكم , ويمن على المعارضة السورية المعتدلة باشراكها في الحكم . وهو الامر الذي استنكف الاسد ان يمن به على المعارضة قبل اندلاع انتفاضة الشعب السوري . ويحذر بوتن من استخدام القوى الارهابية لاغراض جيوسياسية , ولذلك دعى الى وضع الطموحات الجيوسياسية جانبا من أجل مكافحة الإرهاب والتخلي عن الكيل بمكيالين في جهود مكافحة الإرهاب. وإلى التخلي عن سياسة استخدام تنظيمات إرهابية معينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من أجل تحقيق أهداف ظرفية بما في ذلك تغيير الأنظمة التي لا تروق لأطراف ما. وهي اشارة الى استخدام الولايات المتحدة تنظيم القاعدة في افغانستان ضد القوات السوفيتية انذاك .
كما أعرب بوتين عن قلقه من وجود متطرفين من دول أوروبية عديدة ومن روسيا وجمهوريات سوفيتية سابقة في صفوف داعش ، حيث يخضعون للتدريب القتالي ويتعرضون لغسيل الدماغ الأيديولوجي. وشدد: "إننا قلقون من احتمال عودة هؤلاء إلى أراضينا. ويتطلب منا العقل السليم ومسؤولتنا عن الأمن العالمي والإقليمي، توحيد جهود المجتمع الدولي ضد هذا الخطر". ويلتقي بوتن في هذا الخوف مع عدد من زعماء دول الغرب لان تنظيم داعش هو من قرابة 80 دولة في العالم ابرزها دول الغرب مثل فرنسا وبريطانيا والمانيا وامريكا .
وعليه فان بوتن الذي يعزف على وتر مكافحة الارهاب يدعو الى اشراك نظام الاسد في مكافحة الارهاب كما دعت الولايات المتحدة اشراك ايران في مكافحة داعش في العراق فقال : "اليوم تكمن المهمة في توحيد الجهود، بما في ذلك جهود الحكومة السورية وقوات الحماية الشعبية الكردية وما يسمى المعارضة المعتدلة والدول الأخرى بالمنطقة، من أجل مواجهة الخطر المحدق بكيان الدولة السورية ومكافحة الإرهاب". ان هذه التشاركية في مكافحة الارهاب تؤشر ان لاخلاف بين روسيا والغرب في اشراك الاسد وايران في التحالف الدولي الذي مضى عليه سنة من الان , ولذلك فان روسيا قد تقترح تطوير الفعل القتالي في سوريه والعراق ضد داعش , اي اشراك قوات برية في القتال ضد داعش , ولا سيما بعد ان دخلت تركيا الحرب ضد داعش وضد حزب العمال الكردي في تركيا .
واوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية بيسكوف من دوشنبه يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول، "لا شك أننا نرمي إلى تحقيق أهداف مشتركة ونتفق على ضرورة تسوية تلك الكارثة التي نشاهدها في سوريا"، مؤكدا على ضرورة بذل مزيد من الجهود من أجل مكافحة انتشار تنظيم "داعش" الإرهابي. ونفى وجود أي خلافات بين روسيا وغيرها من الدول في هذا الشأن. ولم يستبعد المتحدث باسم الرئاسة الروسية إجراء أي حوار من أجل توضيح مواقف الأطراف المعنية وإيجاد تفاهم وتوافق، وذلك ردا على تصريحات نظيره الأمريكي جوش إرنست الذي لم يستبعد إجراء مباحثات بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا حول تسوية الأزمة السورية.
خلاصة القول ان روسيا تريد حصتها من الكعكة التي تهدف دول الغرب لتقطيعها في المستقبل القريب , والخاسر الوحيد هو الشعب العربي في سوريه والعراق واليمن وليبيا . اذ لاتوجد سياسة عربية موحدة من كل الازمات .
#حسن_محمد_طوالبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟