|
تأملات في -محور الممانعة-
خالد الحروب
الحوار المتمدن-العدد: 4924 - 2015 / 9 / 13 - 22:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتأمل هذه السطور وبهدوء السياسات والمواقف التي تبناها "محور الممانعة" بقيادة ايران في العقد الاخير، وما انتجته على الارض من وقائع صلبة منافية ومضادة للشعارات التي تُرفع، او حتى ضد الرغبات والتمنيات التي ربما كان بعضها صادقا وجادا. والافتراض النظري الذي تنطلق منه يأخذ الشعارات التي رفعها محور الممانعة في العشرية الاخيرة محمل الجد و يفترض صدقها. بوصلة محور الممانعة كما نعرف جميعا وكما هو معلن ومتردد بشكل يومي في خطابات اطراف هذا المحور هو مواجهة "اسرائيل". وبرنامج هذا المحور تبعاً لذلك يُفترض ان يكون خوض حرب كبرى مع اسرائيل وتحرير فلسطين، لكن هذا عملياً لم يحصل. واذا اردنا ان نحاسب هذا المحور تبعا لإعلاناته ونواياه وخطاباته، فإننا اولا نأخذ اعلاناته وخطابته وتهديداته لإسرائيل مأخذ الجد الكامل. اذا قيل ان مطالبة محور الممانعة بخوض حرب كبرى وتحرير فلسطين هو امر فيه تساذج كبير، فهناك ظروف وعوامل واعتبارات كثيرة تحول دون ذلك في الوقت الحاضر، فمعنى ذلك انه من حق من ينتقد هذا المحور وسياساته ان يعتمد على قاعدة الشك والتمحيص في كل الشعارات والإدعاءات، وان ينتهي ذلك كله بمحور الممانعة كما انتهت الامور بكل الانظمة والمحاور التي استخدمت نفس الشعارات ثم لم تنفذها. على كل حال، طالما وان التحرير صعب فقد تركز خطاب الممانعة على دعم المقاومة، وهو تعبير فضفاض وغامض يفتح الباب لتفسيرات وتأويلات لا تنتهي، لكنه وهذا هو المهم يسمح بتمرير سياسات وممارسات عديدة، واقامة تحالفات عابرة للحدود والوطنيات. الخلاصة انه اذا كان بالإمكان افتراض جدية خطاب المقاومة والممانعة في فلسطين، ويترجم الى دعم عملي للمقاومة، فإن توظيف نفس خطاب الممانعة في اي مكان اخر في المنطقة العربية يكون هدفه توفير غطاء لسياسات نفوذ وتعزيز مكاسب استراتيجية وغيرها، من لبنان الى اليمن. اطراف محور الممانعة تتفاوت درجة "ممانعتها" وطبيعتها وتتباين اهداف كل منها، سواء أكانت دولا ام منظمات ام مليشيات. إيران هي النواة الصلبة والموجه لهذا المحور، يأتي بعدها نظام الاسد في سورية، وبينهما النظام في العراق المنخرط في هذا المحور ليس لدوافع ممانعة ومقاومة اسرائيل بقدر ما هو تحصيل حاصل تفرضه حقيقة الخضوع للنفوذ الإيراني في العراق وتبعية الطبقة السياسية الحاكمة فيه. يلي ذلك حزب الله في لبنان ثم في السنوات الاخيرة برز نجم جماعة الحوثي في اليمن. في فلسطين نفسها حيث الراية التي يرفعها محور المقاومة هناك حماس والجهاد الاسلامي، الاولى تضع قدما في هذا المحور واخرى خارجه منذ تحولات الربيع العربي، والثانية يتيح لها صغر الحجم مقدارا اكبر من المناورة حيث لا تُرصد تماما من قبل رادارات مراقبة تحولات الموقف السياسي. ثم هناك بعض الفصائل الفلسطينية الهامشية من بقايا اليسار الثوري المتقلب والمُنهك من نقل البندقية من كتف حليف الى اخر. لكن الغريب، فلسطينيا، هو غياب اي رصيد شعبي او تأييد حقيقي على مستوى الشارع الفلسطيني لمحور الممانعة، بيد ان هذا موضوع اخر، يستحق وقفة خاصة به، حتى لا يجرنا بعيدا عن التأمل في اجندة واهداف كل طرف من هذه الاطراف وعلاقتها الحقيقية بجوهر "الممانعة"، اي فلسطين. الاطراف الثلاثة الأهم في محور الممانعة هي ايران، وسورية وحزب الله. ايران طبعا هي التي تستأثر بالقيادة والنقاش، لأن باقي الاطراف مجرد توابع تدور في الفلك الايراني. لنتأمل، ومن زاوية فلسطينية تحررية، الانجاز الايراني خلال السنوات المديدة من عمرها الممانع. منذ قيام ثورة الخميني في اواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم مر اكثر من ثلاثة عقود ونصف، وخلالها لم يهدأ الخطاب الايراني في تهديداته لإسرائيل يوماً ما، بما في ذلك التهديد بتدميرها والدعوة الى محوها عن الخارطة. عمليا وعلى ارض الواقع لم يطلق اي فرد من الحرس الثوري الايراني رصاصة على اسرائيل، وكثير منهم وصل الى الارجنتين، وقلب اوروبا، وبلدان افريقية وارجاء عديدة من العالم، لتنفيذ مهمات. لماذا لم تقم ايران بتحرير فلسطين وتنفيذ تهديداتها طيلة العقود الثلاثة والنصف وبرغم وجود "ولي امر المسلمين" فيها؟ تلك الفترة الزمنية الطويلة هي اطول من الفترة التي اندلعت فيها حربان عالميتان في اوروبا، احتلت فيها دول، ودمرت اخرى، وحررت ثالثة وهكذا. وهي نفس العمر الزمني للاتحاد السوفيتي الذي صار امبرطورية عظمى ثم انهار في سبعين عاماً. لكن لماذا يوجه هذا السؤال لايران وليس للعرب؟ الجواب لأن ايران هي التي حملت لواء الممانعة وهددت بتدمير اسرائيل. المهم ان ما قامت به ايران خلال تلك الحقبة الطويلة كان في الواقع شيء اخر تماما بعيدا عن تحرير فلسطين، وجله كان يحوم حول فكرة "تصدير الثورة" الى دول الجوار التي احتلت جوهر خطاب الخميني ومن حوله ولم تختف عمليا في خطاب من خلفه. ما تشهده المنطقة العربية من حروب ودمار وتفتيت وانتشار للاطراف المنتسبة ل "محور الممانعة" هنا وهناك هو الترجمة العملية لإنجاز "تصدير الثورة"، رغم ان التعبير نفسه اختفى وحل مكانه تعبيرات اخف مثل حماية المصالح الاستراتيجية لإيران. لكن خلال تلك الحقبة، من ناحية ثانية، دعمت ايران المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان والفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وساهمت بشكل مباشر او غير مباشر في الانجازات العسكرية التي تحققت في المكانين: تحرير جنوب لبنان، ومقاومة حروب اسرائيل ضد قطاع غزة. وهذا صحيح طبعا وايران مشكورة عليه، لكنه كان في الواقع وكما نرى النتائج حالياً في خدمة الغايات الاستراتيجية الايرانية وليس في خدمة هدف تحرير فلسطين من قريب او بعيد. ارادت ايران من خلال "دعم المقاومة" ورفع شعار الممانعة ان تحمل راية فلسطين الجذابة، ونجحت لسنوات ليست بالقليلة في الوصول الى الرأي العام العربي عبر تلك الراية. لكن مرة اخرى فإن الخلاصات على الارض اليوم تقول لنا ان ما تحقق على جبهة "تحرير فلسطين" هو العكس تماماً: تعزز وجود اسرائيل، وتكرس احتلالها، وساهم التدخل الايراني في القضية الفلسطينية في احداث الانقسام الكبير والشرخ الرأسي في قلب الحركة الوطنية الفلسطينية، كما ساهم في فصم جغرافيتها ايضا.
#خالد_الحروب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خير جليس ... محاصرا باللغة!
-
الخصوصية الثقافية والخطاب الاعتذاري
-
سيرورة التطرف والداعشية .. ودورنا جميعا
-
الداعشية في مناهجنا الدراسية
-
كيف سيُكتب تاريخنا؟
-
خضوع الفقيه للسلطان ... وتسييس الدين!
-
المنطقة بين «الداعشيات» السنّية والشيعية ... أو العلمانية
-
«الطلياني»: صفحة تونسية من الهم العربي
-
درس الفلسفة.. قبل كل الدروس!
-
قضية الأرمن.. ومواقف العرب
-
قرن على الهولوكوست الأرمني: حان وقت اعتذار تركيا
-
ماركسية عدن وأصولية صنعاء!
-
ثقافة الدم «الداعشية»
-
«حي الأمريكان»: الحياة ضد الأصوليات
-
«الدولة الإسلامية» أم حتمية الحداثة؟
-
إيران وأميركا.. «انتظار» الصفقة!
-
الهوية الوطنية الفلسطينية
-
دعوة شجاعة ل «حماس» لمراجعة سياساتها وميثاقها
-
مأزق «حماس».. وضرورة المراجعة
-
تغيير قواعد اللعبة.. والملعب!
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|