|
المدنية في مواجهة الايديولوجية الدينية
سليمان خلف الخليلي
الحوار المتمدن-العدد: 4923 - 2015 / 9 / 12 - 18:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المفهوم المدني للدولة هو تعزيز العدل والمساواة والحقوق والحريات العامة بين أوساط المجتمع، ويفرض عليه القانون كصاحب السلطة العليا ولا يد تعلوه، لذلك مسألة فصل الدين عن الدولة تمثل قضية إزلية ذات جدل كبير وتاريخي، فالإرتباط الشديد يين السياسية والدين كخط رفيع جداً يمثل خطورة بحد ذاتها، ففد عانت البشرية على مر العصور ولا تزال بسبب هذا الزواج الكاثوليكي، فبعض المجتمعات نجحت في الوصول إلى المدنية الحقيقة بالفصل بينهما، والبعض الآخر قابع في دوامة الجهل والخوف الذي ينتجه الترابط والتزاوج بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية والذي أشبه ما يكون ك( تحالف الشيطان)، والمستفيد الأكبر من هذا التحالف بالطبع هما (أصحاب السياسة) و(رجال الدين) وكلا منها يستغلون الآخر لتنفيذ مصالحهم، فيتعاملون بالدين كلعبة خطرة للغاية من يفوز بها فاز بإمتلاك القوة.
((فصل الدين عن الدولة)) لم يأتي من فراغ، وإنما من الإسس العلمانية التي تنادي بالفصل بينهما وإيجاد الدولة المدنية، والتي انطلقت شرارة المناداة بها حينما عانت أوروبا في العصور الوسطى التي كانت تعتبر عصورا مظلمة للغاية بسبب سيطرة الكنيسة على أمور الحياة آنذاك، وإطلاق العنان لمحاكم التفتيش في تعذيب وسجن من يخالفها ويعارض سلطتها، فكانت النتيجة ظهور الحركات الثورية من أجل حياة مدنية وفق مبادئ علمانية للتحرر من سيطرة الكنيسة، ولابد من التأكيد بأن ( العلمانية) ليست ضد الدين بذاته، ولا تهدف لإلغاء تعاليم الدين وممارسة عبادته وعقائده كما يروج له للأسف ببروجندا مغلوطة ومشوهة بإحترافية عالية بقيادة أصحاب السلطة الدينية أو رجال الدين بمسمى آخر ضدها، ويتم تصويرها لأغلب عموم الناس بأنها خطر يهدد الدين حيث تعمل على تجريد المؤمن به من الواجبات الواجب أتباعها، وهدم المجتمع من القيم والأخلاق وجره إلى الرذائل وارتكاب الفواحش.
بالتأكيد، أتت العلمانية لتعزيز القيم المدنية للحضارة الانسانية من خلال إعادة دور الدين الحقيقي في المجتمع، فحينما يكون الدين في مكانه الطبيعي بدوره الروحاني والإخلاقي والانساني وتعزيز علاقة الانسان بربه، لأنه يمثل منهج الإنسان لعبادة ربه، وبذلك يغلق الباب نهائياً ولن يسمح لأي أحد التدخل بين هذه العلاقة وما تريده السلطة الدينية (الوصاية) على الانسان لممارسة عبادة ربه، وإحتكار الدين في سلطتها من خلال أخذ دور (الرب) في فرض ومحاسبة الممارسات الدينية كأنها كلفت بأمر (إلهي).
تستخدم السلطة السياسية بمساعدة المؤسسة الدينية (الإيديولوجية الدينية) فرض السيطرة على الشعوب من خلال إستغلال الجوانب العاطفية لدى عموم الناس، والمعلوم بأن المجتمعات التي تؤمن بشدة بالعادات والأعراف والخرافات تعد شعوبا عاطفية بطبعها، وبالتالي ممكن انقيادها بسهولة، لذا تستفيد الطبقة السياسية (الحاكمة) من الدين بإستمالة شعوبها والتعامل معهم بإيديولوجية حسب توجهاتها، فالدين بذاته يمثل جوهر التسامح، ولكنه يصبح سلاح ذو حدين حسب تعاطي السلطة السياسة له، قد يكون إداة تسامح وتفاهم او إداة تمييز وعنصرية. لذا تسعى المؤسسة الدينية إلى إحتكار إيديولوجيتها التي تؤمن بها لتأسيس مجتمع ديني وفق حكم (ثيقراطي) عقيم ، حيث يصنع رجال الدين حولهم هالة العظمة الإلهية التي تجعل أفراد المجتمع ينقادون إليهم بثقة عمياء كالقطيع، فينشئون مجتمعاً يتجه إلى الانعزال والانغلاق، وإحتكار أفكارها ومعتقدتها ونبذ المخالفين لطائفتها، وبشكل طبيعي جداً تتحول هذه المجتمعات مرتعاً لإنتشار الفساد والفقر والتخلف والمحسوبيات وغيرها من أمراض الدول الخارجة من نطاق الحضارة.
حينما نادى قيصر الروم وقال جملته الشهيرة ((الدين لله والدولة للشعب))، كانت دعوة صريحة بالفصل بينهما، وتوضيح ما هو يربط الانسان بربه وما يربطه بأمور حياته، والحديث عن هذا الموضوع ليس بالجديد وإنما مكرر وقديم وكثر الكاتب حوله سواء المؤيدين له والمعارضين، وثمة قاعدة اسلامية ذهبية من خلال نص قرآني في سورة الكافرون ((لكم دينكم ولي ديني)) والتي توضح بشكل مباشر وصريح بإن لكل إنسان الحق في إختيار دينه. تعاني المجتمعات في الوقت الراهن من إيديولوجيات دينيةتحتكر الدين لنفسها وتقود أفراد المجتمع إلى نبذ الآخر المخالف لها وقد تمارس ضده ممارسات ضد الانسانية، فما يحدث في بورما من صراعات طائفية بين المسلمين والبوذيين تأتي من إيديولوجية دينية كل طرفً لا يؤمن بالآخر، وكذلك حرب البوسنة والهرسك حروب طائفية بين المسلمين والمسيحين، وإيضاً ما تمارسه (داعش) ضد المخالفين لها الذين لا يمثلون (الاسلام السني)، وما يحدث في القارة الافريقية من صراعات دينية وعرقية، بجانب( الهند ) التي عانت الاشتباكات الطائفية بين طوائفها الدينية المختلفة في فترات سابقة، الا أنها أستطاعت التخلص منها من خلال تعزيز المدنية في مجتمعها. الرؤية المدنية بكل بساطة، هي إلغاء سيطرة المؤسسة الدينية على المجتمع بحيث لا تلعب دور الوصي عليه، وهنا نوضح بين قوسين المؤسسة الدينية وليس (الدين)، والأديان نفسها أستفادت من العلمانية ك (الاسلام) مثلاً حيث أتاح للمسلمين في الدول العلمانية ممارسة شعائرهم وعبادتهم وبناء المساجد والمراكز الدينية في المقابل لا تجد تلك المرونة في الدول الاسلامية، وكذلك هو الحال الديانة البوذية التي يزداد عدد معتنقيها بين شباب الدول الغربية، لذلك الدولة المدنية تعزز قيم الدين وتسهم في تطبيق تعاليمه بين افراد المجتمع، أضف إلى أن المجتمعات الغربية نجحت في تحقيق مبادئ الدولة المدنية التي وفرت لمواطنيها الحقوق والحريات وتعزيز القيم الإنسانية، فخلق بذلك مجتمعاً منفتحاً يسهم في التقدم الحضاري للبشرية بعيداً عن شرور الإيديولوجية الدينية.
#سليمان_خلف_الخليلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصري ارتد عن الإسلام ينتج فيلما ضد حماس لدعم إسرائيل
-
ما بين التخوف من -الإسلام السياسي- و-العودة إلى حضن العروبة-
...
-
اليهود يغادرون.. حاخام بارز يدعو أوروبا إلى التصدي لتزايد مع
...
-
اقــــرأ: ثلاثية الفساد.. الإرهاب.. الطائفية
-
المسلمون متحدون أكثر مما نظن
-
فخري كريم يكتب: الديمقراطية لا تقبل التقسيم على قاعدة الطائف
...
-
ثبتها بأعلى إشارة .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على ال
...
-
“ثلاث عصافير”.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025
...
-
مؤرخ يهودي: مؤسسو إسرائيل ضد الدين والإنجيليون يدعمونها أكثر
...
-
الشيخ علي الخطيب: لبنان لا يبنى على العداوات الطائفية +فيدي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|