|
العرب بين شخصنة المسائل ومسألة الشخوص
عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 1354 - 2005 / 10 / 21 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دراسة نقدية الإهداء إلى جمال عبد الناصر الذي حاول صناعة الوحدة العربية دون مأسسة فذهب وتراجع الحلم كثيرا إلى صدام حسين الذي حاول مقاومة أمريكا دون مأسسة فذهب واحتلت العراق إلى شكري القوتلي الذي تنازل عن كرسيه للوحدة دون مأسسة فذهب الكرسي وذهبت الوحدة إلى سوار الذهب الذي حاول تطبيق الديمقراطية دون مأسسة فغاب وغابت الديمقراطية عدنان
اعتراف واعتذار اعترف بان ترددي في نشر هذه المادة فاق كل حد وان السبب الوحيد لذلك انني لم اجد مفرا من التطرق لتجربة الزعيم جمال عبد الناصر فهناك رباط عاطفي عجيب بيني وبين اسم هذا الزعيم الخالد مثل ملايين العرب، ولكنني اخيرا قررت ان افعل للسبب نفسه وهو انني انتمي لزمن جمال عبد الناصر وان الرجل بفضل صفاته الشخصية وبفضل ما كسبه من تاييد شعبي عربي مسئول اكثر من غيره عن ما آلت اليه حالتنا، ومع ذلك وجدت لدي شعور داخلي باهمية الاعتذار الى روحه دون ان افقد ما كتبته قيمته فهناك فرق بين الحقائق والعلم وبين المشاعر الشخصية.
مقدمة قبل الاحتلال الامريكي للعراق بقليل التقيت بالسيد سعد قاسم حمودي في تونس في بيت احد الاصدقاء وبناء على طلب السيد حمودي نفسه، وقد أدرنا حوارا طويلا لكن الرجل لم يحتمل مني ان اقول له انني لااتفق مع سياسات الرئيس صدام حسين ومع أنني قلتها بكل الدبلوماسية المطلوبة إلا أنني وجدت الرجل يسعى جاهدا لانهاء اللقاء بالسرعة القصوى, ومن اللحظات القليلة التي تطرقت بها لنقد رئيسه بدا الارتباك على الرجل, كان واضحا انه يقتنع بكل كلمة اقولها لكن بعض وجوه المرافقين الذين كانوا هناك كانت اقوى من قناعات الرجل, الذي قادني موقفه لرؤية حجم كارثة ان يسيطر شخص ما على عقول شعب باسره بما فيهم قادته ودفعني ذلك جديا للكتابة في موضوع العرب بين شخصنة المسائل ومسألة الشخوص وكان لا بد لي في سبيل ذلك من ان اقوم ببحث ممل وطويل وللاسف فان القليل القليل من المقالات السياسية فقط هي التي تمكنت من الحصول عليها حول موضوع الشخصنة، وان كانت لم تتطرق الى الموضوع الا من حيث الاشارة بعموميات لا اكثر، وقد كان صعبا علي ايجاد كتابات منشورة استخدمت تعبير المسألة, وقد كتبت العديد من اجزاء هذه الدراسة وانا اسافر من بلد عربي الىاوروبي واحاول المقارنة فلم اجد صورة او شعارا لزعيم غربي في اي مكان عام او شارع او سطح بناية ولم اقف امام تماثيل الاحياء الذين يدرون ان المعاول من نصيبها ان هم رحلوا عن الدنيا, ثم انه لفت انتباهي وانا اتابع انه باستثناء لبنان فلا وجود في عالمنا العربي للقب الرئيس السابق لرجل عربي استمر فوق الارض بعد خروجه من الحكم بساعة واحدة وبطريقة سلمية سوى رجلان الاول هو شكري القوتلي الذي تنازل عن السلطة لصالح الوحدة وعاد الى بيته مواطنا عربيا عاديا والثاني هو سوار الذهب الذي امسك بزمام السلطة لفترة قصيرة حتى اتم اجراء الانتخابات وعاد هو الآخر الى بيته مواطنا عاديا, ومن باب خفة الدم لدى احد الاصدقاء قال لي ونحن نتحدث عن الرجلان هل تاكدت من ان الرجلان فعلا من والدين عربيين, فالواقع العربي لم يقدم سوى هاتين الحالتين النادرتين, ثم جاء موقف العقيد القذافي وفتحه الابواب على مصراعيها بما فيها خزائن اجهزته الامنية امام الادارة الامريكية بدون حدود, هذان الرجلان صدام الذي اصبحت العراق لا تعرف الا باسمه " عراق صدام" لا صدام العراق وكذا الحال مع ليبيا القذافي, هذان الرجلان دفعاني لنبش ذكرى رجل اعترف بمحبته على الصعيد العاطفي واعترف بانني احترمته ولا زلت على الصعيد الشخصي فهو لم يلوث بكلمة واحدة ابدا لكنني مع ذلك أرى أن نقاءه وعظمة أهدافه وصدق انتماءه كل ذلك ساعد الآخرين في التأسيس لأكبر جريمة في تاريخ الامة العربية بتقديمه النموذج لامثال صدام حسين والقذافي ليحصلوا على جماهيرية زائفة في فترة من الفترات من خلال الالتصاق بتجربة واسم جمال عبد الناصر, ولذا قررت ان اخوض بتجربته كانجح النماذج لانظمة الشخصنه وانظفها وأكثرها شعبية في عالمنا العربي لكنها ايضا ادت الى نفس النتيجة.
لذلك اهديت بحثي هذا لسوار الذهب وشكري القوتلي وجمال عبد الناصر وصدام حسين وعديدة هي الأسباب التي منعتني من الزج باسم أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في القائمة، ذلك الرجل الذي ضرب نموذجا شخصيا في نزاهة الحكم ونظافة اليد والذي أقدم بكل الجرأة على إلغاء امتيازات بني أمية لكنه أيضا مارس ذلك بعفوية الشخص وبعيدا عن مأسسة للنهج فكان أن دفع حياته ثمنا لذلك وعادت الأمور إلى ما كانت عليه, في حالة جمال عبد الناصر كنا امام رجل وجد الجرأة يوما ليدرك انه وحده المسئول عن حرب عام 1967 ولذا ذهب لحد تقديم استقالته مهما كانت التحليلات لذلك من خصومه ومؤيديه فقد وقف الرجل علنا ليعلن عن تحمله كامل المسئولية واستعداده للعودة الى صفوف الجماهير لمتابعة مشوار الكفاح, اما في حالة صدام حسين فقد قاد واحدة من اغنى الدول العربيه ان لم تكن اغناها على الاطلاق للدمار المطلق والتهلكة في سبيل الحفاظ على حكمة وحكم اسرته وبتزوير علني لاسم حزب عربي عريق والعقيد القذافي اراه لم ينم ليلة واحدة بعد مشاهدته لصور زميله وهو في الاسر حتى اطمان لعلم اميريكا وجيشها انه قد رفع يديه ورجليه.
اية مهزلة للحكم هذه وما هي جريمة تلك الشعوب حتى تحتمل كل هذا الدمار فقط لارضاء اهواء رجل واحد كل ميزاته انه قادر على التامر وممارسة القتل علنا وعلى رؤوس الاشهاد وما ذنب هذه الشعوب التي تجبر على تحويل كل تراثها وثقافتها الى خدمة شخص واحد لا اكثر وان تصفق له وهو يقتل ويسجن وينفي ويسرق وينتهك كل المحرمات، شعوب بأسرها ملزمة على أن تغني على هوى رجل واحد حتى لو كان كل سلوكه يقترب من الشذوذ دون أن تملك حق الاعتراض ومن يجرأ فان مصيره الموت أو السجن أو النفي، كل تلك الأمور تضعنا أمام سؤال كبير... ترى من هو المجرم الحقيقي في هذه التراجيديا التي شكلت نهاية صدام حسين ودمار اسرته ناهيك عن دمار العراق وشعبه وما اصاب الامة العربية من دمار جراء سياساته اكثر فصولها ماساوية كان على صعيد الشخص نفسه، هل الشعوب نفسها بريئة من ذلك وهل مثقفيها الذين صاغوا للديكتاتور القابه واسمائه واغدقوا عليه بالقول واستخدموا كل الابواق في سبيل تضليل مواطنيه بريئون مهما قدموا من مبررات ولماذا لا يجد زعماء الغرب مثقفون يباعون ويشترون بكل هذه البساطة ولماذا يجد الكاتب أو المثقف أو الصحفي نفسه في الغرب مراقبا من الرأي العام؟ ، إن من البديهي معرفة أن الوعي و الانشغال الثقافي الواعي مقترن الكينونة بوجود الحرية شكلا ومضمونا، وهذا ينطبق على الأنماط والنماذج الثقافية الرسمية والأهلية التي سعت إلى دفع ظاهرة الديكتاتورية الفردية وتجلياتها إلى التواصل والقدرة على الحياة والاستمرار ووفرت لها الغطاء الروحي والفكري قسرا وحاولت خلق الروابط مع المادي والملموس، إن من الممكن التغاضي عن ادوار بعض الفئات والشرائح الاجتماعية إزاء موقفها من النظم الديكتاتورية وشخوصها لكن من المستحيل غض الطرف عن الجرائم البشعة التي يقوم بها المثقف بكل الوعي في تضليل الآخرين من فئات وطبقات الشعب والفقيرة منها على وجه الخصوص، فالمثقف يقوم بدورة بوعي تام ومسئولية كاملة ولذا فان إدانة مثقفي البلاط الديكتاتوري تمتد لتصل إلى إدانة متواصلة عبر التاريخ. إن الجريمة بمجملها تكمن في غياب المؤسسة القادرة على ممارسة السيادة والرقابة على الحاكم والمثقف فكما ان نقابة المحامين ونقابة الأطباء تحترم شروط وشرف المهنة فان اتحادات الكتاب والصحفيين والفنانين يجب ان تقوم بنفس المهمة الى جانب الادوار التي تقوم بها المؤسسات التشريعية والقضائية بمراقبة الحاكم ومحاسبته والا فان الحاكم يجد نفسه الرجل الوحيد على الأرض ووحده من يملك الحقيقة المطلقة والهج السليم وكل ما عداه هم الأغبياء والعملاء والأدعياء وبالتالي فانه لا يسمع ولا يرى ولا يعرف إلا ما يعجبه وبالاحرى ما يعجب بطانته الفاسدة التي يبقى من مصلحتها تصوير الأمور وكأنها على حسن ما يرام وتزيين الأمر للحاكم الذي يتحول تدريجيا إلى ضحية للعصابة المحيطة وعادة ما يكون هو اكبر الخاسرين بعد الشعب على الصعيد الشخصي ويجد المطبلون فرصتهم لإلصاق كل جرائمهم بشخصه. عدنان الصباح 21/10/2004
مدخل
هناك سؤال يتداول ابدا في اوساط المثقفين العرب منذ بدايات نشوء الفكر القومي العربي وحتى الان ويبدو ان الامر مستمر دون توقف والسؤال الابدي هو ... هل نحن في حالة نهوض ام ركود ام موات وفي كثير من الاحيان تجد الكاتب العربي الواحد يجيب على نفس السؤال باكثر من اجابه تصل الى مرحلة التناقض في كثير من الاحيان وحتى لا تدخل هذه الدراسة في نقاش نظري وفلسفي يهدف الى ابراز القدرة الكلامية واختراع المفردات وتجميلها ولا في قراءة تسجيلية للتاريخ فقط فإننا سنسعى لاستقراء واقع الحال عبر التجربة الحية والسلوك اليومي من خلال تجلياته الفكرية والبنيوية الثقافية والسلوكية بشكل عام.
بعكس الحركة القومية الاوروبية التي جاءت كانقلاب مباشر على حكم الكنيسة انطلاقا من تراث حضاري بعيد عن المسيحية تمثل في التراث العظيم للحضارتين القديمتين اليونانية والرومانية واسترشادا بسائر الحضارات الاخرى ومنها الحضارة الاسلامية , بمعنى ان الحركة القومية الاوروبية لم تقيد يديها مسبقا برؤى سلفية ولم تحكم نفسها بما هو ذاتي منغلق بل انفتحت بكل الابواب على كل ما هو ايجابي في سائر حضارات البشر على قاعدة ان البشرية واحدة وان التاريخ والعلم والثقافة لا تحتمل التجنيس العرقي او الديني وبعكس ذلك فأن نشوء القومية العربيةجاء معتمداً على قراءة نظرية لواقع اخر مختلف كليا هو الواقع الاوروبي من ناحية ودون ان يتخلو ا عن ارتباطهم المحكم بماضويتهم وسلفيتهم وارتهانهم بكل ما هو قديم لا لشيء الا الخوف من مواجهة حراس خزائن التراث ذوي الاصوات العالية دون مضمون وبالتالي فان الذين حاولوا الاستفادة من التجربة القومية في اوروبا لم يجدوا بديلا عن الاركان للبعد الفلسفي الكلامي والتجريدات العامة التي تستخدم عادة للتحايل على الحقيقة واليات التطبيق العملي للفكرة , هؤلاء اهتموا بالتزيين اللغوي في محاولة نقل التجربة الاوروبية واستخدامها كأداة لأنعاش ماضي ميت بادوات عصرية وحديثة , وان ذلك كان يشبة الىحد بعيد قراءة لغة الكمبيوتر الحديثة بلغة مندثرة والعكس فلغة النهضة الاوروبية و الثورة الصناعية ولغة الانقلاب على الكنيسة ومحاكم التفتيش والتجهيل لا تصلح ابدا لقراءة ماض منغلق على نفسه وباصرار وكان لذلك اسبابة وفي مقدمتها :
1- ان العالم العربي تعرف على فكر النهضة الاوروبية في ظل تقدم كبير حققتة اوروبا على كل الاصعدة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بناءياً وعلمياًوبالتالي وجد الفكر العربي نفسة مجبراً على تجاوز مسافات زمنية طويلةفي محاولة لاستيعاب الانجازات الكبيرة والمسافات التي قطعتها الشعوب الاوروبية هذا التعرف العربي على التجربة الاوروبية جاء في اجواء السيطرة التامة من قبل الاستعمار الاوروبي على المنطقة العربية ولذا وجدت الدعوة الى الاستنارة بالتجربة الاوروبية عداء شديداً على قاعده العداء للاستعمار ولم يتمكن المفكر العربي من تقديم المبررات المقنعة لمواطنيه بان انجازات البشرية بكل تلاوينها هي ملك عام وان الاستنارة والاستفادة من تجارب الاخرين لا تمثل اية تنازلات قومية بل بالعكس فكما انه ليس من المعقول ان انتظر قدرة عالم عربي على ابتكار التلفون بمعزل عن التقدم العلمي في العالم فانه من غير المعقول ان انتظر في سبيل التوصل لاستنتاج اهمية الديمقراطية وضرورتها, وفي سبيل ذلك كان لابد من التخلص من العقلية الماضوية المغرقة في الانا دون ادنى تمحيص على الاطلاق. لم يكن بامكان دعاة القومية العربية الاركان الى الحضارات التي انحدروا منها كالفرعونية والفينيقية والبابلية والاشورية اوغيرها وعلى العكس كانوا ملزمين بنبذها وعدم التعرف اليها على قاعدة الولاء للفكر العربي او الحضارة العربية في دمج غير واضح بين الدين والقومية ومرد ذلك ان المصدر الحقيقي للعروبة في غالبية الوطن العربي هو الاسلام القادم من الجزيرة العربية وقد الزمت القوميات القاطنة في هذه البلدان على التخلي عن قومياتها وانتمائها القومي وتاريخها وحضارتها لصالح العربية بغلاف الاسلام وبالتالي لصالح اللغة العربية وثقافتها والتي كانت تقف في مرحلة متأخرة عن الحضارات التي فرض سيطرته عليها. بدل أن تحاول العربية تطوير ادوات التفكير لدى الشعوب الجديدة والاستفادة منها واستخدامها سعت الى تقييدها والتخلص منها على قاعدة ان تلك حضارة وفكر الكفار وذلك شكل ضررا كبيرا لكل الحضارات الشرقية والعربية منها في المقدمة. أساء للإسلام والعروبة أولئك الذين اعتبروا انفسهم قائمين على الاسلام ومالكين لناصيته والذين اغلقوا ابوابا كثيرة من ابواب الابداع في الفكر الديني, ذلك ان القياس والاجتهاد كركنين عظيمين في الفكر الديني, تمكن البعض من الانقضاض عليهما لصالح الحرفية الضيقة وسعى البعض بنجاح الى اغراق الدين بانماط طقوسية وسفسطات كلامية لا تنطبق بحال من الاحوال على الركائز الرئيسية للفكر الديني بينما تقترب من الرهبنة اللاهوتية الكنسية التي سادت الغرب ايام حكم رجال الدين. أدى ظهور الفكر الشيوعي في المنطقة العربية وما رافق ذلك من دعاية مضادة عن عداء الشيوعية للاسلام وبروز مشاركة بعض الرموز اليهودية في تاسيس الحركة الشيوعية في المنطقة العربية الى تسهيل مهمة الخلط بين الشيوعية والقومية بهدف مقاومة الفكرتين على نفس القاعدة. توجه دعاة القومية العربية الى استخدام بعض الرموز الدينية وحشدها لتاييد فكرتهم والبعض منهم لاسباب شوفينية بحته تؤشر الى تفوق الجنس العربي على غيرهم مستلهمين ذلك من الحركات الشوفينية الاوروبية, ذلك اعطى للدين قدرة ان يكون دعاته اصحاب القرار في تمرير هذه الفكرة او رفضها. الخلط الأهوج بين التاريخ الاسلامي والتاريخ العربي لدرجة السطو على انجازات بعض الشعوب الاسلامية او الرموز غير العربية وتعريبها قسرا وما اسم القائد الاسلامي صلاح الدين الايوبي الا مثالا كبيرا على ذك فقد توجهت بالسؤال الى عدد كبير من طلاب المدارس من سن 12 – 18 سنة بسؤال عن قومية الرجل فاجاب الجميع وبلا استثناء بانه عربي. بسبب من الخلط بين القومي والديني ولكون العديد من مفكري ودعاة القومية العربية من اصول مسيحية فان الدينيين لم يفوتوا فرصة اتهام اولئك باستجلاب الفكرة من الغرب المسيحي ضد الاسلام والمسلمين. هذه الاسباب بينت بوضوح ان دعاة الفكرة القومية العربية حاولوا قراءة تجربة عصرية حديثة كالتجربة الاوروبية بلغة قديمة دون ان يجرؤوا على مواجهة مجتمعاتهم باهمية تطليق العقلية الماضوية والاعتماد على أرضية الماضي للانطلاق منه نحو المستقبل بل استخدموا لغة توفيقية عاجزة بسبب من عجزهم وانعزالهم عن واقع مجتمعاتهم وعدم قدرتهم على قراءة التاريخ الخاص بالمكان وسكانه بعيدا عن النقل الحرفي ومحاولة زجه في واقع قائم دون المطالبة بالثورة على هذا الواقع بل بالعكس استخدامه كاداة تمايز عن باقي الحضارات والاوروبية منها بشكل خاص, وباختصار فان ذلك يعني ان ننزل الى الماء دون ان نبتل وان ندخل الى العصر الجديد بنفس الادوات القديمة وهذا يقترب من المستحيل.
لقد كانت مشكلة الفكر العربي المعاصر وتجلياته العملية هو عدم قدرته على استيعاب حقيقة ان الفكر الانساني والحضارات الانسانية وافرازاتهما هي ملك للبشرية برمتها وان الميراث الانساني مفتوح لسائر بني البشر لاستخدامه بما يقدم اقصى درجة ممكنه من الفائدة للجميع, لكن العرب بتنظيماتهم السياسية والفكرية ظلوا اسرى لماضي مجيد, ولاعتقاد انهم الاكفأ والافضل بين الشعوب بنرجسية بلا مضمون, ففي حين راح العالم يتسارع نحو التقدم ظل العرب يمارسون غناء نشازا عن امجاد ماض هم في الحقيقة لا علاقة لهم به, اللهم الا انهم احفاد سيئون لصناعه, وهم اي دعاة التمسك بالماضي بالذات نسوا أن أجدادهم استفادوا من سائر الحضارات التي سبقتهم والتي عايشوها.
ان الموقف من الحضارة الاوروبية والتي اخذت تسمية الحضارة الاستعمارية اظهرت تناقضا جليا لدى العرب, فمنهم من سعى الى مقاطعتها بالمطلق وبكل افرازاتها ايا كانت داعيا الى العودة للاصول والتراث على قاعدة ان العرب هم سادة البشر وهم الافضل وهم بتراثهم القديم سادوا على العالم بينما تراجعوا كثيرا وهم يفتشون عن الجديد وهؤلاء ارتهنوا بالذات المنغلقه بسلبها وايجابها لا على قاعدة الارتكاز على التراث والماضي لصالح الانطلاق نحو الغد, بل وفي كثير من الاحيان على قاعدة الارتهان لسلفية مفرطة رافضة لكل ما هو جديد ايا كان مصدره, في حين ظهر اتجاه آخر مفرط بنكرانه لذاته وداعيا الى التخلي عن الماضي والامساك بحضارات الغرب المتنور ورافضا فكرة ان هناك حضارة عربية ازدهرت الى حد بعيد ذات يوم وسادت العالم وراح يدعو الى تبعية مطلقة لتجربة الغرب محاولا الاستفادة من المثال الحي للنجاحات التي حققتها اوروبا على كل الاصعدة وهذا الجناح رفده جناح آخر اغرق اكثر في رفض التراث ودعى الى الالتحاق بمعسكر الشيوعية ونهجها وجاهر علنا في كثير من الاحيان بعدائه للدين بل واعتبر البعض منهم ان الدين هو سبب التخلف الذي يعيشه العرب وبدون التخلص منه لصالح الشيوعية فلا امل على الاطلاق.
هذان التياران العدميان ليس في مضامينهما الفكرية وتجاربهما العالمية بل بطريقة نقلهما واستخدامهما من قبل أولئك الذين ادعوا أنهم يملكون الحلول من كان منهم رافضا لكل ما ياتي من الغير او من كان داعيا للاخذ بثقافات الاخرين والسير على دربهم ساهما الى حد بعيد في اخراج العرب كليا من مركز الفعل الإنساني الحضاري ووضعوا الامة العربية على رف التاريخ البعيد والمهمل, وفي محاولة للرد على الاتجاهين ظهر التيار القائل بالانتقائية بمعنى الاخذ بايجابيات الماضي والتخلي عن سلبياته علما بان اية امه ليس من حقها ان تختار تاريخها وان للسلبيات نفس اهمية الايجابيات ليس بمعنى الاخذ بها ولكن بمعنى قراءتها على قاعدة المعرفة والاختيار والتوجه نحو النجاح بمعرفة الاخفاقات والخلل, ومن المفيد معرفة ان الاخفاقات التي يحققها عالم ما في ابحاثه ومختبراته تسجل بنفس اهمية الاكتشاف فهي تعطي للباحثين بعد ذلك فرصة عدم تكرار تجربة ثبت فشلها وهذا ينسحب على التاريخ, ذلك ان معرفة الخطا نصف الصواب وبلتالي فان قراءة وفحص الاخفاقات في التاريخ ضرورية لمعرفة آليات الانطلاق نحو النجاحات في الحاضر والمستقبل, ثم ان قراءة الايجابيات والسبيات ينبغي له ان يتم على قاعدة الواقع المعاش في حينها فما كان ايجابيا في مرحلة من المراحل يمكن ان يندرج تحت قائمة السلبيات في مرحلة أخرى, ان علماء الطب والاودية يعرفون جيدا معنى التنازل عن استخدام علاج ما رغم نجاحه في التخلص من مرض معين بسبب وجود آثار مضرة في جانب آخر او بسبب اكتشاف علاج اكثر نجاعة منه او اقل تكلفة, ومعنى ما تقدم ان الماضي الخاص والماضي بالمعنى الشمولي الانساني بكل التفاصيل ملك لكل بني البشر ولا من حضارة قادرة على العيش والنجاح بمفردها, وبذا فان من العقم خوض نقاش سفسطائي حول مصدر الحضارة او اسمها او جنسيتها, ومثل هذا النقاش سوف يقود باصحابه الى الانعزال عن السياق التاريخي للفعل الانساني الجماعي, ثم ان الاغراق في نقاش الموقف من الماضي لدى العرب او الموقف من حضارات الآخرين يبقى بدون جدوى ان نحن لم كن جزء رئيس في الفعل الانساني العام او جزء مشارك في صياغة هذا الفعل وبالتالي امتلاك الحق كالجميع في ان نكون صناع الحياة وورثة جديرين لتاريخنا وتاريخ الانسانية. اوروبا الحديثة ومعها اميريكا التي لا تملك الا حداثتها انهمكا في عملية البحث والتطوير والتغيير وانطلقوا من ثورتهم الصناعية الى ثورتهم الاجتماعية وتمكنوا من احتكار العملية الانتاجية للبشرية ماديا والى حد ما فكريا , وبعكس العرب الذين انهمكوا في قراءة نظرية للذات التاريخية القديمة ومحاولة بنائها نظريا ولو اعتباطا في بعض الاحيان وبسبب من ذلك ظلوا خارج الفعل المادي على الحي على الارض فمن لا ينتج الحياة لا يشارك في صياغتها ومن لا يشارك في الصياغة يستحيل عليه فهم مقدماتها وبالتالي القدرة على استخدام مصوغاتها لاقصى درجة ممكنه .
عدائية الفكر الفاعل
(بما أنه ليس في قدرة أحد الوصول إلى أحكام صحيحة...فمن الضروري أن يفسح المجال أمام الناس لمناقشة جميع المسائل بحرية ودون تدخل من قبل السلطات). سقراط. سادت القرن الماضي ظاهرة عدائية الفكر الفاعل في الحياة الفكرية العربية وقد نبع ذلك من رفض حرية الرأي والتعبير من قبل أولئك الذين يعتقدون بأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة أو دعاة النظام الشمولي المطلق، وتنامت العدائية لحرية التعبير والرأي الآخر، وقد تمثل ذلك في الوقوف ضد العديد من الكتاب والمفكرين الذين حاولوا أن يتطرقوا إلى القضايا المحرمة في حياتنا، كالدين والسياسة والجنس، ولذا وجد كل من صادق جلال العظم، نصر أبو زيد ونوال السعداوي وآخرون حربا شرسة في محاولة لمنعهم من التعبير عن آرائهم وطموحاتهم، ولم يكن ذلك قديما، فمن يقرأ التاريخ جيدا يرى كيف تعامل الأمويون مع غيلان الدمشقي وصديقه صالح من قمع وحشي ضد جريمة مخالفة الرأي للحاكم. ومن المهم الإشارة أن ليس المفكرين العرب وحدهم هم الذين تعرضوا للقمع والاضطهاد وحرمانهم من حرية التعبير أو معاقبتهم على أفكارهم، فالعالم يحفظ جيدا فولتير وماجلان، وموقف أثينا من سقراط وتقديمه للمحاكمة، ومحاكم نيويورك ضد الفيلسوف برتراند رسل، والاعتداء على الحرية الفكرية للكاتب أو الفيلسوف لم تكن فقط من باب السلطة المطلقة، ووقوف الكاتب إلى جانب الجماهير بل وأحيانا لمجرد التفكير باستقلالية وبعيدا عن طريقة ونمط تفكير الحاكم المستبد، فإن المشكلة تكمن في أن المفكر الرائد عادة ما يبدأ برأي مخالف لرؤية وعقيدة الحاكم والجماهير معا، حيث أن المفترض به أن يكون رائدا وداعية لرؤية جديدة، وهنا تكمن مأساة الفرد، فهو حتى يتمكن من بسط وجهة نظره ودفعها إلى المقدمة والسيطرة، لا بد له من سلطة ما توفر الامكانيات لذلك، و بسبب من غياب الديمقراطية والحق في الاعتقاد والتعبير كان لابد لاصحاب وجهات النظر المختلفة إلى القفز الفردي أو الفئوي الضيق فوق السلطة (الانقلابات العسكرية)، ولكي لا يكونوا عرضة للقمع من الأنظمة الدكتاتورية كان لا بد من إلغاء هذه الأنظمة وأخذ أدواتها من جديد لاستخدام نفس الأدوات لفرض موقف جديد عادة ما يمثله شخص آخر غير الإمبراطور أو الملك أو الزعيم، وبالتالي فإن جميع الانقلابات العسكرية تحولت مباشرة إلى حكم الفرد من حيث الشكل والمظهر الخارجي وحكم العصابة التي تتشكل تدريجيا حول الحاكم من المنتفعين والمهرجين والذين عادة ما يتحولون في الواقع إلى الحكام الحقيقيين بينما ينشغل من يحكمون باسمه بالقضايا الكبرى، ومن أكبر الأمثلة على ذلك حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فرغم نزاهته الشخصية ونواياه الطيبة وصدق أهدافه وما تمتع به من شعبية فائقة يستحقها، وحجم الالتفاف الجماهيري العربي من حوله، وحالة النهوض التي شكلها للقومية العربية حتى تحول مع الزمن إلى رمزها الأبرز إن لم يكن الوحيد في أذهان الأجيال العربية المتعاقبة من بعده وهذا ما يفسر استمرار جماهيريته ورفعة شأن اسمه بين جماهير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، إلا أن كل ذلك انتهى بوفاته، وكأن شيئا لم يكن، وتحولت تجربته إلى حركات صغيرة محدودة، تحمل اسمه في غالبية الأحيان أو تستند إليه شخصيا رغم أنه اعتمد في كل تجربته على الحضور الشخصي، ولم يقدم رؤية حقيقية واقعية وواضحة للفكر العربي القومي ومستقبله قائمة على بناء مؤسسي قادر على الحياة والاستمرار. وحتى الآن فإن كل ما يعتمد عليه أتباعه هو مجموعة خطابات في غالبيتها ارتجالية حماسية، وفي ذلك مقتلين، الأول أن الفكرة التي لا تخضع للدراسة والتمحيص جيدا لا يمكنها أن تعيش، والثانية أن اختزال تجربة شعب وأمة بشخص واحد يمثل كارثة مخيفة. هذه التجربة تكررت، وان بشكل دراماتيكي وماساوي تصعب المقارنة بينها وبين عبد الناصر الا من حيث الفرديةالمتمثلة في شخص صدام حسين، إلا أن النتيجة كانت في النهاية واحدة، فعند زوال الرجل-الفرد- زالت الفكرة والتجربة، وكأن شيئا لم يكن. إن ذلك هو واحد من أهم مظاهر شخصنة المسائل في العالم العربي وتجربتين هامتين في تاريخ حكم الرجلين تبينان الى اي درجة تاخذ النرجسية الفردية اصحابها والى اي مدى يصبح الرجل اهم من الوطن ولو على قاعدة الخوف ففي حرب حزيران 67 ظهر مليا للعيان ان كل الاصوات العالية التي انطلقت من مصر بقيادة نظام عبد الناصر عن معركة الحسم وما آل اليه الحال من ماساة وكذا تجربة احتلال العراق من قبل اميريكا وما سبق ذلك من تهديدات صدامية وضعت العالم والعرب في المقدمة في حال من الذهول ذكرت العرب بصواريخ القاهر والظافر مقابل حكاية الكيماوي الذي ظهر ضد الشعب فقط في حلبجة. القراءة الحقيقية لتجربة صدام حسين، تبين ان الرجل ونظامه مارسا القمع بحق الذين يختلفون معهم بالرأي، ولم يتركوا للحوار أن يأخذ مجراه لتطوير أدوات الفعل العام، ذلك أن من يرفض رأي الآخر مسبقا يستحيل عليه الاقتراب من الحقيقة مع اعتقاده الخاطئ بامتلاك الحقيقة المطلقة، والتي لا يمكن لها أن تكون ملكا لفرد أو مجموعة قليلة من الأفراد. إن الحقيقة هي نتاج فعل جماعي نشط وحر ومختلف، لكنه بكل تلاوينه وأطيافه يحمل قناعة البحث والسعي للوصول إلى الحقيقة التي لا يملكها هو أو يستحيل عليه امتلاكها وأنه غير قادر على الوصول إليها إلا من خلال فحص رأيه وآراء الآخرين، وخلق مقارنة واقعية هدفها الوحيد القبول بالأفضل أو تحسين الرؤيا الذاتية على ضوء المعارف التي يقدمها الآخرون، أو تفهم نقد الآخرين للرؤية الذاتية وقراءة النقد بموضوعية الباحث عن الأفضل مع ادراك ان الحقيقة متغيرة بتغير المعلوم والمجهول فكم من المسلمات ذهبت الى النسيان بعد اكتشاف جديد او معرفة جديدة, فالحقيقة اذن مرتبطة جذريا بالتطور بالمتغيرات ولا توجد مسلمات مطلقة وأبدية. لا أحد يعلن أنه معاد للآخر، بل على العكس من ذلك، فإن أصحاب الحقيقة المطلقة أو الحكم الشمولي يعتقدون بأنهم الأحرص على الآخرين وأنهم حريصون على الشعب كل الحرص، ويمكن اعتبار تعريف وليام آدامز للفرق بين مدعي الحقيقة ودعاة الديمقراطية صحيحا بقوله" إننا كلنا نحب الشعب، ولكن أنت تحبه كما تحب أطفالا تخشى أن لا تدعهم لأنفسهم دون مربيات، وأنا أحبه كما أحب راشدين لهم حرية الحكم الذاتي" هذا يعني صياغة الرؤيا المشتركة للمجموع وقدرتهم على تحويل الرؤيا الذهنية أو الفكرية أو حتى المذهبية إلى سلوك وفعل قابل للنقاش في مجرى التطبيق بهدف التطوير المستمر، ولذا جاءت أهمية المجالس النيابية الدستورية التي تمتلك الحق الجماعي بإعادة النظر بالدستور، لكن ذلك استخدم في كثير من الأحيان ضد رغبة المجموع ولصالح العودة عن الخيار الديمقراطي الجماعي وتحويل الديمقراطية إلى أشكال كاريكاتورية لخدمة الفرد المنعزل الساعي للحلول محل المجموع.
تغييب الفرد الاجتماعي
بلا شك أن تشكيلة المجتمع العربي كنشاط جماعي لمجموع أفراده ظاهرة غائبة كليا، وهناك أسباب عديدة لذلك يمكن اختزالها إلى حد ما فيما يلي: 1)سيطرة الحكم الشمولي. إذا أمكن اعتبار الدولة الإسلامية كأحد مظاهر وتجليات البناء السياسي العربي، فإنه ومنذ انتهاء عهد الخلفاء الراشدين، انتهت إلى غير رجعة ظاهرة تداول السلطة بالرجوع إلى مركز القرار الجماعي أو القاعدة الشعبية، وتحولت إلى سلطة ملكية وراثية، تراوح الموقف منها حسب الموقف من الشخوص الذين تولوا إدارة الحكم بالوراثة، وفي عصرنا الحديث بالانقلاب والتآمر، لكن غالبية هؤلاء سعوا إلى "شرعنة" حكمهم بأشكال مختلفة، ولذا استخدموا في سبيل ذلك مجموع أفراد منعزلين لهم هدف واحد هو خدمة الحاكم وصناعة وصياغة فكر مناسب لوجوده بمعنى تفصيل الحكم وتفسيراته ومبرراته بما يخدم استمرار حكم هذا الحاكم وسطوته، وفي سبيل تسهيل مهمة خدم البلاط هؤلاء كان لا بد من التخلص من المعارضين الذين يثيرون النقد للمسيرة المباركة لهذا الحاكم، وهم عادة ما يقودونه إلى التهلكة ويكونون أول من ينهال عليه، لكن ذلك عادة ما يأتي متأخرا إما على يد حاكم بديل آخر أو على يد مستعمر، وفي الحالتين يشعر الفرد بغياب قدرته على الفعل الجماعي ويشعر بفرديته المعزولة إما سلبا أو إيجابا وفي ذلك إضرار خطير بالنهج والسلوك العام في المجتمع هذا ما بدا جليا في الواقع العربي. وأيا كان الحكم الشمولي شكلا ومنهجا ومهما كانت قدرته على إيجاد المبررات النظرية والعملية كإنشاء الأحزاب أو المؤسسات الصورية فإن النتيجة عادة سطوة الفرد الحاكم واختزال الدولة والمجتمع لصالحه وفي واقعنا أمثلة حية كثيرة، فالحاكم لدينا يصبح منذ اليوم الأول لتوليه الحكم الوحيد الذي يملك العصا السحرية والفهم المطلق لكل شيء بدءا من السياسة وانتهاء بعلوم الذرة. الحاكم الفرد يغلق الأبواب كليا أمام أية فكرة قد يشتم منها التقليل من صلاحياته المطلقة وهذا يعني انعدام أية إمكانية للمشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة السلطة، وخلق إحساس لدى الأفراد بأن الأبواب التي قد تفتح أمامهم أيا كانت يوجد لها مفتاح واحد بيد شخص واحد، مما يقود أي فرد إلى الانزواء فكرا وسلوكا والإركان إلى نهج النجاة بالذات أو المغامرة بها، وفي كلتا الحالتين إعلاء مطلقة للانا أكان ذلك في سبيل المحافظة عليها وحمايتها بأية وسيلة انتهازية أو أنانية أو سلبية، أو كان ذلك تعظيم أعلى "للأنا" وشعور خاص بإمكانية الفرد المنعزل أو عدد قليل من الأفراد الحلول محل المجموع وصناعة خلاصهم وبهذا ينتقل الحاكم إلى ذوات أفراد المجتمع ليصبحوا صورة حية عنه بأشكال مختلفة، الناظم الوحيد بينها هو الفرد أولا والذات أولا وأية مسألة مهما كانت ينبغي لها أن تكون في خدمة الذات الفرد وليس العكس، وهذه الأسس الرئيسية لانتشار الشخصنة في العالم العربي وبلدان العالم الثالث. على شكل انتهازية ذرائعية قائمة على تقديم ألذات على المجموع أو الموضوع واستخدام العام لصالح الخاص وعادة ما يقودنا ذلك إلى أمراض اجتماعية مستعصية تعكس نفسها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحتل مكانها حتى في الفكر الشعبي السائد ويصبح الفساد نموذجا يحتذى ويضرب به المثل وتتحول جرائم الفساد والسرقة والكسب الغير مشروع إلى أشكال تحمل مسميات مختلفة بعد عن التسميات الحقيقية وقد تكون الشخصية الفهلوية التي تحدث عنها عالم الاجتماع المصري محمد عمارة نموذجا لذلك. 2) ادعاء الحقيقة المطلقة: أيا كانت الحقيقة التي يدعيها أصحابها فإنهم يحولونها لخدمتهم وخدمة رؤياهم تماما، كأصحاب الحكم الشمولي، وهي بالتالي تلغي كليا أية إمكانية لشيوع حرية الفكر والتعبير، فهم باعتقادهم أنهم حصلوا على الحقيقة المطلقة يغيب عندهم أي استعداد لسماع ما يزعج أو يقلق راحتهم وسعادتهم بقبول قناعاتهم الوحيدة المطلقة، وأود التركيز على أن العيب قد لا يكون بالفكرة ولكن بحملتها كالشيوعيين الذين جاءوا بفكرة ديكتاتورية البروليتاريا، فقد كان من المفروض أنهم يسعون لتطبيق ديمقراطية الأغلبية بدل ديكتاتورية الحفنة المسيطرة من المستغلين أو المسيطرين ولصوص الشعب إلا أنهم حولوا ذلك إلى ديكتاتورية الحزب ثم قيادة الحزب وبالتالي ديكتاتورية الفرد القائد، ذلك أن الحاكم الذي لا يأتي من الشعب وبرغبته ويدرك أن بإمكانه أن يبقى مكانه ولا يعود إلى صفوف الشعب، فإن مصلحته تقضي بالقضاء على كل وميض فكرة تنتقص من فكرة استمراره بالحكم، وهو لذلك يجعل من الفكر المطلق الذي يعتقده خادما له ولفرديته ورؤياه، وما تجربة الاتحاد السوفيتي إلا أكبر مثال على ذلك، ثم إن تجربة اليمن الديمقراطي في الوطن العربي وما حل به من كوارث بسبب صراعات السلطة بين أفراد النخبة الحاكمة أيا كانت مبرراتها ومسمياتها ما هي إلا تجليات لخطورة الفكر المطلق. إن دعاة الحقيقة المطلقة ذاتيون وأنانيون لدرجة خطيرة، فهم لا يعترفون بالآخر مطلقا، وحتى في أتباع الديانات السماوية فإن أتباع المذاهب المختلفة يعارضون بعضهم بعضا لدرجة تصل في بعض الأحيان إلى تكفير الآخر وإخراجه من دينه، وكذا ينسحب الأمر على العقائد الفلسفية، فهناك من فقد حياته ووجوده لمجرد معارضة أقوال لينين وماركس أو قام بتفسيرها عكس ما يريد البعض. قد يقول قائل أن هذا اعتداء صريح على الأديان، وأورد ذلك هنا للتذكير بأن الدين الإسلامي على سبيل المثال، هو الدين السائد في الوطن العربي، وقد حدد مصادر التشريع في الإسلام بالقرآن والسنة والقياس والاجتهاد، لكن البعض الآن يحلو له أن ينتقص من هذه الوسائل ويرفض القول بإمكانية استخدام الاجتهاد، وهو ما يساهم بإطلاق حرية الفكر والعقل بديلا للقمع والظلم الذي يحد من طاقات البشر وقدرتهم على التطور والإبداع بكل أشكاله، وفي مقدمته الاكتشافات العلمية، فالظلم على البشر لا يقع من أبناء جنسهم فقط، بل ومن الطبيعة أحيانا والتي نحن في أمس الحاجة لمحاربة مآسيها كالمرض والفقر والزلازل والفيضانات وغيرها من عوامل البيئة، وبدون حرية للعقل والفكر والفعل لا يمكن للبشرية أن تنتصر على أعدائها، وبدلا من ذلك سينتشر الجهل والفقر والمرض بشكل أكبر وستصبح البشرية صيدا سهلا للطبيعة كعدو مباشر، وبدل الانصراف لتذليلها في سبيل حضارة إنسانية لرفاهية البشر وسعادتهم ينصرفون لتذليل كل ما أمكن لخدمة أفراد منهم على حساب باقي البشرية. إن سيادة الفكر المطلق تلغي كليا الدور المجتمعي للفرد وتعزز مكانة الأنا المطلقة في ضوء الرأي المطلق الخادم أصلا لهذه الأنا التي تنعدم بالنسبة لها كل ذوات الآخرين أفرادا وجماعات مما يساهم أيضا في تعزيز فكرة الشخصنة، فما دامت هناك عقول تسمي الفلسفة والتجربة والإنجازات بأسماء الشخوص أصحاب السلطة ومستخدمي الحقيقة المطلقة لخدمة سلطتهم فلن يكون هناك أدنى فرصة لسيادة عقلية المؤسسة فكرا وسلوكا. 3) العصرنة البائسة: ا سادت، ولا زالت، في أوساط الكثير من المثقفين العرب عقلية العصرنة القائمة على الأخذ بما هو جديد ولماع في الشرق أو الغرب، سواء كان ذلك بنهج الديمقراطية الرأسمالية الاستعمارية أو ينهج الشيوعية، وقد سعى أصحاب هذا الرأي دوما للهجوم الفظ على التاريخ العربي ونمط الحياة العربية باتهامها بالجهل والعشائرية والتخلف، ولم يكلف أحد من هؤلاء الدارسين نفسه مثلا أن يقرأ التجربة العشائرية العربية كنمط حياة، وقلة هم أولئك الذين قرأوا الفكر الإسلامي بروح التمعن والفحص والنبش في الإيجابيات وتوافقها مع العصر، ويمكن اعتبار قراءة حسين مروة-حول النزعات المادية في الإسلام- واحدة من أهم هذه القراءات إلى جانب بعض المفكرين الإسلاميين، لكن الغالبية العظمى تراوحت مواقفها بين قراءة نقدية معادية وقراءة مغرقة في التمسك الحرفي بالنصوص، وبالتالي فقدت القلة العلمانية المتوازنة دورها في خضم التنافس البائس بين المؤيدين الحرفيين والمعادين الرافضين للفكر الإسلامي، فقد ردد الطرفان فكرا شموليا مطلقا، وانطلقوا من ذلك إلى رفض الآخر، ولذا يمكن القول إن أحدا من المفكرين العرب لم يحاول قراءة التجربة العشائرية أو القبلية العربية كنموذج في حياة يمكن الأخذ بمضامينها الإيجابية وتطويرها، فلقد علمنا التاريخ أن زعيم العشيرة ورغم الصفة الوراثية للمنصب، إلا أنه ملزم بالحصول على قبول ورضى عشيرته، وعادة ما كان زعيم العشيرة خادما حقيقيا لعشيرته، وفي مقدمة مقاتليها أو المتفانين في سبيلها، "كبير القوم خادمهم". ويحظى زعيم العشيرة باحترام عميق في أوساط أبناء عشيرته ويقوم بدور المحايد في حال نشوب صراع ما بين أفراد عشيرته، وهو يحكم وفق أحكام وقوانين العشيرة المتعارف عليها عبر العصور والتي تملك قوة القبول شبه المطلق من أبناء العشيرة والاستعداد للرضوخ لها مهما بلغت قسوتها، ولذا تمثل العشيرة رغم تخلفها عن العصر نموذج المؤسسة التي تحتكم لأنظمة وقوانين لا يجوز خرقها أو التلاعب بها أو القفز عنها, والذي يبحث في النموذج العشائري للسلطة يجد أن زعيم العشيرة رغم حقه الوراثي شبه المطلق إلا أن مبايعته ضرورية من أفراد عشيرته، وهو لا يمكنه القيام بدوره إن لم يحصل على هذه المبايعة، وقد لا يعرف التاريخ نمط زعيم العشيرة الفاسد إلا نادرا.
ان الاشارات الايجابية السابقة للنمط العشائري ليست رؤية سلفية بل هي محاولة للقول ان من المفيد قراءة التجارب الذاتية والتاريخ الاجتماعي الاقتصادي وتشكيلاتهما في المجتمعات العربية بعين الفاحص لمحاولة التاسيس لانطلاقنا الى الامام بفهم واعي لماضينا بكل تجلياته وادراك للسلبيات لتفاديه والايجلبيات ولو بشكلها الجنيني لتطويرها.
حراس قبور التاريخ
لقرون ظل العرب وما زالواخارج دائرة الفعل يجلسون في مقاعد المتفرجين ويقومون بدور الحراس الاغبياء لقبور التاريخ وخزائنه دون ان يكلفوا انفسهم حتى عناء البحث فيما خزائنهم بينما يدور الصراع الحي على مسرح الدنيا بين اقطاب الفعل كالولايات المتحدة الأمريكية التي تشكلت ولازالت من اجناس واعراق لا لغة ولا دين ولا تاريخ ولا مايحزنون ومع ذلك تنتج ثلثا انتاج العالم وشكلت قطبا رئيسيا امام اوروبا المتعددة الاعراق والاجناس وذات التاريخ العدائي الدامي فيما بينها والتي وصلت حد السوق الاوروبية المشتركة والبرلمان الواحد والعملة الواحدة والحدود المفتوحة والاتحاد السوفياتي المشكل من اعراق وشعوب مختلفة, هؤلاء هم صناع الحياة والآخرين وفي مقدمتهم العرب متفرجين من ناحية ومدعين بما لديهم من تراث يحتفظون به في خزائن المتاحف والقبور, وامامهم مثل حي اذاقهم ولا زال كل الويل وهو اسرائيل التي قالوا فيها انها ليست شعب وليست امه وانها مجموعة من الحثالات وقطاع الطرق والعصابات وما شابه وان سكانها لاتاريخ لهم ولا ماض ولا لغة مشتركه ولا تراث مشترك وهم كذلك فمن يزور التجمعات اليهودية يكتشف ان هناك شعوب لا شعب واح ففي الاحياء المغربية تسمع لهجة مغربيه وكذا الماكل والملبس والوجوه والاغاني وكذا الاحياء اليمنيه او العراقية او غيرها ومع ذلك نعرف نحن العرب جيدا ماذا فعلت بنا اسرائيل ( كيان اللقطاء ) كما يحلو للبعض ان يسميها.
اميركا تقود العالم بلغة الكاوبوي واسرائيل تعربد في ارض العرب بمنطق العصابات المحمية من راعي البقر الامريكي ومع ذلك ما حالنا نحن ورثة النخوة والشهامة والكرم , احفاد عنترة العبسي وامرؤ القيس وناهبي تراث ابن المقفع والخيام المتغنين بالكندي والفارابي وابن حيان والتوحيدي وابن خلدون وابن رشد وابن سينا و...و...و... الى ما لانهاية من الاسماء المعلقه على حيطاننا دون ان نكلف انفسنا عناء ازالة غبار الايام عنها, هذه الاسماء نفسها تعيش عند الاخرين في قاعات الدرس والبحث بكل حيويتها وعطائها, وفي اسرائيل التي لا يتعدى عدد سكانها الخمسة ملا يين صحف وكتب ونشرات توزع البعض منها اكثر مما توزع ثلاثة ارباع المنشورات العربية ثم نجد القدرة على رفع عقيرتنا بان ليس لديهم لغة. اميريكا بولاياتها ولغاتها واعراقها واسرائيل بعصاباتها ولقطائها موحدتين ونحن الاصيلون لانجد القدرة على ان نتحد حتى على اسم او كلمة بل نتقن الاختلاف.
صدام حسين يرى ان تحرير فلسطين لا يتم الا باحتلال الكويت ونهب خيراتها وتهجير شعبها وتدميرها واخضاعها لابتزاز اميريكي مستمر ولا يكتفي بذلك بل يهدد ويتوعد كل العرب. القذافي من بطل في تشاد وقائد للجماهيرية الاعظم في مواجهة الخطر الامريكي الى خانع بالمطلق لاميريكا ونادم على معاداة اسرائيل. الجزائر من بلد المليون شهيد الى بلد المليون مذبوح ومن الحرب على فرنسا الى الحرب علىالمغرب باسم الصحراء والمغرب تنسى كل المحتلين ولا تذكر الا عروبة ومغربية الصحراء وما اذا كان اسمها الغربية ام المغربية. لبنان شيع واقوام بعدد شيع واقوام العالم. فلسطين حولت فصائلها الى دول بعدد الدول العربية وبنفس صراعاتها واختلافاتها وهم يذبحون من اعدائهم يوميا وبكل شراسة دون ان يشكل ذلك حافزا حقيقيا يحفزهم لكي يتقدموا للاتفاق فيما بينهم.
رؤى متناقضة
العديد العديد من المفكرين والكتاب العرب كتبوا في مفهوم القوميه ومضامينها ومعانيها وهنا سنورد بعض من هذه الرؤى في محاولة فقط لقراءة رؤيتنا لذاتنا ومفهومنا عنها ومدى تطابق هذه الرؤى :
د.عفيف البوني كتب في المستقبل العربي سنة 1983 عدد تشرين الثاني يقول ( ان للعرب هوية واحدة, ونقول بقدر ما يتجلى عنصر وحدة هذه الهوية يتجلى عنصر تنوعها, ويرجع هذا التنوع الى الطبيعة المتفتحة للهوية العربية مما يجعلها في تفاعل دائم مع غيرها, تستوعب الجديد المبدع, وتختزن الاصيل من الخصوصية القومية ) ويتابع الكاتب نفسه في نهاية مقاله قائلا ( هذه الامبريالية التي بتقسيمها للعمل على الصعيد الدولي وبشكل غير متكافيء, منعت الانسان العربي من ان يصبح مواطنا عربيا متحررا محرزا على حقوقه المدنية والسياسية والثقافية, متعايشا مع العصر في اطار من خصوصية الهوية القومية ) لاحظوا التناقض المريع بين الفقرتين فالانسان العربي في الفقرة الاولى مبدع ياخذ الجديد ويمتلك الاصيل وفي الفقرة الثانيه ممنوع من ذلك من قبل الامبريالية.
في كتابه الفكر العربي في عصر النهضه نقل الحوراني عن الافغاني قوله ( ان الروابط التي تربط الناس اثنتان, وحدة اللغه ووحدة الدين, وحدة اللغه هي الاساس الذي تقوم عليه الجنسيه واللغه اشد ثباتا واكثر دواما من الدين لاننا نعرف امما غيرت دينها خلال الف عام مرتين, بل وثلاث مرات ), والافغاني الحريص على قوميته والذي يقيم أهمية الدين للقومية أو الجنسية كما يسميها دعا الى الغاء القومية التركية وحسبما اورد المخزومي في كتابه – خاطرات جمال الدين الافغاني الحسيني – فان الافغاني يقول ( لقد اهمل الاتراك امرا عظيما... وهو اتخاذ اللسان العربي لسانا للدولة, ولو ان الدولة العثمانية اتخذت اللسان العربي لسانا رسميا, وسعت لتعريب الاتراك لكانت في امنع قوة ) وهو اذ يدعو الى تخلي الاتراك عن قوميتهم يسخف دعوتهم لتتريك العرب قائلا ( اذ فكرت بتتريك العرب, وما اسفهها من سياسه واسقمه من راي ! انها لو تعربت لانتفت من بين الامتين النعرة القومية, وزال داعي النفور والانقسام وصاروا امة عربية بكل ما في اللسان من معنى وفي الدين الاسلامي من عدل ) وهو هنا ايضا يناقض نفسه فالقائل ان اللغه اثبت من الدين يدعو الى ترك اللغة التركية والتوحد مع العرب على اساس الدين, اية رؤية هذه. في مقاله له نشر في المستقبل العربي عدد 35 سنة 1982 يقول د. حسن نافعة عن القومية العربيه ( انها ظاهرة – لاحظوا ظاهرة والظاهرة تزول. ع.ص – سياسية واجتماعية كبرى. فضلا عن كونها عقيدة نضاليه _ ماذا يعني عقيدة نضاليه فحتى الاديان تتغير ع.ص – استطاعت ان تهز المنطقه باكملها , منذ السنوات الاخيره للقرن التاسع عشر ) ويتابع د. حسن نافعه قائلا ( اذا لم تكن مصر عبد لناصر _ لاحظوا اختزال مصر بشخص ع.ص _ قد نجحت في تحقيق هذه الوحدةالعربيه , بالصورة المرجوة _ كيف ع.ص_ ) ويوضح د.نافعه ذلك نافيا ما سبق وهو يقول ( استطاعت على الاقل, ان تطرح العناصر المكونه لها, وان تهيء في مرحلة زمنيه واحدة سبيل التفاعل بين هذه العناصر ) هذا يعني انه يوافق الراي القائل ان وجد ان مصر عبد الناصر حققت الوحدة العربيه وان بالصورة الغير مرجوة والسؤال كيف يمكن القول ان طرح العناصر وتهيئة التفاعل هذا ان حدث يعني سيكون تحقيق للوحدة باية صورة كانت مرجوه ام غير مرجوة. المقالات المنقولة عن المستقبل العربي جميعا نشرت عن مركز دراسات الوحدة العربية في كتاب تحت عنوان – دراسات في القومية العربية والوحدة – ومن هذه المقالات مقال للدكتور وفيق نظمي عن شيعة العراق وقضية القومية العربية وآخر لابو يوسف سيف عن الاقباط وحركة القومية العربية والمقال الاول يورد الاثباتات على عروبية وقومية الشيعة العربيه ويثبت دورهم في ذلك والثاني يحاول ان يفند مخاوف الاقباط ويؤسس لاندماجهم بالحركة القومية العربيه والسؤال الذي يمكن ان تطرحه هذه المقالات او غيرها من ما قد يكتب عن الحالة اللبنانية او ما قد يكتب عن دور الاقليات القومية في العراق والجزائر, السؤال هو هل هناك مشكلة حول الاقليات الاسلامية او اليهودية في اميريكا وفرنسا او غيرهما من البلدان الغربيه, واية قومية هذه التي تنفي اعتمادها على الدين وهي غارقة فيه حتى النخاع, واية تفسيرات هلامية ومشوهه ومزاجية انفعاليه التي يقدمها البعض في تعريفهم او تفسيرهم او وصفهم للقومية العربية وما تقوله الشاعرة العراقية نازك الملائكه في كتابها " القومية العربية والحياة " اكبر مثال على انعدام الرؤية العلمية في بعض الرؤى وهي تقول ( القومية العربية تنمو في قلوبنا بمعزل عن وعينا _ هكذا ! ع.ص _, وتختلط بكل قطرة من دماءنا وترسب في عظامنا وتتصلب معها......... نحن لا نحتاج الى أن ندعم ضرورتها باي دليل غير وجودها نفسه ) والسؤال كيف سندعم ضرورتها بوجودها وهو قائم بمعزل عن وعينا !.
تطبيق مشوه للفكرة
الكفاح الفكري الطويل الذي خاضه دعاة القومية العربيه على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ونواياهم والذين ظلوا اسرى الدعوة الشفهية وفي معظمهم حتى لم يستسيغوا المشاركة بالحركات والتنظيمات الشعبيه وترفعوا بفكرهم عن الممارسة العملية, هذه الافكار التقطها اتجاهان في حركة الواقع العربي, الاول اتجاه شعبي سياسي حزبي حاول جاهدا العمل على تنظيم ذاته وجماهيره باشكال مختلفة بانتظار الفعل الشعبي نحو التغيير وهذا الاتجاه وجد كل اشكال القمع من الانظمة الرسمية من جهة وقوى الاستعمار من جهة اخرى ولذا ظل يراوح مكانه بسبب حجم القمع البوليسي الذي استخدم ضده والثاني وهم العسكر اكتشفوا خطورة وصعوبة العمل الجماهيري وادركوا اهمية القوة التي يملكونها وقدرتهم على استخدامها بسرعة فائقه لاحداث التغيير الدراماتيكي الذي يحلمون به كقطاع من الجماهير يعيش همومها ولكنه يملك القوة التي تحمي النظام وتعطيه هيبته وقدرته على الاستمرار, هؤلاء راوا في القفز فوق حركة الجماهير اختصارا للوقت والجهد وتسهيلا للمهمة وهم في كل بداياتهم كانت المصلحه العامه لشعوبهم هي الدافع وراء حركتهم او مسبب حركتهم ايا كانت الاغراض التي استخدموا في سبيلها لكن مبرر الحركة الواقعي كانت الحركة الشعبيه الفاعله وهم بالتالي بقصد ام بغير قصد اجهضوا الفعل الشعبي القادم من القاعده ومن صفوف الجماهير لصالح فعل فئوي معزول استسهل استخدام قوة النظام وادواته للتخلص منه والحلول مكانه. وبدل ان تنطلق هذه الحركات من الفئوية الى الشعب حملت معها هواجسها من معاداة الحركة الشعبية والنشاطات الشعبية المنظمة وهي اتي عملت طويلا في قمع مثل هذه الانشطه وتربت على معادة العمل الجماهيري المنظم والحركة الجماهيريه السياسية وعاشت دائما هاجس الخوف من الجماهير ان هي تحركت, ومن جانب آخر فان هؤلاء اي العسكر يشعرون دوما بانهم ليسوا اصحاب السلطة الحقيقيين فهم اغتصبوا السلطة مرتين الاولى من النظام السابق وفي معظم الاحيان كان هذا النظام دستوريا برلمانيا ولو بالشكل وفي الثانيه من الجماهير الساعية نحو حياه ديمقراطية برلمانيه كاملة وعصريه, وهم لذلك يعيشون هاجس من يملك ما ليس حقه, في موقع خاص بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر اسسته ابنته هدى جمال عبد الناصر نشرت وثائق بخط يده كملاحظات في اجتماعات مجلس الوزراء المصري عام 1956 كتب يقول, واورد النصوص هنا كما هي:
- انتهاء الدفع الثوري سيطرة الروتين الشكوى من الفساد او الرشوه في معظم مصالح الدولة كان هناك دفع ثوري في ايام سليمان حافظ لماذا لان مجلس الثوره كان يجتمع ويتخذ قرارات وتعطى له للتنفيذ يجب ان يتولى التخطيط للدولة اشخاص غير مسئولين عن التنفيذ ظهور قوى جديده تتكفل نظرا لعدم وجود تنظيم شعبي وترك المجال لاي قوة اخرى تعمل الرجعيه مع الاستعمار والشيوعية بالاشتراك مع الشيوعية الدولية. ما الذي نقراه في هذه الملاحظات: 1-قائد بعد اربع سنوات من السلطه يتحدث بلغة ركيكه عن مبدا فصل السلطات خوف شديد من ظهور قوى منظمة والحكم عليها مسبقا بالعمالة لذلك وجد حلوله فيما بعد بتشكيل تنظيم من الاعلى كالاتحاد الاشتراكي وغيره ومن يرى تشكيلة اللجنة المركزيه للاتحاد الاشتراكي من الحكم الاداريين – المحافظين – يعرف اي بناء فوقي هش هذا ومدى خوف عبد الناصر وحركته من الجماهير وقواها الحية.
ما تقدم ينطبق بالمطلق تقريبا على حركات الضباط في السودان وليبيا والعراق ومع ان بعضهم لقي اسنادا من الاحزاب والتنظيمات المدنية الا انه راى فيها فورا تقييدا له وتهديدا لسلطته ولذا لجا الى قمعها وتدميرها ومثال حكم صدام حسين نموذجا حيا لذلك فقد انقض على الاحزاب التي شكلت معه سلطته وساهمت في تدعيمها وزج بهم في السجون او اعواد المشانق او المنفى ولذا حين تعرض للغزو الاميريكي وجد نفسه وحيدا فالشعب لن يدافع عن شخص جعل من نفسه بديلا لهم ولوطنهم وحول مجموع الشعب الى مصفقين وخدم لنزواته الشخصية ومثال القذافي نموذج مشابه الى حد بعيد فهو قاد بلاده من اقصى اليسار ومشاركة اكثر الحركات تطرفا في العالم الى مستسلم مطلق للولايات المتحدة الامريكية.
محاربة التنمية المستدامة تعتبر عملية التنميه حركة فعل ارادي منهجي للتغيير الجذري في كل مناحي الحياه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية, وتقوم التنميه على عاتق المواطن المنظم مؤسسيا فهي غير ممكنه في حالة العمل الفردي المشتت والمجزء الذي لا يخلق اية تراكمات حقيقيه للفعل التنموي على الارض وفي سبيل ذلك فلا بد للعمل المؤسسي لكي يقوم وينجح من اطلاق الحريات وسيادة الديمقراطية ولذا وقفت الانظمه الفردية الديكتاتوريه دائما في وجه ذلك وبدل اطلاق المبادرات الخلاقه للجماهير سعت الى غلق الابواب في وجه اية مبادرة وهذا ادى في واقع الحال الى ما يلي:
توقف النمو الفكري الابداعي والمنظم بسبب اضطرار اصحاب المبادرات الى مغادرة اوطانهم او اختيار الصمت او السجن او التحول الى ابواق للحاكم الفرد ومرة اخرى فان نموذج العراق الابرز في ذلك 2- توقف مشاركة المراه لانعدام القوانين التي تضمن لها حقوقها كقوانين مكافحة التييز الذي يقوم على الجنس وغيرها في الحياة الاقتصاديه والاجتماعية والسياسية. توقف التنميه الراسمالية لمحاولات البعض خلق اشتراكية هشه لم تنجح في رفع مستوى الفقراء واغلقت الابواب امام راس المال الوطني وبدل الاستقلال الاقتصادي الذي يرفع كشعارات حدث العكس وبدل الانميه دب التخلف فالتنميه مستحيله دون استقلال حقيقي. عدم تطبيق التعليم الزامي تطبيقا حقيقيا يضمن حصول الاولاد حتى سن 18 على التعليم اللازم مجانا وبالالزام. انعدام الحياة المؤسسيه الحقيقيه والاكتفاء احيانا بهياكل ورقيه من دكاكين تنشاها السلطه نفسها بديلا للمنظمات الجماهيريه النقابيه والمهنيه واللاقتصادية والسياسية لخنق المبادرات الخلاقه للجماهير خشية ان تتطور باتجاه لا يرغب به الحاكم الديكتاتور ولذا لجا القذافي مثلا الى تجربة المؤتمرات الشعبيه ولجا عبد الناصر الى تجربة الاتحاد الاشتراكي وصدام استخدم حزبا كبيرا وتاريخيا كحزب البعث لتثبيت شخصه على حساب الحزب وباسمه.
منذ القرن السابع عشر انجز الغرب ثلاث تحولات مفصليه ثورية كبيره وهي: ظهور الدولة القوميه عام 1684م. نجاح الثورة الثقافيه في دخول عصر النهضه في القرن الثامن عشر. تحقيق القفزه الهائله وانجاز الثورة الصناعيه في القرن التاسع عشر. وفي المقابل لا زال عالمنا العربي يغط في سبات عميق متغنيا بامجاد لم تعد قائمة الا بالمواويل الذاتية والتي لا تسمن ولا تغني من جوع , وفي حين تمكن الغرب كليا من تعطيل نظم العالم القديم محولا اياها الى مجرد درجة اسمنتيه نحو المستقبل وفتح الابواب على مصراعيها لنور العصر الحديث وتقنيات التكنولوجيا العلمية والتطور الانتاجي ولغة الديمقراطية والماسسة والحريات العامه وتداول السلطة على الصعيدين السياسي والاجتماعي, ومما لا شك فيه ان النظم الاوتوقراطية التي بدات بالظهور مع مطلع الخمسينات قد ساهمت في انجاز ردة الى الوراء وليس العكس المامول منها فهي ورثت انظمه نعترف بان الاستعمار هو الذي ورثها الحكم ولكن وفق اسس تملك ولو قواعد اللعبة الديمقراطية البداءية لتجيء الانظمة العسكرية الاوتوقراطية وباسم الثورة وتنهي حتى هذه الاوليات الجنينيه للحريات العامة والديمقراطية ولتكمم الافواه والايدي وبالتالي تلغي اية آفاق محتملة للتنميه المستدامة او البداءية , ذلك ان التنمية المستدامة مستحلة مع انظمة الحكم الشمولية الفردية والديكتاتورية , واية مقارنة او استطلاع بسيط يجريه المراقب سيرى ان الدول الديمقراطية القائمة على المؤسسات لا الشخوص والتي تعيش حياتها السياسية وتنمو على اسس التداول السلمي الؤسسي للسلطة هي التي تملك التنمية المستدامة وعلى العكس فان التخلف يعيش حيث انظمة الشخصنة الفردية والديكتاتورية , وحتى الانظمة الملكية في بريطانيا والبلدان الاسكندنافية تمكنت من المزج بين الملكية والحريات العام والديمقراطية وتداولية السلطة وظلت الملكية رمزا للحياة الدستورية وحامي للحريات العامة في حين قامت الثورات في البلدان الفقيرة بدور عشماوي لكل ما له علاقة بالتمية والديمقراطية , واحد لن ينكر ان للديمقراطية هفواتها وسلبياتها ولكنها بالمقارنة مع غيرها تبقى الاكثر قدرة على الحياة فلقد تمكنت من الاستمرار والعيش والتطور مع كل التبدلات والتغيرات التي اصابت العالم , يقول ونستون تشرتشل ( الديمقراطية اسوا نظام اذا استثنينا النظم الاخرى ). اي ان النظم الاخرى اسوا وان اليمقراطية هي الافضل ولو لسبب انه لا يوجد ما هو افضل وهذا يكفي للتمسك بها.
التنمية بين الشخصنة والمأسسة إن من المفيد التحديد ان النظم الديمقراطية لا تقوم الا على المؤسسات وهي اللبنة الرئيس في النظم الديمقراطية بينما تبنى النظم الديكتاتورية الاوتوقراطية على الشخوص, وهذا يعني انه فيما تقوم النظم الديمقراطية بتوظيف الاشخاص لصالح المؤسسة وتطورها واستمرارها, فرئيس الولايات المتحدة الامريكية لا يملك الحق بالاستمرار لاكثر من ثماني سنوات يعود بعدها الى مصاف الناس وهو لذلك حريص على تحقيق اكبر قدر ممكن من الانجازات لتسجل لصالحه وهو ايضا يدرك جيدا ان بلد المؤسسات الذي يقف على راس قمة الهرم فيه لن يرحمه ان هو اتى اية اخطاء وعلى النقيض من ذلك فان الانظمة الفردية تسعى لاستمرار وجودها في السلطة الى توظيف المؤسسة لصالح الافراد وهناك بعض الانظمة تفصل الادارات والمؤسسات والهيئات على مقاس افرادها الموالين, قادة الانظمة الديمقراطية يدركون انهم سيغادرون الحكم ولو بعد حين وهو لذلك يعلم جيدا ان وضع الرجل الغير مناسب في اية مهمة قيادية سوف تقوده الى الفشل وان الديمقراطية ومؤسساتها لن ترحمه وهو بالتالي لن يستمر ولذا قد لا تجد في ادارة اية ديمقراطية غربيه في العالم اسماء العائلة او العشيرة او القرية هي التي تتكرر بل ياتون بالاكفاء القادرين على انجاز التنمية وعلى كافة الصعد, في حين ان انظمة الشخوص تعطي للشخص وصلته بالحاكم الاولوية الكبرى للاختيار لاي منصب كان بعيدا عن الكفاءة والقدرات والنزاهة والمحاسبة والشفافية وتدريجيا تتحول كل ادارات البلد في ايدي غير الاكفاء وفي مقدمتهم رئيسهم الذي سيحرص ويحرصون معه كل القافزين من مظلاتهم فوق مؤسسات المجتمع المدني على ابقاء هذه المؤسسات على حالها كاقطاعيات وفي سبيل تحقيق ذلك لا بد من كم افواه الشعب وتكبيل اياديهم وبالتالي فان اي حديث عن التنمية في ظل هذه الانظمة يبقى نوع من الهرطقة الكلامية الجوفاء, فمن المستحيل انجاز التنمية في نظم تحكمها القبيلة او العشيرة كاليمن والسودان مهما تلونت المسميات او نظم تحكمها الاسرة الصغيرة كنظام صدام حسين في العراق.
الشخصنة نتاج اجتماعي
مفهوم الشخصنة يتصل بالظواهر المرتبطة بالدوافع والاتجاهات والمطامح والاحلام والقيم الخاصة بالفرد والتي تنمو من خلال طبية التركيبة الاقتصادية الاجتماعية السائدة وما يتمخض عن ذلك من بنى سياسية وثقافية وغيرها من تداعيات العملية الانتاجية وبنيويتها ومع ذلك فان هذا لا يعني ان السمات الشخصية موحدة بين شخوص المجتمع الواحد فللفروق الفردية في تركيبة الشخصية الفرد اهميتها القصوى في عالم يقوم على الفرد اولا ولذا فان الحديث بالعموميات عن مجتمع مصر وهي تحمل اسم مصر عبد الناصر او ليبيا وهي تحمل اسم ليبيا القذافي او عراق صدام لهو نوع من اخفاء الراس بالرمال , الشخصية العربية التي ينتمي لها هؤلاء هي خليط من فردية البدوي الذي يقوم بدور الراعي والحارس وحالب الاغنام ومسوق الحليب او الاغنام وصانع الجبن , وبنفس الوقت التركيبة الاسرية المنغلقة للفلاح الذي تتحول اسرته الى مملكة منغلقة على ذاتها فهو وزوجته واولاده ينجزون كافة الاعمال بعيدا عن الاخرين , وقراءة الشخصية تقوم على قراءة العلاقة بين الفرد وبيئته ولا يمكن دراسة اية شخصية بعيدا عن بيئتها , وحسب الكتاب الخامس والخمسون من سلسلة علم الاجتماع المعاصر لعدد من اساتذة جامعة الاسكندرية بعنوان ( المجتمع والثقافة والشخصية ) في الباب الثالث ص 436 توصل الاساتذه الى مسلمه مؤداها ان الشخصية تعتبر بمثابة :
بناء دافعيا داخليا. بناء سلوكيا شكليا. بناء موقفيا. ورغم انهم حاولوا الاشارة الى اهمية التداخل والتواصل بين البنى الثلاث لجعلها مسلمة نظرية واحدة ذات ابعاد ثلاث دون ان يقدموا التبرير النظري الدقيق لهدفهم هذا فالبناء الموقفي هو في النهاية قائما على توحيد البنى الثلاث في الشخص كنتيجة عند موقفه وسلوكه المباشر بناء على هذا الموقف من مجريات الاحداث ودوره فيها , وفي ص 444 يحدد الاساتذه ثلاث انواع للقيادة وهي التقليدية والبيروقراطية والعظيمة والانواع الثلاث تعتمد كليا على الشخصنة في تحديد القيادة ولهذا لسبب او لاخر تناسى العلماء الافاضل النوع الاهم في انواع القيادة وهو النوع الاجتماعي الذي تفرزه الارادة المشتركة للناس او لمجتمع بمعنى القيادة الديمقراطية التي تصل الى موقعها بالاختيار الحر المباشر من محكوميها وبكامل ارادتهم وهذه القيادة تحصل على شرعيتها بالقبول المباشر من المحكومين وتستمر بهذه الصفة في حين ان الانواع الثلاث وان حصل وملكت شرعيتها بطريق القبول من المحكومين الا انها سرعان ماتنقلب عليهم لمنعهم من ممارسة هذا الدور مرة اخرى وتتحول ادارتهم الى الاسلوب الديكتاتوري مهما تعددت المسميات والمبررات ففي حين تحصل القيادة التقليدية على مكانتها بالتلقائية والتوارث فان القيادة البيروقراطية تعيش خلف حاجز وهمي من صناعتها بعيدا عن قضايا وهموم محكوميها واحتياجاتهم وترى في مراسيمها الفوقية اساسا لمستقبل يجب على المحكومين قبولها وهي لا ترى ضورة للالتفات لاراء الاخرين , اما القيادة العظيمة حسب تعبير اساتذة جامعة الاسكندرية فهي التسمية الاخرى والمجملة للقيادة الديكتاتورية ومثل هذه القيادة وايا كانت العظمة التي تتمتع بها فهي ستجد نفسها رغما عنها في خانة الديكتاتورية وهو سيقاد الى ذلك رغما عنه من قبل الصفوة المتنفذة الحريصه على استمرار مصالحها وهي عادة ما تكون فاسدة ومفسدة في حين تنشغل قيادتها العظيمة بالهموم الاكبر وعادة ما تكون خارج حدودها الاقليمية ورغم الفوارق بين ثلاث شخوص هم جمال عبد الناصر ومعمر القذافي وصدام حسين الا ان ثلاثتهم وبالاحرى ما تبين من واقع الحال بعد ناصر وصدام انشغلوا بقضايا خارج اهتمام محكوميهم وقادوا مصر والعراق نحو طموحات واهداف لا علاقة للشعب بها وما حرب اليمن التي خاضها عبد الناصر والحرب مع ايران واحتلال الكويت الا نماذج لذلك فقد خسر هؤلاء القادة شعبيتهم داخل بلادهم وربحوا بعض الاصوات العالية خارجها وعادة ما تكون هذه الاصوات من المنتفعين والمرتزقه.
من بطل إلى ديكتاتور الديكتاتورية كلمة يونانية تعني قيام فرد أو مجموعة بالاستيلاء الفوقي على السلطة وحكم الشعب دون الحصول المسبق على موافقته ورغم أن اللفظ ظهر في مراحل ألازمات من تاريخ الإمبراطورية الرومانية بحيث كانت الإمبراطورية تلجا إلى تعطيل الحياة النيابية وتأتي بديكتاتور ليمارس الحكم بشكل مطلق لفترة محدودة ( سبع سنوات) يستقيل بعدها الديكتاتور وتعود الحياة السياسية إلى سابق عهدها ( احمد عطية – القاموس السياسي ) فالديكتاتورية هنا جاءت بقرار ولتحقيق هدف معين ولأسباب خاصة وبانتفاء الأسباب أو بتحقيق الغاية كانت مهمة الديكتاتور تنتهي كليا ويتم التخلص من حكمه كليا وبذلك لم يتمكن الديكتاتور الفرد من الاستيلاء المطلق على السلطة ولم تعط له الفرصة للاستفراد بالحكم مع مجموعة من أعوانه وبالتالي جاءت الفردية هنا كقرار جماعي مؤسسي وفي أيامنا يستخدم الحكام المجالس النيابية نفسها لإلغاء دورها بتشريع تطبيق قوانين الطواريء مثلا ويصبح ذلك نافذ المفعول ولا تعود هذه المجالس قادرة على إيقاف العمل بقرارها حتى لو أرادت إلى جانب أن الرئيس الفرد يملك حق إصدار المراسيم الفوقية التي تملك قوة التشريع ; وفي القرن العشرين ظهر مصطلح ديكتاتورية البروليتاريا وهي من الناحية النظرية وحسب رؤية الفلسفة الماركسية اللينينية مرحلة ضرورية للتأسيس للمرحلة التي تتبع وهي الشيوعية أي أن ديكتاتورية البروليتاريا نظريا هي مرحلة انتقالية ضرورية لتحقيق هدف محدد وهو الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية وبالوصول للهدف تنتفي الوسيلة أي ديكتاتورية البروليتاريا فهي هنا لم تكن غاية بحد ذاتها ولم تكن سلطة فرد، بل هي وحسبما أريد لها ديكتاتورية الأغلبية ضد الأقلية. عادة ما يحصل القادة العظماء على شرعيتهم بسبب حالة تاريخية خاصة كاعلان الثورة على المحتل الاجنبي او نظام الحكم الديكتاتوري او الفاسد او ما شابه, اي انهم يلتقطون اللحظه التاريخية او المفصلية الخاصة وينجزون الهدف المطلوب شعبيا, لكن قيادتهم للحركة في اللحظه التاريخية تلك لا تعني ابدا قدرتهم على ادارة دفة الامور اليومية والنجاح في شئون الادارة اليومية الروتينية, إلا أن الظروف التاريخية التي يظهرون بها تدفع بجمهورهم لكي يقوم متطوعا باحاطة شخوص هؤلاء القادة بهالة من القداسة والاسطورة وهذا ما يدفع بهم في ظل غياب المؤسسة والديمقراطية والمشاركة الشعبية الى الخلط بين دور البطل الشعبي ودور الحاكم المطلق, وهم بدل ان يلجاوا الى الخبراء واصحاب الدراية والمعرفة والى الماسسة للدولة وتشكيلاتها يستعيضون عن ذلك باستخدام هيبتهم الشخصية ودورهم التاريخي المتميز ويساعدهم في تكريس ذلك جموع المطبلين والمزمرين والانتهازيين الذين يتكونون كفئة طفيلية تنشا على امجاد الرجل وهي بالتالي يهمها تضخيم دورة لادامة دورهم وتصبح المنفعة متبادلة وتدريجيا يتحول هذا القائد العظيم الى الخبير الاول في التنظيم والادارة والسياسة والتنمية والجيش وما الى ذلك وتتحول رؤياه الشخصية بديلا للانظمة والقوانين وتسعدهم انظمة الطواريء والقوانين العسكرية التي توفر لهم فرصة الادارة الفردية للحكم, وكم من حاكم لجأ الى تعطيل الدستور رغم هزالته حتى يوفر لنفسه الفرصة لادارة الحكم على هواه بالشكل الظاهري رغم أن حقيقة الأمر أن البطانة هي التي تمارس الحكم وتترك للزعيم الشكل الخارجي لإرضاء غروره من جانب وتعظيم هيبته لتسهيل الحكم على أنفسهم وتحميل شخصه ما لا يستطيعون هم الإتيان به. وقد أشار س.جيب في كتابه (The principles and traits of leadership) الى ما تقدم ياعتباره القياده امرا نسبيا للموقف, وضرب مثلا حول مجموعه من عشرة اشخاص تبحث عن حلا لمشكلة مشتركة وهي نقل جهاز راديو الى قمة جبل مستقيم الانحدار ويرى ان صاحب الحل الامثل سيقود الجماعة, وفي حال ملك الفكرة ولم يستطع تنفيذها فان صاحب القدرة على التنفيذ سيفعل ويحل مكانه وقد يستمر في القياده بعد ذلك او يتقدم عضو ثالث ومعنى هذا ان ليس كل من يملك الحل للحظه، لموقف، لمشكله هو الاجدر بالاستمرار بالقياده فالحياه ليست حكرا على تلك اللحظه وهناك حالات، مواقف، ظروف ستفجر الحاجة الى قيادة جديدة، وفي حال اصرت القيادة القديمة على الاستمرار فهي ستتحول الى الديكتاتورية حتما.
العرب والمجتمع المدني تدريجيا يتزايد الحديث عن المجتمع المدني والتربية المدنية ومجتمع المؤسسات وحقوق الإنسان في العالم العربي ويبدو الأمر وكان هناك شيء ما يتغير جذريا، في حين تقوم القوى والأحزاب والمنظمات بأنشطة كثيرة ومتنوعة سواء أكانت من قوى وهيئات الحكم والسلطة أو من قوى وهيئات المعارضة إن وجدت في العالم العربي، وتعتمد تلك الأنشطة والبرامج على الشكل الدعاوى البحت والتي تعلي صوت الحديث عن المجتمع المدني دون حقائق على الأرض وقد تكون مفردات الحوار والديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها أكثر المفردات شيوعا الآن في الخطاب المجتمعي والسياسي العربي، وقد تم إحلالها مكان لغة المرحلة التحررية القومية وقد تمكنت هذه المفردات من ملء الفراغ الذي أصاب القاموس السياسي العربي وفي أوساط حركاته التحررية والمعارضة القومية منها واليسارية الشيوعية، فقد أدى انحسار المد القومي بعد حرب عام 1967 وصولا إلى الحرب الأهلية اللبنانية والانقسامات حول الموقف من حرب الخليج وانتشار المعركة الدينية انطلاقا من مقاومة المد الأحمر في أفغانستان وصولا إلى انهيار المعسكر الاشتراكي وشعور اليسار العربي التابع على الشعور باليتم، إلى جانب أن انهيار نظام الشاة في إيران ونجاح القوى الدينية في الصعود إلى السلطة واندلاع الحرب العراقية الإيرانية واضطرار حزب قومي مثل حزب البعث في العراق إلى اللجوء إلى الخطاب الديني السني في مواجهة الخطاب الديني الشيعي كل ذلك خلق حالة من البحث عن ما هو قادر على ملء الأفواه المفتوحة للكلام في العالم العربي ممثلة بنفس القوى والأحزاب التي باتت تخجل من ترديد سيمفونياتها القديمة فبدأت بتغيير أسمائها وألوانها دون أن تجد برامج مناسبة لهذا التغيير أو قادرة على احتواء المنعطفات التاريخية في حياة شعوبها والعالم، وقد وجدت في المفردات الليبرالية الرأسمالية بديلا سهلا لكونه يمثل لغة جديدة على سمع المواطن العربي تمكنهم من خلالها تسهيل نقل مواقعهم من مواقع اليسار الثوري أو الحركات القومية التحررية إلى مواقع الليبرالية دون أن تعلن ذلك، بل إننا وجدنا أنفسنا نتقبل تلك المقولات وكأنها مرادفات للثورة والتحرر. ذلك يعني بلغة واضحة أننا بكل أطياف اللون بتنا نتقن لغة الانقلاب الفوقي على الأهداف والأشياء، فقد انقلبنا إلى الدولة القومية الأوروبية دون إدراك لخطوط التطور الخاصة والظروف الذاتية والموضوعية، وكذا تسابقنا إلى السعي للوصول إلى ديكتاتورية البروليتاريا والاشتراكية العلمية وحين فرغت جعبتنا أو أفرغت انقسمنا إلى تيارين متناقضين فمنا من عاد أدراجه إلى الماضي مكتفيا من الغنيمة بالإياب رافضا حتى فكرة فحص أو تجديد أدواته القديمة وتطويرها بما ويتلاءم وروح العصر دون مساس بالجوهر أو بالروح ومنا من أمعن في البحث عن ما هو أكثر حداثة أو ابهره الانتصار الفوقي للرأسمالية على الاشتراكية فامسك بأدواتها اللفظية ولو على قاعدة تسهيل مهمة الانتظار والهاء جماهيرهم بانتظار الوحي أو الفكرة البديلة، وفي جميع الحالات كان العرب خارج الفعل ومجرد متلقين مستهلكين للفكر كما هم كذلك بالنسبة للسلع. يبدو أننا لم نعد قادرين على الفكاك من فكرة اللحاق بالآخرين والانبهار بإنجازاتهم، فالحديث الشائع عن الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي يأخذ أنماطا لفظية وشكلية بعيدة عن أية حالة تزاوج واضح بين الواقع والفكر ولذا نرى أن الحديث عن ذلك يأخذ أشكالا وأنماطا بل ولغة ضبابية، ذلك أن الرافعة الأساسية للمجتمع المدني في الغرب جاءت من الطبقة الوسطى والتي تأخذ مكانها في العملية الإنتاجية القومية في البلدان الغربية وتعيش نمطا مدنيا من الحياة لا تملكه الطبقة الوسطى العربية فهي إما مرتبطة جذريا في الاقتصاد الغربي كوكلاء وسماسرة أو مرتبطة بالإثراء السلطوي كمصدر للكسب غير المشروع في معظم الأحيان، والفرق هنا واضح بين نموذجين من السلطة والإنتاج أو الثروة ففي حين نرى في الغرب سلطة الثروة أو سلطة مالكي الإنتاج الحقيقيين تنمو في عالمنا العربي ثروة السلطة على حساب الإنهاك لجمهور الشعب وإفقارهم أكثر فأكثر وبالتالي مصادرة حقهم ليس في القوت فقط وإنما حقهم في الاحتجاج على سرقة قوتهم، فلا يمكن لسلطة تسرق قوت مواطنيها أن تسعى لإطلاق الحريات وبناء مؤسسات حقيقية للمجتمع المدني فذلك يتناقض ليس مع سلوكها فقط وإنما حتى مع وجودها. إذن فان رافعة المجتمع المدني –الطبقة الوسطى- في الوطن العربي لا تملك استقلاليتها الضرورية لصياغة أو بناء مجتمع مدني حقيقي وقائم على الأرض لا في اللغة والأوهام فقط، وذلك يعني أن علينا أن نقرا بوضوح نشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني وشروط نشوءه حتى نتمكن من الإجابة على التساؤل الأساس وهو هل هناك مجتمع مدني أو مقومات مجتمع مدني في العالم العربي ولكون مفهوم المجتمع المدني مفهوم غربي فان من الضروري أن نفحص العلاقة بين المفهوم والبنى الاقتصادية والاجتماعية التي نشأ فيها هذا المفهوم وتجلياته المتمثلة في الفكر الليبرالي الرأسمالي، ومن المفيد الإدراك انه لم يكن من الممكن للفكر الليبرالي أن يعيش دون إجراء القطيعة التامة مع الفكر الغيبي والشمولي وذاك ما تمكن من إنجازه حقا عصر النهضة الأوروبية وقد قاد ذلك إلى التأسيس للقدرة على التوسع الصناعي والرأسمالي الغربي وصولا إلى النمط الاستعماري بحثا عن الأسواق والمواد الأولية والطاقة مما يعني إغراق العالم الثالث بالسلع الرأسمالية وصولا إلى منع هذه الدول من الانتقال إلى مرحلة الإنتاج الرأسمالي مكتفية بدور المستهلك للمنتج الغربي على الصعيد السلعي وذلك أدى إلى التجليات الفوقية المؤسسية والفكرية المتمثلة في الإبقاء على النمط الزراعي الإقطاعي أو المتمثل مع الإقطاع شكلا ومضمونا، وقد كان ذلك السبب الرئيسي لمنع نشوء الآليات الضرورية لظهور المجتمع المدني وتطوره وترسيخه في العالم العربي وبديلا عن ذلك ظلت بلدان العالم العربي تعيش حالة من تجاذب حاد بين الفكر الفوقي والواقع المادي الملموس، بين مثقفيها الراغبين ولو نرجسيا بالانتقال إلى مجتمع مدني حديث وبين بنيتها الغير قابلة للخروج من جلدها العشائري محكومة بهيبة سلطة عسكريتارية في معظم الأحيان فاشلة وكسولة وغير قادرة على الابتعاد عن بريق الإثراء الشكلي السريع والانتقال إلى الإثراء بواسطة إعادة صياغة نموذج الإنتاج بشكل يسمح لها بزيادة وتطوير إنتاجها وصولا إلى نموذج إنتاجي عصري مناسب لواقع الحال وقادر على المنافسة والمشاركة في صياغة النموذج الإنساني للحياة في العالم بشكل عام وهذا يعني القيام بدور الشريك الرئيسي في صياغة الحضارة البشرية، إلا أن ذلك تعطل كليا بسبب حالة التبعية الدونية التي عاشها العالم العربي ولا زال وقد ساهم في تكريس ذلك أن البلدان العربية ظلت محكومة بجملة من نظم التخلف وبنيته الفوقية وأنماطه الاجتماعية المعبرة عن تشكيلات المجتمع الزراعي الرعوي شبه الإقطاعي والذي تحكم آلياته وعلاقاته الداخلية الأنماط القبلية والعشائرية مهما كانت محاولات التجميل والرتوش التي يحاول البعض التجمل بها لشطب الوجه القبيح للعشائرية التي يستخدمونها، وأشير هنا إلى تعبير الوجه القبيح للعشائرية التي يستخدمونها بإصرار على أن للعشائرية أنماط وأشكال ونظم غير قبيحة بل إن بها جنينية الحياة الديمقراطية بالقبول والشفافية وغيرها إن نحن امسكنا بها وبخصوصيتها وتمكنا من دفع روح الحياة العصرية فيها فالنظم العربية التابعة أمسكت بالجوانب السلبية في النظام القبلي ومنها حالة الرتابة والعداء للحراك الاجتماعي والتطور وعدم قبول الآخر والتقوقع على ألذات وذلك نابع من طبيعة التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية التي ينمو في رحمها النظام القبلي وتجلياته، وعن عمد راحت انظمة الحكم العربية تغيب الجوانب الايجابية في النظام القبلي وتعالى المثقفون العرب عن محاولة قراءة هذه الجوانب حتى لا يتم صبغهم بالتخلف او الرجعية، علما بان من يتابع النظام القبلي يرى مثلا وبكل الوضوح اهمية القانون العشاري وقوته وتأثيرة على ابناء القبيلة بل ان القانون العشائري يأخذ صفة العمومية ولا يقتصر على قبيلة بحد ذاتها وجميع القبائل تقبل بالقانون وتخضع له ولا يوجد من يقبل بانتهاكه او مخالفته او التمرد عليه وهو قانون يحظى بالاحترام الطوعي وينظم العلاقة الداخلية للقبيلة الواحدة وكذلك العلاقات بين القبائل وانا هنا اتحدث بعموميات الفكرة وهي تحتاج لدراسة تفصيلية خاصة ولا يعني ما اوردته هنا القبول بالقانون العشائري القديم انما ايراد اهمية القانون وسيادته وقدرته على ان يكون ناظما للحياة والحراك الاجتماعي. مما تقدم يتبين ان فكرة تطبيق النمط الليبرالي وبناء مؤسسات مجتمع مدني في رحم نظم تحكمها العقلية العشائرية أمر غير قابل للتحقيق بهذه السذاجة والبساطة فهو لا يعني حفنة من المثقفين أو أسيادهم من الحكام الذين يبدون الرغبة ببناء نظم عصرية محكومة بعلاقات عشائرية مفرغة من كل ايجابياتها، ومع ذلك يزداد هذه الأيام وبقوة في مطلع القرن الواحد والعشرين نغمة الحديث عن المجتمع المدني ومقوماته في العالم العربي وترفع الأنظمة في معظم الأحيان لواء تلك الدعوة مستجيبة لرغبة مستجدة للغرب في توسيع التأثير الغربي على الشرق وصولا لتسويق الفكر الغربي المشوه والمعني بتعزيز السيطرة الغربية على الشرق خدمة لمصالح الرأسمال الغربي وتطلعاته في السيطرة والنفوذ بكل السبل الممكنه ويتجلى ذلك يوضوح من الحملة الامريكية لاشاعة ما يسمى بالديمقراطية الغربية في بلدان العالم الثالث والبلدان العربية تحديدا. لقد حاول هيجل جاهدا في شرحه لرؤيته للمجتمع المدني الى خلق حالة من التوازن بين الملكية الخاصة الفردية والأنانية من جهة وبين اشكالية الفقر والاغتراب من جهة اخرى ولذلك راى هيجل ان الخطوة الاولى لتاسيس مجتمع مدني وهي العمل من أجل سد الحاجات البشرية ضمن نظام الملكية الخاصة وان تلك الخطوة لا تعني شيئا دون الاعتراف الاجتماعي بها، وقد راى هيجل ان التبادل التجاري داخل السوق لا يمكن له ان يتم وينجح ويتطور دون قوانين تنظم العلاقة التبادلية بين اعضاء هذا السوق، الذي لا يمكن له الانتظام هكذا وبشكل تلقائي وعفوي ولذا تظهر الحاجة الى نشوء الادارة العليا المنظمة او السلطة العامة اي سلطة المجتمع المدني. المرء يدخل إلى السوق فردا معزولا وبعنى آخر انه فرد حر متحرر من اية قيود ولكنه ما ان يدخل السوق حتى يشعر انه بحاجة لحرية اخرى انها حرية الفرد في سياق وجوده الاجتماعي، فالحرية هنا هي حرية الفرد ضمن وجوده الاجتماعي الايجابي، فانت عنصر من عناصر السوق المكونه له وبالتالي انت مشارك في صياغة الحياة المدنية عبر مشاركتك الفاعلة في ادارة العمل المشترك والجماعي في ظل النظم والقوانين الناظمة للعلاقات الداخلية لهذا السوق، وهنا تبدو حرية الفرد بمفهوم حرية المشاركة لا حرية الانعزال ، ومع ان لذلك تداخل فلسفي بين رؤية هيجل والمثاليين من جهة ورؤية ماركس وانجلز والماديين من جهة اخرى لصالح العام في مواجهة الخاص الا ان الحديث عن المجتمع المدني يمكن له ان يأخذ مناحي الرؤية العامة بعيدا عن تعارضات اشكال البناء الداخلي لهذا المجتمع بتعارضات الفلسفات المثالية والمادية رغم اهميتها. في ذلك اهمية لرؤية التداخل العميق بين حرية الفرد الاجتماعية وحرية المجموع وحسب هيجل فان غياب حرية الفرد في ظل ظروف القهر الاجتماعي والسياسي يعني الغياب شبه التام لاهم مكونات واسس المجتمع المدني وهذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا العربية على اختلاف نظمها. هناك مثل شعبي عربي يقول " كل فولة والها كيالها " فنحن نستخدم مكاييل مختلفة للمواد المختلفة فلا يكال الزيت بمكيال القمح مثلا، إلا عند العرب فنفس الأدوات النخبوية العربية التي رفعت شعار القومية والوحدة والحرية والاشتراكية بترتيبات مختلفة لدرجة الاختلاف على تقديم هذه الكلمة او تلك، نفس هذه القوى والأحزاب هي التي حملت لواء اليسار الماركسي في مرحلة من المراحل وهي نفسها ترفع اليوم شعار بناء المجتمع المدني، مجتمع الديمقراطية والمؤسسات، ونكاد نملك القدرة على القول إنهم نفس الشخوص أيضا ونفس المنطلقات ولنفس الغايات، كل ذلك يجري تحت سمع وبصر نفس الجماهير المضللة ليس من الأنظمة الحاكمة فقط بل وحتى من قوى المعارضة التي وجدت في مقاعدها في صفوف المعارضة ممالك لها تورثها وتحكمها بفردية شبه مطلقة قد تكون أسوأ بكثير من أنظمة الحكم الرسمية. الصدفة وحدها وفرت لي فرصة حضور اجتماع داخلي لإحدى منظمات المجتمع المدني في إحدى الدول العربية وكان من بين الحضور ضيوف أوروبيين من منظمات حقوق الإنسان، وجلست استمع للخطاب الناري الذي ألقاه رئيس تلك المنظمة وهاجم فيه بلا رحمة منتسبي منظمته ممن ينتمون الى الحزب الحاكم واصفا إياهم بالخونة والوشاة وحين انتهى طلب احد الحضور بخجل أن يسمح له الزعيم بالرد وتوضيح الموقف وتبين من كلامه انه احد المقصودين بالهجوم، وثارت ثائرة أعوان الزعيم ومنعوا الرجل بالقوة من الكلام وصرخوا فيه أكثر من مرة " لقد تحدث الرئيس ولا يجوز مخالفة الرئيس " واخرج الرجل وزميل له من القاعة وأنا أتذكر قول "الفوهرر يفكر عنا" فأي مجتمع مدني هذا الذي يفكر هؤلاء ببنائه وهل يمكن لمثل هذه النواة ن تكون سوى مؤشرا على النمط الديكتاتوري الاحتكاري للسلطة ليس لدى الأنظمة الرسمية فقط بل ولدى معارضيها ممن صنعوا إمبراطورياتهم الموازية واستراحوا تحت يافطة الكفاح اللفظي الخالي من أي مضمون. لقد انتشرت عبارة المجتمع المدني في الوطن العربي بسرعة كبيرة دون ان تتمكن من تبرير ظهورها ولم تعتمد على البناء الداخلي للفكر الاجتماعي والسياسي العربي بل جاءت عبارة فضفاضة استخدمها كل من هب ودب لفظيا دون أن يحاكم سلوكه وأنظمته وسياساته بناء على مضمونها الحقيقي وبذا ظهرت العبارة بشكلها الكمي والغريب عن السلوك والممارسة الحية، بل وظل هذا المفهوم غريبا وغامضا ولم يتم تقديمه بشكل أكثر وضوحا لان لذلك علاقة في واقع الحال الذي تعيشه القوى التي سارعت لاقتناص العبارة واستخدامها كمسوغ عصري جديد من مسوغات وجودها المتواصل دون أن يترافق ذلك مع أية محاولة لإعادة إنتاج الثقافة على قاعدة التطور، فالحركة داخل المجتمع العربي يتجاذبها قطبان، النظام الرسمي من جهة والمرتبط رسميا بجذور التخلف والتبعية الاقتصادية والسياسية والذي يجد في وسيلة إعادة إنتاج الماضي المتخلف بحلل جديدة وسيلة الاستمرار في البقاء مهما كان لذلك علاقة في استمرار التخلف المعمق والمغطى باستحداث للأشكال والعبارات والمظاهر الخارجية، ومن جانب آخر معارضة تهاجم الماضي والديكتاتورية وتدعو في أدبياتها للتطور والماسسة والديمقراطية وجتمعة السياسة ومنظومة البنى الفوقية بكل أشكالها لغة بينما تعيش في واقع الحال نفس حالة الرتابة واحتكار السلطة بابهى صورها وهي الى جانب ذلك ترتبط بأشكال مختلفة مع التزاماتها تجاه مموليها من الأحزاب والقوى والمؤسسات الأجنبية الغير بريئة على الإطلاق. المعيقات إذن في وجه جتمعة السياسة والبناء الفوقي المؤسسي ليست منحصرة في الأنظمة الرسمية الحاكمة بل تتعداها لتصل إلى نفس الهيئات التي من المفترض أن تكون الرافعة الحية لذلك وهي القوى والأحزاب والمنظمات الأهلية التي من المفترض أن تكون هي مكونات المجتمع المدني والقادرة على تحويل العبارة النظرية إلى سلوك حي ممارس وبدلا من ذلك نجد هذه الجهات متحجرة ومغلقة على نفسها وغير معنية حتى على فتح أبوابها للجمهور حتى لا تعصف رياح التغيير الحقيقية ونظم البناء المؤسسي الرافعة الرئيسة للمجتمع المدني ببنائها الهيكلي وبشكل أوضح بشخوصها المهيمنين والمحتكرين للسلطة كليا وبشكل يتنافى مع ابسط مقومات بناء المجتمع المدني الفاعل. مما لا شك فيه ان هناك رغبة معنوية جامحة داخل المجتمع العربي ومكوناته المدنية للانتقال من حالة التبعية والتخلف إلى حالة التميز والمشاركة من خلال إنجاز الانتقال من التشكيلات القديمة البائسة للبناء الاجتماعي والاقتصادي إلى النموذج العصري، إلا أن حجم المعيقات كبير جدا ومختلف الجوانب ماديا وفلسفيا فعلا وقولا بناء قائما ورؤى وأحلام غريبة عن الواقع، وهي الفرق بين التطلعات القائمة على الحلم الغريب وبين واقع الحال الذي يصل مرحلة الولادة الطبيعية وفي ذلك يلخص صادق جلال العظم الرؤية بقوله "إن ما يميز العصر الأوروبي الحديث، هو هذا الاتحاد العضوي الفريد الذي تم بين المصالح الحيوية للطبقات التجارية الصاعدة وبين الاكتشافات العلمية والاختراعات التقنية والميكانيكية الجديدة، لقد أضحى للرأس مال مصلحة حيوية في العلم، كما أصبح للتقدم العلمي مصلحة لا تقل حيوية في الرأس مال، وهذه دينامية حضارية جديدة تماما لم يعرفها الإنسان من قبل ، هذا المزيج الجديد ، برهن أنه طاقة متفجرة وهائلة الى أبعد الحدود ، مدمرة وخلاقة في وقت واحد ، هذه الطاقة هي التي صنعت ما يسمى بالحداثة ، وشكلت العالم الحديث وقضت على القديم ، كان شعارها : المعرفة قوة ، وكان للعلم دورا حاسما في الإنتاج التدريجي للفلسفة الحديثة ، تماما كما كان حاسما في إنتاج نوع جديد من المعرفة بالطبيعة وظواهرها ، وبالمادة وبقوانين حركتها عبَّر عن نفسه بمقولات جديدة . فإذا راجعنا، أو حاولنا مراجعة أبرز المقولات والتصورات التي سيطرت على الخطاب الفلسفي وتفسيره للعالم قبل عصر النهضة أو قبل المرحلة الحديثة، نجد أنها تضم التالي: الماهية، الجوهر، المُثُل، الفيض، الغاية، الوجود بالقوة، الصورة، الهيولي، الفكرة المطلقة، أو الصانع الأول، التسيير، التخيير، الغيب …الخ، فإذا انتقلنا إلى الفلسفة الحديثة وخطابها، فماذا نجد ؟ نجد تراجعا بطيئا ولكن متزايدا ومؤكدا لهذه المقولات والتصورات الغيبية جميعا لصالح صعود نوع مغاير منها، أخذ يحتل مواقع السيطرة على الخطاب الفلسفي الحديث (خطاب ومقولات عصر النهضة)، مثلا: المكان، الزمان، الجسم المادي، الذرة، الحركة، العلة الفاعلة، الصفات الأولية، الصفات الثانوية، قوانين الحركة، الاستقراء. وكل هذه المقولات مستمدة ومشتقة من العلم الحديث وخطابه ونظرياته. باختصار، لقد فرضت الكوزمولوجيا العلمية الجديدة (المادية الميكانيكية تحديدا) على الفلاسفة والفلسفة خطابا وتصورات ومقولات علمية نقيضه ونافية للفكر الغيبي القديم ومقولاته".
تزوير الثقافة قبل الاحتلال الامريكي للعراق شاهدت على شاشة احدى المحطات الفضائية العربية لقاء مطولا لعدي صدام حسين مع كبار الكتاب والصحفيين والمثقفين, خلال اللقاء تحدث عدي فقط وكان الجميع ينصت ويدون الملاحظات ويهز براسة علامة التاييد او يرفع عينيه دهشة من عبقرية الرجل وهم جميعا وبلا استثناء اصروا على التسجيل في أوراقهم والإتيان بإشارات التأييد والموافقة, لم يقل الرجل شيئا ذا قيمة تستحق الاهتمام ولم يحاول ايا منهم أن يرفع صوته أو حتى أن يفتح شفتيه ليسجل ملاحظة واحدة ولو بكلمة حتى لو كانت لتعميق عبقريته أو لتذكيره حتى بشاردة هناك أو واردة هنا. كان الرجل يتحدث وكأنه معصوم عن الخطأ والسهو والجميع ينصت بما يقترب من الخشوع, ترى ما الذي نتوقعه من هذا الشاب وهو يرى هذه العقول تبدي اعجابها بما يقول سوى أن نراه في مناسبة أخرى وهو يستخدم حذاءه في ضرب رجل في إحدى الحانات والقصص حول سلوكه كثيرة, ماذا كان سيفعل والده وهو يرى الكتاب والمثقفين يقومون بكتابة الادب والثقافة باسمه ويطلقون عليه الالقاب والاسماء بلا حدود من المنتصر بالله الى القائد الملهم ويدبجون القصائد باسمه, ماذا كان سيفعل والنحاتين والرسامين والشعراء والصحفيين والمفكرين والمغنيين والموسيقيين وكتاب الاغاني لا هم لهم سوى تمجيد ما يفعل وما يقول, احد في داخل العراق لم يجرؤ على الاشارة للرجل ولو من باب الحرص عليه او محبته الى انه ارتكب هفوة صغيرة هنا او هفوة هناك. بعد احتلال صدام للكويت كتبت سلسلة مقالات في صحف صغيرة في الارض المحتلة ومغمورة فلم تجرؤ صحيفة كبيرة واحدة على المجازفة بنشر تلك المقالات خوفا من جبروت الرجل, ومع ان تلك الصحف لم تكن معروفة ابدا الا ان تلك المقالات وصلت للرجل شخصيا واستشاط غضبا واستدعى احد القادة الفلسطينيين لتوبيخه على ذلك, من ذلك يتضح ان الرجل استهجن كلمة صغيرة في صحيفة مغمورة في بلد بعيد فقد اعتاد على من يعلنون له الولاء والطاعة ومن يطبلون ويزمرون لانجازاته ويجملون جرائمه وهو بفعل النشوة نسي كليا ان اولئك لا يفعلون ذلك الا بفضل الملايين التي تصرف عليهم من خزينة شعبه الجائع, وليس غريبا ان اشاهده على شاشة التلفزيون وهو يتناول الطعام مع جنوده ثم يامر مقاول الطعام بان يشتري لهم الخرفان على حسابه ويكرر على حسابه, دون ان يساله احد من اين لك بكل هذا المال ومن انت حتى ياكل جيش الشعب على حسابك الا لانه صدق انهم جيش صدام وجنوده وفدائييه وليسوا جيش وجنود وفدائيي العراق, ذلك كان بالطبع سيكون منطقيا ان يصل الى نتيجة ان يهدد الرجل قوات التحالف الدولي التي تجمعت لاخراجه من الكويت بالواويات – تاكلهم الواويات- فهل لذلك اي علاقة بالمنطق ولو كان اولئك الذين اتقنوا تزوير الثقافة الكاذبة لبيعها للرجل صادقين مع انفسهم لوجدناهم بعد ان ذهب يستمرون في دفاعهم عنه وعن كفاحه وإنجازاته، لكن العكس هو الذي حصل فهم جميعا بشكل او بآخر تنصلوا مما كتبوا ورسموا وغنوا وعزفوا ونحتوا وشيدوا و...و... لقد عاشت العراق حالة خاصة من الثقافة خلال العقود الثلاث الماضية أو الثلث الأخير من القرن العشرين، حالة من الصراع بين ألذات الواعية كضرورة والواقع المفروض كإلزام بعيدا عن وعي الضرورة وإبداعات ألذات المستقلة بمعنى أن هذه الثقافة عاشت خارج ألذات من جانب وبعيدا عن التلاحم مع الموضوع كضرورة وانشغلت كليا في هلامية غريبة فوقية ـ لقد عاشت الثقافة العراقية كنموذج خارج ذاتها وبعيدا عن مقومات الإنتاج الإبداعي المتواصل مع الموضوع بكل اصالته وانتماءاته الحية للناس، ذلك أن كل تجليات هذه الثقافة جاءت على شكل خضوع مطلق لرؤية فرد الديكتاتور وشخصه وبمعنى أكثر دقة لقد اختصرت إبداعات الناس كمجموع لصالح تمجيد سلوك الفرد، الذي سعى دوما إلى تكريس لكل ما هو ممكن لصالح استمرار سلطته وديمومتها، إن هناك تعارض طبيعي بين الثقافة كإبداع لا يمكنه العيش إلا في فضاء الحرية المطلقة والديكتاتورية كسلطة لا يمكنها العيش إلا من خلال إغلاق مناخات وفضاءات كل ما يمت للحرية وتجلياتها بصلة وبذا فان التعارض الأصيل هذا لا بد له من أن ينجز تفاعل خاص قائم على إلغاء الثاني لصالح الأول والعكس صحيح فالديكتاتورية معنية بإلغاء الإبداع الحقيقي لصالح سلطتها والإبداع الحر معني بنفي الديكتاتورية لصالح تطوره وأداءه وتشكله كثقافة حقيقية حية، فالصراع إذن جذري يمنع التوافق ويسمح للصراع لحد نفي الآخر وإلغائه فالعيش المشترك بين السلطة المطلقة والإبداع المطلق مستحيل. ولذا لجأ النظام إلى إيجاد نموذج بديل للإبداع الثقافي الحي بما يسمى بالثقافة التعبوية أو التوجيه الثقافي لصالح المعركة مع العدو الخارجي والتي بالضرورة يمثل قمة هرمها ونموذجها العظيم في الداخل القائد الفرد ولذا أصبحت إدارة الثقافة تماما كإدارة الجيش من غرفة عمليات خاصة وأصبح شراء الكتابات والإبداعات بالمال تماما كشراء الكفاءات العلمية أو الأسلحة لصالح المعركة العسكرية ، كل شيء ليعيش القائد الملهم الوحيد ، وبهذا أصبح الأدب التعبوي هو النموذج الوحيد للأدب وفصلت القصائد والأغاني والألحان والمسرح والسينما على مقاس القائد وكذا اشتغلت وسائل الإعلام المرأية والمقروءة والمسموعة ، ولذا عاش المبدعين الحقيقيين حالة من الاغتراب بينما تقدم حرفيو النصب والكذب ليحتلوا مراكز الصدارة في عالم الثقافة والأدب في بلد كانت منارة حقيقية لإبداع الثقافة منذ قرون ، هذا الاغتراب انسحب أيضا على القاريء الذي وجد نفسه ملزم بتلقي ثقافة ذات بعد واحد وجذور خاوية وقد تجلى ذلك خلال الحرب العراقية الإيرانية وانطلاق شعارات البوابة الشرقية واستحضار التاريخ الإسلامي العظيم كالقادسية وغيرها وتوظيف لغة التاريخ المجيد للأمة للتعمية لصالح الديكتاتور الفرد وقد اتسعت الهوة بين المبدع والمتلقي فلم يعد هناك مبدع حقيقي ولم يعد هناك متلقي مقتنع بالهراء الوحيد الذي يعرض عليه ( أصبحت هناك مادة لا تجد من يهضمها ، والمصيبة أنها لم تتراجع وظلت العقول خاوية تجتر القديم بينما اتسعت حالة التعمية في أوساط الأجيال الشابة) ويمكن القول بكل وضوح أن مثل هذا الوضع ساهم والى حد بعيد في عزوف الناس عن الاهتمام بالمنتج الثقافي بشكل عام وقلل كليا الاهتمام بالقراءة أو الثقافة بكل تلاوينها فلم يعد المواطن قادرا على احتمال حالة الاستغفال الموجهة ضده من قبل السلطان وأعوانه من أدعياء الإبداع أو الكاذبين والمتعارضين مع أنفسهم من مبدعين رضخوا لإرادة السلطان وساهموا في تكريس شخصنة كانوا الأقدر على تبريرها والدعوة لها دون الآخرين. مع أنني على الصعيد الشخصي والعاطفي اكن كل الود لاسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومع الفروق التي لا بد من الاشارة اليها بين حالة عبد الناصر وحالة صدام حسين وما كان بامكان عبد الناصر ان يفعله لو انه ادار الامور على اساس مؤسسي ولم يترك للمزورين ان ياتوا به بارادته او رغما عنه الى خندق الشخصنة وكيف كان سيرفض وعبد الحليم حافظ يغني له قائلا : يا اللي بتسهر لاجل ما تظهر شمس هنانا احنا جنودك سيبنا بايدك مصر امانه بكره وطنا حيصبح جنه وانت معانا وفي اغنيه اخرى يقول: عدينا بيك البحر حطمنا بيك الصخر وانت زعيم الشعب حارسنا حارسنا والكثير الكثير الذي يعني احلال الرئيس محل الوطن والشعب , اذن فهو الذي يسهر والكل نيام والجيش جنوده هو وليس جنود الشعب والاخطر ان شعبا باسره وبعظمة الشعب المصري يترك مصر – ام الدنيا- بنيلها واهرامها ببرها وبحرها وشعبها امانة في يد رجل واحد , ترى لماذا , هل سيسافر كل الشعب الى رحلة خارج البلاد وهل مصر تحتمل ان تكون امانة في يد رجل , كان بالتاكيد سيصل الى ما وصل اليه من عدم احتمال وجود الراي الاخر وهو يسمعهم يغنون له يا حارسنا , شعب باسره يحرسه رجل!!!! هذه الاغاني كتبها شاعر ولحنها موسيقى وعزفها العازفون وغناها المطرب وجوقته وبثتها كل وسائل الاعلام المصرية لسنين ولكنها اليوم خارج كل ذلك فلماذا نؤسس لثقافة مزورة نخجل منها بعد فترة قصيرة والا اين كل ما كتب عن ناصر والسادات وصدام الان, ولماذا يصدق الزعماء كورال التزوير الثقافي هذا, الا لانهم تعجبهم فكرة التمجيد والتأليه التي يحصلون عليها منهم والا لان ذلك هو الوسيلة الوحيدة ألممكنه لزيادة التعمية في أوساط الجماهير وسوقهم كقطيع من الغنم لإطاعة رجل واحد أو حفنة من الرجال الذين استولوا على سلطة الشعب ومقدراته. ثلاث رسوم كاريكاتوريه نشرها موقع جمال عبد الناصر على الانترنت تشير الى حجم التضخيم لدور الرجل : الاول: يظهر فيها موظف يحضر مسرعا لتقديم شكوى لصورة الرئيس جمال عبد الناصر بينما المدير يقول له – انا مديرك المباشر- هذا يعني ان الموظف لا يعترف بمدير سوى عبد الناصر فالبلد كل البلد تدار من رجل واحد. الثاني:تعليق على فوز مصر على الحبشه بكرة القدم يظهر عبد الناصر كحارس مرمى واللاعبين يقولون – طول م الجون ده واقف ما فيش فايدة – وهذا الجون مات فهل ماتت مصر . الشاعر الكبير زار قباني كتب في رثاء جمال عبد الناصر يقول: قتلناك يا آخر الانبياء قتلناك ليس جديدا علينا اغتيال الصحابة والاولياء نزلت علينا ... كتابا جميلا لكننا لا نجيد القراءة لماذا قبلت المجيء الينا فمثلك كان كثيرا علينا. الكارثة في قصيدة نزار قباني انه جعل من عبد الناصر نبيا ومعنى هذا اننا ملزمون باطاعته والالتزام باقواله وافعاله حتى يوم الدين, ثم هناك جلد لعين للذات فعبد الناصر كتاب وان كان لم يتحدث عن مضمون الكتاب بل عن شكله فان المصيبه ان ( الله يعطي اللحم لمن هم بدون أسنان ) فعبد الناصر ابن مصر والضابط الصغير في جيشها كثير على امة عربيه, اي هذيان هذا واية امة تصل بها المهانة حد الارتهان بشخص أيا كان هذا الشخص وايا كانت صفاته الشخصية وعبقريته.
لغة ميسرة للشخصنة اللغة العربية حسبما قال عنها الاستاذ طه حسين ( لغة يسر لا عسر ) وقد تكون تلك احدى اخطر الاسباب المشكلة لنمطية تفكيرنا والتي تاتي الشخصنه كاحدى اخطر تجلياتها على المسيرة البنيويه للمجتمع العربي بكل ابعادها والسبب ان اللغة هي مرآة اصحابها وتعبير حي عن نمط تفكيرهم وتتجلى السلبيات في اللغة العربية في: 1- اقرب الى لغة الخيال والشعر من لغة العلم فهي غير دقيقة بل مفتوحة وبلا حدود كمساحات الصحراء والبحر والسماء وتلك الحياة التي عاشها العربي ومنها اشتق لغته وقد اعتبر جاك بيرك في كتابه ( العرب – الامس والغد ) ان ( الشرق هو موطن الكلمة.... اللغة العربية بالكاد تنتمي الى عالم الانسان, يبدو انها بالاحرى معارة له...... فضيلة الكلمة مستمدة من شكلها وصوتها وايقاعها اكثر مما هي مستمدة من نوع تطابقها مع حقائق الحياة اليومية...... الكتابة العربية هي اكثر ايحاء منها اعلاما هذه المقدمة إشارة لدور اللغة العربية في نمطية التفكير والتي تساعد على الابتعاد عن المنهجية العلمية، والاستعاضة عنها بكثافة اللغة وغناها، هذا ما يفسر أن العرب استخدموا نمط الإبداع الشعري أكثر من غيره من الألفاظ كالقصة والرواية. 2- اللغة العربية تكتب في معظم حروفها على طريقة المنحنيات التي لا تاخذ شكلا محددا الى جانب انه لا يمكن كتابتها بالاحرف المنفردة بل المتداخلة وهو مؤشر على انعدام الحدود الفاصلة في التعبير وبالتالي في السلوك وهي لذلك تسهل على صاحبها ان يتلاعب بالحركة كما يشاء دون ان يجد نفسه ملزما بالخطوط المستقيمة، فالطفل العربي ومنذ نعومة اظفارة يبدء بتعلم التعرجات قبل معرفة الخطوط المستقيمة وتعطي منحنيات الخط العربي صاحبه فرصة واسعه للابداع بالشكل على حساب المضمون. 3- تسهل التنصل من الموقف فاللغة العربية فضفاضه وهي تعطي صاحبها القدرة على اطلاق العنان للتفسيرات والتاويلات واللعب بالكلمات بما يخدم قدرة مستخدمها على التنصل من الموقف وتقديم تفسيرات مطولة لذلك. 4- للكلمة في العربية مترادغات عدة تسهل القدرة على التلاعب على حساب المضمون فاذا اردنا ان نتحدث عن اشتعال النار مثلا فاننا نختار ان نقول ايا من المفردات التالية ( اشتعلت, اندلعت, تاججت, انطلقت, اتقدت ) ولك ان تبدع اكثر في اختيار المفردات واستخداماتها كان تقول مثلا ( انفجرت النار, او التهبت او اتقدت وان تذهب للقول مثلا اندفعت النار او انفتحت ابواب جهنم كبديل لكلمة الاشتعال وهكذا ) وقائمة المفردات والمترادفات والممكنات طويلة جدا وهي مفتوحة لابداعات قد لا تكون مستخدمة حتى الآن, بالجانب الاخر فان اللغة الانجليزية على سبيل المثال تسمح باستخدام الكلمة الواحدة في اكثر من معنى حسب سياقها وموقعها في الجملة بالمقابل، فنحن مثلا أمام كلمة مشابهة في اللغة الانجليزية وقد وردت في مورد 98 لمنير البعلبكي ص 137 كلمة burn وقد اورد لها البعلبكي المعاني التالية ( يشتعل , يحترق , يتقد "الوجه" , يتصوح "النبات , يموت على الكرسي الكهربائي , يتوهج , يتميز غيظا , يضيء ,ينير ,يقترب اقترابا شديدا من اكتشاف شيء مخبوء او معرفة الجواب" في العاب التسلية" , يحرق , يعمل بوقود معين "this furnace burn" , يحدث بالاحراق او بالحرارة"burned aholein the rug", يصنع او يقسي بالنار"to burn bricks", يكوي , يداوي بالكي , يبدد , يتلف "money to burn", يجتاز بسرعة فائقه "to burn up the road ", يثير , يغضب , يزعج , يغش , جدول , غدير , يكرهه على الخروج لاحراق المبنى الذي يعتصم فيه "to burn a person out", يقطع على نفسه طرق "to burn one’s boats or bridges" , ومن يدقق في الفرق بين استخدام اللغة يجد ان مستخدم اللغة العربية يغرف من بحر المترادفات التي تعطي له مطلق القدرة على استخدامها كيفما يشاء دون ضرورة الحرص على الفروق والتفاصيل بينما يجد مستخدم اللغة الانجليزية نفسه ينحت بالصخر بحثا عن الدقة في استخدام المفردة بمكانها المحدد حتى يصل الى المعنى الذي يريد وان هو زل قليلا سيجد المعنى وقد اختلف مائة بالمائة ما تقدم يبين بوضوح الفرصة الكبيرة التي تقدمها اللغة العربية لاصحابها والمثقفين منهم بالتحديد للعب دور المتنبي من كافور الاخشيدي مرة اخرى وهو الذي ملك القدرة على تحويل قصائد المديح بحق الاخشيدي الى هجاء. لقد ترافق ظهور البلاغة اللغوية عند اليونان بظهور الحياة الديمقراطية وانتشار المحاكم والمرافعات أمامها، مما دفع المرافعين للاهتمام بصناعة الكلام حتى يتمكنوا من الحصول على الحكم المؤيد لموقفهم في حين أن أقدم مظاهر صناعة الكلام عند العرب ظهرت في فن المجادلة والمناظرة والتي يصفها الشيخ أبا القاسم الراغب في كتابة مجمع البلاغة وصفا يشابه ما ذهبنا إليه في مطلع حديثنا عن اللغة حيث يقول" المناظرة والمحاورة والمقاولة والمجادلة والمناقلة والمفاضلة" ثم يفسر معنى هذه الكلمات التي تحمل نفس المعنى مع القدرة على التلاعب بالمضامين بقوله" أفاضوا في الحديث وخاضوا وقد خاوضه وفاوضه وناظره، وتجادل القوم وتساجلوا وتشاوشوا وتهاوشوا وتهارشوا وتذابحوا على كذا كقولك تقاتلوا أو تناضلوا..." وهكذا يستمر السجال في الكلمات دون اهتمام يذكر بأسس البحث والدراسة في فن من فنون الكلام الذي ظهر ليس بهدف السعي لحقيقة ما أو نتيجة عملية ما، بل بهدف لا علاقة له بالواقع سوى إبراز القدرات الكلامية لا أكثر، وهذا الفرق بين هدف بلاغة اليونانيين أمام محاكمهم الديمقراطية وبلاغة العرب بهدف لا علاقة له بالواقع، سوى إبراز القدرات الكلامية، ينسحب أيضا ليصل إلى نمطية تفكير صاحب الكلام للكلام والمتبع لفن المجادلة أو المناظرة عند العرب يجد آثارها لا زالت قائمة في فن الزجل الشعبي حيث يقوم أحد الزجالين بتبني الدفاع عن فكرة بينما يقوم الآخر بالدفاع عن نقيضها، وكثيرا ما يلجأ الزجالون لتبادل الأدوار لإثبات قدراتهم بحيث يفقد المضمون أو الهدف معناه لدى المتلقي ويصبح الهدف هو الشخص القائل- هل أجاد في القول أم لا...هل تمكن من تقمص الشخصيتين معا أم لا..هل أسكت خصمه قولا أم لا، وهو ما يصب مرة أخرى في خانة الشخصنة أي أن اللغة هنا لها دور خدمة الشخص لا خدمة الموضوع أو القضية كما لدى اليونانيين القدماء. . من جانب آخر يمكننا أخذ النموذج السابق للشيخ أبا القاسم الراغب في كتابه "مجمع البلاغة" للدرجة التي وصل إليها الحال في إهمال المضمون والإركان إلى المعنى، وأحيانا بشكل قسري، فقد مجد الشيخ أبا القاسم بين المناظرة والمحاورة والمقاولة مع أن هناك فرقا كبيرا في مضامين الكلمات، فالمناظرة تعبير عن حوار فكري جاد وعميق تستخدم فيه البراهين والدلائل والقرائن، كما أن المحاورة تعبير عن حوار هادف للوصول إلى اتفاق ما أو رغبة ما مشتركة بين المتحاورين، بينما المقاولة عبارة عن رد القول بالقول لفظا ولمجرد الرد لا أكثر. وأعتقد هنا أن من يقبل بتوحيد الكلمات أنفة الذكر لاستخدامها لنفس المعنى بغض النظر عن مضامينها لا يمكن له أن يؤسس لغة علمية منهجية تخدم فكرا علميا ومنهجيا في الحياة بكل تجلياتها، ويروى عن هشام بن محمد الكلبي صاحب "أنساب العرب" أنه قال: " كان كسرى أنوشروان يحفل بالعرب ويستأنس بمشاهدتهم ويرغب في سماع محادثاتهم ومفاخراتهم ومغامراتهم، ولم يدخر وسعا إلا بذله للحصول على ذلك ورغم أن ظهور الدين الإسلامي ساهم في تعميق حوارات فكرية جادة سواء بين الإسلام واليهودية والمسيحية من جهة أو بين المدارس الإسلامية نفسها إلا أن بعض الأدباء والكتاب العرب ظلوا يعطون السفسطة الكلامية أهمية كبيرة وكان منهم كبار الكتاب كما فعل الجاحظ في مناظراته في كتاب "الحيوان"، والبيهقي في كتاب "المحاسن والمساوئ" والثعالبي في كتاب" مدح الشيء وذمه"من جانب آخر فان لغة الخطاب الحضاري العربي لا زالت بعيدة كل البعد عن لغة الحداثة التي تمكنت أوروبا من الإمساك بها بعد قرون من الحراك الاجتماعي المصاحب لحراك فكري فلسفي ثوري ناقض يمارس الإزاحة للقديم والحلول مكانه وفي ذلك يقول د.صادق جلال العظم "إن ما يميز العصر الأوروبي الحديث، هو هذا الاتحاد العضوي الفريد الذي تم بين المصالح الحيوية للطبقات التجارية الصاعدة وبين الاكتشافات العلمية والاختراعات التقنية والميكانيكية الجديدة، لقد أضحى للرأس مال مصلحة حيوية في العلم، كما أصبح للتقدم العلمي مصلحة لا تقل حيوية في الرأس مال، وهذه دينامية حضارية جديدة تماما لم يعرفها الإنسان من قبل، هذا المزيج الجديد، برهن أنه طاقة متفجرة وهائلة إلى أبعد الحدود، مدمرة وخلاقة في وقت واحد، هذه الطاقة هي التي صنعت ما يسمى بالحداثة، وشكلت العالم الحديث وقضت على القديم، كان شعارها: المعرفة قوة، وكان للعلم دورا حاسما في الإنتاج التدريجي للفلسفة الحديثة، تماما كما كان حاسما في إنتاج نوع جديد من المعرفة بالطبيعة وظواهرها، وبالمادة وبقوانين حركتها عبَّر عن نفسه بمقولات جديدة. فإذا رجعنا، أو حاولنا مراجعة أبرز المقولات والتصورات التي سيطرت على الخطاب الفلسفي وتفسيره للعالم قبل عصر النهضة أو قبل المرحلة الحديثة، نجد أنها تضم التالي: الماهية، الجوهر، المُثُل، الفيض، الغاية، الوجود بالقوة، الصورة، الهيولي، الفكرة المطلقة، أو الصانع الأول، التسيير، التخيير، الغيب …الخ، فإذا انتقلنا إلى الفلسفة الحديثة وخطابها، فماذا نجد ؟ نجد تراجعا بطيئا ولكن متزايدا ومؤكدا لهذه المقولات والتصورات الغيبية جميعا لصالح صعود نوع مغاير منها، أخذ يحتل مواقع السيطرة على الخطاب الفلسفي الحديث (خطاب ومقولات عصر النهضة)، مثلا: المكان، الزمان، الجسم المادي، الذرة، الحركة، العلة الفاعلة، الصفات الأولية، الصفات الثانوية، قوانين الحركة، الاستقراء. وكل هذه المقولات مستمدة ومشتقة من العلم الحديث وخطابه ونظرياته، باختصار، لقد فرضت الكوزمولوجيا العلمية الجديدة (المادية الميكانيكية تحديدا) على الفلاسفة والفلسفة خطابا وتصورات ومقولات علمية نقيضه ونافية للفكر الغيبي القديم ومقولاته" ومع ذلك فان الانتقال بأوروبا من العصور الوسطى وظلاميتها اى الحداثة لم يكن ممكنا بدون العديد من الثورات التي أنجزت في تلك البلدان كالثورة في هولندا في مطلع القرن السابع عشر وفي بريطانيا (1641 - 1688)، والثورة الفرنسية (1789 – 1815)وكذا ألمانيا في منتصف القرن التاسع عشر وبذا تمكنت أوروبا من الانتقال إلى عصر الحداثة بثورتين في الفكر والسياسة في العقل وعلى الأرض وهنا من المفيد التنويه إلى التداخل والتمازج بين أهمية ما بدأه الفلاسفة من ثورة في العقل تحضيرا للثورة الاجتماعية وتجلياتها السياسية والاقتصادية والتي لولا الحراك الفكري الذي قادته كتابات فلاسفة تنبهوا لخطورة السيطرة المطلقة لظلامية القرون الوسطى على العقول لما كان بامكان تلك الثورات أن تجد طريقها إلى الظهور والنجاح ولذا لا يمكننا القول ان المجتمع المدني في أوروبا ظهر بفعل قرار حاكم ما أو رغبة عدد من المثقفين بل جاء بفعل تاريخ من الفعل والفعل المضاد ويمكن إعادة بدايات التأسيس لظهوره إلى الأفكار التي بدأها أولئك الذين بداوا بالدعوة للحداثة ومنهم ميكافيللي صاحب نظرية المصلحة باعثة الحراك والتي جاءت لتعبر عن رغبة الطبقة البرجوازية حديثة النشأة، ثم جاء نيكولا كوبرنيكس وحملته على الفكر اللاهوتي الغيبي وبعده جوردانو برونو والذي لاقى الموت حرقا على يد الكنيسة بسبب موقفه العقلاني كما كان لكل من ليوناردو دافينيشي وجاليليو دورهم البارز وقد ساهم هؤلاء بدءا في بدء الحراك داخل الكنيسة نفسها فكانت حركة مارتن لوثر كحركة دينية إصلاحية وكذا دعوة فرنسيس بيكون إلى إتباع المنهج العلمي في التفكير اعتمادا على الفهم المادي للطبيعة وظواهرها وسلسلة الأسماء تطول من ديكارت إلى لوك، مونتسيكيو، فولتير، كوندياك، جان جاك روسو وفي هذا يمكن القول أن أهم ما جاء به هو تأكيده على شرط التلازم بين ما هو نسبي وبين الحرية والمساواة فهو لا يرى "مكان في عقده الاجتماعي لمواطن غني إلى درجة تمكنه أن يشتري الآخر، وفقير إلى درجة يضطر فيها إلى بيع نفسه، لقد أدخل روسو عنصر المساواة إلى المجتمع المدني، وبذلك جعل العدالة الاجتماعية شرط الحرية". وقد أوضح بكل جلاء في ذلك بان المصدر الرئيسي لكل تناقض وصراع بين البشر على الأرض وبين الحضارات يكمن في الحقيقة إلى التفاوت في حجم الملكية للأرض وأدوات الإنتاج وبذا يمكن القول أن روسو أسس للمجتمع المدني منذ أن صرخ على لسان ذلك الفلاح وهو يقيم سوره على قطعة الأرض ويصرخ – هذه الأرض لي -، مما تقدم يتبين حجم الدور الذي لعبه الفكر الفلسفي النقدي في أوروبا في التحول من المنظومة الإقطاعية وتجلياتها إلى المنظومة الرأسمالية وتجلياتها وما لذلك من دور رئيسي في ترسيخ مقومات المجتمع المدني بعيدا عن تواصل الرؤية النقدية لهذا البناء الرأسمالي الفوقي لدى فلاسفة الفكر اليساري أمثال هيجل وماركس وانجلز وغرامشي وغيرهم.
أمراض الشخصنة
العديد من الأمراض الاجتماعية لا زالت تؤثر سلبا في الشخصية العربية، وبالتالي فهي تؤثر إلى حد بعيد في آراء العربي وسلوكه الاجتماعي وهذه الامراض جاءت كنتيجه طبيعية للظروف التي تطور منها العربي، ومن المفيد الإشارة إلى أن التأثير الخارجي من الاستعمار وبكافة أشكاله القديمة والحديثة كان له الأثر الأكبر في ازدياد تأثير هذه الأمراض عبر سعيه لتكريسها وإشاعتها وتجذير وجودها وبالتالي تأثيرها على الشخصية العربية، ومن هذه الأمراض. . 1)الفردية: إن اعتماد العربي على الزراعة كان له تأثير في بناء شخصيته، فهو مزارع فرد يعتمد على نفسه وأسرته في كسب الرزق عبر أداء يكاد يكون منعزلا وإن بشكله المباشر عن الآخرين، فهو يجد نفسه يحرث الأرض ويزرعها ويجنيها ويسوقها بمعنى أنه يبدو وكأنه يقوم بكل شيء منفردا، حتى أنه هو الذي يوفر البذار للعام القادم من محصوله وبالتالي ينمو لديه الشعور بأنه كل شيء وأن الآخرين لا يعنون شيئا بالنسبة له، بل على العكس هم يحتاجونه لدرجة خطيرة وينتظرون محصوله بفارغ الصبر، لولاه لما تمكنوا من الحصول على غذائهم، الفلاح الصغير يقوم بعمله في أرضه منعزلا عن الآخرين معظم أيام السنة، وهو يحتاج الآخرين فقط للتسامر وقضاء أوقات الفراغ بدون هدف. من جانب آخر فإن أحدا لم يسعى لإبراز الجوانب الإيجابية لدى الفلاحين الصغار وينميها، فهم يقومون بأعمالهم العامة بشكل مشترك، وهناك ظواهر تاريخية منتشرة في أوساط الريف في البلاد العربية، كظاهرة "العونة" في المواسم، أو البناء أو المناسبات الاجتماعية، والفلاح هنا يحتاج الآخرين بشكل كبير ويصبح لوجودهم أهمية قصوى بالنسبة له، فهو يحتاج الآخرين في المفاصل المهمة في حياته الاجتماعية والاقتصادية وهو بدونهم غير قادر على تحقيق اهدافعه الكبيره وبالسرعه التي يحتاج. وهناك مناطق حلت مهنة تربية المواشي فيها بدل الزراعة، وهي تؤدي نفس الغرض، فصاحب المواشي أو مربيها هو نفسه الراعي وهو نفسه الذي يعتني بها وهو الذي يقوم بتسويقها أو تسويق منتجاتها كالحليب ومشتقاته أو اللحوم والجلود. ويمكن معرفة النقيض من ذلك من قراءة واقع المدن الساحلية والتي اشتغل سكانها في البحر، فهم تعلموا أهمية حاجتهم للآخر في مواجهة هذا العملاق الكبير، فالبحر مخيف، مظلم ومجهول، وفي نفس الوقت يمكنه توفير الرزق للجميع، فلا يخاف الصياد أو البحار من زميله على قطعة الأرض الخاصة به للزراعة أو للرعي، بل على العكس يشعر باطمئنان أكثر بوجود الآخر بجانبه، لذا نجد أن المدن الساحلية قبلت الآخر أيا كان، ومعظم المدن الساحلية يتعايش بها العديد من القوميات والأجناس والأديان بشكل طبيعي، بينما يبدو ذلك صعبا أو مستحيلا في المناطق الرعوية أو الزراعية، فالفلاح أو الراعي قادر على تحقيق ملكيته وتحديدها وحمايتها في حين أن ذلك مستحيل بالنسبة للبحار أو الصياد، فالبحر أقوى من أن يتمكن أحد من السيطرة عليه. فالشخصية العربية الزراعية أو الرعوية لم تعرف التكاملية في نشاطها الاقتصادي الإنتاجي، ولا بد لذلك إذن أن ينعكس على أدائها الاجتماعي والسياسي والثقافي فكرا وسلوكا، فالشخصية التكاملية أو التتابعية التي تدرك علاقة دورها الخاص بدور الآخرين بالملموس تصبح أكثر استعدادا لإدراك الآخر وأهميته. 2)الأنانية: تنبع من الملكية المطلقة والنظرة الأحادية الجانب للأشياء، وأسلوب الإنتاج الزراعي الصغير أو الرعوي هو الأساس في بناء ذلك، فالمزارع الصغير أو الراعي يدرك أنه سيد الموقف وأن لا أحد سواه له دور في أشيائه، فأرضه ومحصوله وقطيعه، وهو يوظف لذلك أسرته الصغيرة ويمارس دور السيد ومفاهيم معقدة تعتمد على الأخلاق والعادات والتقاليد ونظم اجتماعية مثل العيب والتي يذكر الجميع سعي نظام أنور السادات اعتمادها في استبقاء سلطته وقوته ككبير العائلة أو العشيرة، ورغم إشارتنا السابقة إلى أهمية قراءة التجربة العشائرية بروح نقدية لمعرفة الغث من السمين فيها، إلا أن الحاكم الفرد يرى في السلطة الأبوية العشائرية جانب الطاعة له ولا يرى على الإطلاق الشفافية شبه المطلقة التي كان يتحلى بها زعيم العشيرة، ووقوفه الدائم في مقدمة عشيرته في الضراء قبل السراء، وليس العكس في النظم الشمولية الحديثة. الأنانية إذن تؤهل الفرد للتمسك بسلطاته المطلقة أنى كان وحيثما عمل، فهو السيد المطلق الذي لا ترد له كلمة وعلى الجميع إطاعته وتنفيذ آراءه بدون تفكير.
3)الافتعالية: يعتمد الفلاح والراعي في حياته الاقتصادية على الصدفة وحدها، فهو لا يدري أي المحاصيل عليه زراعتها هذا العام ولا يدرس نظام العرض والطلب ولا يعتبر نفسه جزءا من منظومة اقتصادية متكاملة فهو يفكر ويقرر وينفذ وحده ثم يترك الأمور للظروف، وكذا في الحالة الرعوية فهو لا يعرف أين وكيف ومتى سيجد الأرض المناسبة للإقامة ويترك ذلك للصدفة تقتاده، فهو لذلك شخص افتعالي، مزاجي، متقلب الأطوار غير مستقر، وهذا يؤثر على بنيته وسماته وبالتالي على ادائه العام. كل ما تقدم يوفر لنا شخصية ليس لديها أدنى استعداد لقبول المؤسسة أو قبول الرأي الآخر، ولذا نجد ذلك يتجلى تسلطا أبويا في الأسرة أو البلد أو العشيرة، ثم ينتقل ليصل إلى السلطة السياسية الديكتاتورية المطلقة والشمولية التي تخون كل ما عداها وتسعى لإلغائه على قاعدة عدم أهميته، وأن وجوده معيق حقيقي لشرعية وجودها. 4)الدونية والتبعية: كثيرة هي المرات التي تصادف لقائي ببعض الاجانب الذين يتقنون اللغة العربية ويرغبون بالتحدث بها ولكنهم عادة ما كانت تجابههم عقبة واحدة ان من يلتقوهم من العرب يصرون على تجاهل حديثهم بالعربية ويخاطبونهم باللغة الانجليزية علما بان بعضهم ليسوا ممن يتحدثون الانجليزية كلغة أم وان من يخاطبهم بالانجليزية يكاد لا يتقن منها شيئا ومع ذلك يصر على استخدام مفرداته الركيكه المتداعية مع اي اجنبي يلتقيه والسؤل لم ذلك؟, لم نصر نحن العرب على اشعار كل اجنبي انه متفوق علينا حتى بلغته بينما نناطح السماء بيننا وبين بعض ويتجلى هذا في استخدام الشبان العرب للمفردات الإنجليزية أو الفرنسية في حديثهم الشخصي وهم يتبادلون التحية عادة بالإنجليزية، بينما تستخدم الحروف والكلمات والمختصرات الأجنبية في الإعلان عن الماركات أو الشركات أو المتاجر العربية وكثيرا ما تجد اليافطات في العواصم العربية باللغة الإنجليزية أكثر منها في العربية، وقد لاحظت ذلك على سبيل المثال في مدينة مثل دبي فأنت لا يمكنك العيش في هذه المدينة أو العمل بها إن لم تتقن اللغة الإنجليزية فهي اللغة الوحيدة تقريبا المستخدمة هناك وقد يقول قائل أن السبب في ذلك هم العاملين من جنسيات أخرى في قطاع الخدمات، وهؤلاء العاملين هم من جنسيات آسيوية باكستانية أو هندية أو غيرها ومع ذلك ليست لغاتهم الوطنية هي السائدة. هذا الشعور بالدونية والتبعية تجاه الاجنبي مرده الى الاحساس الدائم بالنقص من قبل من يستهلك تجاه من ينتج, ومن ياخذ مقابل من يعطي, ومن يبدع مقابل من سادت سادت سادت ينتظر, فغالبية الدول العربية بحكوماتها وشعوبها ومنظماتها الغير حكومية تتلقى مساعدات من الدول الغربية وبالتالي فمن أين تأتي القدرة لنا لكي نصرخ في وجوه من يدفعون لنا ان كفى عنجهية وصلفا وعداءا لنا ولقضايانا. سادت المساعدات التي نتلقاها تأتي من جيب دافع الضرائب الغربي في حين إن مواطنينا فقراءهم وأغنيائهم يتقنون فن نهب المال العام والتهرب من الضرائب بشتى السبل والوسائل بينما يستشري الفساد في الدوائر الرسمية والحقيقة المرة هي أننا لو دفعنا التزاماتنا لخزائن بلداننا ولو توقف الفساد في دوائرنا الرسمية فقط إلى جانب قيام أنظمة حكم دستورية ديمقراطية لكنا قادرين على الوقوف في وجه كل الأعداء.
الحضانة المتواصلة للشخصنة
يرضع الطفل العربي منذ طفولته حليب الشخصنة في الأسرة لتنتقل معه إلى المدرسة ومنها إلى العمل والبلدة والوطن فدائما هناك السيد صاحب الرأي المطلق الذي يجب علينا إطاعته طاعة مطلقة فالذكر هو السيد بالنسبة للأنثى والأخ الأكبر سيد الأصغر والأب سيد الجميع وفي الحالات النادرة التي تجد المراة القدرة على إبداء رأي أو القيام بدور بارز يصبح الرجل محط التندر لمواطنية القريبين, فكلمة عيب تلد معنا فمن العيب إن لا تطيع الأنثى أوامر الذكر ومن العيب أن لايطيع الصغير الكبير أو لا يطيع الجميع رب الأسرة وعادة ما يترافق ذلك مع كذب فاضح فالطفل في الأسرة العربية إن هو أتى بعمل لا يرضى عنه سيد الأسرة يقال له في كثير من الأحيان ( لا تفعل كذا لأنه عيب وماذا سنقول للناس ) بمعنى إن همنا ليس إن لا تقوم بالعمل ولكن كيف نبرر العمل ويتم تلقين الطفل تعاليم الدونية للآخرين فعليه أن يقبل يد الكبير وان لا يجلس بحضرة الكبار وان ينحني لتقبيل يد كل الكبار في العائلة وان يقبل مداعباتهم دون أن يحق له أن يحتج بل إننا نقدم أطفالنا لضيوفنا لتمضية الوقت فالطفل مجبر على أن يغني وينشد ويعيد حركاته التي أحبها الكبار وهو لا يملك القدرة أو الحق برفض القيام بهذا الدور. إن هذا النموذج للأسر العربية والذي يشكل الغالبية العظمى منها تقليديا رغم ظهور التحولات الواضحة بظهور المجتمع المتمدن يجعل من الرجل او الاكبر او الاب الوصي وهو يؤسس لنمط من البنية للشخصية الفردية والجماعية بحيث يصبح الاب ضروري وبدونه فالحياة تصل الى حد الاستحالة ولذا نتجه الى شخصنة كل قضايانا والبحث عن الوصي من منطلق استمرار الشعور الدائم بالقصور كما تربينا منذ الطفولة, في كتابه "مذكرات ثقافة تحتضر " يقول غالي شكري في ص 403 ( ام ان مصر لا تزال مجتمعا "ابويا" ورغم قسوة الاب, فان موته يعني خراب الديار ؟ ام ان الشعب المصري مريض بالسادية يعشق معذبيه ويرفض مفارقتهم, شعب قاصر يطلب الحماية مهما كان الوصي فانه بطل ) والحقيقة ان الشعب المصري ليس ساديا بل هو ينتمي حقا الى الاسرة الابوية التي تصنع القصر وليس الراشدين وهم لذلك انتحروا وبكوا واظهروا كل مظاهر الحزن والقلق والخوف وبعضهم اعتقد ان الحياة انتهت الا انهم عادوا بعد ذلك وصفقوا للرجل الذي الغى كل نموذج عبد الناصر في الحكم فهم اذن يبحثون عن الاب والاب فقط ايا كان على قاعدة المثل الشعبي ( اللي بيتزوج امي هو عمي ) ايا كان هذا الزوج فهو الحامي الوصي المسئول وكل منا وكما تربينا لا يستطيع الاستمرار دون الوصي هذا , الذي ندفع به بايدينا لان يتحكم بكل شيء وايا كانت مشاربنا او اتجاهاتنا الفكرية فنحن نفكر بكل السبل لنصل الى نفس النتيجة فهذا غالي شكري يصل بنفس الكتاب بعد ذلك للقول في ص409 ( لقد حمل عبد الناصر بين جنبيه وهو يجيء كالطيف الى حكم مصر صورة "اله الخير العائد".............. وكانه احمس يبعث من جديد ليطرد الهكسوس ) وغالي شكري معروف ككاتب يساري ومع ذلك كانت هذه وحدة من التصورات التي قدمها لعبد الناصر كاله الخير العائد. هذا الطفل , الولد , الشاب , يجد نفسه في المدرسة اما منهاج تلقيني وانه يقضي اثني عشرة عاما من عمره وهو يجد ليصل الى لحظه يتوقف فيها كل مستقبله عليها فهو ممنوع ان يمرض وممنوع ان بتعب وممنوع ان لا يجيب على كامل الاسئلة وهو ان لم يتمكن لحظة الامتحان المتوقفه على مزاج واضع الاسئلة ومزاج المراقب والمدقق والمصحح فسيفقد كل السنوات التي قضاها في مدرسته التي يتحكم بها المدرس والمدير بل والآذن في كثير من الاحيان وهو عليه فقط ان يقبل التلقين كعلم وان ينفذ الاوامر التي تلقى عليه , هذا الشاب سيجد نفسه ان اجتاز امتحانه في الجامعة وايضا امام نفس الالية التلقينية ونفس اسلوب الادارة ونفس نموذج الوصاية من الادارة والمدرسين , هذا الرجل سيخرج من الجامعة الى العمل ليجد الواسطة والمحسوبية والفوضى تعم الدنيا وهو ان وجد عملا مناسبا لمؤهلاته سوف يجد نفسه مضطرا على احترام اوامر مدير او صاحب العمل وتنفيذ اللوائح دون حق بالابداع او التجديد او المبادرة , مثل هذا هو نموذج المواطن العربي الذي سيحتاج الوصاية في كل المراحل ومن اي كان.
المأسسة لا الشخصنة نحن بحاجة ماسة الى ماسسة حياتنا بدل شخصنتها واحلال المؤسسه بدل الشخص وهناك فرق كبير بين الشخص الذي يبتلع المؤسسة لصالح الخاص وبين المؤسسة التي تبتلع الشخوص لصالح العام وعلى صعيد الادارة او الحكم فان هناك فوق كبيرة بين ديكتاتورية الشخص وديكتاتورية المؤسسة وتتجلى هذه الفروق فيما يلي: الاشخاص تحكمهم المزاجية والانانية والفردية في حين تحكم العمل المؤسسي الانظمة والقوانين والعمل الجماعي. عادة ما تكون الاهداف لدى الاشخاص متمحورة حول شخوصهم, في حين تملك المؤسسة برنامج ورؤيا واضحة ومحددة الاهداف. الشخوص مطلقي الصلاحية يقودون الآخرين نحو الدمار ويلغون ادوار الآخرين ويمنعون عطائهم بينما توفر المؤسسة فرصة الاباع والتطور والاستفادة القصوى من قدرات وخبرات الجميع. الشخوص يلغون الانتماء العام ويحولون كل شيء بما في ذلك الوطن ليصبح اقطاعيتهم وناسه اقنان وتكرس اخضاع العام للخاص في حين تكرس المؤسسة الانتماء للوطن واالعام والمجموع وتضع الافراد في خدمة مجتمعهم والخاص في خدمة العام. الشخوص يقودون مجتمعهم الى الفوضى ورفض الانظمة والقوانين وتكريس لحياة الفوضى بينما ترسخ المؤسسة احترام اللوائح والقوانين وتحدد علاقات الفرد بالمجموع وبالعكس. الشخوص يقودون الوضع الى ديكتاتوريتهم المطلقة دون ادنى اهتمام بالنتائج ويصبح القائد اهم من الوطن والمؤسسة تقود نحو الدستورية والديمقراطية والعمل الجماعي. الشخوص يوصلون بلدانهم نحو الدمار والتخلف والمؤسسة تقود البلد نحو التطور. الشخوص يقودون بلدانهم إلى نهاياتهم بشكل او بآخر ومعهم تصل البلد والمؤسسة الى نهايتها لانها فصلت على مقاسهم بينما في العمل المؤسسي يفصل الاشخاص على مقاس المؤسسة واهدافها وبرامجها ويغادرون ليحل مكانهم آخرون ويستمر العمل ويستمر التطور فالشخص تخدمة البلد حتى يموت وقد استنزف البلد ليصبح عليها ان تبدأ من جديد والمؤسسة تخدم البلد حتى تتطور وتتطور معها مؤسساتها. وعليه فان الانظمة والمؤسسات التي تحكمها الدساتير والانظمة واللوائح ايا كانت هي التي تدوم وتتطور وتحقق الانجازات, والا فان اولئك الذين يغدقون من آبار اللغة اوصافا بلا حدود على قادتهم من البطل الى المعلم الى القائد الى النبي براي نزار قباني والاله براي غالي شكري ستجد نفسها مضطرة على عبادة هذا الصنم الذي صنعته وهي ملزمة على طاعته وخدمته وبدل ان يكون اله الخير يتحول الى اله الدمار والخراب الى ان يذهب فنعود لنصنع اله آخر وافواه اخرى كالجراد, تلك هي مصيبة هذه الامة بانها تصنع اصنامها فياكلوها وليس العكس.
المنطق المثالي المنقوص
تلجأ الأنظمة الشمولية إلى استخدام المنطق المثالي على طريقة أرسطو وفلاسفة الأسياد شريطة أن يخدم هذا المنطق مصالحها، والذي يعود بذاكرته إلى أنظمة القومية العربية كالنظام الناصري في مصر يرى حجم إصراره على سلامة رؤيته ورأيه، فعلى سبيل المثال كان كل من يعارض هذا النظام يصب في خانة الأعداء ويتهم علنا بالعمالة لصالح الصهيونية وإسرائيل، فهو معيق لمسيرة الأمة وتقدمها، وعلى الشعب أن ينسى مشاكله الصغيرة كالخبز والحرية والضمان الاجتماعي والصحي والمسكن والملبس وما شابه، لصالح المعركة الكبرى، معركة المصير والكرامة وما إلى ذلك من شعارات دون أدنى اهتمام بإدراك حقيقة أن الجائع المنهك المظلوم المقموع، لا يمكنه أن يحرر أرضا أو أن يواجه الأعداء، وقد بدا ذلك واضحا أكثر في نظام صدام حسين في العراق، الذي اختزل الوطن بالحزب، واختزل الحزب والوطن والشعب بشخصه، وأصبح هو الذي "لا ينطق عن الهوى" وما سواه هرطقة وخيانة ووصل به الأمر حد الوصول إلى انتخابات بنتيجة مائة بالمائة، ليس من المشاركين بالتصويت، بل من أصحاب حق الاقتراع، فأي هراء وقح هذا، خمسة وعشرون مليونا، نصفهم في أضعف الإيمان أصحاب حق اقتراع، يعني أن أكثر من اثني عشر مليونا صوتوا في يوم واحد، لم يمرض أحد، ولم يمت احد، ولم يتأخر أحد، لم يحدث حادث سير واحد منع صاحبه من الوصول إلى صندوق الاقتراع، من هم في غرف الإنعاش وعلى أسرة الموت والمقعدين والمشلولين والمجذوبين والمصابين بالسرطان والصرع جميعهم صوتوا، وصوتوا بنعم، معارضين وأبناء مفقودين، ذوي من قتلوا ظلما أو بحق، جميعهم راضون وموافقون على أداء صدام حسين وحكمه وصوتوا بنعم. صدام حسين وأمثاله استخدموا منطق أرسطو المثالي وإن بشكل انتقائي متناسين الواقع المعاش لجماهيرهم وشعبهم، هم بهذا لا يقلون على الإطلاق عن الفوهرر هتلر صاحب شعار"الفوهرر يفكر عنا"، ونحن أي الشعب علينا الطاعة المطلقة فقط. صدام يحارب أميركا...أميركا عدو الشعوب، صدام إذن مع الشعوب، من هو ضد صدام ضد الشعوب، أميركا ضد التقدم...صدام ضد أميركا، من هو ضد صدام فهو إذن مع أميركا، وبالتالي ضد التقدم. أميركا تؤيد إسرائيل...صدام ضد أميركا، من هو ضد صدام إذن هو مع أميركا وبالتالي فهو مع إسرائيل. هكذا تقاس المسائل وفق رؤية أرسطو المثالية، وعلى قاعدة أن الفكر الإنساني هو عبارة عن مجموعة من البديهيات المطلقة، والمطلقة فقط، ومع ذلك فإن فان أرسطو جعل من بديهيته ان كل انسان فان تقوم على مبدا القياس لكل شيء وهو القائل ان ارسطو انسان وكل انسان فان اذن ارسطو فان, ومن هنا انطلق ارسطو في قاعدته المثالية التي يسعى أتباعه المثاليين الجدد التنكر لها، وكأنهم مخلدون بلا نهاية. المنطق المثالي بعيد عن قراءة واقع الناس وقضاياهم، وهو يقرأ ويفكر ويستنبط ويقيس من محض فكره المجرد، ومثال مدينة الفارابي الفاضلة ناصع في ذلك، فالفارابي استقرأ مثاله من حالة البدن الصحيح وهو يقول "أي الفارابي" إن المدينة الفاضلة تشبه البدن الصحيح، ولما كان العضو الرئيسي في البدن هو القلب، وبصلاحه تصلح بقية الأعضاء، فلا بد أن يكون في المدينة الفاضلة رئيس فاضل كذلك، وإلا فإن المدينة تسير في سبيل الهلاك"وقد ورد ذلك في طبعة البيان العربي لمقدمة ابن خلدون ص ( 504 ) وعلى هذه القاعدة يأتي اعتقاد الرؤساء أنهم الأسياد الفاضلين، وبدونهم فإن الهلاك هو مصير الأمة. . مثال آخر عن القضية نأخذه عن العالم المعروف فخر الدين الرازي الذي قال إن علم الفراسة صحيح في عالم الحيوان، وبالتالي يجب أن يكون صحيحا في عالم الإنسان، وهو-أي علم الفراسة- برأي الرازي يستند إلى العلم الطبيعي كالطب. والرازي يورد أمثلة على صحة علم الفراسة بشأن الانسان كبديهيات مطلقة، فهو على سبيل المثال يقول: - من كان ضخم الوجه فهو كسلان جاهل، هذا الدليل مأخوذ من الثيران. - من كان صغير الوجه فهو رديء خبيث ملق، هذا الدليل مأخوذ من القرود. - من كان طويل الوجه فهو وقح، وهذا الدليل مأخوذ من الكلب. وهو يضيف:" إن قبيح الوجه يكون حسن الخلق". الرازي والفارابي وقبلهم أرسطو هم ينابيع فكر الأنظمة الشمولية التي ترى في فلسفة المنطق المثالية قاعدتها في الحكم وعليها فهي مطلقة اليد في إدارة شؤون الناس كما تراه من وجهة نظرها صحيحة، لكن هذا المنطق ثبت بكل الأسس والتجارب والدراسات العلمية الواقعية بطلانه، وبالتالي بطلان ما هو قائم عليه، ومع ذلك تصر الأنظمة الشمولية على اعتماده مغلفا بمفاهيم وشعارات طنانة وأيديولوجيا مثالية تشبه الهرطقة الى حد بعيد.
عدنان الصباح العرب بين شخصنة المسائل و مسألة الشخوص دراسة نقدية
الإهداء إلى جمال عبد الناصر الذي حاول صناعة الوحدة العربية دون مأسسة فذهب وتراجع الحلم كثيرا إلى صدام حسين الذي حاول مقاومة أمريكا دون مأسسة فذهب واحتلت العراق إلى شكري القوتلي الذي تنازل عن كرسيه للوحدة دون مأسسة فذهب الكرسي وذهبت الوحدة إلى سوار الذهب الذي حاول تطبيق الديمقراطية دون مأسسة فغاب وغابت الديمقراطية عدنان
اعتراف واعتذار اعترف بان ترددي في نشر هذه المادة فاق كل حد وان السبب الوحيد لذلك انني لم اجد مفرا من التطرق لتجربة الزعيم جمال عبد الناصر فهناك رباط عاطفي عجيب بيني وبين اسم هذا الزعيم الخالد مثل ملايين العرب، ولكنني اخيرا قررت ان افعل للسبب نفسه وهو انني انتمي لزمن جمال عبد الناصر وان الرجل بفضل صفاته الشخصية وبفضل ما كسبه من تاييد شعبي عربي مسئول اكثر من غيره عن ما آلت اليه حالتنا، ومع ذلك وجدت لدي شعور داخلي باهمية الاعتذار الى روحه دون ان افقد ما كتبته قيمته فهناك فرق بين الحقائق والعلم وبين المشاعر الشخصية.
مقدمة قبل الاحتلال الامريكي للعراق بقليل التقيت بالسيد سعد قاسم حمودي في تونس في بيت احد الاصدقاء وبناء على طلب السيد حمودي نفسه، وقد أدرنا حوارا طويلا لكن الرجل لم يحتمل مني ان اقول له انني لااتفق مع سياسات الرئيس صدام حسين ومع أنني قلتها بكل الدبلوماسية المطلوبة إلا أنني وجدت الرجل يسعى جاهدا لانهاء اللقاء بالسرعة القصوى, ومن اللحظات القليلة التي تطرقت بها لنقد رئيسه بدا الارتباك على الرجل, كان واضحا انه يقتنع بكل كلمة اقولها لكن بعض وجوه المرافقين الذين كانوا هناك كانت اقوى من قناعات الرجل, الذي قادني موقفه لرؤية حجم كارثة ان يسيطر شخص ما على عقول شعب باسره بما فيهم قادته ودفعني ذلك جديا للكتابة في موضوع العرب بين شخصنة المسائل ومسألة الشخوص وكان لا بد لي في سبيل ذلك من ان اقوم ببحث ممل وطويل وللاسف فان القليل القليل من المقالات السياسية فقط هي التي تمكنت من الحصول عليها حول موضوع الشخصنة، وان كانت لم تتطرق الى الموضوع الا من حيث الاشارة بعموميات لا اكثر، وقد كان صعبا علي ايجاد كتابات منشورة استخدمت تعبير المسألة, وقد كتبت العديد من اجزاء هذه الدراسة وانا اسافر من بلد عربي الىاوروبي واحاول المقارنة فلم اجد صورة او شعارا لزعيم غربي في اي مكان عام او شارع او سطح بناية ولم اقف امام تماثيل الاحياء الذين يدرون ان المعاول من نصيبها ان هم رحلوا عن الدنيا, ثم انه لفت انتباهي وانا اتابع انه باستثناء لبنان فلا وجود في عالمنا العربي للقب الرئيس السابق لرجل عربي استمر فوق الارض بعد خروجه من الحكم بساعة واحدة وبطريقة سلمية سوى رجلان الاول هو شكري القوتلي الذي تنازل عن السلطة لصالح الوحدة وعاد الى بيته مواطنا عربيا عاديا والثاني هو سوار الذهب الذي امسك بزمام السلطة لفترة قصيرة حتى اتم اجراء الانتخابات وعاد هو الآخر الى بيته مواطنا عاديا, ومن باب خفة الدم لدى احد الاصدقاء قال لي ونحن نتحدث عن الرجلان هل تاكدت من ان الرجلان فعلا من والدين عربيين, فالواقع العربي لم يقدم سوى هاتين الحالتين النادرتين, ثم جاء موقف العقيد القذافي وفتحه الابواب على مصراعيها بما فيها خزائن اجهزته الامنية امام الادارة الامريكية بدون حدود, هذان الرجلان صدام الذي اصبحت العراق لا تعرف الا باسمه " عراق صدام" لا صدام العراق وكذا الحال مع ليبيا القذافي, هذان الرجلان دفعاني لنبش ذكرى رجل اعترف بمحبته على الصعيد العاطفي واعترف بانني احترمته ولا زلت على الصعيد الشخصي فهو لم يلوث بكلمة واحدة ابدا لكنني مع ذلك أرى أن نقاءه وعظمة أهدافه وصدق انتماءه كل ذلك ساعد الآخرين في التأسيس لأكبر جريمة في تاريخ الامة العربية بتقديمه النموذج لامثال صدام حسين والقذافي ليحصلوا على جماهيرية زائفة في فترة من الفترات من خلال الالتصاق بتجربة واسم جمال عبد الناصر, ولذا قررت ان اخوض بتجربته كانجح النماذج لانظمة الشخصنه وانظفها وأكثرها شعبية في عالمنا العربي لكنها ايضا ادت الى نفس النتيجة.
لذلك اهديت بحثي هذا لسوار الذهب وشكري القوتلي وجمال عبد الناصر وصدام حسين وعديدة هي الأسباب التي منعتني من الزج باسم أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في القائمة، ذلك الرجل الذي ضرب نموذجا شخصيا في نزاهة الحكم ونظافة اليد والذي أقدم بكل الجرأة على إلغاء امتيازات بني أمية لكنه أيضا مارس ذلك بعفوية الشخص وبعيدا عن مأسسة للنهج فكان أن دفع حياته ثمنا لذلك وعادت الأمور إلى ما كانت عليه, في حالة جمال عبد الناصر كنا امام رجل وجد الجرأة يوما ليدرك انه وحده المسئول عن حرب عام 1967 ولذا ذهب لحد تقديم استقالته مهما كانت التحليلات لذلك من خصومه ومؤيديه فقد وقف الرجل علنا ليعلن عن تحمله كامل المسئولية واستعداده للعودة الى صفوف الجماهير لمتابعة مشوار الكفاح, اما في حالة صدام حسين فقد قاد واحدة من اغنى الدول العربيه ان لم تكن اغناها على الاطلاق للدمار المطلق والتهلكة في سبيل الحفاظ على حكمة وحكم اسرته وبتزوير علني لاسم حزب عربي عريق والعقيد القذافي اراه لم ينم ليلة واحدة بعد مشاهدته لصور زميله وهو في الاسر حتى اطمان لعلم اميريكا وجيشها انه قد رفع يديه ورجليه.
اية مهزلة للحكم هذه وما هي جريمة تلك الشعوب حتى تحتمل كل هذا الدمار فقط لارضاء اهواء رجل واحد كل ميزاته انه قادر على التامر وممارسة القتل علنا وعلى رؤوس الاشهاد وما ذنب هذه الشعوب التي تجبر على تحويل كل تراثها وثقافتها الى خدمة شخص واحد لا اكثر وان تصفق له وهو يقتل ويسجن وينفي ويسرق وينتهك كل المحرمات، شعوب بأسرها ملزمة على أن تغني على هوى رجل واحد حتى لو كان كل سلوكه يقترب من الشذوذ دون أن تملك حق الاعتراض ومن يجرأ فان مصيره الموت أو السجن أو النفي، كل تلك الأمور تضعنا أمام سؤال كبير... ترى من هو المجرم الحقيقي في هذه التراجيديا التي شكلت نهاية صدام حسين ودمار اسرته ناهيك عن دمار العراق وشعبه وما اصاب الامة العربية من دمار جراء سياساته اكثر فصولها ماساوية كان على صعيد الشخص نفسه، هل الشعوب نفسها بريئة من ذلك وهل مثقفيها الذين صاغوا للديكتاتور القابه واسمائه واغدقوا عليه بالقول واستخدموا كل الابواق في سبيل تضليل مواطنيه بريئون مهما قدموا من مبررات ولماذا لا يجد زعماء الغرب مثقفون يباعون ويشترون بكل هذه البساطة ولماذا يجد الكاتب أو المثقف أو الصحفي نفسه في الغرب مراقبا من الرأي العام؟ ، إن من البديهي معرفة أن الوعي و الانشغال الثقافي الواعي مقترن الكينونة بوجود الحرية شكلا ومضمونا، وهذا ينطبق على الأنماط والنماذج الثقافية الرسمية والأهلية التي سعت إلى دفع ظاهرة الديكتاتورية الفردية وتجلياتها إلى التواصل والقدرة على الحياة والاستمرار ووفرت لها الغطاء الروحي والفكري قسرا وحاولت خلق الروابط مع المادي والملموس، إن من الممكن التغاضي عن ادوار بعض الفئات والشرائح الاجتماعية إزاء موقفها من النظم الديكتاتورية وشخوصها لكن من المستحيل غض الطرف عن الجرائم البشعة التي يقوم بها المثقف بكل الوعي في تضليل الآخرين من فئات وطبقات الشعب والفقيرة منها على وجه الخصوص، فالمثقف يقوم بدورة بوعي تام ومسئولية كاملة ولذا فان إدانة مثقفي البلاط الديكتاتوري تمتد لتصل إلى إدانة متواصلة عبر التاريخ. إن الجريمة بمجملها تكمن في غياب المؤسسة القادرة على ممارسة السيادة والرقابة على الحاكم والمثقف فكما ان نقابة المحامين ونقابة الأطباء تحترم شروط وشرف المهنة فان اتحادات الكتاب والصحفيين والفنانين يجب ان تقوم بنفس المهمة الى جانب الادوار التي تقوم بها المؤسسات التشريعية والقضائية بمراقبة الحاكم ومحاسبته والا فان الحاكم يجد نفسه الرجل الوحيد على الأرض ووحده من يملك الحقيقة المطلقة والهج السليم وكل ما عداه هم الأغبياء والعملاء والأدعياء وبالتالي فانه لا يسمع ولا يرى ولا يعرف إلا ما يعجبه وبالاحرى ما يعجب بطانته الفاسدة التي يبقى من مصلحتها تصوير الأمور وكأنها على حسن ما يرام وتزيين الأمر للحاكم الذي يتحول تدريجيا إلى ضحية للعصابة المحيطة وعادة ما يكون هو اكبر الخاسرين بعد الشعب على الصعيد الشخصي ويجد المطبلون فرصتهم لإلصاق كل جرائمهم بشخصه. عدنان الصباح 21/10/2004
مدخل
هناك سؤال يتداول ابدا في اوساط المثقفين العرب منذ بدايات نشوء الفكر القومي العربي وحتى الان ويبدو ان الامر مستمر دون توقف والسؤال الابدي هو ... هل نحن في حالة نهوض ام ركود ام موات وفي كثير من الاحيان تجد الكاتب العربي الواحد يجيب على نفس السؤال باكثر من اجابه تصل الى مرحلة التناقض في كثير من الاحيان وحتى لا تدخل هذه الدراسة في نقاش نظري وفلسفي يهدف الى ابراز القدرة الكلامية واختراع المفردات وتجميلها ولا في قراءة تسجيلية للتاريخ فقط فإننا سنسعى لاستقراء واقع الحال عبر التجربة الحية والسلوك اليومي من خلال تجلياته الفكرية والبنيوية الثقافية والسلوكية بشكل عام.
بعكس الحركة القومية الاوروبية التي جاءت كانقلاب مباشر على حكم الكنيسة انطلاقا من تراث حضاري بعيد عن المسيحية تمثل في التراث العظيم للحضارتين القديمتين اليونانية والرومانية واسترشادا بسائر الحضارات الاخرى ومنها الحضارة الاسلامية , بمعنى ان الحركة القومية الاوروبية لم تقيد يديها مسبقا برؤى سلفية ولم تحكم نفسها بما هو ذاتي منغلق بل انفتحت بكل الابواب على كل ما هو ايجابي في سائر حضارات البشر على قاعدة ان البشرية واحدة وان التاريخ والعلم والثقافة لا تحتمل التجنيس العرقي او الديني وبعكس ذلك فأن نشوء القومية العربيةجاء معتمداً على قراءة نظرية لواقع اخر مختلف كليا هو الواقع الاوروبي من ناحية ودون ان يتخلو ا عن ارتباطهم المحكم بماضويتهم وسلفيتهم وارتهانهم بكل ما هو قديم لا لشيء الا الخوف من مواجهة حراس خزائن التراث ذوي الاصوات العالية دون مضمون وبالتالي فان الذين حاولوا الاستفادة من التجربة القومية في اوروبا لم يجدوا بديلا عن الاركان للبعد الفلسفي الكلامي والتجريدات العامة التي تستخدم عادة للتحايل على الحقيقة واليات التطبيق العملي للفكرة , هؤلاء اهتموا بالتزيين اللغوي في محاولة نقل التجربة الاوروبية واستخدامها كأداة لأنعاش ماضي ميت بادوات عصرية وحديثة , وان ذلك كان يشبة الىحد بعيد قراءة لغة الكمبيوتر الحديثة بلغة مندثرة والعكس فلغة النهضة الاوروبية و الثورة الصناعية ولغة الانقلاب على الكنيسة ومحاكم التفتيش والتجهيل لا تصلح ابدا لقراءة ماض منغلق على نفسه وباصرار وكان لذلك اسبابة وفي مقدمتها :
1- ان العالم العربي تعرف على فكر النهضة الاوروبية في ظل تقدم كبير حققتة اوروبا على كل الاصعدة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بناءياً وعلمياًوبالتالي وجد الفكر العربي نفسة مجبراً على تجاوز مسافات زمنية طويلةفي محاولة لاستيعاب الانجازات الكبيرة والمسافات التي قطعتها الشعوب الاوروبية هذا التعرف العربي على التجربة الاوروبية جاء في اجواء السيطرة التامة من قبل الاستعمار الاوروبي على المنطقة العربية ولذا وجدت الدعوة الى الاستنارة بالتجربة الاوروبية عداء شديداً على قاعده العداء للاستعمار ولم يتمكن المفكر العربي من تقديم المبررات المقنعة لمواطنيه بان انجازات البشرية بكل تلاوينها هي ملك عام وان الاستنارة والاستفادة من تجارب الاخرين لا تمثل اية تنازلات قومية بل بالعكس فكما انه ليس من المعقول ان انتظر قدرة عالم عربي على ابتكار التلفون بمعزل عن التقدم العلمي في العالم فانه من غير المعقول ان انتظر في سبيل التوصل لاستنتاج اهمية الديمقراطية وضرورتها, وفي سبيل ذلك كان لابد من التخلص من العقلية الماضوية المغرقة في الانا دون ادنى تمحيص على الاطلاق. لم يكن بامكان دعاة القومية العربية الاركان الى الحضارات التي انحدروا منها كالفرعونية والفينيقية والبابلية والاشورية اوغيرها وعلى العكس كانوا ملزمين بنبذها وعدم التعرف اليها على قاعدة الولاء للفكر العربي او الحضارة العربية في دمج غير واضح بين الدين والقومية ومرد ذلك ان المصدر الحقيقي للعروبة في غالبية الوطن العربي هو الاسلام القادم من الجزيرة العربية وقد الزمت القوميات القاطنة في هذه البلدان على التخلي عن قومياتها وانتمائها القومي وتاريخها وحضارتها لصالح العربية بغلاف الاسلام وبالتالي لصالح اللغة العربية وثقافتها والتي كانت تقف في مرحلة متأخرة عن الحضارات التي فرض سيطرته عليها. بدل أن تحاول العربية تطوير ادوات التفكير لدى الشعوب الجديدة والاستفادة منها واستخدامها سعت الى تقييدها والتخلص منها على قاعدة ان تلك حضارة وفكر الكفار وذلك شكل ضررا كبيرا لكل الحضارات الشرقية والعربية منها في المقدمة. أساء للإسلام والعروبة أولئك الذين اعتبروا انفسهم قائمين على الاسلام ومالكين لناصيته والذين اغلقوا ابوابا كثيرة من ابواب الابداع في الفكر الديني, ذلك ان القياس والاجتهاد كركنين عظيمين في الفكر الديني, تمكن البعض من الانقضاض عليهما لصالح الحرفية الضيقة وسعى البعض بنجاح الى اغراق الدين بانماط طقوسية وسفسطات كلامية لا تنطبق بحال من الاحوال على الركائز الرئيسية للفكر الديني بينما تقترب من الرهبنة اللاهوتية الكنسية التي سادت الغرب ايام حكم رجال الدين. أدى ظهور الفكر الشيوعي في المنطقة العربية وما رافق ذلك من دعاية مضادة عن عداء الشيوعية للاسلام وبروز مشاركة بعض الرموز اليهودية في تاسيس الحركة الشيوعية في المنطقة العربية الى تسهيل مهمة الخلط بين الشيوعية والقومية بهدف مقاومة الفكرتين على نفس القاعدة. توجه دعاة القومية العربية الى استخدام بعض الرموز الدينية وحشدها لتاييد فكرتهم والبعض منهم لاسباب شوفينية بحته تؤشر الى تفوق الجنس العربي على غيرهم مستلهمين ذلك من الحركات الشوفينية الاوروبية, ذلك اعطى للدين قدرة ان يكون دعاته اصحاب القرار في تمرير هذه الفكرة او رفضها. الخلط الأهوج بين التاريخ الاسلامي والتاريخ العربي لدرجة السطو على انجازات بعض الشعوب الاسلامية او الرموز غير العربية وتعريبها قسرا وما اسم القائد الاسلامي صلاح الدين الايوبي الا مثالا كبيرا على ذك فقد توجهت بالسؤال الى عدد كبير من طلاب المدارس من سن 12 – 18 سنة بسؤال عن قومية الرجل فاجاب الجميع وبلا استثناء بانه عربي. بسبب من الخلط بين القومي والديني ولكون العديد من مفكري ودعاة القومية العربية من اصول مسيحية فان الدينيين لم يفوتوا فرصة اتهام اولئك باستجلاب الفكرة من الغرب المسيحي ضد الاسلام والمسلمين. هذه الاسباب بينت بوضوح ان دعاة الفكرة القومية العربية حاولوا قراءة تجربة عصرية حديثة كالتجربة الاوروبية بلغة قديمة دون ان يجرؤوا على مواجهة مجتمعاتهم باهمية تطليق العقلية الماضوية والاعتماد على أرضية الماضي للانطلاق منه نحو المستقبل بل استخدموا لغة توفيقية عاجزة بسبب من عجزهم وانعزالهم عن واقع مجتمعاتهم وعدم قدرتهم على قراءة التاريخ الخاص بالمكان وسكانه بعيدا عن النقل الحرفي ومحاولة زجه في واقع قائم دون المطالبة بالثورة على هذا الواقع بل بالعكس استخدامه كاداة تمايز عن باقي الحضارات والاوروبية منها بشكل خاص, وباختصار فان ذلك يعني ان ننزل الى الماء دون ان نبتل وان ندخل الى العصر الجديد بنفس الادوات القديمة وهذا يقترب من المستحيل.
لقد كانت مشكلة الفكر العربي المعاصر وتجلياته العملية هو عدم قدرته على استيعاب حقيقة ان الفكر الانساني والحضارات الانسانية وافرازاتهما هي ملك للبشرية برمتها وان الميراث الانساني مفتوح لسائر بني البشر لاستخدامه بما يقدم اقصى درجة ممكنه من الفائدة للجميع, لكن العرب بتنظيماتهم السياسية والفكرية ظلوا اسرى لماضي مجيد, ولاعتقاد انهم الاكفأ والافضل بين الشعوب بنرجسية بلا مضمون, ففي حين راح العالم يتسارع نحو التقدم ظل العرب يمارسون غناء نشازا عن امجاد ماض هم في الحقيقة لا علاقة لهم به, اللهم الا انهم احفاد سيئون لصناعه, وهم اي دعاة التمسك بالماضي بالذات نسوا أن أجدادهم استفادوا من سائر الحضارات التي سبقتهم والتي عايشوها.
ان الموقف من الحضارة الاوروبية والتي اخذت تسمية الحضارة الاستعمارية اظهرت تناقضا جليا لدى العرب, فمنهم من سعى الى مقاطعتها بالمطلق وبكل افرازاتها ايا كانت داعيا الى العودة للاصول والتراث على قاعدة ان العرب هم سادة البشر وهم الافضل وهم بتراثهم القديم سادوا على العالم بينما تراجعوا كثيرا وهم يفتشون عن الجديد وهؤلاء ارتهنوا بالذات المنغلقه بسلبها وايجابها لا على قاعدة الارتكاز على التراث والماضي لصالح الانطلاق نحو الغد, بل وفي كثير من الاحيان على قاعدة الارتهان لسلفية مفرطة رافضة لكل ما هو جديد ايا كان مصدره, في حين ظهر اتجاه آخر مفرط بنكرانه لذاته وداعيا الى التخلي عن الماضي والامساك بحضارات الغرب المتنور ورافضا فكرة ان هناك حضارة عربية ازدهرت الى حد بعيد ذات يوم وسادت العالم وراح يدعو الى تبعية مطلقة لتجربة الغرب محاولا الاستفادة من المثال الحي للنجاحات التي حققتها اوروبا على كل الاصعدة وهذا الجناح رفده جناح آخر اغرق اكثر في رفض التراث ودعى الى الالتحاق بمعسكر الشيوعية ونهجها وجاهر علنا في كثير من الاحيان بعدائه للدين بل واعتبر البعض منهم ان الدين هو سبب التخلف الذي يعيشه العرب وبدون التخلص منه لصالح الشيوعية فلا امل على الاطلاق.
هذان التياران العدميان ليس في مضامينهما الفكرية وتجاربهما العالمية بل بطريقة نقلهما واستخدامهما من قبل أولئك الذين ادعوا أنهم يملكون الحلول من كان منهم رافضا لكل ما ياتي من الغير او من كان داعيا للاخذ بثقافات الاخرين والسير على دربهم ساهما الى حد بعيد في اخراج العرب كليا من مركز الفعل الإنساني الحضاري ووضعوا الامة العربية على رف التاريخ البعيد والمهمل, وفي محاولة للرد على الاتجاهين ظهر التيار القائل بالانتقائية بمعنى الاخذ بايجابيات الماضي والتخلي عن سلبياته علما بان اية امه ليس من حقها ان تختار تاريخها وان للسلبيات نفس اهمية الايجابيات ليس بمعنى الاخذ بها ولكن بمعنى قراءتها على قاعدة المعرفة والاختيار والتوجه نحو النجاح بمعرفة الاخفاقات والخلل, ومن المفيد معرفة ان الاخفاقات التي يحققها عالم ما في ابحاثه ومختبراته تسجل بنفس اهمية الاكتشاف فهي تعطي للباحثين بعد ذلك فرصة عدم تكرار تجربة ثبت فشلها وهذا ينسحب على التاريخ, ذلك ان معرفة الخطا نصف الصواب وبلتالي فان قراءة وفحص الاخفاقات في التاريخ ضرورية لمعرفة آليات الانطلاق نحو النجاحات في الحاضر والمستقبل, ثم ان قراءة الايجابيات والسبيات ينبغي له ان يتم على قاعدة الواقع المعاش في حينها فما كان ايجابيا في مرحلة من المراحل يمكن ان يندرج تحت قائمة السلبيات في مرحلة أخرى, ان علماء الطب والاودية يعرفون جيدا معنى التنازل عن استخدام علاج ما رغم نجاحه في التخلص من مرض معين بسبب وجود آثار مضرة في جانب آخر او بسبب اكتشاف علاج اكثر نجاعة منه او اقل تكلفة, ومعنى ما تقدم ان الماضي الخاص والماضي بالمعنى الشمولي الانساني بكل التفاصيل ملك لكل بني البشر ولا من حضارة قادرة على العيش والنجاح بمفردها, وبذا فان من العقم خوض نقاش سفسطائي حول مصدر الحضارة او اسمها او جنسيتها, ومثل هذا النقاش سوف يقود باصحابه الى الانعزال عن السياق التاريخي للفعل الانساني الجماعي, ثم ان الاغراق في نقاش الموقف من الماضي لدى العرب او الموقف من حضارات الآخرين يبقى بدون جدوى ان نحن لم كن جزء رئيس في الفعل الانساني العام او جزء مشارك في صياغة هذا الفعل وبالتالي امتلاك الحق كالجميع في ان نكون صناع الحياة وورثة جديرين لتاريخنا وتاريخ الانسانية. اوروبا الحديثة ومعها اميريكا التي لا تملك الا حداثتها انهمكا في عملية البحث والتطوير والتغيير وانطلقوا من ثورتهم الصناعية الى ثورتهم الاجتماعية وتمكنوا من احتكار العملية الانتاجية للبشرية ماديا والى حد ما فكريا , وبعكس العرب الذين انهمكوا في قراءة نظرية للذات التاريخية القديمة ومحاولة بنائها نظريا ولو اعتباطا في بعض الاحيان وبسبب من ذلك ظلوا خارج الفعل المادي على الحي على الارض فمن لا ينتج الحياة لا يشارك في صياغتها ومن لا يشارك في الصياغة يستحيل عليه فهم مقدماتها وبالتالي القدرة على استخدام مصوغاتها لاقصى درجة ممكنه .
عدائية الفكر الفاعل
(بما أنه ليس في قدرة أحد الوصول إلى أحكام صحيحة...فمن الضروري أن يفسح المجال أمام الناس لمناقشة جميع المسائل بحرية ودون تدخل من قبل السلطات). سقراط. سادت القرن الماضي ظاهرة عدائية الفكر الفاعل في الحياة الفكرية العربية وقد نبع ذلك من رفض حرية الرأي والتعبير من قبل أولئك الذين يعتقدون بأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة أو دعاة النظام الشمولي المطلق، وتنامت العدائية لحرية التعبير والرأي الآخر، وقد تمثل ذلك في الوقوف ضد العديد من الكتاب والمفكرين الذين حاولوا أن يتطرقوا إلى القضايا المحرمة في حياتنا، كالدين والسياسة والجنس، ولذا وجد كل من صادق جلال العظم، نصر أبو زيد ونوال السعداوي وآخرون حربا شرسة في محاولة لمنعهم من التعبير عن آرائهم وطموحاتهم، ولم يكن ذلك قديما، فمن يقرأ التاريخ جيدا يرى كيف تعامل الأمويون مع غيلان الدمشقي وصديقه صالح من قمع وحشي ضد جريمة مخالفة الرأي للحاكم. ومن المهم الإشارة أن ليس المفكرين العرب وحدهم هم الذين تعرضوا للقمع والاضطهاد وحرمانهم من حرية التعبير أو معاقبتهم على أفكارهم، فالعالم يحفظ جيدا فولتير وماجلان، وموقف أثينا من سقراط وتقديمه للمحاكمة، ومحاكم نيويورك ضد الفيلسوف برتراند رسل، والاعتداء على الحرية الفكرية للكاتب أو الفيلسوف لم تكن فقط من باب السلطة المطلقة، ووقوف الكاتب إلى جانب الجماهير بل وأحيانا لمجرد التفكير باستقلالية وبعيدا عن طريقة ونمط تفكير الحاكم المستبد، فإن المشكلة تكمن في أن المفكر الرائد عادة ما يبدأ برأي مخالف لرؤية وعقيدة الحاكم والجماهير معا، حيث أن المفترض به أن يكون رائدا وداعية لرؤية جديدة، وهنا تكمن مأساة الفرد، فهو حتى يتمكن من بسط وجهة نظره ودفعها إلى المقدمة والسيطرة، لا بد له من سلطة ما توفر الامكانيات لذلك، و بسبب من غياب الديمقراطية والحق في الاعتقاد والتعبير كان لابد لاصحاب وجهات النظر المختلفة إلى القفز الفردي أو الفئوي الضيق فوق السلطة (الانقلابات العسكرية)، ولكي لا يكونوا عرضة للقمع من الأنظمة الدكتاتورية كان لا بد من إلغاء هذه الأنظمة وأخذ أدواتها من جديد لاستخدام نفس الأدوات لفرض موقف جديد عادة ما يمثله شخص آخر غير الإمبراطور أو الملك أو الزعيم، وبالتالي فإن جميع الانقلابات العسكرية تحولت مباشرة إلى حكم الفرد من حيث الشكل والمظهر الخارجي وحكم العصابة التي تتشكل تدريجيا حول الحاكم من المنتفعين والمهرجين والذين عادة ما يتحولون في الواقع إلى الحكام الحقيقيين بينما ينشغل من يحكمون باسمه بالقضايا الكبرى، ومن أكبر الأمثلة على ذلك حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فرغم نزاهته الشخصية ونواياه الطيبة وصدق أهدافه وما تمتع به من شعبية فائقة يستحقها، وحجم الالتفاف الجماهيري العربي من حوله، وحالة النهوض التي شكلها للقومية العربية حتى تحول مع الزمن إلى رمزها الأبرز إن لم يكن الوحيد في أذهان الأجيال العربية المتعاقبة من بعده وهذا ما يفسر استمرار جماهيريته ورفعة شأن اسمه بين جماهير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، إلا أن كل ذلك انتهى بوفاته، وكأن شيئا لم يكن، وتحولت تجربته إلى حركات صغيرة محدودة، تحمل اسمه في غالبية الأحيان أو تستند إليه شخصيا رغم أنه اعتمد في كل تجربته على الحضور الشخصي، ولم يقدم رؤية حقيقية واقعية وواضحة للفكر العربي القومي ومستقبله قائمة على بناء مؤسسي قادر على الحياة والاستمرار. وحتى الآن فإن كل ما يعتمد عليه أتباعه هو مجموعة خطابات في غالبيتها ارتجالية حماسية، وفي ذلك مقتلين، الأول أن الفكرة التي لا تخضع للدراسة والتمحيص جيدا لا يمكنها أن تعيش، والثانية أن اختزال تجربة شعب وأمة بشخص واحد يمثل كارثة مخيفة. هذه التجربة تكررت، وان بشكل دراماتيكي وماساوي تصعب المقارنة بينها وبين عبد الناصر الا من حيث الفرديةالمتمثلة في شخص صدام حسين، إلا أن النتيجة كانت في النهاية واحدة، فعند زوال الرجل-الفرد- زالت الفكرة والتجربة، وكأن شيئا لم يكن. إن ذلك هو واحد من أهم مظاهر شخصنة المسائل في العالم العربي وتجربتين هامتين في تاريخ حكم الرجلين تبينان الى اي درجة تاخذ النرجسية الفردية اصحابها والى اي مدى يصبح الرجل اهم من الوطن ولو على قاعدة الخوف ففي حرب حزيران 67 ظهر مليا للعيان ان كل الاصوات العالية التي انطلقت من مصر بقيادة نظام عبد الناصر عن معركة الحسم وما آل اليه الحال من ماساة وكذا تجربة احتلال العراق من قبل اميريكا وما سبق ذلك من تهديدات صدامية وضعت العالم والعرب في المقدمة في حال من الذهول ذكرت العرب بصواريخ القاهر والظافر مقابل حكاية الكيماوي الذي ظهر ضد الشعب فقط في حلبجة. القراءة الحقيقية لتجربة صدام حسين، تبين ان الرجل ونظامه مارسا القمع بحق الذين يختلفون معهم بالرأي، ولم يتركوا للحوار أن يأخذ مجراه لتطوير أدوات الفعل العام، ذلك أن من يرفض رأي الآخر مسبقا يستحيل عليه الاقتراب من الحقيقة مع اعتقاده الخاطئ بامتلاك الحقيقة المطلقة، والتي لا يمكن لها أن تكون ملكا لفرد أو مجموعة قليلة من الأفراد. إن الحقيقة هي نتاج فعل جماعي نشط وحر ومختلف، لكنه بكل تلاوينه وأطيافه يحمل قناعة البحث والسعي للوصول إلى الحقيقة التي لا يملكها هو أو يستحيل عليه امتلاكها وأنه غير قادر على الوصول إليها إلا من خلال فحص رأيه وآراء الآخرين، وخلق مقارنة واقعية هدفها الوحيد القبول بالأفضل أو تحسين الرؤيا الذاتية على ضوء المعارف التي يقدمها الآخرون، أو تفهم نقد الآخرين للرؤية الذاتية وقراءة النقد بموضوعية الباحث عن الأفضل مع ادراك ان الحقيقة متغيرة بتغير المعلوم والمجهول فكم من المسلمات ذهبت الى النسيان بعد اكتشاف جديد او معرفة جديدة, فالحقيقة اذن مرتبطة جذريا بالتطور بالمتغيرات ولا توجد مسلمات مطلقة وأبدية. لا أحد يعلن أنه معاد للآخر، بل على العكس من ذلك، فإن أصحاب الحقيقة المطلقة أو الحكم الشمولي يعتقدون بأنهم الأحرص على الآخرين وأنهم حريصون على الشعب كل الحرص، ويمكن اعتبار تعريف وليام آدامز للفرق بين مدعي الحقيقة ودعاة الديمقراطية صحيحا بقوله" إننا كلنا نحب الشعب، ولكن أنت تحبه كما تحب أطفالا تخشى أن لا تدعهم لأنفسهم دون مربيات، وأنا أحبه كما أحب راشدين لهم حرية الحكم الذاتي" هذا يعني صياغة الرؤيا المشتركة للمجموع وقدرتهم على تحويل الرؤيا الذهنية أو الفكرية أو حتى المذهبية إلى سلوك وفعل قابل للنقاش في مجرى التطبيق بهدف التطوير المستمر، ولذا جاءت أهمية المجالس النيابية الدستورية التي تمتلك الحق الجماعي بإعادة النظر بالدستور، لكن ذلك استخدم في كثير من الأحيان ضد رغبة المجموع ولصالح العودة عن الخيار الديمقراطي الجماعي وتحويل الديمقراطية إلى أشكال كاريكاتورية لخدمة الفرد المنعزل الساعي للحلول محل المجموع.
تغييب الفرد الاجتماعي
بلا شك أن تشكيلة المجتمع العربي كنشاط جماعي لمجموع أفراده ظاهرة غائبة كليا، وهناك أسباب عديدة لذلك يمكن اختزالها إلى حد ما فيما يلي: 1)سيطرة الحكم الشمولي. إذا أمكن اعتبار الدولة الإسلامية كأحد مظاهر وتجليات البناء السياسي العربي، فإنه ومنذ انتهاء عهد الخلفاء الراشدين، انتهت إلى غير رجعة ظاهرة تداول السلطة بالرجوع إلى مركز القرار الجماعي أو القاعدة الشعبية، وتحولت إلى سلطة ملكية وراثية، تراوح الموقف منها حسب الموقف من الشخوص الذين تولوا إدارة الحكم بالوراثة، وفي عصرنا الحديث بالانقلاب والتآمر، لكن غالبية هؤلاء سعوا إلى "شرعنة" حكمهم بأشكال مختلفة، ولذا استخدموا في سبيل ذلك مجموع أفراد منعزلين لهم هدف واحد هو خدمة الحاكم وصناعة وصياغة فكر مناسب لوجوده بمعنى تفصيل الحكم وتفسيراته ومبرراته بما يخدم استمرار حكم هذا الحاكم وسطوته، وفي سبيل تسهيل مهمة خدم البلاط هؤلاء كان لا بد من التخلص من المعارضين الذين يثيرون النقد للمسيرة المباركة لهذا الحاكم، وهم عادة ما يقودونه إلى التهلكة ويكونون أول من ينهال عليه، لكن ذلك عادة ما يأتي متأخرا إما على يد حاكم بديل آخر أو على يد مستعمر، وفي الحالتين يشعر الفرد بغياب قدرته على الفعل الجماعي ويشعر بفرديته المعزولة إما سلبا أو إيجابا وفي ذلك إضرار خطير بالنهج والسلوك العام في المجتمع هذا ما بدا جليا في الواقع العربي. وأيا كان الحكم الشمولي شكلا ومنهجا ومهما كانت قدرته على إيجاد المبررات النظرية والعملية كإنشاء الأحزاب أو المؤسسات الصورية فإن النتيجة عادة سطوة الفرد الحاكم واختزال الدولة والمجتمع لصالحه وفي واقعنا أمثلة حية كثيرة، فالحاكم لدينا يصبح منذ اليوم الأول لتوليه الحكم الوحيد الذي يملك العصا السحرية والفهم المطلق لكل شيء بدءا من السياسة وانتهاء بعلوم الذرة. الحاكم الفرد يغلق الأبواب كليا أمام أية فكرة قد يشتم منها التقليل من صلاحياته المطلقة وهذا يعني انعدام أية إمكانية للمشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة السلطة، وخلق إحساس لدى الأفراد بأن الأبواب التي قد تفتح أمامهم أيا كانت يوجد لها مفتاح واحد بيد شخص واحد، مما يقود أي فرد إلى الانزواء فكرا وسلوكا والإركان إلى نهج النجاة بالذات أو المغامرة بها، وفي كلتا الحالتين إعلاء مطلقة للانا أكان ذلك في سبيل المحافظة عليها وحمايتها بأية وسيلة انتهازية أو أنانية أو سلبية، أو كان ذلك تعظيم أعلى "للأنا" وشعور خاص بإمكانية الفرد المنعزل أو عدد قليل من الأفراد الحلول محل المجموع وصناعة خلاصهم وبهذا ينتقل الحاكم إلى ذوات أفراد المجتمع ليصبحوا صورة حية عنه بأشكال مختلفة، الناظم الوحيد بينها هو الفرد أولا والذات أولا وأية مسألة مهما كانت ينبغي لها أن تكون في خدمة الذات الفرد وليس العكس، وهذه الأسس الرئيسية لانتشار الشخصنة في العالم العربي وبلدان العالم الثالث. على شكل انتهازية ذرائعية قائمة على تقديم ألذات على المجموع أو الموضوع واستخدام العام لصالح الخاص وعادة ما يقودنا ذلك إلى أمراض اجتماعية مستعصية تعكس نفسها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحتل مكانها حتى في الفكر الشعبي السائد ويصبح الفساد نموذجا يحتذى ويضرب به المثل وتتحول جرائم الفساد والسرقة والكسب الغير مشروع إلى أشكال تحمل مسميات مختلفة بعد عن التسميات الحقيقية وقد تكون الشخصية الفهلوية التي تحدث عنها عالم الاجتماع المصري محمد عمارة نموذجا لذلك. 2) ادعاء الحقيقة المطلقة: أيا كانت الحقيقة التي يدعيها أصحابها فإنهم يحولونها لخدمتهم وخدمة رؤياهم تماما، كأصحاب الحكم الشمولي، وهي بالتالي تلغي كليا أية إمكانية لشيوع حرية الفكر والتعبير، فهم باعتقادهم أنهم حصلوا على الحقيقة المطلقة يغيب عندهم أي استعداد لسماع ما يزعج أو يقلق راحتهم وسعادتهم بقبول قناعاتهم الوحيدة المطلقة، وأود التركيز على أن العيب قد لا يكون بالفكرة ولكن بحملتها كالشيوعيين الذين جاءوا بفكرة ديكتاتورية البروليتاريا، فقد كان من المفروض أنهم يسعون لتطبيق ديمقراطية الأغلبية بدل ديكتاتورية الحفنة المسيطرة من المستغلين أو المسيطرين ولصوص الشعب إلا أنهم حولوا ذلك إلى ديكتاتورية الحزب ثم قيادة الحزب وبالتالي ديكتاتورية الفرد القائد، ذلك أن الحاكم الذي لا يأتي من الشعب وبرغبته ويدرك أن بإمكانه أن يبقى مكانه ولا يعود إلى صفوف الشعب، فإن مصلحته تقضي بالقضاء على كل وميض فكرة تنتقص من فكرة استمراره بالحكم، وهو لذلك يجعل من الفكر المطلق الذي يعتقده خادما له ولفرديته ورؤياه، وما تجربة الاتحاد السوفيتي إلا أكبر مثال على ذلك، ثم إن تجربة اليمن الديمقراطي في الوطن العربي وما حل به من كوارث بسبب صراعات السلطة بين أفراد النخبة الحاكمة أيا كانت مبرراتها ومسمياتها ما هي إلا تجليات لخطورة الفكر المطلق. إن دعاة الحقيقة المطلقة ذاتيون وأنانيون لدرجة خطيرة، فهم لا يعترفون بالآخر مطلقا، وحتى في أتباع الديانات السماوية فإن أتباع المذاهب المختلفة يعارضون بعضهم بعضا لدرجة تصل في بعض الأحيان إلى تكفير الآخر وإخراجه من دينه، وكذا ينسحب الأمر على العقائد الفلسفية، فهناك من فقد حياته ووجوده لمجرد معارضة أقوال لينين وماركس أو قام بتفسيرها عكس ما يريد البعض. قد يقول قائل أن هذا اعتداء صريح على الأديان، وأورد ذلك هنا للتذكير بأن الدين الإسلامي على سبيل المثال، هو الدين السائد في الوطن العربي، وقد حدد مصادر التشريع في الإسلام بالقرآن والسنة والقياس والاجتهاد، لكن البعض الآن يحلو له أن ينتقص من هذه الوسائل ويرفض القول بإمكانية استخدام الاجتهاد، وهو ما يساهم بإطلاق حرية الفكر والعقل بديلا للقمع والظلم الذي يحد من طاقات البشر وقدرتهم على التطور والإبداع بكل أشكاله، وفي مقدمته الاكتشافات العلمية، فالظلم على البشر لا يقع من أبناء جنسهم فقط، بل ومن الطبيعة أحيانا والتي نحن في أمس الحاجة لمحاربة مآسيها كالمرض والفقر والزلازل والفيضانات وغيرها من عوامل البيئة، وبدون حرية للعقل والفكر والفعل لا يمكن للبشرية أن تنتصر على أعدائها، وبدلا من ذلك سينتشر الجهل والفقر والمرض بشكل أكبر وستصبح البشرية صيدا سهلا للطبيعة كعدو مباشر، وبدل الانصراف لتذليلها في سبيل حضارة إنسانية لرفاهية البشر وسعادتهم ينصرفون لتذليل كل ما أمكن لخدمة أفراد منهم على حساب باقي البشرية. إن سيادة الفكر المطلق تلغي كليا الدور المجتمعي للفرد وتعزز مكانة الأنا المطلقة في ضوء الرأي المطلق الخادم أصلا لهذه الأنا التي تنعدم بالنسبة لها كل ذوات الآخرين أفرادا وجماعات مما يساهم أيضا في تعزيز فكرة الشخصنة، فما دامت هناك عقول تسمي الفلسفة والتجربة والإنجازات بأسماء الشخوص أصحاب السلطة ومستخدمي الحقيقة المطلقة لخدمة سلطتهم فلن يكون هناك أدنى فرصة لسيادة عقلية المؤسسة فكرا وسلوكا. 3) العصرنة البائسة: ا سادت، ولا زالت، في أوساط الكثير من المثقفين العرب عقلية العصرنة القائمة على الأخذ بما هو جديد ولماع في الشرق أو الغرب، سواء كان ذلك بنهج الديمقراطية الرأسمالية الاستعمارية أو ينهج الشيوعية، وقد سعى أصحاب هذا الرأي دوما للهجوم الفظ على التاريخ العربي ونمط الحياة العربية باتهامها بالجهل والعشائرية والتخلف، ولم يكلف أحد من هؤلاء الدارسين نفسه مثلا أن يقرأ التجربة العشائرية العربية كنمط حياة، وقلة هم أولئك الذين قرأوا الفكر الإسلامي بروح التمعن والفحص والنبش في الإيجابيات وتوافقها مع العصر، ويمكن اعتبار قراءة حسين مروة-حول النزعات المادية في الإسلام- واحدة من أهم هذه القراءات إلى جانب بعض المفكرين الإسلاميين، لكن الغالبية العظمى تراوحت مواقفها بين قراءة نقدية معادية وقراءة مغرقة في التمسك الحرفي بالنصوص، وبالتالي فقدت القلة العلمانية المتوازنة دورها في خضم التنافس البائس بين المؤيدين الحرفيين والمعادين الرافضين للفكر الإسلامي، فقد ردد الطرفان فكرا شموليا مطلقا، وانطلقوا من ذلك إلى رفض الآخر، ولذا يمكن القول إن أحدا من المفكرين العرب لم يحاول قراءة التجربة العشائرية أو القبلية العربية كنموذج في حياة يمكن الأخذ بمضامينها الإيجابية وتطويرها، فلقد علمنا التاريخ أن زعيم العشيرة ورغم الصفة الوراثية للمنصب، إلا أنه ملزم بالحصول على قبول ورضى عشيرته، وعادة ما كان زعيم العشيرة خادما حقيقيا لعشيرته، وفي مقدمة مقاتليها أو المتفانين في سبيلها، "كبير القوم خادمهم". ويحظى زعيم العشيرة باحترام عميق في أوساط أبناء عشيرته ويقوم بدور المحايد في حال نشوب صراع ما بين أفراد عشيرته، وهو يحكم وفق أحكام وقوانين العشيرة المتعارف عليها عبر العصور والتي تملك قوة القبول شبه المطلق من أبناء العشيرة والاستعداد للرضوخ لها مهما بلغت قسوتها، ولذا تمثل العشيرة رغم تخلفها عن العصر نموذج المؤسسة التي تحتكم لأنظمة وقوانين لا يجوز خرقها أو التلاعب بها أو القفز عنها, والذي يبحث في النموذج العشائري للسلطة يجد أن زعيم العشيرة رغم حقه الوراثي شبه المطلق إلا أن مبايعته ضرورية من أفراد عشيرته، وهو لا يمكنه القيام بدوره إن لم يحصل على هذه المبايعة، وقد لا يعرف التاريخ نمط زعيم العشيرة الفاسد إلا نادرا.
ان الاشارات الايجابية السابقة للنمط العشائري ليست رؤية سلفية بل هي محاولة للقول ان من المفيد قراءة التجارب الذاتية والتاريخ الاجتماعي الاقتصادي وتشكيلاتهما في المجتمعات العربية بعين الفاحص لمحاولة التاسيس لانطلاقنا الى الامام بفهم واعي لماضينا بكل تجلياته وادراك للسلبيات لتفاديه والايجلبيات ولو بشكلها الجنيني لتطويرها.
حراس قبور التاريخ
لقرون ظل العرب وما زالواخارج دائرة الفعل يجلسون في مقاعد المتفرجين ويقومون بدور الحراس الاغبياء لقبور التاريخ وخزائنه دون ان يكلفوا انفسهم حتى عناء البحث فيما خزائنهم بينما يدور الصراع الحي على مسرح الدنيا بين اقطاب الفعل كالولايات المتحدة الأمريكية التي تشكلت ولازالت من اجناس واعراق لا لغة ولا دين ولا تاريخ ولا مايحزنون ومع ذلك تنتج ثلثا انتاج العالم وشكلت قطبا رئيسيا امام اوروبا المتعددة الاعراق والاجناس وذات التاريخ العدائي الدامي فيما بينها والتي وصلت حد السوق الاوروبية المشتركة والبرلمان الواحد والعملة الواحدة والحدود المفتوحة والاتحاد السوفياتي المشكل من اعراق وشعوب مختلفة, هؤلاء هم صناع الحياة والآخرين وفي مقدمتهم العرب متفرجين من ناحية ومدعين بما لديهم من تراث يحتفظون به في خزائن المتاحف والقبور, وامامهم مثل حي اذاقهم ولا زال كل الويل وهو اسرائيل التي قالوا فيها انها ليست شعب وليست امه وانها مجموعة من الحثالات وقطاع الطرق والعصابات وما شابه وان سكانها لاتاريخ لهم ولا ماض ولا لغة مشتركه ولا تراث مشترك وهم كذلك فمن يزور التجمعات اليهودية يكتشف ان هناك شعوب لا شعب واح ففي الاحياء المغربية تسمع لهجة مغربيه وكذا الماكل والملبس والوجوه والاغاني وكذا الاحياء اليمنيه او العراقية او غيرها ومع ذلك نعرف نحن العرب جيدا ماذا فعلت بنا اسرائيل ( كيان اللقطاء ) كما يحلو للبعض ان يسميها.
اميركا تقود العالم بلغة الكاوبوي واسرائيل تعربد في ارض العرب بمنطق العصابات المحمية من راعي البقر الامريكي ومع ذلك ما حالنا نحن ورثة النخوة والشهامة والكرم , احفاد عنترة العبسي وامرؤ القيس وناهبي تراث ابن المقفع والخيام المتغنين بالكندي والفارابي وابن حيان والتوحيدي وابن خلدون وابن رشد وابن سينا و...و...و... الى ما لانهاية من الاسماء المعلقه على حيطاننا دون ان نكلف انفسنا عناء ازالة غبار الايام عنها, هذه الاسماء نفسها تعيش عند الاخرين في قاعات الدرس والبحث بكل حيويتها وعطائها, وفي اسرائيل التي لا يتعدى عدد سكانها الخمسة ملا يين صحف وكتب ونشرات توزع البعض منها اكثر مما توزع ثلاثة ارباع المنشورات العربية ثم نجد القدرة على رفع عقيرتنا بان ليس لديهم لغة. اميريكا بولاياتها ولغاتها واعراقها واسرائيل بعصاباتها ولقطائها موحدتين ونحن الاصيلون لانجد القدرة على ان نتحد حتى على اسم او كلمة بل نتقن الاختلاف.
صدام حسين يرى ان تحرير فلسطين لا يتم الا باحتلال الكويت ونهب خيراتها وتهجير شعبها وتدميرها واخضاعها لابتزاز اميريكي مستمر ولا يكتفي بذلك بل يهدد ويتوعد كل العرب. القذافي من بطل في تشاد وقائد للجماهيرية الاعظم في مواجهة الخطر الامريكي الى خانع بالمطلق لاميريكا ونادم على معاداة اسرائيل. الجزائر من بلد المليون شهيد الى بلد المليون مذبوح ومن الحرب على فرنسا الى الحرب علىالمغرب باسم الصحراء والمغرب تنسى كل المحتلين ولا تذكر الا عروبة ومغربية الصحراء وما اذا كان اسمها الغربية ام المغربية. لبنان شيع واقوام بعدد شيع واقوام العالم. فلسطين حولت فصائلها الى دول بعدد الدول العربية وبنفس صراعاتها واختلافاتها وهم يذبحون من اعدائهم يوميا وبكل شراسة دون ان يشكل ذلك حافزا حقيقيا يحفزهم لكي يتقدموا للاتفاق فيما بينهم.
رؤى متناقضة
العديد العديد من المفكرين والكتاب العرب كتبوا في مفهوم القوميه ومضامينها ومعانيها وهنا سنورد بعض من هذه الرؤى في محاولة فقط لقراءة رؤيتنا لذاتنا ومفهومنا عنها ومدى تطابق هذه الرؤى :
د.عفيف البوني كتب في المستقبل العربي سنة 1983 عدد تشرين الثاني يقول ( ان للعرب هوية واحدة, ونقول بقدر ما يتجلى عنصر وحدة هذه الهوية يتجلى عنصر تنوعها, ويرجع هذا التنوع الى الطبيعة المتفتحة للهوية العربية مما يجعلها في تفاعل دائم مع غيرها, تستوعب الجديد المبدع, وتختزن الاصيل من الخصوصية القومية ) ويتابع الكاتب نفسه في نهاية مقاله قائلا ( هذه الامبريالية التي بتقسيمها للعمل على الصعيد الدولي وبشكل غير متكافيء, منعت الانسان العربي من ان يصبح مواطنا عربيا متحررا محرزا على حقوقه المدنية والسياسية والثقافية, متعايشا مع العصر في اطار من خصوصية الهوية القومية ) لاحظوا التناقض المريع بين الفقرتين فالانسان العربي في الفقرة الاولى مبدع ياخذ الجديد ويمتلك الاصيل وفي الفقرة الثانيه ممنوع من ذلك من قبل الامبريالية.
في كتابه الفكر العربي في عصر النهضه نقل الحوراني عن الافغاني قوله ( ان الروابط التي تربط الناس اثنتان, وحدة اللغه ووحدة الدين, وحدة اللغه هي الاساس الذي تقوم عليه الجنسيه واللغه اشد ثباتا واكثر دواما من الدين لاننا نعرف امما غيرت دينها خلال الف عام مرتين, بل وثلاث مرات ), والافغاني الحريص على قوميته والذي يقيم أهمية الدين للقومية أو الجنسية كما يسميها دعا الى الغاء القومية التركية وحسبما اورد المخزومي في كتابه – خاطرات جمال الدين الافغاني الحسيني – فان الافغاني يقول ( لقد اهمل الاتراك امرا عظيما... وهو اتخاذ اللسان العربي لسانا للدولة, ولو ان الدولة العثمانية اتخذت اللسان العربي لسانا رسميا, وسعت لتعريب الاتراك لكانت في امنع قوة ) وهو اذ يدعو الى تخلي الاتراك عن قوميتهم يسخف دعوتهم لتتريك العرب قائلا ( اذ فكرت بتتريك العرب, وما اسفهها من سياسه واسقمه من راي ! انها لو تعربت لانتفت من بين الامتين النعرة القومية, وزال داعي النفور والانقسام وصاروا امة عربية بكل ما في اللسان من معنى وفي الدين الاسلامي من عدل ) وهو هنا ايضا يناقض نفسه فالقائل ان اللغه اثبت من الدين يدعو الى ترك اللغة التركية والتوحد مع العرب على اساس الدين, اية رؤية هذه. في مقاله له نشر في المستقبل العربي عدد 35 سنة 1982 يقول د. حسن نافعة عن القومية العربيه ( انها ظاهرة – لاحظوا ظاهرة والظاهرة تزول. ع.ص – سياسية واجتماعية كبرى. فضلا عن كونها عقيدة نضاليه _ ماذا يعني عقيدة نضاليه فحتى الاديان تتغير ع.ص – استطاعت ان تهز المنطقه باكملها , منذ السنوات الاخيره للقرن التاسع عشر ) ويتابع د. حسن نافعه قائلا ( اذا لم تكن مصر عبد لناصر _ لاحظوا اختزال مصر بشخص ع.ص _ قد نجحت في تحقيق هذه الوحدةالعربيه , بالصورة المرجوة _ كيف ع.ص_ ) ويوضح د.نافعه ذلك نافيا ما سبق وهو يقول ( استطاعت على الاقل, ان تطرح العناصر المكونه لها, وان تهيء في مرحلة زمنيه واحدة سبيل التفاعل بين هذه العناصر ) هذا يعني انه يوافق الراي القائل ان وجد ان مصر عبد الناصر حققت الوحدة العربيه وان بالصورة الغير مرجوة والسؤال كيف يمكن القول ان طرح العناصر وتهيئة التفاعل هذا ان حدث يعني سيكون تحقيق للوحدة باية صورة كانت مرجوه ام غير مرجوة. المقالات المنقولة عن المستقبل العربي جميعا نشرت عن مركز دراسات الوحدة العربية في كتاب تحت عنوان – دراسات في القومية العربية والوحدة – ومن هذه المقالات مقال للدكتور وفيق نظمي عن شيعة العراق وقضية القومية العربية وآخر لابو يوسف سيف عن الاقباط وحركة القومية العربية والمقال الاول يورد الاثباتات على عروبية وقومية الشيعة العربيه ويثبت دورهم في ذلك والثاني يحاول ان يفند مخاوف الاقباط ويؤسس لاندماجهم بالحركة القومية العربيه والسؤال الذي يمكن ان تطرحه هذه المقالات او غيرها من ما قد يكتب عن الحالة اللبنانية او ما قد يكتب عن دور الاقليات القومية في العراق والجزائر, السؤال هو هل هناك مشكلة حول الاقليات الاسلامية او اليهودية في اميريكا وفرنسا او غيرهما من البلدان الغربيه, واية قومية هذه التي تنفي اعتمادها على الدين وهي غارقة فيه حتى النخاع, واية تفسيرات هلامية ومشوهه ومزاجية انفعاليه التي يقدمها البعض في تعريفهم او تفسيرهم او وصفهم للقومية العربية وما تقوله الشاعرة العراقية نازك الملائكه في كتابها " القومية العربية والحياة " اكبر مثال على انعدام الرؤية العلمية في بعض الرؤى وهي تقول ( القومية العربية تنمو في قلوبنا بمعزل عن وعينا _ هكذا ! ع.ص _, وتختلط بكل قطرة من دماءنا وترسب في عظامنا وتتصلب معها......... نحن لا نحتاج الى أن ندعم ضرورتها باي دليل غير وجودها نفسه ) والسؤال كيف سندعم ضرورتها بوجودها وهو قائم بمعزل عن وعينا !.
تطبيق مشوه للفكرة
الكفاح الفكري الطويل الذي خاضه دعاة القومية العربيه على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ونواياهم والذين ظلوا اسرى الدعوة الشفهية وفي معظمهم حتى لم يستسيغوا المشاركة بالحركات والتنظيمات الشعبيه وترفعوا بفكرهم عن الممارسة العملية, هذه الافكار التقطها اتجاهان في حركة الواقع العربي, الاول اتجاه شعبي سياسي حزبي حاول جاهدا العمل على تنظيم ذاته وجماهيره باشكال مختلفة بانتظار الفعل الشعبي نحو التغيير وهذا الاتجاه وجد كل اشكال القمع من الانظمة الرسمية من جهة وقوى الاستعمار من جهة اخرى ولذا ظل يراوح مكانه بسبب حجم القمع البوليسي الذي استخدم ضده والثاني وهم العسكر اكتشفوا خطورة وصعوبة العمل الجماهيري وادركوا اهمية القوة التي يملكونها وقدرتهم على استخدامها بسرعة فائقه لاحداث التغيير الدراماتيكي الذي يحلمون به كقطاع من الجماهير يعيش همومها ولكنه يملك القوة التي تحمي النظام وتعطيه هيبته وقدرته على الاستمرار, هؤلاء راوا في القفز فوق حركة الجماهير اختصارا للوقت والجهد وتسهيلا للمهمة وهم في كل بداياتهم كانت المصلحه العامه لشعوبهم هي الدافع وراء حركتهم او مسبب حركتهم ايا كانت الاغراض التي استخدموا في سبيلها لكن مبرر الحركة الواقعي كانت الحركة الشعبيه الفاعله وهم بالتالي بقصد ام بغير قصد اجهضوا الفعل الشعبي القادم من القاعده ومن صفوف الجماهير لصالح فعل فئوي معزول استسهل استخدام قوة النظام وادواته للتخلص منه والحلول مكانه. وبدل ان تنطلق هذه الحركات من الفئوية الى الشعب حملت معها هواجسها من معاداة الحركة الشعبية والنشاطات الشعبية المنظمة وهي اتي عملت طويلا في قمع مثل هذه الانشطه وتربت على معادة العمل الجماهيري المنظم والحركة الجماهيريه السياسية وعاشت دائما هاجس الخوف من الجماهير ان هي تحركت, ومن جانب آخر فان هؤلاء اي العسكر يشعرون دوما بانهم ليسوا اصحاب السلطة الحقيقيين فهم اغتصبوا السلطة مرتين الاولى من النظام السابق وفي معظم الاحيان كان هذا النظام دستوريا برلمانيا ولو بالشكل وفي الثانيه من الجماهير الساعية نحو حياه ديمقراطية برلمانيه كاملة وعصريه, وهم لذلك يعيشون هاجس من يملك ما ليس حقه, في موقع خاص بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر اسسته ابنته هدى جمال عبد الناصر نشرت وثائق بخط يده كملاحظات في اجتماعات مجلس الوزراء المصري عام 1956 كتب يقول, واورد النصوص هنا كما هي:
- انتهاء الدفع الثوري سيطرة الروتين الشكوى من الفساد او الرشوه في معظم مصالح الدولة كان هناك دفع ثوري في ايام سليمان حافظ لماذا لان مجلس الثوره كان يجتمع ويتخذ قرارات وتعطى له للتنفيذ يجب ان يتولى التخطيط للدولة اشخاص غير مسئولين عن التنفيذ ظهور قوى جديده تتكفل نظرا لعدم وجود تنظيم شعبي وترك المجال لاي قوة اخرى تعمل الرجعيه مع الاستعمار والشيوعية بالاشتراك مع الشيوعية الدولية. ما الذي نقراه في هذه الملاحظات: 1-قائد بعد اربع سنوات من السلطه يتحدث بلغة ركيكه عن مبدا فصل السلطات خوف شديد من ظهور قوى منظمة والحكم عليها مسبقا بالعمالة لذلك وجد حلوله فيما بعد بتشكيل تنظيم من الاعلى كالاتحاد الاشتراكي وغيره ومن يرى تشكيلة اللجنة المركزيه للاتحاد الاشتراكي من الحكم الاداريين – المحافظين – يعرف اي بناء فوقي هش هذا ومدى خوف عبد الناصر وحركته من الجماهير وقواها الحية.
ما تقدم ينطبق بالمطلق تقريبا على حركات الضباط في السودان وليبيا والعراق ومع ان بعضهم لقي اسنادا من الاحزاب والتنظيمات المدنية الا انه راى فيها فورا تقييدا له وتهديدا لسلطته ولذا لجا الى قمعها وتدميرها ومثال حكم صدام حسين نموذجا حيا لذلك فقد انقض على الاحزاب التي شكلت معه سلطته وساهمت في تدعيمها وزج بهم في السجون او اعواد المشانق او المنفى ولذا حين تعرض للغزو الاميريكي وجد نفسه وحيدا فالشعب لن يدافع عن شخص جعل من نفسه بديلا لهم ولوطنهم وحول مجموع الشعب الى مصفقين وخدم لنزواته الشخصية ومثال القذافي نموذج مشابه الى حد بعيد فهو قاد بلاده من اقصى اليسار ومشاركة اكثر الحركات تطرفا في العالم الى مستسلم مطلق للولايات المتحدة الامريكية.
محاربة التنمية المستدامة تعتبر عملية التنميه حركة فعل ارادي منهجي للتغيير الجذري في كل مناحي الحياه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية, وتقوم التنميه على عاتق المواطن المنظم مؤسسيا فهي غير ممكنه في حالة العمل الفردي المشتت والمجزء الذي لا يخلق اية تراكمات حقيقيه للفعل التنموي على الارض وفي سبيل ذلك فلا بد للعمل المؤسسي لكي يقوم وينجح من اطلاق الحريات وسيادة الديمقراطية ولذا وقفت الانظمه الفردية الديكتاتوريه دائما في وجه ذلك وبدل اطلاق المبادرات الخلاقه للجماهير سعت الى غلق الابواب في وجه اية مبادرة وهذا ادى في واقع الحال الى ما يلي:
توقف النمو الفكري الابداعي والمنظم بسبب اضطرار اصحاب المبادرات الى مغادرة اوطانهم او اختيار الصمت او السجن او التحول الى ابواق للحاكم الفرد ومرة اخرى فان نموذج العراق الابرز في ذلك 2- توقف مشاركة المراه لانعدام القوانين التي تضمن لها حقوقها كقوانين مكافحة التييز الذي يقوم على الجنس وغيرها في الحياة الاقتصاديه والاجتماعية والسياسية. توقف التنميه الراسمالية لمحاولات البعض خلق اشتراكية هشه لم تنجح في رفع مستوى الفقراء واغلقت الابواب امام راس المال الوطني وبدل الاستقلال الاقتصادي الذي يرفع كشعارات حدث العكس وبدل الانميه دب التخلف فالتنميه مستحيله دون استقلال حقيقي. عدم تطبيق التعليم الزامي تطبيقا حقيقيا يضمن حصول الاولاد حتى سن 18 على التعليم اللازم مجانا وبالالزام. انعدام الحياة المؤسسيه الحقيقيه والاكتفاء احيانا بهياكل ورقيه من دكاكين تنشاها السلطه نفسها بديلا للمنظمات الجماهيريه النقابيه والمهنيه واللاقتصادية والسياسية لخنق المبادرات الخلاقه للجماهير خشية ان تتطور باتجاه لا يرغب به الحاكم الديكتاتور ولذا لجا القذافي مثلا الى تجربة المؤتمرات الشعبيه ولجا عبد الناصر الى تجربة الاتحاد الاشتراكي وصدام استخدم حزبا كبيرا وتاريخيا كحزب البعث لتثبيت شخصه على حساب الحزب وباسمه.
منذ القرن السابع عشر انجز الغرب ثلاث تحولات مفصليه ثورية كبيره وهي: ظهور الدولة القوميه عام 1684م. نجاح الثورة الثقافيه في دخول عصر النهضه في القرن الثامن عشر. تحقيق القفزه الهائله وانجاز الثورة الصناعيه في القرن التاسع عشر. وفي المقابل لا زال عالمنا العربي يغط في سبات عميق متغنيا بامجاد لم تعد قائمة الا بالمواويل الذاتية والتي لا تسمن ولا تغني من جوع , وفي حين تمكن الغرب كليا من تعطيل نظم العالم القديم محولا اياها الى مجرد درجة اسمنتيه نحو المستقبل وفتح الابواب على مصراعيها لنور العصر الحديث وتقنيات التكنولوجيا العلمية والتطور الانتاجي ولغة الديمقراطية والماسسة والحريات العامه وتداول السلطة على الصعيدين السياسي والاجتماعي, ومما لا شك فيه ان النظم الاوتوقراطية التي بدات بالظهور مع مطلع الخمسينات قد ساهمت في انجاز ردة الى الوراء وليس العكس المامول منها فهي ورثت انظمه نعترف بان الاستعمار هو الذي ورثها الحكم ولكن وفق اسس تملك ولو قواعد اللعبة الديمقراطية البداءية لتجيء الانظمة العسكرية الاوتوقراطية وباسم الثورة وتنهي حتى هذه الاوليات الجنينيه للحريات العامة والديمقراطية ولتكمم الافواه والايدي وبالتالي تلغي اية آفاق محتملة للتنميه المستدامة او البداءية , ذلك ان التنمية المستدامة مستحلة مع انظمة الحكم الشمولية الفردية والديكتاتورية , واية مقارنة او استطلاع بسيط يجريه المراقب سيرى ان الدول الديمقراطية القائمة على المؤسسات لا الشخوص والتي تعيش حياتها السياسية وتنمو على اسس التداول السلمي الؤسسي للسلطة هي التي تملك التنمية المستدامة وعلى العكس فان التخلف يعيش حيث انظمة الشخصنة الفردية والديكتاتورية , وحتى الانظمة الملكية في بريطانيا والبلدان الاسكندنافية تمكنت من المزج بين الملكية والحريات العام والديمقراطية وتداولية السلطة وظلت الملكية رمزا للحياة الدستورية وحامي للحريات العامة في حين قامت الثورات في البلدان الفقيرة بدور عشماوي لكل ما له علاقة بالتمية والديمقراطية , واحد لن ينكر ان للديمقراطية هفواتها وسلبياتها ولكنها بالمقارنة مع غيرها تبقى الاكثر قدرة على الحياة فلقد تمكنت من الاستمرار والعيش والتطور مع كل التبدلات والتغيرات التي اصابت العالم , يقول ونستون تشرتشل ( الديمقراطية اسوا نظام اذا استثنينا النظم الاخرى ). اي ان النظم الاخرى اسوا وان اليمقراطية هي الافضل ولو لسبب انه لا يوجد ما هو افضل وهذا يكفي للتمسك بها.
التنمية بين الشخصنة والمأسسة إن من المفيد التحديد ان النظم الديمقراطية لا تقوم الا على المؤسسات وهي اللبنة الرئيس في النظم الديمقراطية بينما تبنى النظم الديكتاتورية الاوتوقراطية على الشخوص, وهذا يعني انه فيما تقوم النظم الديمقراطية بتوظيف الاشخاص لصالح المؤسسة وتطورها واستمرارها, فرئيس الولايات المتحدة الامريكية لا يملك الحق بالاستمرار لاكثر من ثماني سنوات يعود بعدها الى مصاف الناس وهو لذلك حريص على تحقيق اكبر قدر ممكن من الانجازات لتسجل لصالحه وهو ايضا يدرك جيدا ان بلد المؤسسات الذي يقف على راس قمة الهرم فيه لن يرحمه ان هو اتى اية اخطاء وعلى النقيض من ذلك فان الانظمة الفردية تسعى لاستمرار وجودها في السلطة الى توظيف المؤسسة لصالح الافراد وهناك بعض الانظمة تفصل الادارات والمؤسسات والهيئات على مقاس افرادها الموالين, قادة الانظمة الديمقراطية يدركون انهم سيغادرون الحكم ولو بعد حين وهو لذلك يعلم جيدا ان وضع الرجل الغير مناسب في اية مهمة قيادية سوف تقوده الى الفشل وان الديمقراطية ومؤسساتها لن ترحمه وهو بالتالي لن يستمر ولذا قد لا تجد في ادارة اية ديمقراطية غربيه في العالم اسماء العائلة او العشيرة او القرية هي التي تتكرر بل ياتون بالاكفاء القادرين على انجاز التنمية وعلى كافة الصعد, في حين ان انظمة الشخوص تعطي للشخص وصلته بالحاكم الاولوية الكبرى للاختيار لاي منصب كان بعيدا عن الكفاءة والقدرات والنزاهة والمحاسبة والشفافية وتدريجيا تتحول كل ادارات البلد في ايدي غير الاكفاء وفي مقدمتهم رئيسهم الذي سيحرص ويحرصون معه كل القافزين من مظلاتهم فوق مؤسسات المجتمع المدني على ابقاء هذه المؤسسات على حالها كاقطاعيات وفي سبيل تحقيق ذلك لا بد من كم افواه الشعب وتكبيل اياديهم وبالتالي فان اي حديث عن التنمية في ظل هذه الانظمة يبقى نوع من الهرطقة الكلامية الجوفاء, فمن المستحيل انجاز التنمية في نظم تحكمها القبيلة او العشيرة كاليمن والسودان مهما تلونت المسميات او نظم تحكمها الاسرة الصغيرة كنظام صدام حسين في العراق.
الشخصنة نتاج اجتماعي
مفهوم الشخصنة يتصل بالظواهر المرتبطة بالدوافع والاتجاهات والمطامح والاحلام والقيم الخاصة بالفرد والتي تنمو من خلال طبية التركيبة الاقتصادية الاجتماعية السائدة وما يتمخض عن ذلك من بنى سياسية وثقافية وغيرها من تداعيات العملية الانتاجية وبنيويتها ومع ذلك فان هذا لا يعني ان السمات الشخصية موحدة بين شخوص المجتمع الواحد فللفروق الفردية في تركيبة الشخصية الفرد اهميتها القصوى في عالم يقوم على الفرد اولا ولذا فان الحديث بالعموميات عن مجتمع مصر وهي تحمل اسم مصر عبد الناصر او ليبيا وهي تحمل اسم ليبيا القذافي او عراق صدام لهو نوع من اخفاء الراس بالرمال , الشخصية العربية التي ينتمي لها هؤلاء هي خليط من فردية البدوي الذي يقوم بدور الراعي والحارس وحالب الاغنام ومسوق الحليب او الاغنام وصانع الجبن , وبنفس الوقت التركيبة الاسرية المنغلقة للفلاح الذي تتحول اسرته الى مملكة منغلقة على ذاتها فهو وزوجته واولاده ينجزون كافة الاعمال بعيدا عن الاخرين , وقراءة الشخصية تقوم على قراءة العلاقة بين الفرد وبيئته ولا يمكن دراسة اية شخصية بعيدا عن بيئتها , وحسب الكتاب الخامس والخمسون من سلسلة علم الاجتماع المعاصر لعدد من اساتذة جامعة الاسكندرية بعنوان ( المجتمع والثقافة والشخصية ) في الباب الثالث ص 436 توصل الاساتذه الى مسلمه مؤداها ان الشخصية تعتبر بمثابة :
بناء دافعيا داخليا. بناء سلوكيا شكليا. بناء موقفيا. ورغم انهم حاولوا الاشارة الى اهمية التداخل والتواصل بين البنى الثلاث لجعلها مسلمة نظرية واحدة ذات ابعاد ثلاث دون ان يقدموا التبرير النظري الدقيق لهدفهم هذا فالبناء الموقفي هو في النهاية قائما على توحيد البنى الثلاث في الشخص كنتيجة عند موقفه وسلوكه المباشر بناء على هذا الموقف من مجريات الاحداث ودوره فيها , وفي ص 444 يحدد الاساتذه ثلاث انواع للقيادة وهي التقليدية والبيروقراطية والعظيمة والانواع الثلاث تعتمد كليا على الشخصنة في تحديد القيادة ولهذا لسبب او لاخر تناسى العلماء الافاضل النوع الاهم في انواع القيادة وهو النوع الاجتماعي الذي تفرزه الارادة المشتركة للناس او لمجتمع بمعنى القيادة الديمقراطية التي تصل الى موقعها بالاختيار الحر المباشر من محكوميها وبكامل ارادتهم وهذه القيادة تحصل على شرعيتها بالقبول المباشر من المحكومين وتستمر بهذه الصفة في حين ان الانواع الثلاث وان حصل وملكت شرعيتها بطريق القبول من المحكومين الا انها سرعان ماتنقلب عليهم لمنعهم من ممارسة هذا الدور مرة اخرى وتتحول ادارتهم الى الاسلوب الديكتاتوري مهما تعددت المسميات والمبررات ففي حين تحصل القيادة التقليدية على مكانتها بالتلقائية والتوارث فان القيادة البيروقراطية تعيش خلف حاجز وهمي من صناعتها بعيدا عن قضايا وهموم محكوميها واحتياجاتهم وترى في مراسيمها الفوقية اساسا لمستقبل يجب على المحكومين قبولها وهي لا ترى ضورة للالتفات لاراء الاخرين , اما القيادة العظيمة حسب تعبير اساتذة جامعة الاسكندرية فهي التسمية الاخرى والمجملة للقيادة الديكتاتورية ومثل هذه القيادة وايا كانت العظمة التي تتمتع بها فهي ستجد نفسها رغما عنها في خانة الديكتاتورية وهو سيقاد الى ذلك رغما عنه من قبل الصفوة المتنفذة الحريصه على استمرار مصالحها وهي عادة ما تكون فاسدة ومفسدة في حين تنشغل قيادتها العظيمة بالهموم الاكبر وعادة ما تكون خارج حدودها الاقليمية ورغم الفوارق بين ثلاث شخوص هم جمال عبد الناصر ومعمر القذافي وصدام حسين الا ان ثلاثتهم وبالاحرى ما تبين من واقع الحال بعد ناصر وصدام انشغلوا بقضايا خارج اهتمام محكوميهم وقادوا مصر والعراق نحو طموحات واهداف لا علاقة للشعب بها وما حرب اليمن التي خاضها عبد الناصر والحرب مع ايران واحتلال الكويت الا نماذج لذلك فقد خسر هؤلاء القادة شعبيتهم داخل بلادهم وربحوا بعض الاصوات العالية خارجها وعادة ما تكون هذه الاصوات من المنتفعين والمرتزقه.
من بطل إلى ديكتاتور الديكتاتورية كلمة يونانية تعني قيام فرد أو مجموعة بالاستيلاء الفوقي على السلطة وحكم الشعب دون الحصول المسبق على موافقته ورغم أن اللفظ ظهر في مراحل ألازمات من تاريخ الإمبراطورية الرومانية بحيث كانت الإمبراطورية تلجا إلى تعطيل الحياة النيابية وتأتي بديكتاتور ليمارس الحكم بشكل مطلق لفترة محدودة ( سبع سنوات) يستقيل بعدها الديكتاتور وتعود الحياة السياسية إلى سابق عهدها ( احمد عطية – القاموس السياسي ) فالديكتاتورية هنا جاءت بقرار ولتحقيق هدف معين ولأسباب خاصة وبانتفاء الأسباب أو بتحقيق الغاية كانت مهمة الديكتاتور تنتهي كليا ويتم التخلص من حكمه كليا وبذلك لم يتمكن الديكتاتور الفرد من الاستيلاء المطلق على السلطة ولم تعط له الفرصة للاستفراد بالحكم مع مجموعة من أعوانه وبالتالي جاءت الفردية هنا كقرار جماعي مؤسسي وفي أيامنا يستخدم الحكام المجالس النيابية نفسها لإلغاء دورها بتشريع تطبيق قوانين الطواريء مثلا ويصبح ذلك نافذ المفعول ولا تعود هذه المجالس قادرة على إيقاف العمل بقرارها حتى لو أرادت إلى جانب أن الرئيس الفرد يملك حق إصدار المراسيم الفوقية التي تملك قوة التشريع ; وفي القرن العشرين ظهر مصطلح ديكتاتورية البروليتاريا وهي من الناحية النظرية وحسب رؤية الفلسفة الماركسية اللينينية مرحلة ضرورية للتأسيس للمرحلة التي تتبع وهي الشيوعية أي أن ديكتاتورية البروليتاريا نظريا هي مرحلة انتقالية ضرورية لتحقيق هدف محدد وهو الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية وبالوصول للهدف تنتفي الوسيلة أي ديكتاتورية البروليتاريا فهي هنا لم تكن غاية بحد ذاتها ولم تكن سلطة فرد، بل هي وحسبما أريد لها ديكتاتورية الأغلبية ضد الأقلية. عادة ما يحصل القادة العظماء على شرعيتهم بسبب حالة تاريخية خاصة كاعلان الثورة على المحتل الاجنبي او نظام الحكم الديكتاتوري او الفاسد او ما شابه, اي انهم يلتقطون اللحظه التاريخية او المفصلية الخاصة وينجزون الهدف المطلوب شعبيا, لكن قيادتهم للحركة في اللحظه التاريخية تلك لا تعني ابدا قدرتهم على ادارة دفة الامور اليومية والنجاح في شئون الادارة اليومية الروتينية, إلا أن الظروف التاريخية التي يظهرون بها تدفع بجمهورهم لكي يقوم متطوعا باحاطة شخوص هؤلاء القادة بهالة من القداسة والاسطورة وهذا ما يدفع بهم في ظل غياب المؤسسة والديمقراطية والمشاركة الشعبية الى الخلط بين دور البطل الشعبي ودور الحاكم المطلق, وهم بدل ان يلجاوا الى الخبراء واصحاب الدراية والمعرفة والى الماسسة للدولة وتشكيلاتها يستعيضون عن ذلك باستخدام هيبتهم الشخصية ودورهم التاريخي المتميز ويساعدهم في تكريس ذلك جموع المطبلين والمزمرين والانتهازيين الذين يتكونون كفئة طفيلية تنشا على امجاد الرجل وهي بالتالي يهمها تضخيم دورة لادامة دورهم وتصبح المنفعة متبادلة وتدريجيا يتحول هذا القائد العظيم الى الخبير الاول في التنظيم والادارة والسياسة والتنمية والجيش وما الى ذلك وتتحول رؤياه الشخصية بديلا للانظمة والقوانين وتسعدهم انظمة الطواريء والقوانين العسكرية التي توفر لهم فرصة الادارة الفردية للحكم, وكم من حاكم لجأ الى تعطيل الدستور رغم هزالته حتى يوفر لنفسه الفرصة لادارة الحكم على هواه بالشكل الظاهري رغم أن حقيقة الأمر أن البطانة هي التي تمارس الحكم وتترك للزعيم الشكل الخارجي لإرضاء غروره من جانب وتعظيم هيبته لتسهيل الحكم على أنفسهم وتحميل شخصه ما لا يستطيعون هم الإتيان به. وقد أشار س.جيب في كتابه (The principles and traits of leadership) الى ما تقدم ياعتباره القياده امرا نسبيا للموقف, وضرب مثلا حول مجموعه من عشرة اشخاص تبحث عن حلا لمشكلة مشتركة وهي نقل جهاز راديو الى قمة جبل مستقيم الانحدار ويرى ان صاحب الحل الامثل سيقود الجماعة, وفي حال ملك الفكرة ولم يستطع تنفيذها فان صاحب القدرة على التنفيذ سيفعل ويحل مكانه وقد يستمر في القياده بعد ذلك او يتقدم عضو ثالث ومعنى هذا ان ليس كل من يملك الحل للحظه، لموقف، لمشكله هو الاجدر بالاستمرار بالقياده فالحياه ليست حكرا على تلك اللحظه وهناك حالات، مواقف، ظروف ستفجر الحاجة الى قيادة جديدة، وفي حال اصرت القيادة القديمة على الاستمرار فهي ستتحول الى الديكتاتورية حتما.
العرب والمجتمع المدني تدريجيا يتزايد الحديث عن المجتمع المدني والتربية المدنية ومجتمع المؤسسات وحقوق الإنسان في العالم العربي ويبدو الأمر وكان هناك شيء ما يتغير جذريا، في حين تقوم القوى والأحزاب والمنظمات بأنشطة كثيرة ومتنوعة سواء أكانت من قوى وهيئات الحكم والسلطة أو من قوى وهيئات المعارضة إن وجدت في العالم العربي، وتعتمد تلك الأنشطة والبرامج على الشكل الدعاوى البحت والتي تعلي صوت الحديث عن المجتمع المدني دون حقائق على الأرض وقد تكون مفردات الحوار والديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها أكثر المفردات شيوعا الآن في الخطاب المجتمعي والسياسي العربي، وقد تم إحلالها مكان لغة المرحلة التحررية القومية وقد تمكنت هذه المفردات من ملء الفراغ الذي أصاب القاموس السياسي العربي وفي أوساط حركاته التحررية والمعارضة القومية منها واليسارية الشيوعية، فقد أدى انحسار المد القومي بعد حرب عام 1967 وصولا إلى الحرب الأهلية اللبنانية والانقسامات حول الموقف من حرب الخليج وانتشار المعركة الدينية انطلاقا من مقاومة المد الأحمر في أفغانستان وصولا إلى انهيار المعسكر الاشتراكي وشعور اليسار العربي التابع على الشعور باليتم، إلى جانب أن انهيار نظام الشاة في إيران ونجاح القوى الدينية في الصعود إلى السلطة واندلاع الحرب العراقية الإيرانية واضطرار حزب قومي مثل حزب البعث في العراق إلى اللجوء إلى الخطاب الديني السني في مواجهة الخطاب الديني الشيعي كل ذلك خلق حالة من البحث عن ما هو قادر على ملء الأفواه المفتوحة للكلام في العالم العربي ممثلة بنفس القوى والأحزاب التي باتت تخجل من ترديد سيمفونياتها القديمة فبدأت بتغيير أسمائها وألوانها دون أن تجد برامج مناسبة لهذا التغيير أو قادرة على احتواء المنعطفات التاريخية في حياة شعوبها والعالم، وقد وجدت في المفردات الليبرالية الرأسمالية بديلا سهلا لكونه يمثل لغة جديدة على سمع المواطن العربي تمكنهم من خلالها تسهيل نقل مواقعهم من مواقع اليسار الثوري أو الحركات القومية التحررية إلى مواقع الليبرالية دون أن تعلن ذلك، بل إننا وجدنا أنفسنا نتقبل تلك المقولات وكأنها مرادفات للثورة والتحرر. ذلك يعني بلغة واضحة أننا بكل أطياف اللون بتنا نتقن لغة الانقلاب الفوقي على الأهداف والأشياء، فقد انقلبنا إلى الدولة القومية الأوروبية دون إدراك لخطوط التطور الخاصة والظروف الذاتية والموضوعية، وكذا تسابقنا إلى السعي للوصول إلى ديكتاتورية البروليتاريا والاشتراكية العلمية وحين فرغت جعبتنا أو أفرغت انقسمنا إلى تيارين متناقضين فمنا من عاد أدراجه إلى الماضي مكتفيا من الغنيمة بالإياب رافضا حتى فكرة فحص أو تجديد أدواته القديمة وتطويرها بما ويتلاءم وروح العصر دون مساس بالجوهر أو بالروح ومنا من أمعن في البحث عن ما هو أكثر حداثة أو ابهره الانتصار الفوقي للرأسمالية على الاشتراكية فامسك بأدواتها اللفظية ولو على قاعدة تسهيل مهمة الانتظار والهاء جماهيرهم بانتظار الوحي أو الفكرة البديلة، وفي جميع الحالات كان العرب خارج الفعل ومجرد متلقين مستهلكين للفكر كما هم كذلك بالنسبة للسلع. يبدو أننا لم نعد قادرين على الفكاك من فكرة اللحاق بالآخرين والانبهار بإنجازاتهم، فالحديث الشائع عن الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي يأخذ أنماطا لفظية وشكلية بعيدة عن أية حالة تزاوج واضح بين الواقع والفكر ولذا نرى أن الحديث عن ذلك يأخذ أشكالا وأنماطا بل ولغة ضبابية، ذلك أن الرافعة الأساسية للمجتمع المدني في الغرب جاءت من الطبقة الوسطى والتي تأخذ مكانها في العملية الإنتاجية القومية في البلدان الغربية وتعيش نمطا مدنيا من الحياة لا تملكه الطبقة الوسطى العربية فهي إما مرتبطة جذريا في الاقتصاد الغربي كوكلاء وسماسرة أو مرتبطة بالإثراء السلطوي كمصدر للكسب غير المشروع في معظم الأحيان، والفرق هنا واضح بين نموذجين من السلطة والإنتاج أو الثروة ففي حين نرى في الغرب سلطة الثروة أو سلطة مالكي الإنتاج الحقيقيين تنمو في عالمنا العربي ثروة السلطة على حساب الإنهاك لجمهور الشعب وإفقارهم أكثر فأكثر وبالتالي مصادرة حقهم ليس في القوت فقط وإنما حقهم في الاحتجاج على سرقة قوتهم، فلا يمكن لسلطة تسرق قوت مواطنيها أن تسعى لإطلاق الحريات وبناء مؤسسات حقيقية للمجتمع المدني فذلك يتناقض ليس مع سلوكها فقط وإنما حتى مع وجودها. إذن فان رافعة المجتمع المدني –الطبقة الوسطى- في الوطن العربي لا تملك استقلاليتها الضرورية لصياغة أو بناء مجتمع مدني حقيقي وقائم على الأرض لا في اللغة والأوهام فقط، وذلك يعني أن علينا أن نقرا بوضوح نشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني وشروط نشوءه حتى نتمكن من الإجابة على التساؤل الأساس وهو هل هناك مجتمع مدني أو مقومات مجتمع مدني في العالم العربي ولكون مفهوم المجتمع المدني مفهوم غربي فان من الضروري أن نفحص العلاقة بين المفهوم والبنى الاقتصادية والاجتماعية التي نشأ فيها هذا المفهوم وتجلياته المتمثلة في الفكر الليبرالي الرأسمالي، ومن المفيد الإدراك انه لم يكن من الممكن للفكر الليبرالي أن يعيش دون إجراء القطيعة التامة مع الفكر الغيبي والشمولي وذاك ما تمكن من إنجازه حقا عصر النهضة الأوروبية وقد قاد ذلك إلى التأسيس للقدرة على التوسع الصناعي والرأسمالي الغربي وصولا إلى النمط الاستعماري بحثا عن الأسواق والمواد الأولية والطاقة مما يعني إغراق العالم الثالث بالسلع الرأسمالية وصولا إلى منع هذه الدول من الانتقال إلى مرحلة الإنتاج الرأسمالي مكتفية بدور المستهلك للمنتج الغربي على الصعيد السلعي وذلك أدى إلى التجليات الفوقية المؤسسية والفكرية المتمثلة في الإبقاء على النمط الزراعي الإقطاعي أو المتمثل مع الإقطاع شكلا ومضمونا، وقد كان ذلك السبب الرئيسي لمنع نشوء الآليات الضرورية لظهور المجتمع المدني وتطوره وترسيخه في العالم العربي وبديلا عن ذلك ظلت بلدان العالم العربي تعيش حالة من تجاذب حاد بين الفكر الفوقي والواقع المادي الملموس، بين مثقفيها الراغبين ولو نرجسيا بالانتقال إلى مجتمع مدني حديث وبين بنيتها الغير قابلة للخروج من جلدها العشائري محكومة بهيبة سلطة عسكريتارية في معظم الأحيان فاشلة وكسولة وغير قادرة على الابتعاد عن بريق الإثراء الشكلي السريع والانتقال إلى الإثراء بواسطة إعادة صياغة نموذج الإنتاج بشكل يسمح لها بزيادة وتطوير إنتاجها وصولا إلى نموذج إنتاجي عصري مناسب لواقع الحال وقادر على المنافسة والمشاركة في صياغة النموذج الإنساني للحياة في العالم بشكل عام وهذا يعني القيام بدور الشريك الرئيسي في صياغة الحضارة البشرية، إلا أن ذلك تعطل كليا بسبب حالة التبعية الدونية التي عاشها العالم العربي ولا زال وقد ساهم في تكريس ذلك أن البلدان العربية ظلت محكومة بجملة من نظم التخلف وبنيته الفوقية وأنماطه الاجتماعية المعبرة عن تشكيلات المجتمع الزراعي الرعوي شبه الإقطاعي والذي تحكم آلياته وعلاقاته الداخلية الأنماط القبلية والعشائرية مهما كانت محاولات التجميل والرتوش التي يحاول البعض التجمل بها لشطب الوجه القبيح للعشائرية التي يستخدمونها، وأشير هنا إلى تعبير الوجه القبيح للعشائرية التي يستخدمونها بإصرار على أن للعشائرية أنماط وأشكال ونظم غير قبيحة بل إن بها جنينية الحياة الديمقراطية بالقبول والشفافية وغيرها إن نحن امسكنا بها وبخصوصيتها وتمكنا من دفع روح الحياة العصرية فيها فالنظم العربية التابعة أمسكت بالجوانب السلبية في النظام القبلي ومنها حالة الرتابة والعداء للحراك الاجتماعي والتطور وعدم قبول الآخر والتقوقع على ألذات وذلك نابع من طبيعة التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية التي ينمو في رحمها النظام القبلي وتجلياته، وعن عمد راحت انظمة الحكم العربية تغيب الجوانب الايجابية في النظام القبلي وتعالى المثقفون العرب عن محاولة قراءة هذه الجوانب حتى لا يتم صبغهم بالتخلف او الرجعية، علما بان من يتابع النظام القبلي يرى مثلا وبكل الوضوح اهمية القانون العشاري وقوته وتأثيرة على ابناء القبيلة بل ان القانون العشائري يأخذ صفة العمومية ولا يقتصر على قبيلة بحد ذاتها وجميع القبائل تقبل بالقانون وتخضع له ولا يوجد من يقبل بانتهاكه او مخالفته او التمرد عليه وهو قانون يحظى بالاحترام الطوعي وينظم العلاقة الداخلية للقبيلة الواحدة وكذلك العلاقات بين القبائل وانا هنا اتحدث بعموميات الفكرة وهي تحتاج لدراسة تفصيلية خاصة ولا يعني ما اوردته هنا القبول بالقانون العشائري القديم انما ايراد اهمية القانون وسيادته وقدرته على ان يكون ناظما للحياة والحراك الاجتماعي. مما تقدم يتبين ان فكرة تطبيق النمط الليبرالي وبناء مؤسسات مجتمع مدني في رحم نظم تحكمها العقلية العشائرية أمر غير قابل للتحقيق بهذه السذاجة والبساطة فهو لا يعني حفنة من المثقفين أو أسيادهم من الحكام الذين يبدون الرغبة ببناء نظم عصرية محكومة بعلاقات عشائرية مفرغة من كل ايجابياتها، ومع ذلك يزداد هذه الأيام وبقوة في مطلع القرن الواحد والعشرين نغمة الحديث عن المجتمع المدني ومقوماته في العالم العربي وترفع الأنظمة في معظم الأحيان لواء تلك الدعوة مستجيبة لرغبة مستجدة للغرب في توسيع التأثير الغربي على الشرق وصولا لتسويق الفكر الغربي المشوه والمعني بتعزيز السيطرة الغربية على الشرق خدمة لمصالح الرأسمال الغربي وتطلعاته في السيطرة والنفوذ بكل السبل الممكنه ويتجلى ذلك يوضوح من الحملة الامريكية لاشاعة ما يسمى بالديمقراطية الغربية في بلدان العالم الثالث والبلدان العربية تحديدا. لقد حاول هيجل جاهدا في شرحه لرؤيته للمجتمع المدني الى خلق حالة من التوازن بين الملكية الخاصة الفردية والأنانية من جهة وبين اشكالية الفقر والاغتراب من جهة اخرى ولذلك راى هيجل ان الخطوة الاولى لتاسيس مجتمع مدني وهي العمل من أجل سد الحاجات البشرية ضمن نظام الملكية الخاصة وان تلك الخطوة لا تعني شيئا دون الاعتراف الاجتماعي بها، وقد راى هيجل ان التبادل التجاري داخل السوق لا يمكن له ان يتم وينجح ويتطور دون قوانين تنظم العلاقة التبادلية بين اعضاء هذا السوق، الذي لا يمكن له الانتظام هكذا وبشكل تلقائي وعفوي ولذا تظهر الحاجة الى نشوء الادارة العليا المنظمة او السلطة العامة اي سلطة المجتمع المدني. المرء يدخل إلى السوق فردا معزولا وبعنى آخر انه فرد حر متحرر من اية قيود ولكنه ما ان يدخل السوق حتى يشعر انه بحاجة لحرية اخرى انها حرية الفرد في سياق وجوده الاجتماعي، فالحرية هنا هي حرية الفرد ضمن وجوده الاجتماعي الايجابي، فانت عنصر من عناصر السوق المكونه له وبالتالي انت مشارك في صياغة الحياة المدنية عبر مشاركتك الفاعلة في ادارة العمل المشترك والجماعي في ظل النظم والقوانين الناظمة للعلاقات الداخلية لهذا السوق، وهنا تبدو حرية الفرد بمفهوم حرية المشاركة لا حرية الانعزال ، ومع ان لذلك تداخل فلسفي بين رؤية هيجل والمثاليين من جهة ورؤية ماركس وانجلز والماديين من جهة اخرى لصالح العام في مواجهة الخاص الا ان الحديث عن المجتمع المدني يمكن له ان يأخذ مناحي الرؤية العامة بعيدا عن تعارضات اشكال البناء الداخلي لهذا المجتمع بتعارضات الفلسفات المثالية والمادية رغم اهميتها. في ذلك اهمية لرؤية التداخل العميق بين حرية الفرد الاجتماعية وحرية المجموع وحسب هيجل فان غياب حرية الفرد في ظل ظروف القهر الاجتماعي والسياسي يعني الغياب شبه التام لاهم مكونات واسس المجتمع المدني وهذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا العربية على اختلاف نظمها. هناك مثل شعبي عربي يقول " كل فولة والها كيالها " فنحن نستخدم مكاييل مختلفة للمواد المختلفة فلا يكال الزيت بمكيال القمح مثلا، إلا عند العرب فنفس الأدوات النخبوية العربية التي رفعت شعار القومية والوحدة والحرية والاشتراكية بترتيبات مختلفة لدرجة الاختلاف على تقديم هذه الكلمة او تلك، نفس هذه القوى والأحزاب هي التي حملت لواء اليسار الماركسي في مرحلة من المراحل وهي نفسها ترفع اليوم شعار بناء المجتمع المدني، مجتمع الديمقراطية والمؤسسات، ونكاد نملك القدرة على القول إنهم نفس الشخوص أيضا ونفس المنطلقات ولنفس الغايات، كل ذلك يجري تحت سمع وبصر نفس الجماهير المضللة ليس من الأنظمة الحاكمة فقط بل وحتى من قوى المعارضة التي وجدت في مقاعدها في صفوف المعارضة ممالك لها تورثها وتحكمها بفردية شبه مطلقة قد تكون أسوأ بكثير من أنظمة الحكم الرسمية. الصدفة وحدها وفرت لي فرصة حضور اجتماع داخلي لإحدى منظمات المجتمع المدني في إحدى الدول العربية وكان من بين الحضور ضيوف أوروبيين من منظمات حقوق الإنسان، وجلست استمع للخطاب الناري الذي ألقاه رئيس تلك المنظمة وهاجم فيه بلا رحمة منتسبي منظمته ممن ينتمون الى الحزب الحاكم واصفا إياهم بالخونة والوشاة وحين انتهى طلب احد الحضور بخجل أن يسمح له الزعيم بالرد وتوضيح الموقف وتبين من كلامه انه احد المقصودين بالهجوم، وثارت ثائرة أعوان الزعيم ومنعوا الرجل بالقوة من الكلام وصرخوا فيه أكثر من مرة " لقد تحدث الرئيس ولا يجوز مخالفة الرئيس " واخرج الرجل وزميل له من القاعة وأنا أتذكر قول "الفوهرر يفكر عنا" فأي مجتمع مدني هذا الذي يفكر هؤلاء ببنائه وهل يمكن لمثل هذه النواة ن تكون سوى مؤشرا على النمط الديكتاتوري الاحتكاري للسلطة ليس لدى الأنظمة الرسمية فقط بل ولدى معارضيها ممن صنعوا إمبراطورياتهم الموازية واستراحوا تحت يافطة الكفاح اللفظي الخالي من أي مضمون. لقد انتشرت عبارة المجتمع المدني في الوطن العربي بسرعة كبيرة دون ان تتمكن من تبرير ظهورها ولم تعتمد على البناء الداخلي للفكر الاجتماعي والسياسي العربي بل جاءت عبارة فضفاضة استخدمها كل من هب ودب لفظيا دون أن يحاكم سلوكه وأنظمته وسياساته بناء على مضمونها الحقيقي وبذا ظهرت العبارة بشكلها الكمي والغريب عن السلوك والممارسة الحية، بل وظل هذا المفهوم غريبا وغامضا ولم يتم تقديمه بشكل أكثر وضوحا لان لذلك علاقة في واقع الحال الذي تعيشه القوى التي سارعت لاقتناص العبارة واستخدامها كمسوغ عصري جديد من مسوغات وجودها المتواصل دون أن يترافق ذلك مع أية محاولة لإعادة إنتاج الثقافة على قاعدة التطور، فالحركة داخل المجتمع العربي يتجاذبها قطبان، النظام الرسمي من جهة والمرتبط رسميا بجذور التخلف والتبعية الاقتصادية والسياسية والذي يجد في وسيلة إعادة إنتاج الماضي المتخلف بحلل جديدة وسيلة الاستمرار في البقاء مهما كان لذلك علاقة في استمرار التخلف المعمق والمغطى باستحداث للأشكال والعبارات والمظاهر الخارجية، ومن جانب آخر معارضة تهاجم الماضي والديكتاتورية وتدعو في أدبياتها للتطور والماسسة والديمقراطية وجتمعة السياسة ومنظومة البنى الفوقية بكل أشكالها لغة بينما تعيش في واقع الحال نفس حالة الرتابة واحتكار السلطة بابهى صورها وهي الى جانب ذلك ترتبط بأشكال مختلفة مع التزاماتها تجاه مموليها من الأحزاب والقوى والمؤسسات الأجنبية الغير بريئة على الإطلاق. المعيقات إذن في وجه جتمعة السياسة والبناء الفوقي المؤسسي ليست منحصرة في الأنظمة الرسمية الحاكمة بل تتعداها لتصل إلى نفس الهيئات التي من المفترض أن تكون الرافعة الحية لذلك وهي القوى والأحزاب والمنظمات الأهلية التي من المفترض أن تكون هي مكونات المجتمع المدني والقادرة على تحويل العبارة النظرية إلى سلوك حي ممارس وبدلا من ذلك نجد هذه الجهات متحجرة ومغلقة على نفسها وغير معنية حتى على فتح أبوابها للجمهور حتى لا تعصف رياح التغيير الحقيقية ونظم البناء المؤسسي الرافعة الرئيسة للمجتمع المدني ببنائها الهيكلي وبشكل أوضح بشخوصها المهيمنين والمحتكرين للسلطة كليا وبشكل يتنافى مع ابسط مقومات بناء المجتمع المدني الفاعل. مما لا شك فيه ان هناك رغبة معنوية جامحة داخل المجتمع العربي ومكوناته المدنية للانتقال من حالة التبعية والتخلف إلى حالة التميز والمشاركة من خلال إنجاز الانتقال من التشكيلات القديمة البائسة للبناء الاجتماعي والاقتصادي إلى النموذج العصري، إلا أن حجم المعيقات كبير جدا ومختلف الجوانب ماديا وفلسفيا فعلا وقولا بناء قائما ورؤى وأحلام غريبة عن الواقع، وهي الفرق بين التطلعات القائمة على الحلم الغريب وبين واقع الحال الذي يصل مرحلة الولادة الطبيعية وفي ذلك يلخص صادق جلال العظم الرؤية بقوله "إن ما يميز العصر الأوروبي الحديث، هو هذا الاتحاد العضوي الفريد الذي تم بين المصالح الحيوية للطبقات التجارية الصاعدة وبين الاكتشافات العلمية والاختراعات التقنية والميكانيكية الجديدة، لقد أضحى للرأس مال مصلحة حيوية في العلم، كما أصبح للتقدم العلمي مصلحة لا تقل حيوية في الرأس مال، وهذه دينامية حضارية جديدة تماما لم يعرفها الإنسان من قبل ، هذا المزيج الجديد ، برهن أنه طاقة متفجرة وهائلة الى أبعد الحدود ، مدمرة وخلاقة في وقت واحد ، هذه الطاقة هي التي صنعت ما يسمى بالحداثة ، وشكلت العالم الحديث وقضت على القديم ، كان شعارها : المعرفة قوة ، وكان للعلم دورا حاسما في الإنتاج التدريجي للفلسفة الحديثة ، تماما كما كان حاسما في إنتاج نوع جديد من المعرفة بالطبيعة وظواهرها ، وبالمادة وبقوانين حركتها عبَّر عن نفسه بمقولات جديدة . فإذا راجعنا، أو حاولنا مراجعة أبرز المقولات والتصورات التي سيطرت على الخطاب الفلسفي وتفسيره للعالم قبل عصر النهضة أو قبل المرحلة الحديثة، نجد أنها تضم التالي: الماهية، الجوهر، المُثُل، الفيض، الغاية، الوجود بالقوة، الصورة، الهيولي، الفكرة المطلقة، أو الصانع الأول، التسيير، التخيير، الغيب …الخ، فإذا انتقلنا إلى الفلسفة الحديثة وخطابها، فماذا نجد ؟ نجد تراجعا بطيئا ولكن متزايدا ومؤكدا لهذه المقولات والتصورات الغيبية جميعا لصالح صعود نوع مغاير منها، أخذ يحتل مواقع السيطرة على الخطاب الفلسفي الحديث (خطاب ومقولات عصر النهضة)، مثلا: المكان، الزمان، الجسم المادي، الذرة، الحركة، العلة الفاعلة، الصفات الأولية، الصفات الثانوية، قوانين الحركة، الاستقراء. وكل هذه المقولات مستمدة ومشتقة من العلم الحديث وخطابه ونظرياته. باختصار، لقد فرضت الكوزمولوجيا العلمية الجديدة (المادية الميكانيكية تحديدا) على الفلاسفة والفلسفة خطابا وتصورات ومقولات علمية نقيضه ونافية للفكر الغيبي القديم ومقولاته".
تزوير الثقافة قبل الاحتلال الامريكي للعراق شاهدت على شاشة احدى المحطات الفضائية العربية لقاء مطولا لعدي صدام حسين مع كبار الكتاب والصحفيين والمثقفين, خلال اللقاء تحدث عدي فقط وكان الجميع ينصت ويدون الملاحظات ويهز براسة علامة التاييد او يرفع عينيه دهشة من عبقرية الرجل وهم جميعا وبلا استثناء اصروا على التسجيل في أوراقهم والإتيان بإشارات التأييد والموافقة, لم يقل الرجل شيئا ذا قيمة تستحق الاهتمام ولم يحاول ايا منهم أن يرفع صوته أو حتى أن يفتح شفتيه ليسجل ملاحظة واحدة ولو بكلمة حتى لو كانت لتعميق عبقريته أو لتذكيره حتى بشاردة هناك أو واردة هنا. كان الرجل يتحدث وكأنه معصوم عن الخطأ والسهو والجميع ينصت بما يقترب من الخشوع, ترى ما الذي نتوقعه من هذا الشاب وهو يرى هذه العقول تبدي اعجابها بما يقول سوى أن نراه في مناسبة أخرى وهو يستخدم حذاءه في ضرب رجل في إحدى الحانات والقصص حول سلوكه كثيرة, ماذا كان سيفعل والده وهو يرى الكتاب والمثقفين يقومون بكتابة الادب والثقافة باسمه ويطلقون عليه الالقاب والاسماء بلا حدود من المنتصر بالله الى القائد الملهم ويدبجون القصائد باسمه, ماذا كان سيفعل والنحاتين والرسامين والشعراء والصحفيين والمفكرين والمغنيين والموسيقيين وكتاب الاغاني لا هم لهم سوى تمجيد ما يفعل وما يقول, احد في داخل العراق لم يجرؤ على الاشارة للرجل ولو من باب الحرص عليه او محبته الى انه ارتكب هفوة صغيرة هنا او هفوة هناك. بعد احتلال صدام للكويت كتبت سلسلة مقالات في صحف صغيرة في الارض المحتلة ومغمورة فلم تجرؤ صحيفة كبيرة واحدة على المجازفة بنشر تلك المقالات خوفا من جبروت الرجل, ومع ان تلك الصحف لم تكن معروفة ابدا الا ان تلك المقالات وصلت للرجل شخصيا واستشاط غضبا واستدعى احد القادة الفلسطينيين لتوبيخه على ذلك, من ذلك يتضح ان الرجل استهجن كلمة صغيرة في صحيفة مغمورة في بلد بعيد فقد اعتاد على من يعلنون له الولاء والطاعة ومن يطبلون ويزمرون لانجازاته ويجملون جرائمه وهو بفعل النشوة نسي كليا ان اولئك لا يفعلون ذلك الا بفضل الملايين التي تصرف عليهم من خزينة شعبه الجائع, وليس غريبا ان اشاهده على شاشة التلفزيون وهو يتناول الطعام مع جنوده ثم يامر مقاول الطعام بان يشتري لهم الخرفان على حسابه ويكرر على حسابه, دون ان يساله احد من اين لك بكل هذا المال ومن انت حتى ياكل جيش الشعب على حسابك الا لانه صدق انهم جيش صدام وجنوده وفدائييه وليسوا جيش وجنود وفدائيي العراق, ذلك كان بالطبع سيكون منطقيا ان يصل الى نتيجة ان يهدد الرجل قوات التحالف الدولي التي تجمعت لاخراجه من الكويت بالواويات – تاكلهم الواويات- فهل لذلك اي علاقة بالمنطق ولو كان اولئك الذين اتقنوا تزوير الثقافة الكاذبة لبيعها للرجل صادقين مع انفسهم لوجدناهم بعد ان ذهب يستمرون في دفاعهم عنه وعن كفاحه وإنجازاته، لكن العكس هو الذي حصل فهم جميعا بشكل او بآخر تنصلوا مما كتبوا ورسموا وغنوا وعزفوا ونحتوا وشيدوا و...و... لقد عاشت العراق حالة خاصة من الثقافة خلال العقود الثلاث الماضية أو الثلث الأخير من القرن العشرين، حالة من الصراع بين ألذات الواعية كضرورة والواقع المفروض كإلزام بعيدا عن وعي الضرورة وإبداعات ألذات المستقلة بمعنى أن هذه الثقافة عاشت خارج ألذات من جانب وبعيدا عن التلاحم مع الموضوع كضرورة وانشغلت كليا في هلامية غريبة فوقية ـ لقد عاشت الثقافة العراقية كنموذج خارج ذاتها وبعيدا عن مقومات الإنتاج الإبداعي المتواصل مع الموضوع بكل اصالته وانتماءاته الحية للناس، ذلك أن كل تجليات هذه الثقافة جاءت على شكل خضوع مطلق لرؤية فرد الديكتاتور وشخصه وبمعنى أكثر دقة لقد اختصرت إبداعات الناس كمجموع لصالح تمجيد سلوك الفرد، الذي سعى دوما إلى تكريس لكل ما هو ممكن لصالح استمرار سلطته وديمومتها، إن هناك تعارض طبيعي بين الثقافة كإبداع لا يمكنه العيش إلا في فضاء الحرية المطلقة والديكتاتورية كسلطة لا يمكنها العيش إلا من خلال إغلاق مناخات وفضاءات كل ما يمت للحرية وتجلياتها بصلة وبذا فان التعارض الأصيل هذا لا بد له من أن ينجز تفاعل خاص قائم على إلغاء الثاني لصالح الأول والعكس صحيح فالديكتاتورية معنية بإلغاء الإبداع الحقيقي لصالح سلطتها والإبداع الحر معني بنفي الديكتاتورية لصالح تطوره وأداءه وتشكله كثقافة حقيقية حية، فالصراع إذن جذري يمنع التوافق ويسمح للصراع لحد نفي الآخر وإلغائه فالعيش المشترك بين السلطة المطلقة والإبداع المطلق مستحيل. ولذا لجأ النظام إلى إيجاد نموذج بديل للإبداع الثقافي الحي بما يسمى بالثقافة التعبوية أو التوجيه الثقافي لصالح المعركة مع العدو الخارجي والتي بالضرورة يمثل قمة هرمها ونموذجها العظيم في الداخل القائد الفرد ولذا أصبحت إدارة الثقافة تماما كإدارة الجيش من غرفة عمليات خاصة وأصبح شراء الكتابات والإبداعات بالمال تماما كشراء الكفاءات العلمية أو الأسلحة لصالح المعركة العسكرية ، كل شيء ليعيش القائد الملهم الوحيد ، وبهذا أصبح الأدب التعبوي هو النموذج الوحيد للأدب وفصلت القصائد والأغاني والألحان والمسرح والسينما على مقاس القائد وكذا اشتغلت وسائل الإعلام المرأية والمقروءة والمسموعة ، ولذا عاش المبدعين الحقيقيين حالة من الاغتراب بينما تقدم حرفيو النصب والكذب ليحتلوا مراكز الصدارة في عالم الثقافة والأدب في بلد كانت منارة حقيقية لإبداع الثقافة منذ قرون ، هذا الاغتراب انسحب أيضا على القاريء الذي وجد نفسه ملزم بتلقي ثقافة ذات بعد واحد وجذور خاوية وقد تجلى ذلك خلال الحرب العراقية الإيرانية وانطلاق شعارات البوابة الشرقية واستحضار التاريخ الإسلامي العظيم كالقادسية وغيرها وتوظيف لغة التاريخ المجيد للأمة للتعمية لصالح الديكتاتور الفرد وقد اتسعت الهوة بين المبدع والمتلقي فلم يعد هناك مبدع حقيقي ولم يعد هناك متلقي مقتنع بالهراء الوحيد الذي يعرض عليه ( أصبحت هناك مادة لا تجد من يهضمها ، والمصيبة أنها لم تتراجع وظلت العقول خاوية تجتر القديم بينما اتسعت حالة التعمية في أوساط الأجيال الشابة) ويمكن القول بكل وضوح أن مثل هذا الوضع ساهم والى حد بعيد في عزوف الناس عن الاهتمام بالمنتج الثقافي بشكل عام وقلل كليا الاهتمام بالقراءة أو الثقافة بكل تلاوينها فلم يعد المواطن قادرا على احتمال حالة الاستغفال الموجهة ضده من قبل السلطان وأعوانه من أدعياء الإبداع أو الكاذبين والمتعارضين مع أنفسهم من مبدعين رضخوا لإرادة السلطان وساهموا في تكريس شخصنة كانوا الأقدر على تبريرها والدعوة لها دون الآخرين. مع أنني على الصعيد الشخصي والعاطفي اكن كل الود لاسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومع الفروق التي لا بد من الاشارة اليها بين حالة عبد الناصر وحالة صدام حسين وما كان بامكان عبد الناصر ان يفعله لو انه ادار الامور على اساس مؤسسي ولم يترك للمزورين ان ياتوا به بارادته او رغما عنه الى خندق الشخصنة وكيف كان سيرفض وعبد الحليم حافظ يغني له قائلا : يا اللي بتسهر لاجل ما تظهر شمس هنانا احنا جنودك سيبنا بايدك مصر امانه بكره وطنا حيصبح جنه وانت معانا وفي اغنيه اخرى يقول: عدينا بيك البحر حطمنا بيك الصخر وانت زعيم الشعب حارسنا حارسنا والكثير الكثير الذي يعني احلال الرئيس محل الوطن والشعب , اذن فهو الذي يسهر والكل نيام والجيش جنوده هو وليس جنود الشعب والاخطر ان شعبا باسره وبعظمة الشعب المصري يترك مصر – ام الدنيا- بنيلها واهرامها ببرها وبحرها وشعبها امانة في يد رجل واحد , ترى لماذا , هل سيسافر كل الشعب الى رحلة خارج البلاد وهل مصر تحتمل ان تكون امانة في يد رجل , كان بالتاكيد سيصل الى ما وصل اليه من عدم احتمال وجود الراي الاخر وهو يسمعهم يغنون له يا حارسنا , شعب باسره يحرسه رجل!!!! هذه الاغاني كتبها شاعر ولحنها موسيقى وعزفها العازفون وغناها المطرب وجوقته وبثتها كل وسائل الاعلام المصرية لسنين ولكنها اليوم خارج كل ذلك فلماذا نؤسس لثقافة مزورة نخجل منها بعد فترة قصيرة والا اين كل ما كتب عن ناصر والسادات وصدام الان, ولماذا يصدق الزعماء كورال التزوير الثقافي هذا, الا لانهم تعجبهم فكرة التمجيد والتأليه التي يحصلون عليها منهم والا لان ذلك هو الوسيلة الوحيدة ألممكنه لزيادة التعمية في أوساط الجماهير وسوقهم كقطيع من الغنم لإطاعة رجل واحد أو حفنة من الرجال الذين استولوا على سلطة الشعب ومقدراته. ثلاث رسوم كاريكاتوريه نشرها موقع جمال عبد الناصر على الانترنت تشير الى حجم التضخيم لدور الرجل : الاول: يظهر فيها موظف يحضر مسرعا لتقديم شكوى لصورة الرئيس جمال عبد الناصر بينما المدير يقول له – انا مديرك المباشر- هذا يعني ان الموظف لا يعترف بمدير سوى عبد الناصر فالبلد كل البلد تدار من رجل واحد. الثاني:تعليق على فوز مصر على الحبشه بكرة القدم يظهر عبد الناصر كحارس مرمى واللاعبين يقولون – طول م الجون ده واقف ما فيش فايدة – وهذا الجون مات فهل ماتت مصر . الشاعر الكبير زار قباني كتب في رثاء جمال عبد الناصر يقول: قتلناك يا آخر الانبياء قتلناك ليس جديدا علينا اغتيال الصحابة والاولياء نزلت علينا ... كتابا جميلا لكننا لا نجيد القراءة لماذا قبلت المجيء الينا فمثلك كان كثيرا علينا. الكارثة في قصيدة نزار قباني انه جعل من عبد الناصر نبيا ومعنى هذا اننا ملزمون باطاعته والالتزام باقواله وافعاله حتى يوم الدين, ثم هناك جلد لعين للذات فعبد الناصر كتاب وان كان لم يتحدث عن مضمون الكتاب بل عن شكله فان المصيبه ان ( الله يعطي اللحم لمن هم بدون أسنان ) فعبد الناصر ابن مصر والضابط الصغير في جيشها كثير على امة عربيه, اي هذيان هذا واية امة تصل بها المهانة حد الارتهان بشخص أيا كان هذا الشخص وايا كانت صفاته الشخصية وعبقريته.
لغة ميسرة للشخصنة اللغة العربية حسبما قال عنها الاستاذ طه حسين ( لغة يسر لا عسر ) وقد تكون تلك احدى اخطر الاسباب المشكلة لنمطية تفكيرنا والتي تاتي الشخصنه كاحدى اخطر تجلياتها على المسيرة البنيويه للمجتمع العربي بكل ابعادها والسبب ان اللغة هي مرآة اصحابها وتعبير حي عن نمط تفكيرهم وتتجلى السلبيات في اللغة العربية في: 1- اقرب الى لغة الخيال والشعر من لغة العلم فهي غير دقيقة بل مفتوحة وبلا حدود كمساحات الصحراء والبحر والسماء وتلك الحياة التي عاشها العربي ومنها اشتق لغته وقد اعتبر جاك بيرك في كتابه ( العرب – الامس والغد ) ان ( الشرق هو موطن الكلمة.... اللغة العربية بالكاد تنتمي الى عالم الانسان, يبدو انها بالاحرى معارة له...... فضيلة الكلمة مستمدة من شكلها وصوتها وايقاعها اكثر مما هي مستمدة من نوع تطابقها مع حقائق الحياة اليومية...... الكتابة العربية هي اكثر ايحاء منها اعلاما هذه المقدمة إشارة لدور اللغة العربية في نمطية التفكير والتي تساعد على الابتعاد عن المنهجية العلمية، والاستعاضة عنها بكثافة اللغة وغناها، هذا ما يفسر أن العرب استخدموا نمط الإبداع الشعري أكثر من غيره من الألفاظ كالقصة والرواية. 2- اللغة العربية تكتب في معظم حروفها على طريقة المنحنيات التي لا تاخذ شكلا محددا الى جانب انه لا يمكن كتابتها بالاحرف المنفردة بل المتداخلة وهو مؤشر على انعدام الحدود الفاصلة في التعبير وبالتالي في السلوك وهي لذلك تسهل على صاحبها ان يتلاعب بالحركة كما يشاء دون ان يجد نفسه ملزما بالخطوط المستقيمة، فالطفل العربي ومنذ نعومة اظفارة يبدء بتعلم التعرجات قبل معرفة الخطوط المستقيمة وتعطي منحنيات الخط العربي صاحبه فرصة واسعه للابداع بالشكل على حساب المضمون. 3- تسهل التنصل من الموقف فاللغة العربية فضفاضه وهي تعطي صاحبها القدرة على اطلاق العنان للتفسيرات والتاويلات واللعب بالكلمات بما يخدم قدرة مستخدمها على التنصل من الموقف وتقديم تفسيرات مطولة لذلك. 4- للكلمة في العربية مترادغات عدة تسهل القدرة على التلاعب على حساب المضمون فاذا اردنا ان نتحدث عن اشتعال النار مثلا فاننا نختار ان نقول ايا من المفردات التالية ( اشتعلت, اندلعت, تاججت, انطلقت, اتقدت ) ولك ان تبدع اكثر في اختيار المفردات واستخداماتها كان تقول مثلا ( انفجرت النار, او التهبت او اتقدت وان تذهب للقول مثلا اندفعت النار او انفتحت ابواب جهنم كبديل لكلمة الاشتعال وهكذا ) وقائمة المفردات والمترادفات والممكنات طويلة جدا وهي مفتوحة لابداعات قد لا تكون مستخدمة حتى الآن, بالجانب الاخر فان اللغة الانجليزية على سبيل المثال تسمح باستخدام الكلمة الواحدة في اكثر من معنى حسب سياقها وموقعها في الجملة بالمقابل، فنحن مثلا أمام كلمة مشابهة في اللغة الانجليزية وقد وردت في مورد 98 لمنير البعلبكي ص 137 كلمة burn وقد اورد لها البعلبكي المعاني التالية ( يشتعل , يحترق , يتقد "الوجه" , يتصوح "النبات , يموت على الكرسي الكهربائي , يتوهج , يتميز غيظا , يضيء ,ينير ,يقترب اقترابا شديدا من اكتشاف شيء مخبوء او معرفة الجواب" في العاب التسلية" , يحرق , يعمل بوقود معين "this furnace burn" , يحدث بالاحراق او بالحرارة"burned aholein the rug", يصنع او يقسي بالنار"to burn bricks", يكوي , يداوي بالكي , يبدد , يتلف "money to burn", يجتاز بسرعة فائقه "to burn up the road ", يثير , يغضب , يزعج , يغش , جدول , غدير , يكرهه على الخروج لاحراق المبنى الذي يعتصم فيه "to burn a person out", يقطع على نفسه طرق "to burn one’s boats or bridges" , ومن يدقق في الفرق بين استخدام اللغة يجد ان مستخدم اللغة العربية يغرف من بحر المترادفات التي تعطي له مطلق القدرة على استخدامها كيفما يشاء دون ضرورة الحرص على الفروق والتفاصيل بينما يجد مستخدم اللغة الانجليزية نفسه ينحت بالصخر بحثا عن الدقة في استخدام المفردة بمكانها المحدد حتى يصل الى المعنى الذي يريد وان هو زل قليلا سيجد المعنى وقد اختلف مائة بالمائة ما تقدم يبين بوضوح الفرصة الكبيرة التي تقدمها اللغة العربية لاصحابها والمثقفين منهم بالتحديد للعب دور المتنبي من كافور الاخشيدي مرة اخرى وهو الذي ملك القدرة على تحويل قصائد المديح بحق الاخشيدي الى هجاء. لقد ترافق ظهور البلاغة اللغوية عند اليونان بظهور الحياة الديمقراطية وانتشار المحاكم والمرافعات أمامها، مما دفع المرافعين للاهتمام بصناعة الكلام حتى يتمكنوا من الحصول على الحكم المؤيد لموقفهم في حين أن أقدم مظاهر صناعة الكلام عند العرب ظهرت في فن المجادلة والمناظرة والتي يصفها الشيخ أبا القاسم الراغب في كتابة مجمع البلاغة وصفا يشابه ما ذهبنا إليه في مطلع حديثنا عن اللغة حيث يقول" المناظرة والمحاورة والمقاولة والمجادلة والمناقلة والمفاضلة" ثم يفسر معنى هذه الكلمات التي تحمل نفس المعنى مع القدرة على التلاعب بالمضامين بقوله" أفاضوا في الحديث وخاضوا وقد خاوضه وفاوضه وناظره، وتجادل القوم وتساجلوا وتشاوشوا وتهاوشوا وتهارشوا وتذابحوا على كذا كقولك تقاتلوا أو تناضلوا..." وهكذا يستمر السجال في الكلمات دون اهتمام يذكر بأسس البحث والدراسة في فن من فنون الكلام الذي ظهر ليس بهدف السعي لحقيقة ما أو نتيجة عملية ما، بل بهدف لا علاقة له بالواقع سوى إبراز القدرات الكلامية لا أكثر، وهذا الفرق بين هدف بلاغة اليونانيين أمام محاكمهم الديمقراطية وبلاغة العرب بهدف لا علاقة له بالواقع، سوى إبراز القدرات الكلامية، ينسحب أيضا ليصل إلى نمطية تفكير صاحب الكلام للكلام والمتبع لفن المجادلة أو المناظرة عند العرب يجد آثارها لا زالت قائمة في فن الزجل الشعبي حيث يقوم أحد الزجالين بتبني الدفاع عن فكرة بينما يقوم الآخر بالدفاع عن نقيضها، وكثيرا ما يلجأ الزجالون لتبادل الأدوار لإثبات قدراتهم بحيث يفقد المضمون أو الهدف معناه لدى المتلقي ويصبح الهدف هو الشخص القائل- هل أجاد في القول أم لا...هل تمكن من تقمص الشخصيتين معا أم لا..هل أسكت خصمه قولا أم لا، وهو ما يصب مرة أخرى في خانة الشخصنة أي أن اللغة هنا لها دور خدمة الشخص لا خدمة الموضوع أو القضية كما لدى اليونانيين القدماء. . من جانب آخر يمكننا أخذ النموذج السابق للشيخ أبا القاسم الراغب في كتابه "مجمع البلاغة" للدرجة التي وصل إليها الحال في إهمال المضمون والإركان إلى المعنى، وأحيانا بشكل قسري، فقد مجد الشيخ أبا القاسم بين المناظرة والمحاورة والمقاولة مع أن هناك فرقا كبيرا في مضامين الكلمات، فالمناظرة تعبير عن حوار فكري جاد وعميق تستخدم فيه البراهين والدلائل والقرائن، كما أن المحاورة تعبير عن حوار هادف للوصول إلى اتفاق ما أو رغبة ما مشتركة بين المتحاورين، بينما المقاولة عبارة عن رد القول بالقول لفظا ولمجرد الرد لا أكثر. وأعتقد هنا أن من يقبل بتوحيد الكلمات أنفة الذكر لاستخدامها لنفس المعنى بغض النظر عن مضامينها لا يمكن له أن يؤسس لغة علمية منهجية تخدم فكرا علميا ومنهجيا في الحياة بكل تجلياتها، ويروى عن هشام بن محمد الكلبي صاحب "أنساب العرب" أنه قال: " كان كسرى أنوشروان يحفل بالعرب ويستأنس بمشاهدتهم ويرغب في سماع محادثاتهم ومفاخراتهم ومغامراتهم، ولم يدخر وسعا إلا بذله للحصول على ذلك ورغم أن ظهور الدين الإسلامي ساهم في تعميق حوارات فكرية جادة سواء بين الإسلام واليهودية والمسيحية من جهة أو بين المدارس الإسلامية نفسها إلا أن بعض الأدباء والكتاب العرب ظلوا يعطون السفسطة الكلامية أهمية كبيرة وكان منهم كبار الكتاب كما فعل الجاحظ في مناظراته في كتاب "الحيوان"، والبيهقي في كتاب "المحاسن والمساوئ" والثعالبي في كتاب" مدح الشيء وذمه"من جانب آخر فان لغة الخطاب الحضاري العربي لا زالت بعيدة كل البعد عن لغة الحداثة التي تمكنت أوروبا من الإمساك بها بعد قرون من الحراك الاجتماعي المصاحب لحراك فكري فلسفي ثوري ناقض يمارس الإزاحة للقديم والحلول مكانه وفي ذلك يقول د.صادق جلال العظم "إن ما يميز العصر الأوروبي الحديث، هو هذا الاتحاد العضوي الفريد الذي تم بين المصالح الحيوية للطبقات التجارية الصاعدة وبين الاكتشافات العلمية والاختراعات التقنية والميكانيكية الجديدة، لقد أضحى للرأس مال مصلحة حيوية في العلم، كما أصبح للتقدم العلمي مصلحة لا تقل حيوية في الرأس مال، وهذه دينامية حضارية جديدة تماما لم يعرفها الإنسان من قبل، هذا المزيج الجديد، برهن أنه طاقة متفجرة وهائلة إلى أبعد الحدود، مدمرة وخلاقة في وقت واحد، هذه الطاقة هي التي صنعت ما يسمى بالحداثة، وشكلت العالم الحديث وقضت على القديم، كان شعارها: المعرفة قوة، وكان للعلم دورا حاسما في الإنتاج التدريجي للفلسفة الحديثة، تماما كما كان حاسما في إنتاج نوع جديد من المعرفة بالطبيعة وظواهرها، وبالمادة وبقوانين حركتها عبَّر عن نفسه بمقولات جديدة. فإذا رجعنا، أو حاولنا مراجعة أبرز المقولات والتصورات التي سيطرت على الخطاب الفلسفي وتفسيره للعالم قبل عصر النهضة أو قبل المرحلة الحديثة، نجد أنها تضم التالي: الماهية، الجوهر، المُثُل، الفيض، الغاية، الوجود بالقوة، الصورة، الهيولي، الفكرة المطلقة، أو الصانع الأول، التسيير، التخيير، الغيب …الخ، فإذا انتقلنا إلى الفلسفة الحديثة وخطابها، فماذا نجد ؟ نجد تراجعا بطيئا ولكن متزايدا ومؤكدا لهذه المقولات والتصورات الغيبية جميعا لصالح صعود نوع مغاير منها، أخذ يحتل مواقع السيطرة على الخطاب الفلسفي الحديث (خطاب ومقولات عصر النهضة)، مثلا: المكان، الزمان، الجسم المادي، الذرة، الحركة، العلة الفاعلة، الصفات الأولية، الصفات الثانوية، قوانين الحركة، الاستقراء. وكل هذه المقولات مستمدة ومشتقة من العلم الحديث وخطابه ونظرياته، باختصار، لقد فرضت الكوزمولوجيا العلمية الجديدة (المادية الميكانيكية تحديدا) على الفلاسفة والفلسفة خطابا وتصورات ومقولات علمية نقيضه ونافية للفكر الغيبي القديم ومقولاته" ومع ذلك فان الانتقال بأوروبا من العصور الوسطى وظلاميتها اى الحداثة لم يكن ممكنا بدون العديد من الثورات التي أنجزت في تلك البلدان كالثورة في هولندا في مطلع القرن السابع عشر وفي بريطانيا (1641 - 1688)، والثورة الفرنسية (1789 – 1815)وكذا ألمانيا في منتصف القرن التاسع عشر وبذا تمكنت أوروبا من الانتقال إلى عصر الحداثة بثورتين في الفكر والسياسة في العقل وعلى الأرض وهنا من المفيد التنويه إلى التداخل والتمازج بين أهمية ما بدأه الفلاسفة من ثورة في العقل تحضيرا للثورة الاجتماعية وتجلياتها السياسية والاقتصادية والتي لولا الحراك الفكري الذي قادته كتابات فلاسفة تنبهوا لخطورة السيطرة المطلقة لظلامية القرون الوسطى على العقول لما كان بامكان تلك الثورات أن تجد طريقها إلى الظهور والنجاح ولذا لا يمكننا القول ان المجتمع المدني في أوروبا ظهر بفعل قرار حاكم ما أو رغبة عدد من المثقفين بل جاء بفعل تاريخ من الفعل والفعل المضاد ويمكن إعادة بدايات التأسيس لظهوره إلى الأفكار التي بدأها أولئك الذين بداوا بالدعوة للحداثة ومنهم ميكافيللي صاحب نظرية المصلحة باعثة الحراك والتي جاءت لتعبر عن رغبة الطبقة البرجوازية حديثة النشأة، ثم جاء نيكولا كوبرنيكس وحملته على الفكر اللاهوتي الغيبي وبعده جوردانو برونو والذي لاقى الموت حرقا على يد الكنيسة بسبب موقفه العقلاني كما كان لكل من ليوناردو دافينيشي وجاليليو دورهم البارز وقد ساهم هؤلاء بدءا في بدء الحراك داخل الكنيسة نفسها فكانت حركة مارتن لوثر كحركة دينية إصلاحية وكذا دعوة فرنسيس بيكون إلى إتباع المنهج العلمي في التفكير اعتمادا على الفهم المادي للطبيعة وظواهرها وسلسلة الأسماء تطول من ديكارت إلى لوك، مونتسيكيو، فولتير، كوندياك، جان جاك روسو وفي هذا يمكن القول أن أهم ما جاء به هو تأكيده على شرط التلازم بين ما هو نسبي وبين الحرية والمساواة فهو لا يرى "مكان في عقده الاجتماعي لمواطن غني إلى درجة تمكنه أن يشتري الآخر، وفقير إلى درجة يضطر فيها إلى بيع نفسه، لقد أدخل روسو عنصر المساواة إلى المجتمع المدني، وبذلك جعل العدالة الاجتماعية شرط الحرية". وقد أوضح بكل جلاء في ذلك بان المصدر الرئيسي لكل تناقض وصراع بين البشر على الأرض وبين الحضارات يكمن في الحقيقة إلى التفاوت في حجم الملكية للأرض وأدوات الإنتاج وبذا يمكن القول أن روسو أسس للمجتمع المدني منذ أن صرخ على لسان ذلك الفلاح وهو يقيم سوره على قطعة الأرض ويصرخ – هذه الأرض لي -، مما تقدم يتبين حجم الدور الذي لعبه الفكر الفلسفي النقدي في أوروبا في التحول من المنظومة الإقطاعية وتجلياتها إلى المنظومة الرأسمالية وتجلياتها وما لذلك من دور رئيسي في ترسيخ مقومات المجتمع المدني بعيدا عن تواصل الرؤية النقدية لهذا البناء الرأسمالي الفوقي لدى فلاسفة الفكر اليساري أمثال هيجل وماركس وانجلز وغرامشي وغيرهم.
أمراض الشخصنة
العديد من الأمراض الاجتماعية لا زالت تؤثر سلبا في الشخصية العربية، وبالتالي فهي تؤثر إلى حد بعيد في آراء العربي وسلوكه الاجتماعي وهذه الامراض جاءت كنتيجه طبيعية للظروف التي تطور منها العربي، ومن المفيد الإشارة إلى أن التأثير الخارجي من الاستعمار وبكافة أشكاله القديمة والحديثة كان له الأثر الأكبر في ازدياد تأثير هذه الأمراض عبر سعيه لتكريسها وإشاعتها وتجذير وجودها وبالتالي تأثيرها على الشخصية العربية، ومن هذه الأمراض. . 1)الفردية: إن اعتماد العربي على الزراعة كان له تأثير في بناء شخصيته، فهو مزارع فرد يعتمد على نفسه وأسرته في كسب الرزق عبر أداء يكاد يكون منعزلا وإن بشكله المباشر عن الآخرين، فهو يجد نفسه يحرث الأرض ويزرعها ويجنيها ويسوقها بمعنى أنه يبدو وكأنه يقوم بكل شيء منفردا، حتى أنه هو الذي يوفر البذار للعام القادم من محصوله وبالتالي ينمو لديه الشعور بأنه كل شيء وأن الآخرين لا يعنون شيئا بالنسبة له، بل على العكس هم يحتاجونه لدرجة خطيرة وينتظرون محصوله بفارغ الصبر، لولاه لما تمكنوا من الحصول على غذائهم، الفلاح الصغير يقوم بعمله في أرضه منعزلا عن الآخرين معظم أيام السنة، وهو يحتاج الآخرين فقط للتسامر وقضاء أوقات الفراغ بدون هدف. من جانب آخر فإن أحدا لم يسعى لإبراز الجوانب الإيجابية لدى الفلاحين الصغار وينميها، فهم يقومون بأعمالهم العامة بشكل مشترك، وهناك ظواهر تاريخية منتشرة في أوساط الريف في البلاد العربية، كظاهرة "العونة" في المواسم، أو البناء أو المناسبات الاجتماعية، والفلاح هنا يحتاج الآخرين بشكل كبير ويصبح لوجودهم أهمية قصوى بالنسبة له، فهو يحتاج الآخرين في المفاصل المهمة في حياته الاجتماعية والاقتصادية وهو بدونهم غير قادر على تحقيق اهدافعه الكبيره وبالسرعه التي يحتاج. وهناك مناطق حلت مهنة تربية المواشي فيها بدل الزراعة، وهي تؤدي نفس الغرض، فصاحب المواشي أو مربيها هو نفسه الراعي وهو نفسه الذي يعتني بها وهو الذي يقوم بتسويقها أو تسويق منتجاتها كالحليب ومشتقاته أو اللحوم والجلود. ويمكن معرفة النقيض من ذلك من قراءة واقع المدن الساحلية والتي اشتغل سكانها في البحر، فهم تعلموا أهمية حاجتهم للآخر في مواجهة هذا العملاق الكبير، فالبحر مخيف، مظلم ومجهول، وفي نفس الوقت يمكنه توفير الرزق للجميع، فلا يخاف الصياد أو البحار من زميله على قطعة الأرض الخاصة به للزراعة أو للرعي، بل على العكس يشعر باطمئنان أكثر بوجود الآخر بجانبه، لذا نجد أن المدن الساحلية قبلت الآخر أيا كان، ومعظم المدن الساحلية يتعايش بها العديد من القوميات والأجناس والأديان بشكل طبيعي، بينما يبدو ذلك صعبا أو مستحيلا في المناطق الرعوية أو الزراعية، فالفلاح أو الراعي قادر على تحقيق ملكيته وتحديدها وحمايتها في حين أن ذلك مستحيل بالنسبة للبحار أو الصياد، فالبحر أقوى من أن يتمكن أحد من السيطرة عليه. فالشخصية العربية الزراعية أو الرعوية لم تعرف التكاملية في نشاطها الاقتصادي الإنتاجي، ولا بد لذلك إذن أن ينعكس على أدائها الاجتماعي والسياسي والثقافي فكرا وسلوكا، فالشخصية التكاملية أو التتابعية التي تدرك علاقة دورها الخاص بدور الآخرين بالملموس تصبح أكثر استعدادا لإدراك الآخر وأهميته. 2)الأنانية: تنبع من الملكية المطلقة والنظرة الأحادية الجانب للأشياء، وأسلوب الإنتاج الزراعي الصغير أو الرعوي هو الأساس في بناء ذلك، فالمزارع الصغير أو الراعي يدرك أنه سيد الموقف وأن لا أحد سواه له دور في أشيائه، فأرضه ومحصوله وقطيعه، وهو يوظف لذلك أسرته الصغيرة ويمارس دور السيد ومفاهيم معقدة تعتمد على الأخلاق والعادات والتقاليد ونظم اجتماعية مثل العيب والتي يذكر الجميع سعي نظام أنور السادات اعتمادها في استبقاء سلطته وقوته ككبير العائلة أو العشيرة، ورغم إشارتنا السابقة إلى أهمية قراءة التجربة العشائرية بروح نقدية لمعرفة الغث من السمين فيها، إلا أن الحاكم الفرد يرى في السلطة الأبوية العشائرية جانب الطاعة له ولا يرى على الإطلاق الشفافية شبه المطلقة التي كان يتحلى بها زعيم العشيرة، ووقوفه الدائم في مقدمة عشيرته في الضراء قبل السراء، وليس العكس في النظم الشمولية الحديثة. الأنانية إذن تؤهل الفرد للتمسك بسلطاته المطلقة أنى كان وحيثما عمل، فهو السيد المطلق الذي لا ترد له كلمة وعلى الجميع إطاعته وتنفيذ آراءه بدون تفكير.
3)الافتعالية: يعتمد الفلاح والراعي في حياته الاقتصادية على الصدفة وحدها، فهو لا يدري أي المحاصيل عليه زراعتها هذا العام ولا يدرس نظام العرض والطلب ولا يعتبر نفسه جزءا من منظومة اقتصادية متكاملة فهو يفكر ويقرر وينفذ وحده ثم يترك الأمور للظروف، وكذا في الحالة الرعوية فهو لا يعرف أين وكيف ومتى سيجد الأرض المناسبة للإقامة ويترك ذلك للصدفة تقتاده، فهو لذلك شخص افتعالي، مزاجي، متقلب الأطوار غير مستقر، وهذا يؤثر على بنيته وسماته وبالتالي على ادائه العام. كل ما تقدم يوفر لنا شخصية ليس لديها أدنى استعداد لقبول المؤسسة أو قبول الرأي الآخر، ولذا نجد ذلك يتجلى تسلطا أبويا في الأسرة أو البلد أو العشيرة، ثم ينتقل ليصل إلى السلطة السياسية الديكتاتورية المطلقة والشمولية التي تخون كل ما عداها وتسعى لإلغائه على قاعدة عدم أهميته، وأن وجوده معيق حقيقي لشرعية وجودها. 4)الدونية والتبعية: كثيرة هي المرات التي تصادف لقائي ببعض الاجانب الذين يتقنون اللغة العربية ويرغبون بالتحدث بها ولكنهم عادة ما كانت تجابههم عقبة واحدة ان من يلتقوهم من العرب يصرون على تجاهل حديثهم بالعربية ويخاطبونهم باللغة الانجليزية علما بان بعضهم ليسوا ممن يتحدثون الانجليزية كلغة أم وان من يخاطبهم بالانجليزية يكاد لا يتقن منها شيئا ومع ذلك يصر على استخدام مفرداته الركيكه المتداعية مع اي اجنبي يلتقيه والسؤل لم ذلك؟, لم نصر نحن العرب على اشعار كل اجنبي انه متفوق علينا حتى بلغته بينما نناطح السماء بيننا وبين بعض ويتجلى هذا في استخدام الشبان العرب للمفردات الإنجليزية أو الفرنسية في حديثهم الشخصي وهم يتبادلون التحية عادة بالإنجليزية، بينما تستخدم الحروف والكلمات والمختصرات الأجنبية في الإعلان عن الماركات أو الشركات أو المتاجر العربية وكثيرا ما تجد اليافطات في العواصم العربية باللغة الإنجليزية أكثر منها في العربية، وقد لاحظت ذلك على سبيل المثال في مدينة مثل دبي فأنت لا يمكنك العيش في هذه المدينة أو العمل بها إن لم تتقن اللغة الإنجليزية فهي اللغة الوحيدة تقريبا المستخدمة هناك وقد يقول قائل أن السبب في ذلك هم العاملين من جنسيات أخرى في قطاع الخدمات، وهؤلاء العاملين هم من جنسيات آسيوية باكستانية أو هندية أو غيرها ومع ذلك ليست لغاتهم الوطنية هي السائدة. هذا الشعور بالدونية والتبعية تجاه الاجنبي مرده الى الاحساس الدائم بالنقص من قبل من يستهلك تجاه من ينتج, ومن ياخذ مقابل من يعطي, ومن يبدع مقابل من سادت سادت سادت ينتظر, فغالبية الدول العربية بحكوماتها وشعوبها ومنظماتها الغير حكومية تتلقى مساعدات من الدول الغربية وبالتالي فمن أين تأتي القدرة لنا لكي نصرخ في وجوه من يدفعون لنا ان كفى عنجهية وصلفا وعداءا لنا ولقضايانا. سادت المساعدات التي نتلقاها تأتي من جيب دافع الضرائب الغربي في حين إن مواطنينا فقراءهم وأغنيائهم يتقنون فن نهب المال العام والتهرب من الضرائب بشتى السبل والوسائل بينما يستشري الفساد في الدوائر الرسمية والحقيقة المرة هي أننا لو دفعنا التزاماتنا لخزائن بلداننا ولو توقف الفساد في دوائرنا الرسمية فقط إلى جانب قيام أنظمة حكم دستورية ديمقراطية لكنا قادرين على الوقوف في وجه كل الأعداء.
الحضانة المتواصلة للشخصنة
يرضع الطفل العربي منذ طفولته حليب الشخصنة في الأسرة لتنتقل معه إلى المدرسة ومنها إلى العمل والبلدة والوطن فدائما هناك السيد صاحب الرأي المطلق الذي يجب علينا إطاعته طاعة مطلقة فالذكر هو السيد بالنسبة للأنثى والأخ الأكبر سيد الأصغر والأب سيد الجميع وفي الحالات النادرة التي تجد المراة القدرة على إبداء رأي أو القيام بدور بارز يصبح الرجل محط التندر لمواطنية القريبين, فكلمة عيب تلد معنا فمن العيب إن لا تطيع الأنثى أوامر الذكر ومن العيب أن لايطيع الصغير الكبير أو لا يطيع الجميع رب الأسرة وعادة ما يترافق ذلك مع كذب فاضح فالطفل في الأسرة العربية إن هو أتى بعمل لا يرضى عنه سيد الأسرة يقال له في كثير من الأحيان ( لا تفعل كذا لأنه عيب وماذا سنقول للناس ) بمعنى إن همنا ليس إن لا تقوم بالعمل ولكن كيف نبرر العمل ويتم تلقين الطفل تعاليم الدونية للآخرين فعليه أن يقبل يد الكبير وان لا يجلس بحضرة الكبار وان ينحني لتقبيل يد كل الكبار في العائلة وان يقبل مداعباتهم دون أن يحق له أن يحتج بل إننا نقدم أطفالنا لضيوفنا لتمضية الوقت فالطفل مجبر على أن يغني وينشد ويعيد حركاته التي أحبها الكبار وهو لا يملك القدرة أو الحق برفض القيام بهذا الدور. إن هذا النموذج للأسر العربية والذي يشكل الغالبية العظمى منها تقليديا رغم ظهور التحولات الواضحة بظهور المجتمع المتمدن يجعل من الرجل او الاكبر او الاب الوصي وهو يؤسس لنمط من البنية للشخصية الفردية والجماعية بحيث يصبح الاب ضروري وبدونه فالحياة تصل الى حد الاستحالة ولذا نتجه الى شخصنة كل قضايانا والبحث عن الوصي من منطلق استمرار الشعور الدائم بالقصور كما تربينا منذ الطفولة, في كتابه "مذكرات ثقافة تحتضر " يقول غالي شكري في ص 403 ( ام ان مصر لا تزال مجتمعا "ابويا" ورغم قسوة الاب, فان موته يعني خراب الديار ؟ ام ان الشعب المصري مريض بالسادية يعشق معذبيه ويرفض مفارقتهم, شعب قاصر يطلب الحماية مهما كان الوصي فانه بطل ) والحقيقة ان الشعب المصري ليس ساديا بل هو ينتمي حقا الى الاسرة الابوية التي تصنع القصر وليس الراشدين وهم لذلك انتحروا وبكوا واظهروا كل مظاهر الحزن والقلق والخوف وبعضهم اعتقد ان الحياة انتهت الا انهم عادوا بعد ذلك وصفقوا للرجل الذي الغى كل نموذج عبد الناصر في الحكم فهم اذن يبحثون عن الاب والاب فقط ايا كان على قاعدة المثل الشعبي ( اللي بيتزوج امي هو عمي ) ايا كان هذا الزوج فهو الحامي الوصي المسئول وكل منا وكما تربينا لا يستطيع الاستمرار دون الوصي هذا , الذي ندفع به بايدينا لان يتحكم بكل شيء وايا كانت مشاربنا او اتجاهاتنا الفكرية فنحن نفكر بكل السبل لنصل الى نفس النتيجة فهذا غالي شكري يصل بنفس الكتاب بعد ذلك للقول في ص409 ( لقد حمل عبد الناصر بين جنبيه وهو يجيء كالطيف الى حكم مصر صورة "اله الخير العائد".............. وكانه احمس يبعث من جديد ليطرد الهكسوس ) وغالي شكري معروف ككاتب يساري ومع ذلك كانت هذه وحدة من التصورات التي قدمها لعبد الناصر كاله الخير العائد. هذا الطفل , الولد , الشاب , يجد نفسه في المدرسة اما منهاج تلقيني وانه يقضي اثني عشرة عاما من عمره وهو يجد ليصل الى لحظه يتوقف فيها كل مستقبله عليها فهو ممنوع ان يمرض وممنوع ان بتعب وممنوع ان لا يجيب على كامل الاسئلة وهو ان لم يتمكن لحظة الامتحان المتوقفه على مزاج واضع الاسئلة ومزاج المراقب والمدقق والمصحح فسيفقد كل السنوات التي قضاها في مدرسته التي يتحكم بها المدرس والمدير بل والآذن في كثير من الاحيان وهو عليه فقط ان يقبل التلقين كعلم وان ينفذ الاوامر التي تلقى عليه , هذا الشاب سيجد نفسه ان اجتاز امتحانه في الجامعة وايضا امام نفس الالية التلقينية ونفس اسلوب الادارة ونفس نموذج الوصاية من الادارة والمدرسين , هذا الرجل سيخرج من الجامعة الى العمل ليجد الواسطة والمحسوبية والفوضى تعم الدنيا وهو ان وجد عملا مناسبا لمؤهلاته سوف يجد نفسه مضطرا على احترام اوامر مدير او صاحب العمل وتنفيذ اللوائح دون حق بالابداع او التجديد او المبادرة , مثل هذا هو نموذج المواطن العربي الذي سيحتاج الوصاية في كل المراحل ومن اي كان.
المأسسة لا الشخصنة نحن بحاجة ماسة الى ماسسة حياتنا بدل شخصنتها واحلال المؤسسه بدل الشخص وهناك فرق كبير بين الشخص الذي يبتلع المؤسسة لصالح الخاص وبين المؤسسة التي تبتلع الشخوص لصالح العام وعلى صعيد الادارة او الحكم فان هناك فوق كبيرة بين ديكتاتورية الشخص وديكتاتورية المؤسسة وتتجلى هذه الفروق فيما يلي: الاشخاص تحكمهم المزاجية والانانية والفردية في حين تحكم العمل المؤسسي الانظمة والقوانين والعمل الجماعي. عادة ما تكون الاهداف لدى الاشخاص متمحورة حول شخوصهم, في حين تملك المؤسسة برنامج ورؤيا واضحة ومحددة الاهداف. الشخوص مطلقي الصلاحية يقودون الآخرين نحو الدمار ويلغون ادوار الآخرين ويمنعون عطائهم بينما توفر المؤسسة فرصة الاباع والتطور والاستفادة القصوى من قدرات وخبرات الجميع. الشخوص يلغون الانتماء العام ويحولون كل شيء بما في ذلك الوطن ليصبح اقطاعيتهم وناسه اقنان وتكرس اخضاع العام للخاص في حين تكرس المؤسسة الانتماء للوطن واالعام والمجموع وتضع الافراد في خدمة مجتمعهم والخاص في خدمة العام. الشخوص يقودون مجتمعهم الى الفوضى ورفض الانظمة والقوانين وتكريس لحياة الفوضى بينما ترسخ المؤسسة احترام اللوائح والقوانين وتحدد علاقات الفرد بالمجموع وبالعكس. الشخوص يقودون الوضع الى ديكتاتوريتهم المطلقة دون ادنى اهتمام بالنتائج ويصبح القائد اهم من الوطن والمؤسسة تقود نحو الدستورية والديمقراطية والعمل الجماعي. الشخوص يوصلون بلدانهم نحو الدمار والتخلف والمؤسسة تقود البلد نحو التطور. الشخوص يقودون بلدانهم إلى نهاياتهم بشكل او بآخر ومعهم تصل البلد والمؤسسة الى نهايتها لانها فصلت على مقاسهم بينما في العمل المؤسسي يفصل الاشخاص على مقاس المؤسسة واهدافها وبرامجها ويغادرون ليحل مكانهم آخرون ويستمر العمل ويستمر التطور فالشخص تخدمة البلد حتى يموت وقد استنزف البلد ليصبح عليها ان تبدأ من جديد والمؤسسة تخدم البلد حتى تتطور وتتطور معها مؤسساتها. وعليه فان الانظمة والمؤسسات التي تحكمها الدساتير والانظمة واللوائح ايا كانت هي التي تدوم وتتطور وتحقق الانجازات, والا فان اولئك الذين يغدقون من آبار اللغة اوصافا بلا حدود على قادتهم من البطل الى المعلم الى القائد الى النبي براي نزار قباني والاله براي غالي شكري ستجد نفسها مضطرة على عبادة هذا الصنم الذي صنعته وهي ملزمة على طاعته وخدمته وبدل ان يكون اله الخير يتحول الى اله الدمار والخراب الى ان يذهب فنعود لنصنع اله آخر وافواه اخرى كالجراد, تلك هي مصيبة هذه الامة بانها تصنع اصنامها فياكلوها وليس العكس.
المنطق المثالي المنقوص
تلجأ الأنظمة الشمولية إلى استخدام المنطق المثالي على طريقة أرسطو وفلاسفة الأسياد شريطة أن يخدم هذا المنطق مصالحها، والذي يعود بذاكرته إلى أنظمة القومية العربية كالنظام الناصري في مصر يرى حجم إصراره على سلامة رؤيته ورأيه، فعلى سبيل المثال كان كل من يعارض هذا النظام يصب في خانة الأعداء ويتهم علنا بالعمالة لصالح الصهيونية وإسرائيل، فهو معيق لمسيرة الأمة وتقدمها، وعلى الشعب أن ينسى مشاكله الصغيرة كالخبز والحرية والضمان الاجتماعي والصحي والمسكن والملبس وما شابه، لصالح المعركة الكبرى، معركة المصير والكرامة وما إلى ذلك من شعارات دون أدنى اهتمام بإدراك حقيقة أن الجائع المنهك المظلوم المقموع، لا يمكنه أن يحرر أرضا أو أن يواجه الأعداء، وقد بدا ذلك واضحا أكثر في نظام صدام حسين في العراق، الذي اختزل الوطن بالحزب، واختزل الحزب والوطن والشعب بشخصه، وأصبح هو الذي "لا ينطق عن الهوى" وما سواه هرطقة وخيانة ووصل به الأمر حد الوصول إلى انتخابات بنتيجة مائة بالمائة، ليس من المشاركين بالتصويت، بل من أصحاب حق الاقتراع، فأي هراء وقح هذا، خمسة وعشرون مليونا، نصفهم في أضعف الإيمان أصحاب حق اقتراع، يعني أن أكثر من اثني عشر مليونا صوتوا في يوم واحد، لم يمرض أحد، ولم يمت احد، ولم يتأخر أحد، لم يحدث حادث سير واحد منع صاحبه من الوصول إلى صندوق الاقتراع، من هم في غرف الإنعاش وعلى أسرة الموت والمقعدين والمشلولين والمجذوبين والمصابين بالسرطان والصرع جميعهم صوتوا، وصوتوا بنعم، معارضين وأبناء مفقودين، ذوي من قتلوا ظلما أو بحق، جميعهم راضون وموافقون على أداء صدام حسين وحكمه وصوتوا بنعم. صدام حسين وأمثاله استخدموا منطق أرسطو المثالي وإن بشكل انتقائي متناسين الواقع المعاش لجماهيرهم وشعبهم، هم بهذا لا يقلون على الإطلاق عن الفوهرر هتلر صاحب شعار"الفوهرر يفكر عنا"، ونحن أي الشعب علينا الطاعة المطلقة فقط. صدام يحارب أميركا...أميركا عدو الشعوب، صدام إذن مع الشعوب، من هو ضد صدام ضد الشعوب، أميركا ضد التقدم...صدام ضد أميركا، من هو ضد صدام فهو إذن مع أميركا، وبالتالي ضد التقدم. أميركا تؤيد إسرائيل...صدام ضد أميركا، من هو ضد صدام إذن هو مع أميركا وبالتالي فهو مع إسرائيل. هكذا تقاس المسائل وفق رؤية أرسطو المثالية، وعلى قاعدة أن الفكر الإنساني هو عبارة عن مجموعة من البديهيات المطلقة، والمطلقة فقط، ومع ذلك فإن فان أرسطو جعل من بديهيته ان كل انسان فان تقوم على مبدا القياس لكل شيء وهو القائل ان ارسطو انسان وكل انسان فان اذن ارسطو فان, ومن هنا انطلق ارسطو في قاعدته المثالية التي يسعى أتباعه المثاليين الجدد التنكر لها، وكأنهم مخلدون بلا نهاية. المنطق المثالي بعيد عن قراءة واقع الناس وقضاياهم، وهو يقرأ ويفكر ويستنبط ويقيس من محض فكره المجرد، ومثال مدينة الفارابي الفاضلة ناصع في ذلك، فالفارابي استقرأ مثاله من حالة البدن الصحيح وهو يقول "أي الفارابي" إن المدينة الفاضلة تشبه البدن الصحيح، ولما كان العضو الرئيسي في البدن هو القلب، وبصلاحه تصلح بقية الأعضاء، فلا بد أن يكون في المدينة الفاضلة رئيس فاضل كذلك، وإلا فإن المدينة تسير في سبيل الهلاك"وقد ورد ذلك في طبعة البيان العربي لمقدمة ابن خلدون ص ( 504 ) وعلى هذه القاعدة يأتي اعتقاد الرؤساء أنهم الأسياد الفاضلين، وبدونهم فإن الهلاك هو مصير الأمة. . مثال آخر عن القضية نأخذه عن العالم المعروف فخر الدين الرازي الذي قال إن علم الفراسة صحيح في عالم الحيوان، وبالتالي يجب أن يكون صحيحا في عالم الإنسان، وهو-أي علم الفراسة- برأي الرازي يستند إلى العلم الطبيعي كالطب. والرازي يورد أمثلة على صحة علم الفراسة بشأن الانسان كبديهيات مطلقة، فهو على سبيل المثال يقول: - من كان ضخم الوجه فهو كسلان جاهل، هذا الدليل مأخوذ من الثيران. - من كان صغير الوجه فهو رديء خبيث ملق، هذا الدليل مأخوذ من القرود. - من كان طويل الوجه فهو وقح، وهذا الدليل مأخوذ من الكلب. وهو يضيف:" إن قبيح الوجه يكون حسن الخلق". الرازي والفارابي وقبلهم أرسطو هم ينابيع فكر الأنظمة الشمولية التي ترى في فلسفة المنطق المثالية قاعدتها في الحكم وعليها فهي مطلقة اليد في إدارة شؤون الناس كما تراه من وجهة نظرها صحيحة، لكن هذا المنطق ثبت بكل الأسس والتجارب والدراسات العلمية الواقعية بطلانه، وبالتالي بطلان ما هو قائم عليه، ومع ذلك تصر الأنظمة الشمولية على اعتماده مغلفا بمفاهيم وشعارات طنانة وأيديولوجيا مثالية تشبه الهرطقة الى حد بعيد.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عملمة القوة
-
خلافا لأمنياتهم
-
ثورة في الثورة
-
شكوى
-
حتى الاكاذيب توحد
-
انهم يعرفون ما يريدون
-
يعالون على حق...ولكن
-
الشرعية المنتقاة
-
الوطنية سلاح الديمقراطيين
-
الأقصى والنصرة الموسمية
-
كفاح اللاعنف
-
فلسطين ارض لا تحتمل الحدود
-
بين الحقائق فوق الأرض
-
قديسات وعاهرين
-
في مواجهة الصلف الاسرائيلي
-
صواريخ غاندي
-
قوة الضعف الواعي
-
المرأة والحريات المنقوصة
-
خارج الأولويات
-
إلى الرئيس محمود عباس
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|