حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1354 - 2005 / 10 / 21 - 10:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كنت أحلق ذقني في الصباح, وفتحت التلفزيون على محطة العربية لأستمع لقراءة الصحف في برنامج تحت الطبع. حين رنّت في أذني عبارة"نحن لا نتبادل الكلام" فانتبهت لأعرف من هذا الجديد الذي سيشاركني اليوم عبارة أو عنوان, مع إغفال اسمي أو عملي القديم أو الجديد سهوا أو عمدا, فهذا تكرر مرات, والعنوان نفسه أثار شهية البعض بصراحة ومنهم من استخدم عبارات وأفكار بلا إذن أو إشارة.
صدمتني مفاجأة سعيدة بأن أسمع اسمي الصريح مع مجموعة نحن لا نتبادل الكلام كنموذج على بؤس الرقابة, وفاتني سماع اسم كاتب المقال لكن اسم الجريدة رنّ في أذني: جريدة الحياة الشهيرة والمشتهاة في بلدي. أنهيت حلاقتي بسرعة,وتذكّرت, وأنا أبحث في شبكة الإنترنيت عن المقال والمناسبة, قصّة تشيخوف الشهيرة( جريدة أو الاسم في الجريدة) حين يأتي الصبي منتشيا لورود اسمه بصفحة الحوادث في الجريدة متهما أهله بالغباء والتخلف لأنهم لا يتابعون الصحافة والإعلام.
أثناء بحثي المحموم والمستعجل, تواردت في ذهني أسماء لطالما تمنيت معرفة رأيهم فيما أكتبه بحياد, وبالطبع ظننت المادة في حقل الإبداع أو الثقافة وليكن الرأي ماشي الحال. شعرت بخيبة أمل والحق يقال أن تكون المادة في باب علوم وتكنولوجيا, ولكن خفف من إحباطي ورود العنوان بشكل بارز, مع إشارة الكاتب: خالد زنكلوا_ إلى طلب الرقابة حذف بعض المقاطع لتسمح بنشرها, مع إشارته بوضوح أنه مطّلع على كتاباتي الأخرى, لكن العبارة الختامية صدمتني وأثارت ارتيابي " وبدا أن الشاعر يؤسس لحال من التمرد في صفوف الأدباء والكتاب السوريين، مع أنه يتعهد في كتاباته الانصياع إلى المرجعيات والسلطة". وجدت في كلمة " انصياع"اعتداء صريحا على شخصيتي, وتحريفا يصل إلى حدّ التشويه لكتابتي يتعذّر فهمه. وأسأل أي قارئ كيف يمكن فهم هذه العبارة والتي نقلتها بحرفيتها؟! وكيف لجريدة مثل الحياة تمرير عبارة بهذه الخفّة والتناقض في الوصف والتقرير والحكم....؟! لقد قامرت وغامرت وضحّيت بكل شيء, لأحقق حريتي وفرديتي في الحياة وفي الكتابة, وحتى هذه اللحظة ما أزال أخصص جزءا من مصروفي الشخصي الضئيل بالأصل لمتابعة الثقافة والإعلام, ولم أتلقى فلسا واحدا في حياتي لقاء ما كتبت, سوى مبلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة ليرة سورية فقط لا غير من المركز الثقافي الفرنسي بدمشق, كمكافأة على مشاركتي في نشاط الموسم الثقافي للمركز سنة 2002, وهنا لا أطلب المكافأة أو المنّة من أحد, فجميع خياراتي السابقة أو اللاحقة سأتحمّل مسؤوليتها إلى آخر عمري وأسعى لأن تتناسب مع موقفي وموقعي مع كل منعطف في حياتي, وأتمنى لو تكون هذه حال الجميع. بعبارة أخرى: أعتبر الموقف المعرفي هو الدرجة العليا في سلّم القيم, وممارسته لا تعطي أية أفضلية على الغير بالمعنى الأخلاقي. أسباب النجاح أو الإنجاز فوق شخصية كما أن أسباب الإخفاق أ والانحراف فوق أو تحت شخصية. والترجمة العملية و الحرفية لهذا الفهم في تجنبي قدر الامكان أي حكم أخلاقي على ممارسة الغير ليس في الثقافة فقط بل وفي الجنس و السياسة والاقتصاد, إلا ما تضمن العنف الصريح أو التحريض عليه, وهو ما أرفضه بالجملة والتفصيل.
بالعودة إلى "الآخر السوري"كما وصّفت موقعي ودوري بما يناسب ويلائم "الموقف النقدي" الذي أتبناه وأدعو إليه,و أظنه الموقع الذي يتحدد من خارج ثنائية السلطة والمعارضة ومن خارج التصنيف الرسمي والمعترف به, وهو يشمل المختلف والهامشي بالدرجة الأولى, وخلافه مع السلطات(السياسية والاجتماعية والأخلاقية) في بلادنا أعمق من المعارضات التقليدية الإسلامية واليسارية.
من النعجة السوداء في القطيع الماركسي إلى الغراب الأبيض في السرب الليبرالي, كانت أحد العناوين المطوّلة والتي كتبت فيها بإسهاب, عن تجربتي بشقّيها المعيشي والثقافي, ولا أريد تكرار ما كتب سابقا, ويمكن العودة إلي موقع الحوار المتمدن أو مرآة سوريا أو شفاف الشرق الأوسط وغيرها... وخصوصا: جفاف عاطفي أو الرماد السوري, الشرق الأوسط الكبير(نظرة من الداخل ),الرقابة والتقدير الذاتي, الوعي قعر الشقاء, ضرورة الشعر والكلام المفقود, أزمة منتصف العمر...
*
بعيدا عن المرافعة الشخصية أو محاولات تلميع الصورة, التي أحاول تجنبها بالفعل, سأعرض بإيجاز شديد بعض ملامح علاقتي بالإعلام الورقي والإلكتروني, ربما ذلك يفسر ويبرر حساسيتي العالية تجاه كلمة"انصياع", واعتقادي بأنها وردت بسوء نيّة لا بسبب التسرع وسوء الفهم .
كل من يمارس الكتابة الأدبية وبوجه خاص الشعر, يعرف شدة الرغبة في رؤية عمله مطبوعا في كتاب مستقل وأنيق وصادر عن دار نشر معروفة, كما يعرف الرغبة الملحّة في نشر بعض النصوص عبر الجرائد والمجلات واسعة الانتشار, أشارك جميع الكتاب هذه الرغبة المشروعة, وقد حرمت منها(على بساطتها) بشكل نادر الحدوث في سوريا وغيرها. وقد كتبت عدة نصوص بهذا الصدد:الإنترنيت كسر عزلتي, الإنترنيت جعلنا نرى, محنة الديمقراطي السوري, ولم يتح لي النشر إلا مع شبكة الإنترنيت وبعدما تجاوزت الثانية والأربعين. قبلها ولسنين طويلة أرسلت نصوصا لمعظم الجرائد والمجلات التي تدخل إلى سوريا, نشر منها نص يتيم في آخر عدد من مجلة ألف السورية. وللعلم, احتراما لنصوصي وشخصي أولا وللمطبوعات التي راسلتها ثانيا, كنت أرسل مرتين تحسبا من فقدانها في البريد, ولا أكرر الثالثة, كما تمنيت دائما الفصل بين العلاقات الشخصية والثقافية. وإن كنت على الصعيد الشخصي مرتبك ومجامل وأتحاشى الصدام مع الآخر في العلاقات الاجتماعية, كتابتي وآرائي في الأدب والسياسة على خلاف ذلك, فإما اكتب كما اشعر وأريد وأعتقده مناسبا أو أصمت تماما.
تجاوزت الخامسة والأربعين و لم أدخل مبنى جريدة أو مجلة أو هيئة إعلامية أو ثقافية, عدا المرور مرتين إلى وزارة الثقافة لتقديم مخطوط "أشباه العزلة" مرة و نحن لا نتبادل الكلام في الثانية وتحت ضغط الأصدقاء وإلحاحهم بأن وزارة الثقافة تختلف عن الاتحاد والموافقة على طباعة العملين شبه مؤكدة!
أليس من الظلم والإجحاف الشديدين أن يكتب عني وبهذا الاستخفاف" مع أنه يتعهد في كتاباته الانصياع إلى المرجعيات والسلطة"؟!
بصراحة لم أفهم ما هي المرجعيات والسلطة التي أتعهد بالانصياع لها: الطائفية والعشائرية؟ أم الرقابة والاستبداد؟
توجد أكثر من مئة مقالة على موقعي الفرعي في الحوار المتمدن, ولا تخلو واحدة فيها من التأكيد أو الإشارة, على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان بدون ولكن.. العربية المخجلة,وفي مقدمتها"الحريات" حرية التفكير والتعبير والممارسة.
في الختام: ليسمح لي القارئ بالتذكير بآخر فقرة كتبتها في ثرثرة من الداخل_الآخر السوري من الحلقة العاشرة, والتي نشرت في الحوار المتمدن والسياسة الكويتية ومرآة سوريا, قبل يوم واحد من نشر المقالة العتيدة: ( سأبدأ من اليوم في ترتيب مجموعتي الأخيرة" بيتنا", سأجمعها في مئة نسخة بالتمام والكمال كما حدث لشقيقتها" نحن لا نتبادل الكلام", لن أمررها على الرقابة ولا على اتحادات ومؤسسات السخافة في بلدي, لن أمررها كذلك على أي من دور النشر, سأجنبها أي مهانة محتملة, فشهاب الدين ألعن من أخيه كما يعرف أذكياء سوريا, النساء قبل الرجال).
ملحوظة أخيرة: لا أظنني مهووسا بعقدة الاضطهاد, وأعتقد أن في الأمر أكثر من مصادفة, أن يكتب أحد الموظفين الرسميين في جريدة تشرين, وبعد يومين فقط من نشر المقال المذكور هذه المادة" قف: الكتاب ممنوع" وفيها يتهجم السيد الكاتب على أصحاب الكتابات أو الكتب الممنوعة ويتهمهم بالكذب صراحة, وافتعال الإثارة الرخيصة لترويج كتاباتهم الكاسدة, بدون استثناء, ويجعل بكل بساطة من الرقيب ضحية لمراوغات الكتاب السوريين وادعاءاتهم...!
أعتقد أن صفة "الآخر السوري" تشملني مع عدد غير قليل من السوريين, وستبقى كذلك ما دام أكثر كتّاب المؤسسات والدوائر الرسمية عطفا على أعضاء اتحاد الكتاب, ينظرون إلى الرقابة والرقيب كضحايا لقسوة الكاتب السوري وساديته, أعانهم الله, أليسوا خلف رواج أكثر النكات سماجة,بأن الصحافة والكتابة عموما وفي المنابر الحكومية بالطبع مهنة المتاعب, في بلاد ورود اسم أو عمل في إحدى وسائل إعلامها يحتاج قبل الموهبة والحظوة إلى رضا كافّة المرجعيات والسلطات, وبالطبع يحتاج إلى رضا الله والوطن والوالدين أجمعين .
اللاذقية_ حسين عجيب
ردّ على مقالة"نحن لا نتبادل الكلام" في زمن الرقابة
المادة منشورة في الحياة عدد15531 تاريخ 9|10|2005
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟