|
قيمة السلاح في المجتمع العراقي
محمد لفته محل
الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 20:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ليس السلاح مجرد آلة للدفاع عن النفس في المجتمع العراقي إذ يرتبط بالشرف والرجولة والفخر وأداة تعبير في الأفراح والأحزان الاجتماعية كالمآتم والأعراس، وهو أداة تعبير فردي وجمعي، يفتخر بها الفرد برجولته وشجاعته، وتفتخر بها الجماعة كتعبير عن وحدتها وقوتها الحربية حين يرفع الجميع بنادقه عاليا يرمي بالرصاص أو يرقص بها جماعيا (الهوسات) ومن العيب على العراقي أن لا يعرف استخدام السلاح وصيانته وتفكيكه، ولا يعرف أنواعها ومنشأها (صيني، روسي، عراقي) ولا يميز إذا كانت أصلية أم لا. والعراقي يتباهى ببراعته في القنص، وكل عراقي تقريبا يملك سلاح شخصي له بغض النظر عن وجود أخطار أمنية من عدمها لأنه تعبير عن الرجولة والبطولة، ومن العار الكبير أن يخسر العراقي سلاحه بالقتال مع خصمه حيث يكون الموت والهزيمة أهون من ذلك، لان (سلاحك شرفك) كما يقال بالعراقي وحين يحدث فرح أو حزن يتبارى الرجال فيما بينهم بإطلاق اكبر عدد من الرصاص في السماء، وقدرة كل واحد منهم على السيطرة على السلاح بيد واحدة! دون أي اهتمام بالقتلى والجرحى الذين ستسقط على رؤوسهم بالشارع، أو الأضرار التي يخسرها المواطنين بتكسر زجاج نوافذ السيارات والبيوت، مع علمهم بفتوى المرجعية تحريم العيارات النارية بالهواء، وبعض الأشياء لا تكتسب أهميتها إلا بالتشبيه بالسلاح كالقلم والِعلم وأداة العمل والعضو التناسلي الذكري كلها تسمى سلاح (سلاحي بالعامية) كلها تكتسب قيمتها من رمزية السلاح؟ هذا عدا الأشعار والأغاني التي تتغنى بمفردات الأسلحة كالسيف والخنجر! والسوق السوداء لا تتوقف أبدا عن البيع والشراء مهما كافحت الحكومة هذه التجارة، والعراقيون خبيرين بأسعار الأسلحة وطرق بيعها بالطرق السرية، والذي ينتبه لمجتمعنا العراقي ويرى ولعه بالأسلحة النارية يظن انه في حالة حرب ففي كل بيت تقريبا توجد بندقية أو مسدس، وتحت مقعد كل سائق تكسي تقريبا هراوة (توثية)، وبعض من الشباب يحمل معه سكين أو (بوكس حديدي) بحجة الدفاع عن النفس، ومعظم الأطفال يلعبون بالعاب حربية كالبنادق والمسدسات البلاستيكية، وأي مشكلة تصل للاشتباك بالأيدي بين الكبار يستخدم السلاح الناري حتى أن القوانين العشائرية لها عقوبات غرامية على القتل أو التهديد، وكذلك القوانين الحكومية التي تعدم القاتل أو تسجنه مؤبد، ورغم ذلك لا يتوقف القتل ثأرا بالسلاح ولا يتوقف المتاجرة بالسلاح واقتنائه، كل هذه الإجراءات لم تستطيع القضاء على هذه الظاهرة السلبية لأنها صارت جزء من الثقافة الاجتماعية ومهما كان الفرد متعلما واعيا فمن الصعب التحرر منها، وحتى عمليات التفتيش التي تجريها الحكومة على بيوت الناس بحثا عن الأسلحة لم تفلح كثيرا فقد برع العراقيون في إخفاء السلاح في أماكن تعجز الحكومة عن اكتشافها كدفنه بالأرض أو دسه بالطحين وما شابه ذلك! والسبب كما قلنا لأنه شرف العراقي ومن الصعب التفريط به، وقليل من الناس من تملك اجازاة رسمية بحمل السلاح، ويكون صاحبه متباهيا علنا بحمله السلاح في حزامه شامخا بأنفه أمام الناس الذين ينظرون إليه بحسد بسرهم ويذمونه بلسانهم لغيرتهم منه! ويحس بالفخر والرجولة لكونه يحمل السلاح! وتراه يلتقط الصور الفوتوغرافية وهو حاملا سلاحه بحزامه أو بيده في وضع قنص، وأكثر شيء معرض للسرقة من الوزارات الأمنية هو الأسلحة النارية! فتتخذ الحكومة عقوبات مشدده بحق السراق، مع علم الناس أن السلاح خطر ويسمى بالشيطان، ويقال عنه (الله ﻴ-;-ﭽ-;-فينا شره) وهناك حوادث كثيرة يقتل فيها السلاح صاحبه بالخطأ أثناء الصيانة أو حين تحشر الرصاصة في الحجرة فيعتقد صاحب السلاح بخلوه من الذخيرة، فيضغط على الزناد وتطلق الرصاصة، هذا الولع بالسلاح قد يقودنا إلى أن العراقي محارب مغوار؟ والحقيقة عكس ذلك فالعراقي ينظر للحرب نظرة متخلفة تشبه حروب السيوف، إذ يعتقد إن الحرب يجب أن تكون رجل لرجل ويعتبر التكنولوجيا دلالة على الجبن! لان العدو لا يواجهه مباشرة ويقاتله عن بُعد وهذا دليل على جبنه! ولا يهتم بالخسائر البشرية، فكان يهرب أمام الآلة الحربية الأمريكية دون مقاومة وينعت الأمريكان مع ذلك بالجبناء في المواجهة! إذ كان يفترض بهم بحسب منطقه أن يتركوا الطائرات والدبابات ويقاتلوا مواجهة مباشرة بالبنادق!. فلماذا الاحتكام إلى السلاح بوجود الدولة والقوانين الجزائية! إنها ظاهرة تستوقفنا لغرابتها؟ أليس من الأسهل الاحتكام إلى القانون الحكومي بدل التعرض لخطر القتل أو السجن بالثأر العشائري؟ إذا أردنا تفسير هذه الظاهرة في مجتمع متحضر نسبيا مزيج بين البداوة والحضارة فإننا لابد أن نلجأ لنظرية عالم الاجتماع العراقي الدكتور (علي الوردي) حول التناشز الاجتماعي والصراع بين البداوة والحضارة مع الأخذ بالاعتبار ظروف العراق السياسية الحديثة من حروب وعسكرة المجتمع والتعليم والفن والعلم التي نمّت هذه القيم البدوية وأنعشتها مجددا، فالبدوي أما غازيا أو مغزيا والسلاح كان طوق نجاة له، فضروفه كانت موضوعية في احتفاظه بالسلاح، أما المواطن العراقي بعد ضعف القانون أصبحت قيم الثأر منتشرة بعد تراجع السلطة كحامية لأمن المواطن وفساد جهاز الشرطة والقضاء ولم يعد خيار للمواطن للجوء للعشيرة كحامي له من الأخطار. ويمكن استعمال التحليل النفسي الفرويدي في تفسير اعتزاز العراقي بالسلاح، فالتحليل النفسي يفترض وجود خوف لدى الطفل من الخصاء على يد والديه من خلال مشاهدته للعضو التناسلي الانثوي ولان الطفل لايعرف بالفوارق بين الجنسين ويعتقد ان كل البشر يمتلكون قضيبا وهذا الجهل سيدفعه لتفسير عضو الانثى بانه قضيب مقطوع جراء عقوبة نفذها الوالدين خصوصا وهو يسمع تهديد والديه حين يداعب عضوه (راح اقص زبك) وهذا الخوف يبقى معنا حتى البلوغ فالكبار عادة ما يقولون للرد على تهديد (قابل راح يقص زبي) ومعروف انه لاتوجد عقوبة حقيقية لقطع الاعضاء التناسلية وهي تخيل طفلي لتهديدات الكبار الغير جادة تبقى في لاشعوره كامنة حية تظهر في الشعور بالكبر كعقوبة مخيفة جدا حتى وإن لم تكن واقعية، وبما اننا كمجتمع عراقي نساوي بين العضو التناسلي والسلاح الناري بالتسمية كما بينت ونسمي السائل المني (قذف) و(طلقات) فإن فقدان السلاح هو نظير فقدان العضو التناسلي أي الخصاء عند الطفل، وعليه فالعراقي يحتفظ بسلاحه خوفا من الخصاء، اما الحرام النوعي فيفسر علاقة العراقي بالسلاح كون السلاح نجس لانه اداة قتل أي انتهاك المحظور وكونه قرين العضو الذكري النجس، ويمكن البول بفوهته لتبريده، لهذا يمنع ادخاله للاماكن المقدسه ويوصف عادة بالشيطان والناس تتقي شره، والنجاسة في التحريف النوعي تبيح للانسان انتهاك المحرمات لانها تلغي التصنيف النوعي بينه وبين الحيوان، اي ان السلاح كونه نجس فهو يغري الانسان لارتكاب الحرام وهذا سبب جاذبيته ونجاسته في نفس الوقت. ثم كيف السلاح شرف العراقي وهو نجس؟ ان السلاح يحمل صفتين مزدوجة فهو ضد الاعداء شرف وضد الاقرباء فهو شيطان ونجس.
#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التفسير الاجتماعي للفساد بالعراق
-
مدخل لدراسة علمية لفرضية الله
-
ملاحظات في علم الاجتماع الإسلام
-
علم اجتماع انتفاضة التحرير العراقية
-
التحريف النوعي للجماعة الداعشية
-
رؤية اجتماعية لزنا المحارم
-
مفهوم الروح في المجتمع العراقي
-
موجز الدراسات الإنسانية للظاهرة الدينية
-
التفسير الاجتماعي للإلحاد والإيمان
-
مفهوم الموت في المجتمع العراقي
-
القوى الغيبية في المجتمع العراقي (الحظ، البخت، الكرفه)
-
العلاقة العلم بالدين
-
العراقي وامريكا
-
الفرق بين الطائفة والطائفية
-
ملاحظات اجتماعية على الحشد الشعبي
-
سلاّب الأموات العراقي
-
العلاقة بين العنف والحق
-
مدخل نفسي وانثربولوجي لأصل فكرة الله الشعبية
-
صورة المرأة في المجتمع العراقي
-
مدخل إلى فهم علاقة العلم بالدين
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|