غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 12:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بنهاية مؤتمره الصحفي, ظهر يوم الإثنين 7 أيلول 2015, أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند François Hollande, أن الطيران الفرنسي سوف يحلق فوق الأراضي السورية, لعمليات تعارف تحديد مناطق داعش ونشاطاتها العسكرية.. وبالتالي القيام بغارات محددة عليها.. مع المحافظة على كل إمكانيات القرار والتحرك. وأضاف بأننا لن نقوم بأية عملية تقوي وتساعد بشار الأسد. وعليه أن يرحل......
هذا يعني أنه بترديده الببغائي, وإصراره الأعمى أن على الرئيس بشار الأسد أن يرحل, بعد غارات جوية ضد داعش.. قد قرر نسخ وطبع وتنفيذ ما آلت إليه ليبيا بعد اغتيال معمر القذافي... خراب... فراغ... فوضى رهيبة.. انفجارات عشائرية وإثنية... الفوضى الخلاقة المشهورة التي وزعها المشروع الأمريكي بالمنطقة.. وسموه "الربيع العربي"... وكان مبشره وداعيته الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي Bernard Henri Lévy... فوضى.. خراب.. خراب.. فظائع.. تهجير.. وتفريغ كامل للوطن السوري وتصحيره الكامل... وخاصة عندما نــرى أن هذا يتوافق مع فتح أبواب جميع الحدود الأوروبية بوجه ملايين المهاجرين السوريين.. بعدما كانت مغلقة بصرامة مرعبة مرفقة بموت الآلاف منهم على الطرقات والبحار.. بالإضافة أن السفارات والقنصليات الفرنسية بالذات, بكل من بيروت وعمان واسطنبول, ما زالت توزع الفيزا للهاربين السوريين المستحقين بقطارة ضيقة شبه مسدودة.. تاركة مئات آلاف الهاربين اللاجئين, بأيدي المافيات والعصابات المحلية, والتي ما زالت تؤدي إلى مجازر Génocide بلا أعراف إنسانية.. بشهادة وعيون ومعرفة وتأكيد هذه السفارات وهذه القنصليات وتقارير البوليس الدولي والمنظمات الحقوقية الغير حكومية... عن المصير الرهيب الكارثي لهؤلاء الهاربين من الجحيم الداعشي...
ثــم ظهرت على جميع وسائل التواصل الاجتماعي صورة الطفل السوري إيــلان كــردي, الذي ردته المياه الهائجة على رمال الشواطئ التركية.. حيث يتكدس ملايين الهاربين اللاجئين السوريين... فرأينا الحدود اليونانية والمقدونية والصربية والنمساوية.. وأخيرا الألمانية حيث وصلت قوافل عشرات الآلاف من اللاجئين... وعشرات.. ومئات.. من المتطوعين المجهولين النمساويين والألمان.. تمركزوا على الحدود لمساعدة اللاجئين بإرادة فردية.. وعلى الحدود.. شباب.. شابات.. شيوخ عائلات بأكملها البارحة واليوم.. بالمحطات الحدودية بين البلدين النمساوي والألماني.. وبمحطات القطار.. تستقبل اللاجئين السوريين, كأنهم أبطال فرق كرة قدم من بلدانهم.. تهتف لهم باستقبالهم.. وتفتح لهم صدورها وطاولاتها المفتوحة المليئة بالألبسة والأطعمة والحلويات والفواكه وزجاجات الشراب والماء والهدايا للأطفال... كــأنــهم بيوم عيد شعبي محلي... يا للعجيبة الإنسانية... في بلد (الــكــفــار) يا بشر... بينما في بلاد النفط والربع الخالي تصريحات من قبل الأمراء والمسؤولين الذين يخبؤون أكبر فراغ طبولي عقلي.. يصرحون أنهم على استعداد لبناء جميع الجوامع (الإسلامية) الضرورية لهم في بلاد اللجوء... وآخر يصرح أن حضارة هؤلاء السوريين الهاربين لا تتوافق مع حضارتهم.. وآخر أذكى أنهم ليسوا بحاجة إلى (عبيد) إضافيين.. وما لديهم من عبيد يكفيهم... تصوروا حالة العروبة العرجاء التي أصبنا بها من قرون بعيدة.. وماذا يربطني بعد هذا, بهذا النوع من العربان الذين لم ينتجوا لنا خلال كل القرن الماضي وهذا القرن.. سوى سباق الإبل.. وتوريد مقاتلي داعش وتمويلهم وتسليحهم.. وإرسالهم لنشر الحضارة في سوريا.. هذا البلد الذي وزع الحضارة وخلق أولى الأبجديات, قبل ابتداع جميع الأديان...
*********
البارحة مساء من الساعة التاسعة عشرة حتى العشرين, ومثلما كل مساء من أيام الأسبوع, بضعة صحافيين محترفين من نجوم الإعلام الفرنسي الورقي والإذاعي والتلفزيوني الرسميين ببرنامج يدعى نادي الصحافة Club de La Presse, بمحطة راديو Europe 1, يدعى إليه أمرأة أو رجل سياسي أو نجم حدث آنــي معروف.. وهذه المرة كان الضيف المدعو السيد Henri Gueno النائب الحالي, وأول مستشاري الرئيس الفرنسي السابق سـاركوزي.. رئيس حزب الجمهوريين الحالي Les Républicains وكان الموضوع الحرب أو اللاحرب الذي يستعد له ويحضره الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند, ضد داعش على الأراضي السورية.. بدءا من غارات جوية محدودة مدروسة. السيد غينو, كما عدد كبير من الجمهوريين يؤيدون حربا شاملة حتى على الأرض, باشتراك عدد من جيوش الدول الأوروبية, وبمباركة أمريكية, مع مشاركات وتمويل عربية طبعا... تشبها بحرب الكويت ضد الجيوش العراقية وصدام حسين. بالطبع هناك عدد آخر من النواب والسياسيين الفرنسيين وبعض الإعلاميين البراغماتيين, يعلنون عن استحالة هذه الحرب, حتى بشكلها الجوي, دون موافقة الجيش السوري والسلطات السورية وعلى رأسها بشار الأسد...
كم كنت أود يا قرائي الأحبة, لو سمعتم السيد غينو وبعض الصحفيين المشتركين بهذه الندوة.. وهم طبعا إعلاميون.. مدنيون.. ولم يخدموا حتى كجنود عاديين بأية قطعة عسكرية, ولم يخوضوا أي حرب,, ولــم يكونوا ولو يوما واحدا مراسلين بمناورة عسكرية أو تمثيلية عسكرية.. يتكلمون مثل ماريشالات سوفيتيين على أبواب معركة بـرلين سنة 1945... تصريحات تافهة عن المعارك في سوريا.. وتصورات خيالية.. دون أن يتذكروا لحظة واحدة عدد الضحايا التي يمكن أن تسبب هذه المغامرة الفردية (الهولاندية) إن لم تــجــر بلا دراسة عميقة مع الجيش السوري والمسؤولين السياسيين السوريين على الأرض.. وخاصة بوجود أعداد غير محدودة من الانتحاريين الداعشين المهلوسين.. قبل الاحتكاكات وأثناءها وبعدها على المواطنين السورين الباقين على الأرض.
يا سيد هولاند.. يا مسيو Guéno, ويا أيها الإعلاميون الجهابذة الفطاحل الدونكيشوتية.. أصغر وأبسط محلل عسكري في العالم, يمكنه أن يفسر لكم أنه يكفي قطع موارد التمويل والاستخبارات والتسليح وإغلاق حدود دول الجوار بوجه داعش وحاضناتها المحلية.. حتى يمكن للجيش السوري آنذاك أن ينهي تصفية داعش, وجميع حلفاء داعش, بشكل قاطع حاسم بشهر أو شهرين.. لأنهم أبناء البلد.. وغالب المقاتلين الداعشيين غرباء ومرتزقة.. وحتى غالب المواطنين الذين ساعدوهم وفتحوا لهم الأبواب والنوافذ والمعابر.. يئسوا منهم ومن فظاعاتهم وشرائعهم وقوانينهم.. وخلافتهم التي عادت بهم إلى خمسة عشر قرن إلى الوراء.. ونشرت الرعب والجوع والحرمان من ابسط الحريات البسيطة العادية.. وغالبية الشعب السوري.. حتى من انصفوا مع المعارضة في بداية الأحداث.. وخاصة بغياب كل المعارضات السياسية (الديمقراطية) اليوم.. يريدون كلهم نهاية هذه الحروب الرهيبة الفظيعة التي لا تشبه أي حرب أو ثورة خلال المئة سنة العابرة من كل تاريخ المشرق...
يا مسيو هولاند... فــرنــســا والــمــانــيــا.. كانتا ألـد الأعداء خلال قرن ونصف وثلاثة حروب كبرى.. واليوم هما أقرب الحلفاء ضمن الاتحاد الأوروبي... ومن أشــد الضرورة والذكاء والبراغماتية.. أن تتفاهم وتسير مع الرئيس بشار الأسد مسافة هذه الحملة المعقولة.. وبعدها... شــاور بعض جنرالاتك المحترفين الأذكياء.. واسمع لــهــم... من يدري.. قد تتغير نقاط شعبيتك نحو الأعلى والأفضل.. وقد يتغير مصير الشعب السوري.. وقد تــوجــد حينها مزيدا من الحلول الأنسانية لملايين اللاجئين السورين ونكباتهم.. وقد تــشــارك فــرنــســا بإعادة إعمار ســـوريــا.. وتشارك أنت ببعض حلول مشاكل البطالة التي هي من أصعب الحروب الداخلية الفرنسية اليوم!!!.........
***********
عــلـى الــهــامش :
ــ عـلـى الحدود الهنغارية ــ النمساوية.. عشرون ألف سوري يكتشفون " الإنـسـانـيـة "...
بعد انغلاق الحدود الهنغارية الأوروبية.. تغيرت الأحداث وكل الجمودات والجنزرات السياسية بكل أوروبا.. إثــر انتشار صور الطفل السوري الميت على الشواطئ التركية إيـلان كــردي... قطارات مجانية.. سهولة التسجيل على الحدود... متطوعون بالمئات لا ينتمون لأية منظمة رسمية أو مدنية أو دينية مسيحية, يجمعون الأموال لمن يرغب من اللاجئين المجتمعين بحلقات صغيرة صداقاتية أو عائلية.. للسفر على قطارات نظامية.. غير القطارات التي خصصتها السلطات الهنغارية والنمساوية وبعدها الألمانية.. للانتقال مسافات محدودة أو طويلة.. مساعدات من المفتشين بمحاولات الانتقال والتغيير.. بالإضافة على فرق شــرطة الحدود الذين تلقوا تعليمات مباشرة, حتى تسهل لمئات المتطوعين الهنغاريين والنمساويين والألمان.. مساعدة اللاجئين بأشكال مختلفة مباشرة... كما توزعت بكل المحطات الرئيسية فرق متطوعين, تنظمت آنيا من شابات وشباب بالمئات, لنقل الألبسة والطعام والفواكه والحلويات المحلية.. وحتى البطاقات الدولية للهواتف المحمولة.. وسجادات الصلاة الصغيرة للصلاة لمن يرغب.. والبطانيات داخل المحطات لمن يرغبون الانتظار والاستراحة.. للقطارات المحجوزة صباح اليوم الثاني...وقد رافق مندوبو موقع Médiapart الفرنسي المعروف أحد القطارات المحجوزة من آخر محطة حدود هنغارية. كانت مغلقة كليا, ورافقوا أربعة شباب سوريين من مدينة حمص السورية.. رووا لهم مصاعبهم ومتابعهم التي بدات منذ أكثر من سنة.. وهم بدأوا بألمانيا, يشعرون لأول مرة بلذة الاختيار والابتسامة وحتى الضحك.. يحللون أي بلد سوف يختارون... السويد؟.. النرويج.. أو البقاء في الــمــانــيــا التي بدأت أوسع وأضخم التحضيرات لاستقبال أكبر عدد من اللاجئين السوريين...
فــرنــســا؟... الحكومة الفرنسية.. تدرس الآن مخططات ضـرب خلافة داعش من الجو... ومئات من اللاجئين يتكدسون في المدن الحدودية.. وفي الداخل.. بلا قرار نهائي بعد.. أكثرهم يريد الذهاب إلى بريطانيا.. ومنهم من يرغب البقاء في فرنسا.. لأن لهم بعض الروابط العائلية.. أو بعض من سبقهم من روابط مختلفة, من نفس القرية أو المدينة الذين وصلوا قبلهم من بضعة أو من عدة أشهر.. أو من سنوات الحرب المريرة...
قصص وحكايات ومــآس مختلفة... تزيد قناعتي أن بلد مولدي يفرغ ويفرغ.. بأشكال أكيدة محزنة...
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأكارم الأحبة.. هـــنـــاك هـــنـــا.. وبكل مكان بالعالم.. وخاصة على الحدود المغلقة والمفتوحة.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأطيب تحية صادقة مهذبة...
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟