أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موسى راكان موسى - وهم تحرر الإنتلجنسيا .. المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟!















المزيد.....



وهم تحرر الإنتلجنسيا .. المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟!


موسى راكان موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 01:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ضمن سلسلة وهم تحرر الإنتلجنسيا , أتناول هنا المنهج الشحروري (أيصمد أم يصمت ؟) -;- المنهج المُتبع في التعامل مع التنزيل الحكيم وفق قراءة معاصرة , للدكتور محمد شحرور , كما هو وارد في موقعه الرسمي .

و ما فهمته مما يعنيه "التنزيل الحكيم" هو أكثر من مجرد الحصر في القرآن و السنة _و الأخيرين معناهما مختلف عن المُتداول السائد , وفق المنهج الشحروري_ , و يمكننا أن نتحسس بداية المعنى بالأخذ بظاهر الكلم من "التنزيل الحكيم" , فهناك ما هو أعلى أو أرقى يهبط إلينا منه _فنكون في حُكمه أدنى_ , و هو حكيم _و الصفة هنا تشمل التنزيل ذاته و ذات التنزيل , بغض النظر عن الحَكم في ذلك_ . لكن نهاية المعنى مفتوحة , فالتنزيل غير ثابت الشكل فهو مُتغيّر و مُتعدّد , بل هو مُتغيّر و متعدّد لا بذاته فقط بل أيضا بأتباعه , من خلال قراءتهم للتنزيل , من تفسير و تأويل .

لكن هذا ليس كل شيء عن التنزيل , فالتنزيل وفقا لما يورده الدكتور محمد شحرور _أو المنهج الشحروري_ في موقعه هو {نقلة موضوعية خارج الوعي الإنساني ، تم فيها تنزيل الإنزال على مدى ثلاثة و عشرين عاما . و في الرسالة تلازم الإنزال و التنزيل لأنها من عند الله مباشرة} . و كي لا نستعجل معالجة هذا القول بخصوص التنزيل , فلنبقى طوال الآتي مستذكرين هذه {النقلة الموضوعية} ! .

و لعل السؤال الذي يطرح نفسه : كيف نعرف أن ما يشمله التنزيل الحكيم هو فعلا كذلك و ليس مجرد إدعاءات و أوهام ؟! . لا نجد إجابة صارمة , فللتنزيل الحكيم أشكال مُتغيّرة و مُتعدّدة , بل كذلك هو في أتباع التنزيل الحكيم , و لا أدري كيف يُعتبر ذلك حكيما أو مُحكما ! (ربما هو كذلك عند ذات التنزيل , لكن في هذه الحالة تسقط صفة الحكيم بالنسبة لنا تجاه التنزيل) . و المنهج الشحروري ليس إلا {محاولة فهم التنزيل الحكيم} و كذلك {إعادة تأسيس فقه إسلامي معاصر} , و كم هي مدهشة كلمتي (محاولة) و (معاصر) ! , و كل ذلك يتلخص في نقاط أساسية يراها الدكتور {صالحة كمنطلق لقراءة ثانية للكتاب و السنة} , لكنه يحذرنا إذ أنه علينا {ألا ننسى أنها ليست القراءة الأخيرة} ! . يمكننا بعد ذلك أن نقول أن المنهج الشحروري هو منهج مذهبي , أي هو فكر مذهبي ديني , و ليس الدين ذاته . فالمنهج الشحروري من خلال ما سبق لا يلغي أو ينفي القراءات الأخرى , سواء تلك السابقة _كمثل السلفية_ أو تلك اللاحقة , هو فقط يجعل الدين متعدد القراءات مُتمذهبا بالمنهج الشحروري ! .


و يبرر المنهج الشحروري نفسه بطريقة ملتوية , لكشفها تحتاج لبعض التركيز :

1) {وعلينا أن نعي حقيقة تاريخية هامة جدا و هي أن التاريخ الإنساني حسب التنزيل الحكيم يمكن أن يُقسم إلى مرحلتين : المرحلة الأولى مرحلة الرسالات التي إنتهت برسالة محمد . و المرحلة الثانية مرحلة ما بعد الرسالات و التي نعيشها نحن} .

2) {و نحن قرأنا التنزيل الحكيم على أنه خاتم الرسالات ، بعيون و عقل عصر ما بعد الرسالات على أساس أنه جاء للأولين بمستوى ، أي قرؤوه بعيونهم و بمستوى معارفهم ، و لنا بمستوى آخر نقرأه بعيوننا و بمستوى معارفنا ، و لا يمكن أن تكون الصلاحية إلا هكذا} .

كبداية ينطلق المنهج الشحروري لإقرار {حقيقة تاريخية} من {التنزيل الحكيم} , و كان من الأولى أن يقيم حقيقة {التنزيل الحكيم} من خلال (علم التاريخ) . أما بخصوص المرحلتين , فلا نجد مانع يمنع من إضافة مرحلة ثالثة : ما بعد بعد الرسالات , مادام المنهج الشحروري يبتذل مراحل تاريخية ليبرر نفسه ! , بل و كذلك ليطلق حكما قاطعا {لا يمكن أن تكون الصلاحية إلا هكذا} ! .

كذلك لا يستنكر أو ينفي المنهج الشحروري قراءة الأولين , لكنه بطريقة يمكن أن نسميها (تحتية) يحيل الدين إلى تعددية , بجعله مُتمرحل القراءة , بالتالي يبرر نفسه كقراءة مرحلية ! .

لكن قبل كل ذلك , لا يخبرنا المنهج الشحروري عن أصله و مشروعيته من التنزيل الحكيم , بل يكتفي بسلوك مسلك غامض و ملتوي , فهو يبرر ذاته بالإعتمال في التنزيل الحكيم . إذ بدل أن يكون التنزيل الحكيم هو خالق المنهج الشحروري , يصبح المنهج الشحروري هو خالق التنزيل الحكيم . و بدل أن يضفي التنزيل الحكيم مشروعية على المنهج الشحروري , يصبح المنهج الشحروري هو من يضفي المشروعية على التنزيل الحكيم .

و بعد ذلك يحق لنا أن نغمز المنهج الشحروري في زعمه بجديته في {قراءة معاصرة للتنزيل الحكيم} , المُستند على {إختراق كثير مما يُسمى ثوابت} , إذ أن هذه الثوابت المزعومة لا تتعدى ثوابت مذهبية لا دينية الأصل , بالتالي التجديد المزعوم ليس إلا عملية (( خلق مذهب )) , ليس إلا . إذا فالقراءة هي قراءة مذهبية للدين , و ليست قراءة تجديدية للدين , و الأصول أو الثوابت المُخترقة هي مذهبية لا دينية _و إن بدا للبعض أن المذهب دين و الدين مذهب_ .



أما النقاط التي يتلخص فيها المنهج الشحروري فتتوزع بين : إيمانيات , أوّليات , لغويات , المنهج الفكري , أسس الفقه الإسلامي المعاصر .

و لنقف عند (( إيمانيات )) المنهج الشحروري :

1) {إن آيات التنزيل الحكيم عبارة عن نص إيماني و ليست دليلاً علمياً ، يمكن إقامة الحجة بواسطتها على الأتباع المؤمنين بها فقط ، أما على غيرهم فلا يمكن . و على أتباع الرسالة المحمدية المؤمنين بالتنزيل الحكيم أن يوردوا الدليل العلمي و المنطقي على مصداقيتها} .
آيات التنزيل الحكيم نص إيماني لا دليل علمي , رغم ذلك على الأتباع المؤمنين إيراد الدليل العلمي و المنطقي على مصداقيتها ! . هذا سبيل للذرائعية لتعتمل في العلوم و المنطق , فماذا لو كانت الأدلة العلمية و المنطقية ضد النص الإيماني , بالتالي ضد مصداقيته ؟! .

2) {إن التاريخ الإنساني ككل في مسيرته العلمية و التشريعية و الإجتماعية منذ البعثة المحمدية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، هو صاحب الحق في الكشف عن مصداقية التنزيل الحكيم ، و هذه المصداقية ليس من الضروري أن ترد على لسان صحابي أو تابعي أو فقيه} .
ألا تتناقض هذه النقطة مع النقطة السابقة ؟! , و كذلك فيما تناولناه سابقا من الزعم بإقامة {حقيقة تاريخية} من خلال {التنزيل الحكيم} ؟! .

3) {إن الوجود المادي و قوانينه هما كلمات الله ، و أبجدية هذه الكلمات هي علوم الفيزياء و الكيمياء و الجيولوجيا و البيولوجيا و الفضاء … إلخ ، و إن الكم المنفصل (Digital) و الكم المتصل (Equations) هما آلية هذه العلوم ، و هذا الوجود مكتفٍ ذاتيا و لا يحتاج إلى شيء من خارجه لفهمه ، و هو لا يكذب على أحد و لا يغش أحداً ، و بنفس الوقت لا يساير أحداً و هو عادل في ذاته} .
يمكننا أن نفهم هذه النقطة حقا من خلال النقطة الأولى , فهذه النقطة لا تعبر عن نقطة {إيمانية شحرورية} بقدر ما تعبر عن {ذرائعية المؤمن الشحروري} . و إلا فما الداعي لوجود {كلمات الله} في هذه النقطة إن كنت لست {مؤمنا شحروريا} ؟! . و يحق لنا فوق كل ذلك أن نتساءل مُتعجبين : مادام هذا الوجود مكتفٍ ذاتيا , فما الداعي إذا إلى {التنزيل الحكيم} , هو حتما ما كان ليكون {التنزيل الحكيم} إلا لنقص في الوجود ؟! .

4) {بما أن التنزيل الحكيم هو كلام الله (...) , فوجب بالضرورة أن يكون مكتفٍ ذاتيا ، و هو كالوجود لا يحتاج إلى أي شيء من خارجه لفهمه ، هذا لإيماننا واعتقادنا بأن خالق الكون بكلماته هو نفسه موحي التنزيل الحكيم بكلامه ، و هو الله سبحانه و تعالى . لذا فإن مفاتيح فهم التنزيل الحكيم هي بالضرورة داخله ، فلنبحث عنها داخل التنزيل الحكيم و بدون صحاح و مسانيد ... إلخ و بدون قول صحابي أو تابعي ، و يمكن سماع كل الأقوال و الإستئناس بها . إن أبجدية كلام الله هي فهم المصطلحات ، (...) حيث أن المعرفة أسيرة أدواتها (...) . لذا فإن التنزيل الحكيم مطلق في ذاته ، نسبي لقارئه و نسبيته تتبع تطور نظم المعرفة و أدواتها ، و هذا ما نطلق عليه ثبات النص في ذاته و حركة المحتوى لقارئه} .
نشهد محاولة للمماثلة بين {الوجود} و {التنزيل الحكيم} , فكلاهما كلام الله , و كلاهما مكتفٍ ذاتيا , و كلاهما لا يحتاج شيء من خارجه لفهمه , نحن لا نشهد محاولة للمماثلة فقط , بل أكثر من ذلك , أننا نشهد محاولة توحيد و تطبيق {الوجود} مع {التنزيل الحكيم} ! . لكن هذه المحاولة تحمل بذاتها تناقضا رهيبا , فإن كان {الوجود} مكتفٍ ذاتيا و لا يحتاج شيء من خارجه , و في المقابل كذلك {التنزيل الحكيم} , فهذا يجعل من أحدهما للآخر نقيضا , و أي محاولة للمماثلة أو التوحيد أو التطبيق بينهما , على أساس أنهما كلام الله , تلحقهما نتيجة مفادها أن كلام الله و الله هو ذاته , بالتالي نكون أمام وجود ليس مكتفٍ بذاته , بل أمام الله ذاته , و كذلك لا نكون أمام تنزيل حكيم مكتف بذاته , بل أمام الله ذاته , فيما يشبه عقيدة الحلولية الكمونية ! .

أما بخصوص جملة {مفاتيح فهم التنزيل الحكيم هي بالضرورة داخله} , فلا تتجاوز كونها شكل من أشكال الإلتواء و المواربة الماكرة , و قد سبق و إن تناولنا حقيقة أصل و مشروعية المنهج الشحروري _إذ من ينتج الآخر : هل التنزيل الحكيم هو من ينتج المنهج الشحروري , أم العكس ؟!_ , و كذلك علقنا بخصوص {التنزيل الحكيم} في تعدّده و تغيّره كما أيضا يتعدّد و يتغيّر عند أتباعه . و أما في الجانب اللغوي فلا يعدو كونه تلاعب مُنمق , أقرب للشعوذة , فماذا يعني أن {التنزيل الحكيم مطلق في ذاته} و تفسير ذلك ب {ثبات النص في ذاته و حركة المحتوى لقارئه} ؟! , و ذلك ما يمكن أن ينطبق على أي نص أو كتاب مع بعض التلاعب و قليل من الشعوذة ! .

5) {الأساس في الحياة هو الإباحة ، و صاحب الحق الوحيد في التحريم هو الله فقط ، و هو أيضا يأمر و ينهى ، لذا فإن المحرمات أُغلقت بالرسالة المحمدية ، و كل إفتاءات التحريم لا قيمة لها . أما غير الله ، إبتداء من الرسل و إنتهاء بالهيئات التشريعية ، فهي تأمر و تنهى فقط (...) حيث أن الأمر و النهي ظرفي زماني مكاني ، و التحريم شمولي أبدي . لذا فإن الرسول لا يحرم و لا يحلل ، و إنما يأمر و ينهى لذا فإن نواهيه كلها ظرفية} .
و نجدنا بصراحة متعجبين , إذ الطرح السلفي في هذه أكثر إتزان و معقولية من الطرح الشحروري _و حين الإطلاع على التعريفات و المصطلحات الشحرورية , صُدمنا بصاحب الحق الوحيد في التحريم الذي جعل الحرام أكثر من 600 في رسالة موسى , ثم جعلها 13 في رسالة محمد ! . و قد عرفنا أن التحريم شمولي أبدي , و الأوامر و النواهي كلها ظرفية_ .

6) {إن محمدا كان مجتهدا في مقام النبوة (...) ، و معصوما في مقام الرسالة (...) ، لذا فهناك سنة نبوية و سنة رسولية ، و في السنن الرسولية أو النبوية لا يوجد محرمات إطلاقا و إنما هي أوامر و نواهٍ} .
إذا ما عساها تكون المحرمات ال13 في رسالة محمد , إن لم تكن هناك محرمات إطلاقا ؟! .

7) {إن الإيمان بالله و اليوم الآخر هو تذكرة الدخول إلى الإسلام ، و الإسلام يقوم على هذه المُسَلَّمة ، و العمل الصالح هو السلوك العام للمسلم ، و كل قيمة إنسانية عليا ليست وقفا على أتباع الرسالة المحمدية هي من الإسلام مثل بر الوالدين و الصدق و عدم قتل النفس و عدم الغش و الأمانة .. إلخ . و بما أن العمل الصالح من الإسلام ، فأبدع ما شئت ، فلك أجر أنت و من إتبعك . و رأس الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله شهادة شاهد (...) . أما شهادة أن محمدا رسول الله فهي رأس الإيمان ، و الإيمان بها تصديقا . و أتباعه هم المسلمون المؤمنون ، و كل عمل هو وقفٌ على أتباع الرسالة المحمدية و لا يقوم به غيرهم هو من الإيمان ، مثل الصلوات الخمس و صوم رمضان و نصاب الزكاة و صلاة الجنازة ، حيث أن هذه الشعائر هي من أركان الإيمان و ليست من أركان الإسلام و فيها الإبداع بدعة و مرفوض . لذا نرى أن هناك إيمانان : (...) . و بما أن الإسلام عام إنساني ، فهو الدين الوحيد الذي إرتضاه الله لعباده ، و هو دين الفطرة ، و قد تراكم من نوح حتى محمد . أما أركان الإيمان فهي ضد الفطرة تماما كصوم رمضان و الصلوات الخمس . و لا يمكن للإنسان أن يقوم بها إلا إذا أمره أحد بها و هداه إليها ، (...). لذا فإن أهم إصلاح ثقافي نحن بحاجة إليه هو تصحيح أركان الإسلام و أركان الإيمان ، حيث تم وضع أركان الإيمان على أنها أركان الإسلام ، مما أوقعنا في أزمة ثقافية و أخلاقية كبيرة جدا ، حيث أن الأخلاق و القيم العليا أصلا غير موجودة في أركان الإسلام المزعومة ، فالإسلام فطرة و الإيمان تكليف} .

تذكرة الإسلام , الإيمان بالله و اليوم الآخر , و العمل الصالح من الإسلام , بعد ذلك أبدع ما شئت , فلك أجر , أنت و من إتبعك ! . قد يكون الطرح الشحروري هنا أوسع من الطرح السلفي من ناحية توسيع دائرة المسلمين , لكنه يعطي نفس النتيجة تقريبا _في مقاربة للمقولة السلفية المُتداولة (إجتهد , فإن أصبت فلك أجران , و إن لم تصب فلك أجر الإجتهاد)_ , فإبداع أو إجتهاد التنظيمات المُسماة إرهابية و تكفيرية لا تخفى على أحد . لكن قبل ذلك هناك إشكالية تعريف و تحديد العمل الصالح , ففي حين مضينا وفق المنهج الشحروري بكون {العمل الصالح من الإسلام} بالتالي فإن العمل يتحدد بكونه صالح أو لا وفقا للإسلام , و إن بدا لغيره طالحا ! . و لو عكسنا فقلنا أن {الإسلام من العمل الصالح} لأصبحت التذكرة إلى الإسلام العمل الصالح لا الإيمان بالله و اليوم الآخر , لكن رغم ذلك تبقى إشكالية تحديد و تعريف العمل الصالح , فالعمل متى يكون صالحا و متى لا يكون ؟ , و لمن يكون صالحا و لمن لا يكون ؟ , و هل في ظروف معينة يكون صالحا و في غير ذلك لا يكون ؟ , و هلم جرا _و لا ننسى النوايا و الغايات و ما يرتبط بالأعمال بشكل عام_ .

و يعيد المنهج الشحروري ذات الإسطوانة السلفية لكن بنغمة أخرى _و لعلنا بذلك نضع أيدينا على التجديد المزعوم !_ , فالإسلام دين فطرة , لكن ليس الإسلام بأركانه الخمس كما هو مُتعارف عليه , لا , بل الإسلام وفقا لموزع التذاكر الشحروري : الإيمان بالله و اليوم الآخر فقط ! . و يرى الدكتور محمد شحرور مشكلتنا الثقافية و الأخلاقية الكبيرة سببها الخلط بين الإسلام و الإيمان , فقط ! . و لا أدري عن أي أخلاق و قيم يجري الحديث عنها , فكما تقدم بنا الإسلام هو الإيمان بالله و اليوم الآخر , ثم أبدع ما شئت ! . كما أن الحديث عن أخلاق و قيم تظهر و تختفي بمجرد تصحيح أركان الإسلام و أركان الإيمان هراء محض . و قبل ذلك الفطرة كما يخبرنا بها المنهج الشحروري متأصلة , و قد تم نفي كل تأصيل عقائدي و أخلاقي إجتماعي علميا . أضف إلى ذلك تناقض الفطرة كتأصيل , فماذا يعني أنها متراكمة منذ وقت نوح إلى محمد ؟! , و هل يحتاج الشيء المُتأصل إلى تراكم ؟! (و كونه تراكمي فهذا يعني أنه نسبي و مُكتسب لا فطري , كما يُزعم) , و لماذا ليس من وقت يسبق به نوح , ألم يكن هناك بشر قبل نوح ؟! . و لا يجب أن نتجاهل حقائق علم التاريخ من كل ذلك .


و أما مع (( أوّليات )) المنهج الشحروري , و التي نراها تكرار للنقطة الرابعة الواردة في (( إيمانيات )) المنهج الشحروري , فيورد :

{عند دراسة أي نص لغوي ، مهما كان نوعه ، لدينا الأركان التالية : المؤلف – النص – القارئ أو السامع . فالقارئ يتعرف على المؤلف من خلال النص و قراءاته له ، و ليس ضروريا أن يذهب القارئ إلى المؤلف و يجلس معه ليفهم منه ماذا يريد بكتابه . فإذا فهم القارئ النص مئة بالمئة كما أراده المؤلف ، فهذا يعني أنه دخل إلى عقل المؤلف و صار مثله في المعارف الواردة في النص . و عندما يقرأ القارئ النص فإنه يوظف معلوماته المكتسبة تلقائيا ليفهمه ، فإذا لم يفعل ذلك فإنه يعطل فكره و لا يفهم شيئا ، (...) . ففي التنزيل الحكيم ، و لله المثل الأعلى ، المؤلف هو الله مطلق المعرفة ، و النص هو التنزيل الموحى ، و السامع هو الناس محدودو المعرفة من زمن التنزيل إلى أن تقوم الساعة ، بمختلف مداركهم و معارفهم المتطورة دائما و المتقدمة دائما . لهذا ، لا يمكن لإنسان واحد ، أو لمجموعة من البشر في جيل واحد ، أن يفهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده صائغه ، و إلا أصبح شريكا لله في المعرفة (...) . و لما كان ذلك كذلك ، و بما أنه لا وحي و لا تنزيل بعد محمد الخاتم ، يضع الأنباء في مستقرها ، و بما أن الله يعلم بعلمه الكلي إختلاف القارئ – إلى أن تقوم الساعة – في الأرضية المعرفية و في المدركات ، فجاء تنزيله يحمل ظاهرة التشابه ، أي ثبات النص و حركة المحتوى في النبوة ، و جاءت الأحكام في هذا التنزيل حنيفية ، تحمل مرونة التطابق مع المتغيرات الزمانية و المكانية ، في تحركها بين حدود الله الدنيا و العليا في الرسالة ، تاركة للمجتمع و للأرضية المعرفية في المجتمع فهمه و صنع المعاني ، و إختيار النقطة الملائمة لها ، ضمن هذه الحدود حصرا ، لتقف عليها و تأخذ بها ، و مقلدة للتشريع الإلهي في مؤسساتها التشريعية بإصدار شرائع حدودية ظرفية} .

{ففي التنزيل الحكيم , و لله المثل الأعلى , المؤلف هو الله مطلق المعرفة} , و نحن {محدودو المعرفة} , إذا {لا يمكن لإنسان واحد ، أو لمجموعة من البشر في جيل واحد ، أن يفهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده صائغه ، و إلا أصبح شريكا لله في المعرفة} ! . لكن في ذلك ثغرة خطيرة : من أين للمنهج الشحروري أن يعرف أن فهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده صائغه غير ممكن ؟! , أليس هذا ما يسمى (نكوص) , فإن كان المنهج الشحروري يقود لفهم التنزيل الحكيم كما أراده المؤلف {الله} , الذي هو التعدد و التمرحل و ما سبق بنا أن تناولناه , ألا يصبح بذلك المؤمن الشحروري شريك لله في المعرفة بطريقة ملتوية ؟! . هذا إن تجاوزنا عن عجز المؤلف {المطلق} عن الإتيان بنص يجبرنا أن نفهه رغم أنفنا .

إن التلاعب اللغوي _و الذي نراه مجرد شعوذة_ الذي يورده المنهج الشحروري تحت مسمى {ثبات النص و حركة المحتوى} , لا يصح فقط على التنزيل الحكيم بل و على غيره , و بذلك فهو لا يتميز بشيء عن غيره من هذا الجانب . و حجة ذلك كونها {تاركة للمجتمع و للأرضية المعرفية في المجتمع فهمه و صنع المعاني} , و التي نعتقد أن هذا يهز النقطة الإيمانية المُتعلقة بالتنزيل الحكيم الذي {لا يحتاج إلى أي شيء من خارجه لفهمه} ! _إلا أن كان الأمر , كما علقنا سابقا , تشبّه بالعقيدة الحلولية الكمونية_ .


و الآن مع (( لغويّات )) المنهج الشحروري :

1) {الألفاظ خدم للمعاني ، فالمعاني هي المالكة سياستها المتحكمة فيها . و وظيفة اللغة هي آلية التفكير و نقل ما يريده متكلم إلى سامع} . إن كانت المعاني هي المالكة و الألفاظ خادمة لها , لا يعني أن التفكير لا يتم إلا من خلال اللغة , فالتفكير يتجاوز اللغة و حصره باللغة .

2) {حين يخاطب المتكلم سامعا ، فهو لا يقصد إفهامه معاني الكلمات المفردة ، لذا فالثقافة المعجمية غير كافية لفهم أي نص لغوي ، فما بالك إذا كان النص هو التنزيل الحكيم . و المعاني موجودة في النظم ، و ليس في الألفاظ كل على حده} . و كما قيل سابقا {و لله المثل الأعلى} {فما بالك إذا كان النص هو التنزيل الحكيم} ! , و لا أدري , إن جاء أحدهم بهذا القول لكتاب آخر , هل ينعته محمد شحرور بالشعوذة و الدجل ؟! , أم يرى أنه مشمول ضمن التنزيل الحكيم ؟! .

3) {اللغة حاملة للفكر ، و تتطور معه . و هناك تلازم لا ينفصم بين اللغة و وظيفة التفكير عند الإنسان ، حتى الأحلام التي يراها النائم ، يراها ضمن حامل لغوي} . هذا التلازم ليس شرطي , إذ بالإمكان أن يكون التفكير بغير اللغة _و يكفي في ذلك متابعة نشأة اللغة_ , كما أن الأحلام التي يراها النائم , يراها ضمن حامل لغوي و لا لغوي _و ليس أدل على ذلك كون الطفل يحلم , و الحيوان يحلم_ .

4) {التنزيل الحكيم يحوي أعلى مستوى من البلاغة التي لا يمكن تجاوزها أو الإتيان بمثلها في أداء المعنى و توصيله إلى السامع . فهو الكتاب الوحيد الذي يمثل في جميع آياته الخيط الفاصل بين التطويل الممل و الإيجاز المخل ، و لهذا فعلينا أن نقرأ المسكوت عنه الذي اقتضته البلاغة} . هذه النقطة كان الأصح لها أن تكون ضمن نقاط (( إيمانيات )) المنهج الشحروري , لا هنا .

5) {التنزيل الحكيم خال من الترادف ، في الألفاظ و في التركيب . فاللوح المحفوظ غير الإمام المبين ، و الكتاب غير القرآن ، و للذكر مثل حظ الأنثيين لا تعني للذكر مثلا حظ الأنثى . و من يقول بالترادف في المفردات و التراكيب فكأنه يقول إن التنزيل الحكيم نزل على مبدأ ما أعذب هذا الكلام لا أكثر من ذلك مقارنة بالشعر الذي لا يعيبه الترادف و الكذب . و إن القول أن الناقة لها خمسين اسما ، فهذا يمثل مرحلة ما قبل التجريد النهائي في اللغة ، و يمثل بدائية اللغة ، لذا فإننا لا نأخذ به الآن} . و هذه كما النقطة السابقة مكانها ليس هنا , إذ يجوز القول بكون التنزيل الحكيم {يمثل مرحلة ما قبل التجريد النهائي في اللغة ، و يمثل بدائية اللغة} عند البعض , و لإثبات العكس يقتضي في الشارع في الإثبات أن يكون "مؤمنا شحروريا" , ذرائعيا .

6) {التنزيل الحكيم خالٍ من الحشو و اللغو و الزيادة ، فما اعتبره النحاة زائدا في النحو ، ليس زائدا في الدلالة ، و لا يمكن حذف كلمة من التنزيل الحكيم دون أن يختل المعنى ، و لا يمكن من جهة ثانية تقديم أو تأخير أي من كلماته و ألفاظه ، دون أن يفسد النظم الحامل للمعنى ، و ليس مجرد خلل في جمالية الشكل أو الوقع الموسيقي} . و هذه تتبع (( الإيمانيات )) .

7) {التنزيل الحكيم دقيق في تراكيبه و معانيه ، فالدقة فيه لا تقل عن مثيلتها في الكيمياء و الفيزياء و الطب و الرياضيات. و هذا أمر طبيعي ، فصانع هذا الكون (...) هو ذاته صاحب التنزيل ، الذي لا بد وأن تتجلى في دقته وحدة الصانع و وحدة الناموس . فلكل حرف فيه وظيفة ، و لكل كلمة فيه مهمة ، (...) . لذا فإن تطور مستوى الدقة عندنا أعلى بكثير من مستوى الدقة عند السلف ، فالكون هو الكون ، و لكن مستوى الدقة عندنا الآن في دراسة الكون أعلى بكثير مما كان عليه في القرن الماضي. و استعمال دقة العصر في العلوم و التشريع هو من أساسيات القراءة المعاصرة} . الجزء الأول من هذه النقطة يتبع (( الإيمانيات )) . لكن حقا لا نعتقد أن الدكتور محمد شحرور يقصد ب {فالكون هو الكون} هو ثبات الكون , الذي ينتظرنا نتطور و نتقدم لنكشفه هو . و القراءة المعاصرة بشكل عام تعني أن نواكب المُستجدات فهما و إدراكا , لا أن نمارس دور "سرير بروكروست" _و إن كان البروكروستية الشحرورية تختلف عن البروكروستية السلفية_ .

8) {عند تأويل آيات التنزيل الحكيم لا بد من الإمساك بالخيط اللغوي الرفيع الذي لا يجوز تركه ، و الذي يربط و يصل الشكل بالمضمون ، لأنه اذا انقطع هذا الخيط بين البنية و الدلالة ، تصبح احتمالات معاني الآية لا نهائية} . على غرار شعرة معاوية , لكن غير واضح , الخيط الشحروري ضرورة عند تأويل آيات التنزيل الحكيم ! . أليست هذه النقطة تمثل مقتل المنهج الشحروري ؟! , إذ يقيد نص التنزيل الحكيم الذي هو من تأليف {المطلق} , فيكون المنهج الشحروري هو منهج {الله} ذاته _و هذا كما مرّ بنا شرك !_ , عدا عن كونه بهذا يؤسس فهما معيّنا للتنزيل الحكيم , هو بالضرورة فهم مطلق ! .

9) {نحن ننطلق من أن إرساء أسس التدوين و التقعيد ، جاء لاحقا للسان العربي و لاحقا للتنزيل الحكيم و ليس سابقا له. (...) . إن أسس النحو و الصرف جاءت بعد أن وُجدت اللغة و اللسان و ليس قبلها . و المتأمل في هذه القواعد و الأسس ، يجد أنها تتبع النصوص كيفما تحركت ، و أنها مصاغة أصلا استخراجا مما تحركت به النصوص ، و أن الحكم في صحة القاعدة أو في عدم صحتها لما قاله العرب و سمعوه ، و نحن نؤكد أن السلطة للنص على القاعدة و ليس العكس} . و على الرغم من كون التدوين و التقعيد جاء لاحقا , إلا أن ذلك لا يعني البتة أن السلطة للنص على القاعدة , إذ إن القاعدة ما كانت لتكون إلا إستنادا على عدة (( نصوص )) و كذلك (( الكلام )) المُتداول , فلا يأتي بعد ذلك (( نص )) مُفرد ليتسلط على القاعدة . كما أن القاعدة منطقية الأصل , و النص لا يستوجب فيه ذلك , و بأي حال لا يعني قولنا هذا تصنيم القاعدة , فحتى رغم كونها قاعدة يجوز أن تُنسخ لصالح قاعدة أخرى , لأسباب هي بالضرورة منطقية .

10) {لقد جاء التنزيل يحمل في ذاته تطويرا لغويا لم يعرفه الجاهليون في لسانهم قبله . ففيه مفردات أتى بها من لغات أخرى غير العربية ، و فيه أسلوب متميز بالنظم يخرجه كلية من دائرة الشعر أو الخطابة التي عرفها العرب قبله ، و فيه مصطلحات مستحدثة إنفرد بها ، لم تكن موجودة قبله ، و هذا و أشباهه كثير كثير ، يؤكد استحالة إعتبار مفردات الجاهلية كافية بذاتها لفهم التنزيل الحكيم} . هذه النقطة جديرة أن تكون ضمن (( الإيمانيات )) , و لعل هذه النقطة صيغت في الأساس للخروج من مأزق "الشعر الجاهلي" لطه حسين و غيره ممن ذكر ألفاظ أجنبية و محدثة في التنزيل . و من هنا نتساءل بجدية : ما نفع الخيط الشحروري إن كان هنالك مفردات أجنبية و مُحدثة إنفرد بها التنزيل ؟! .

11) {لقد وضع الخليل و سيبويه قواعد اللسان العربي على مبدأ الشكل : المرفوعات و المنصوبات و المجرورات ، و هو ما يسمى بعلم النحو . ثم جاء علم البلاغة (المعاني) و كأنما هناك فصل بين النحو و البلاغة كل على حده . فسيبويه و الجرجاني و ابن جني و أبو علي الفارسي و كل علماء اللغة ظهروا في القرون الهجرية الأولى . و نحن الآن في بدايات القرن الحادي و العشرين ، نعلم أن علوم الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الفلك و الطب و كل العلوم الأخرى تقدمت بشكل هائل لا يقاس أصلا بالماضي . و نسي علماء الدين عندنا أن علوم اللغات تطورت أيضا بشكل هائل . فكيف لم يؤخذ بعين الإعتبار هذا التطور الهائل لعلوم اللسانيات عند دراسة آيات التنزيل الحكيم لفهمها بشكل أفضل و معاصر} . هذه النقطة تتبع (( الإيمانيات )) , و إن كان بالمقدور إيرادها تحت مسمى (( الذرائعيات )) .


و الآن مع (( المنهج الفكري )) للمنهج الشحروري :

1) {لا يمكن فهم أي نص لغوي إلا على نحو يقتضيه العقل} . و في العقل إختلاف و أجناس , فأي عقل سنستعمل لنفهم نص "التنزيل الحكيم" ؟! , و هل هو عقل "التنزيل الحكيم" ذاته ؟! , فإن كان كذلك فهو شرك وفق المنهج الشحروري , و إن لم يكن كان مسلوب الشرعية إذ أنه ليس من داخل "التنزيل الحكيم" , و هو نص مكتفٍ ذاتيا أيضا وفق المنهج الشحروري , و لا يوجد مخرج من ذلك إلا بأن يُقال : أن هناك رجل في الداخل و رجل في الخارج ! .

2) {اللغة حاملة للفكر الإنساني ، لكن الفكر الإنساني يمكن أن يكون صادقا ، و يمكن أن يكون كاذبا ، و هذا يعني أن توفر الرباط المنطقي ، و صحة الشكل اللغوي في النص لا يعني بالضرورة أنه حقيقي ، و جمال التركيب اللغوي و متانته في النص لا يعني بالضرورة أنه صادق . و من هنا لا يمكن الإقتصار على إعجاز التنزيل بالقول أنه استعمل مختلف أدوات و أساليب البلاغة و البيان التي عرفها العرب ، بل يجب بالإضافة إلى ذلك الإيمان بأن النبأ القرآني صادق و حقيقي . و كل من يعمل في حياته للبرهان على صدقية التنزيل الحكيم في أنبائه و واقعيته في تشريعاته فهو من الصدّيقين . لقد كان يعنيني كثيرا صدق النبأ في النص القرآني ، و واقعية التشريع في آيات الأحكام أكثر مما يعنيني جمال التركيب و الصياغة فصدق النبأ الإلهي عندي أهم من تصديق المراجع كائنا من كان مؤلفها} . و هذه النقطة مكانها ضمن (( الإيمانيات )) , لا هنا . لكن لا مانع أن نتساءل : مثلما أن {اللغة حاملة للفكر الإنساني} , ألا تكون كذلك "اللغة حاملة للفكر الإلهي" ؟! , لكن ألا تكون "اللغة" مُقيّدة و مُعيبة لل {المطلق} ؟! , إلا إن كانت اللغة هي من {المطلق} _لكن هذا يعيدنا إلى إشكالية التشبه بالعقيدة الحلولية الكمونية_ .

3) {بالإضافة إلى أن التنزيل الحكيم يحوي المصداقية ، أي أنه صادق متطابق مع الواقع و مع القوانين الطبيعية و الفطرة الإنسانية ، فهو أيضاً يحوي الأهمية و هو خالٍ من العبث و من الأخبار غير المهمة و المعروفة عند الناس (...)}. و هذه كذلك مكانها ضمن (( الإيمانيات )) .

4) {لا يمكن فهم التنزيل الحكيم ، من خلال فهم الشعر الجاهلي و مفرداته ، فالمجتمع الجاهلي له أرضيته العلمية و علاقاته الاجتماعية و الجمالية و الأخلاقية ، التي جاءت مفردات شعره عاكسة لها و معبرة عنها و مقيدة بها ، و نحن لا نجد كلمات أو مفردات عند العرب وقتها ، تدل على الجاذبية الأرضية أو على كرويتها ، لأنهم لم يعرفوها أصلا . و لو حصرنا فهم التنزيل الحكيم بها ، لما حق لنا أن نقول إن المكتشفات الحديثة العلمية أكدت مصداقية القرآن . و من هنا قلنا إن المجتمعات هي التي تشارك في صنع المعاني حسب تطور معارفها ، لكن هذه التطورات نفسها محسوبة في التنزيل ، بحيث مهما امتدت و اتسعت ، فسيجد الإنسان أنها منسجمة مع النص القرآني ، مصدقة له ، و دائرة في فلكه} . هذه النقطة تعطينا مثالا على (( الذرائعية الشحرورية )) : {و لو حصرنا فهم التنزيل الحكيم بها ، لما حق لنا أن نقول إن المكتشفات الحديثة العلمية أكدت مصداقية القرآن} . و العجيب أن "التنزيل الحكيم" و هو المُكتفي ذاتيا و لا يحتاج لما هو خارجه : {المجتمعات هي التي تشارك في صنع المعاني حسب تطور معارفها} , و لا يجد الدكتور محمد شحرور من فظاظة أن يقول بعد ذلك {هذه التطورات نفسها محسوبة في التنزيل} , و على نسق سرير بروكروست {بحيث مهما امتدت و اتسعت ، فسيجد الإنسان أنها منسجمة مع النص القرآني ، مصدقة له ، و دائرة في فلكه} ! .

5) {التنزيل الحكيم كينونة في ذاته فقد جاء من عند إله هو كينونة في ذاته (موجود في ذاته) ، و يظهر هذا جليا في ثبات النص .. و بتعبير آخر ثبات الذكر في صيغته اللغوية المنطوقة . إن النص اللغوي المنطوق للتنزيل هو الشكل الثابت فيه ، الذي لا يخضع لا للصيرورة و لا للسيرورة . و لا أحد يملك الإدراك الكلي للتنزيل الحكيم في كلياته و جزئياته ، حتى و لو كان نبيا و رسولا ، لأنه يصبح بذلك شريكا لله في علمه الكلي ، و شريكا لله في كينونته بذاته ، تعالى الله عما يصفون . و لكننا نستطيع الإحاطة به تدريجيا من خلال الصيرورة المعرفية النسبية المتحركة ، و تصبح الإحاطة كلية يوم تقوم الساعة ، أي عند قيام الساعة و البعث و الحساب يتم التأويل الكامل و النهائي للقرآن . إن الإنسان يقرأ التنزيل الحكيم ضمن مستوى معارفه و أدواته المعرفية و مشاكله الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و إشكالياته المعرفية ، فيجد فيه أشياء لم يجدها غيره ، و يفهم منه أشياء لم يفهمها غيره . و هذا يثبت أن التنزيل يحمل صفة الحياة ، و انه كينونة في ذاته ، و أنه سيرورة و صيرورة لغيره ، و هذا ما نعنيه دائما حين نتحدث عن ثبات النص و حركة المحتوى و الجدل بين النص و المحتوى . من هنا فإن التنزيل الحكيم يحمل دائما صفة القراءة المعاصرة . فأنت حين تقف كقارئ في نقطة معينة من التاريخ ، منطلقا من نظام معرفي معين ، حاملا إشكاليات اجتماعية و معرفية معينة ، ستفهم من التنزيل ذي النص اللغوي الثابت أمورا ، سيفهم غيرك غيرها مع تغير إحداثياته و منطلقاته . هنا فقط نستعمل المنطق (قوانين العقل)} .

التنزيل الحكيم كائن في ذاته , و هو كذلك لأن الله كائن في ذاته , و الدليل على ذلك هو {ثبات النص} أو {ثبات الذكر} _و هي الصيغة اللغوية المنطوقة للتنزيل الحكيم_ ! . أما مسألة فهم و إدراك "التنزيل الحكيم" فقد سبق و تناولناها , لكن يزيد عما سبق بقوله بالقدرة على الإحاطة تدريجيا ! . و لا يثير العجب إلا قوله بأن الإحاطة الكلية لل "التنزيل الحكيم" ستكون يوم تقوم الساعة , و لا أدري ماذا سيهم وقتها الإحاطة بالتنزيل الحكيم ؟! . أما بقية النقطة فهي شعوذة , و الزعم بإستعمال المنطق ليس أكثر من إنتهاج نهج ذرائعي .

6) {إن التنزيل الحكيم هو كلام الله غير المباشر ، أما كلمات الله فهي الوجود بفرعيه الكوني و الإنساني ، و هي القوانين الناظمة لهذا الوجود بفرعيه أيضا . فمن فهمنا لكلمات الله نفهم كلامه . أي أن مصداقية كلام الله (الرسالات السماوية) لا تظهر إلا في كلماته (الوجود الموضوعي الكوني و الإنساني) ، و ما علينا لنفهم كلامه إلا أن ندرس كلماته في الوجود الكوني و الإنساني بسننه و قوانينه . لكن فهمنا لهذه السنن و القوانين يخضع للسيرورة و الصيرورة ، و عليه نقول إن فهمنا لكلام الله بالتالي فهم متطور غير ثابت ، بينما كلام الله ثابت في كينونته كنص} . لا أدري إن كان المقصود بالفرع الإنساني هو المجتمع و قوانينه , فهذا يفتح النار على المنهج الشحروري بجعل ذاته مطابقا للمنهج السلفي في نظرته للمجتمع و قوانينه . أما فيما يتعلق بالكلام , المباشر و غير المباشر , و ربط ذلك بالتنزيل و الإله و الوجود , كله يصب في إشكالية التشبّه بالحلولية الكمونية , أو فهو يعرض تناقضا جذري في المنهج الشحروري الذي أكد كما سبق و تناولنا على إستقلالية و إكتفاء كل من الوجود و التنزيل ! . و أما فيما يتعلق بفهمنا لكلام الله , فعجبي كيف يرضى هذا الإله بأن يكون نصه "التنزيل الحكيم" كالطلاسم التي نسعى لأدراكها و فهمها , و المُفترض أن يكون النص هو الذي يسعى لتدريكنا و تفهيمنا أياه , بلا حذلقات و تمويهات لا داعي لها بين (( الله )) و (( نحن )) . فعجبي من هذا (( الإله العابث )) الذي يُلغزِنْ رسالته و يُغمْضِنها ؟! .

7) {التنزيل الحكيم هدى للناس و رحمة للعالمين ، و من هنا فهو يحمل الطابع الإنساني لا العروبي ، و يجب بالتالي أن نرى مصداقيته رأي العين في كل أنحاء العالم و ليس في المجتمع العربي فقط ، و على مر العصور و الدهور و ليس في عصر النبوة و الصحابة فقط . أي أن التنزيل يحمل الخاصيتين التاليتين: آ – الوحي لا يناقض العقل (...) . ب – الوحي لا يناقض الحقيقة (...)} . و هذه النقطة مكانها ضمن (( الإيمانيات )) . لكن بخصوص {التنزيل الحكيم هدى للناس و رحمة للعالمين} , فهذا يتناقض مع عبث الإله كما بيّنا بالنقطة السابقة , فأي هدى و رحمة هذا مع التلغزنْ و التغمْضنْ ؟! .

8) {إن القرآن يؤكد النظرية المادية في المعرفة الإنسانية و هو أن العلم يتبع المعلوم و أن المعلومات تأتي من خارج الإنسان عن طريق الحواس و الوحي (الإلهام) و غيرها . أما أن المعلوم يتبع العلم فهو من صفات الله فقط} . و لئن كان القرآن الشحروري يؤكد النظرية المادية في المعرفة الإنسانية , فهذا لا يعني , كما قد يتوهم البعض , أن النظرية المادية في المعرفة الإنسانية تؤكد على القرآن الشحروري , إلا أن تكون "مؤمن شحروري – ذرائعي" .


(أما النقاط الثلاث الآتية فلا تعليق عليها – اللهم في كونها رغم تمظهرها البريء , إلا أنها تعتمل لغايات شحرورية , مما يجردها من ظاهرها البريء : و هذا ما يتجلى لنا بوضوح في النقطة رقم "12") .
9) {إن المعرفة الإنسانية تقوم على مبدأ التقليم (تمييز الأشياء بعضها عن بعض) يتبعها التسطير ، و هو ضم الأشياء بعضها إلى بعض في نسق و هو ما نطلق عليه التصنيف . و الفؤاد هو الإدراك المشخص بالحواس و هو الذي يعطي المادة الأولية الخام للفكر و العقل} .
10) {إن مبدأ الكم و الكيف (العدد و الإحصاء – القدر و المقدار) هو النافذة التي يطل بها الإنسان على العالم الخارجي . فيبدأ الإنسان بالكيف ثم ينتقل إلى الكم و العكس} .
11) {إن عناصر المعرفة الإنسانية بالعالم الموضوعي هو المادة و البعد و الموقع و الحركة . و من هذه العناصر الأربعة تنتج الوظيفة و التطور} .
12) {إن العالم الموضوعي في التنزيل الحكيم يقوم على جدلية أساسية هي الصراع بين البناء و الهلاك ، و النصر دائما للهلاك . و من هذه الجدلية نستنتج الجدليات التالية في الطبيعة : آ – جدلية التناقضات في الشيء الواحد (...). ب – جدلية الأزواج – التأثير و التأثر المتبادل – بين الأشياء (...). ج – جدلية الأضداد (في ظواهر الأشياء أو في السلوكيات) : الليل و النهار – الفجور و التقوى – الهداية و الضلال} . و يمكن ذكر هذه النقطة دون أي داع لذكر {التنزيل الحكيم} و آياته .

13) {إن أساس الحياة الإنسانية هي الحرية و هي القيمة العليا المقدسة و فيها تكمن عبادية الناس لله . و هي الكلمة التي سبقت لأهل الأرض . و العبودية غير مطلوبة أصلا لا من الله و لا من غيره . و إن كان هناك عبودية أصلا فهي لغير الله حتما} . ما أجملها من كلمة : {الحرية} , لكن ما عساها تكون , كيف يُعرّفها المنهج الشحروري ؟ , و إستنادا على ماذا ؟ . نحن نعلم أن الغزو الإسلامي أو الفتح الإسلامي قام على فكرة {الحرية} , و التي تتمثل بكل وقاحة بالتخيير بين ثلاث : الدخول في الإسلام - دفع الجزية – القتال ! . و ما دام المنهج الشحروري أحاط {الحرية} بهالة فجعلها {قيمة عليا مقدسة} , فمن الواجب تعريفها , و الأتيان بالمرتكزات و المسانيد على التعريف , فيتم تناول التعريف على المكشوف الواضح , لا الموارب الغامض . أما بخصوص التلاعب اللفظي بين {العبادية} و {العبودية} فهي محاولة سخيفة للإنتصار لل {القيمة العليا المقدسة} : {الحرية} ! . فأي ساذج أحمق تسأله عن الفرق بين (( عبادية الناس لله )) و (( عبودية الناس لله )) , سيجيبك بأنه لا فرق , مجرد تلاعب لغوي . و القائل بالفرق ليس إلا متوهم .


و أخيرا تأتي (( أسس الفقه الإسلامي المعاصر )) في المنهج الشحروري , و لن نتناولها لسببين : الأول يُعتقد بما سبق أكثر من كافٍ لإصدار حكم على المنهج الشحروري ككل , الثاني أنها "أسس فقه" .


و في الختام نترك الحكم للقارئ ليحكم على المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟ . و يمكن الرجوع إلى الصفحة الوارد فيها المنهج بالموقع الرسمي للدكتور محمد شحرور :
http://www.shahrour.org/?page_id=3



#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسات (Derasat) .. و دراستها لإيران
- دراسات (Derasat) .. أربع مقالات للدكتور خالد الرويحي
- القوة - مقدمة
- وهم تحرر الإنتلجنسيا .. منطق النقض
- وهم تحرر الإنتلجنسيا .. طائفة الخارج [3]
- وهم تحرر الإنتلجنسيا .. طائفة الخارج [2]
- وهم تحرر الإنتلجنسيا .. طائفة الخارج [1]
- نقد عولمة الرفيق النمري
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (14)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (13)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (12)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (11)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (10)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (9)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (8)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (7)
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (6)
- إنقاذ التاريخ
- نقد [العولمة] .. لسعاد خيري (5)
- التاريخ .. بين ثلاث


المزيد.....




- قيود إسرائيلية على دخول المصلين المسجد الأقصى خلال رمضان
- استقبل الان تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات والعرب ...
- 85 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- السعودية وإيران تبحثان تعزيز التعاون في القضايا ذات العلاقة ...
- “احجـز مكانك قبل الغلـق”رابط تسجيل الاعتكاف في المسجد الحرام ...
- 85 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الجيش الإسرائيلي يمهد لإدخال 250 يهوديا لزيارة ضريح حاخام دا ...
- خطوات التسجيل في الاعتكاف بالمسجد الحرام شهر رمضان 1446
- علماء ينتجون -فئرانًا صوفية- في خطوة لإعادة حيوان الماموث إل ...
- متحف السيرة النبوية بالسنغال.. تجربة تفاعلية تكشف تفاصيل حيا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - موسى راكان موسى - وهم تحرر الإنتلجنسيا .. المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟!