|
القضية الكوردية
بير رستم
كاتب
(Pir Rustem)
الحوار المتمدن-العدد: 4917 - 2015 / 9 / 6 - 21:06
المحور:
القضية الكردية
..تعقيداتها وآفاق الحل السياسي.
تعتبر القضية الكوردية واحدة من أعقد القضايا الدولية في العصر الحديث وذلك لأسباب عدة ذاتية داخلية وأخرى تتعلق بالعوامل الخارجية الموضوعية؛ حيث من جهة العامل الداخلي الذاتي هي قضية إنسانية حقوقية لشعب تتجاوز أعداده حسب التقديرات الأخيرة (40) أربعون مليون نسمة ويعيشون على مساحة جغرافية تقدر بـ(500) ألف كم2 ومقسمة بين أربعة دول تعتبر غاصبة للقضية والجغرافية ألا وهي (سوريا، تركيا، إيران وأخيراً العراق وذلك على الرغم من تمتع الإقليم الكوردستاني فيه بالإدارة الذاتية الفيدرالية). وهكذا فإن الشعب الكوردي يعتبر من أكبر شعوب العالم سكاناً ومساحة جغرافية والذي ما زال محروماً من هويته الاعتبارية في دولة ذات سيادة سياسية كاملة على أراضيها، رغم تمتعه في الفترة الأخيرة ببعض حقوقه الثقافية والسياسية وبنسب متفاوتة وذلك حسب ظروف كل دولة والإقليم الكوردستاني الملحق به؛ حيث الفيدرالية _كما سبق وذكرنا_ في الإقليم الكوردستاني (العراق) واليوم ونتيجة الصراع الداخلي في سوريا هناك (الكانتونات الكوردية التلاث؛ عفرين، كوباني، الجزيرة) و"الإدارات الذاتية الديمقراطية".. أما في كل من تركيا وإيران ورغم حصول الكورد في الإقليمين على بعض الحقوق الثقافية، لكن هي ليست بالمستوى المطلوب واللائق بقضية أرض وشعب، بل إنها دون حقوق أقلية عرقية تعيش في بلدٍ هاجرت إليه، خاصةً إذا علمنا بأن الدولتان المذكورتان تغتصبان أكبر إقليمين كوردستانيين؛ حيث مجموعهما يبلغ حوالي (330) ألف كم2 من مساحة كوردستان.
وهكذا فإن حل هذه المسألة (القضية الكوردية) متعلقة بظروف وتقاطعات مصالح الدول الغاصبة لكوردستان مع بعضها، من جهة، ومن الجهة الأخرى مع مصالح الدول الخارجية وخاصةً الكبرى منها، ولذلك فهناك تدخلات إقليمية ودولية عدة في المسألة الكوردية وقد وجدنا _قديماً وحديثاً_ معاهدات واتفاقيات مختلفة بخصوص القضية وعلى سبيل الذكر وليس الحصر؛ اتفاقية قصر شيرين بين كل من الدولة الصفوية والدولة العثمانية في 17 مايو 1639 والتي قسمت مما قسمتها من جغرافيات كانت جغرافية كوردستان بين الدولتين ثم كانت الاتفاقيات الدولية الجديدة مع الاستعمار الغربي وذلك إثر الحرب العالمية الأولى ومنها سايكس بيكو 1916، معاهدة سيفر 1920، لوزان 1923 والتي أعادت تقسيم كوردستان وفق الخارطة الحديثة بين الدول الأربعة الغاصبة وكذلك هناك الأحلاف والاتفاقيات الأمنية بين هذه الدول الغاصبة وحلفائها مثل حلف بغداد 1956 وأخيراً وليس آخراً اتفاقية أضنة 1998 بين سوريا وتركيا.. وهكذا فإن إشكالية القضية الكوردية من التعقيد ما يجعل حلها والوصول إلى تفكيك عقدها ليس بالأمر السهل والهين؛ حيث لها امتداداتها الإقليمية والدولية.
ولكن ورغم كل تلك التعقيدات السابقة وما يضاف إليها من انقسام سياسي كوردي بين أكثر من محور وقطب سياسي وعلى الأخص المحورين الدوليين وامتدادهما الإقليمية، ألا وهما؛ المحور الروسي الإيراني السوري، من جهة، والآخر؛ الأمريكي الغربي والمرتبط به كل من تركيا وعدد من دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية.. وبالتالي ارتباط وانقسام الكورد بينهما؛ حيث يرتبط مع هذا المحور الأخير _كما هو معلوم_ الحزب الديمقراطي الكوردستاني (العراق) والأحزاب الكوردستانية المرتبطة به في الأجزاء الأخرى من جغرافية الوطن المقسمة، بينما يرتبط كل من منظومة العمال الكوردستاني وأحزابها وفروعها وكذلك بعض الأحزاب السياسية الكوردستانية الأخرى وعلى رأسها الاتحاد الوطني الكوردستاني (العراق) بالمحور والقطب الآخر؛ الروسي الإيراني. وهكذا يضاف عامل الانقسام السياسي بين أطراف الحركة الكوردية نفسها إلى مجموعة العوامل المتعددة والتي تجعل من القضية الكوردية من أعقد القضايا الدولية.. وإضافةً إلى ذاك؛ هناك التداخل العرقي (القومي) في عدد من المناطق الجغرافية لكوردستان وخاصةً المتاخمة للشعوب الأخرى وكذلك مشاريع الاستيطان في كوردستان من تعريبٍ وغيرها.. ناهيك عن المشاكل والقضايا الاقتصادية ومصالح الدول الإقليمية والدولية المرتبطة بها وبتلك المشاريع وذلك من قضية النفط والإنتاج والتسويق وكذلك مسألة المياه، حيث تعتبر كوردستان مصدراً، بل خزاناً شرق أوسطياً لهاتين الثروتين الحيويتين؛ حيث أكبر حقول النفط وأكبر نهرين هما في كوردستان مما تجعلها مطمعاً لكل القوى والدول في العالم والمنطقة.
وبالتالي فإن حل القضية الكوردية تتطلب حل عدد من القضايا في المنطقة والعالم والحصول على مجموعة ضمانات بين تلك القوى والمحاور السياسية للتوافق على مخرج وحلول سياسية مناسبة للمسألة الكوردية.. وربما نلاحظ بأن هناك ملامح وبوادر للوصول إلى صيغة تفاهمية ما بين تلك الدول وعلى الأخص مما هي في المحور الغربي الأمريكي؛ حيث نلاحظ تقارباً تركياً كوردياً (إقليم كوردستان العراق) _من جهة_ وكذلك حواراً تركياً مع زعيم حزب العمال الكوردستاني؛ السيد عبد الله أوجلان لوضع صيغة أو مخرج للقضية الكوردية مما جعلت تركيا ولأول مرة تسمح لحزب كوردستاني بالعمل والترخيص لها على "أراضيها" وكذلك انفتاحها على المسألة الكوردية عموماً وحتى إرسال بعض الاشارات الضمنية _رسالة الناطق باسم حزب العدالة والتنمية مؤخراً_ وبأن لا مانع لدى تركيا بإقامة دولة كوردية على حدودها وتكون "منطقة جغرافية تابونية" عازلة بينها وبين العالم العربي والحركات الجهادية و"دولها السلفية"، وكذلك ومن سجنه في إيمرالي فقد بعث رئيس حزب العمال الكوردستاني برسالة إلى الحزب وجماهيره وعموم الشعب الكوردي وهو يقدم رؤيته في عدد من القضايا ومنها مسألة الدولة الكوردية القومية وموافقته المبدئية عليها، رغم إنه صاحب المشروع الديمقراطي الكونفيدرالي الشرق أوسطي، مما يوحي بأن هناك شبه توافق تركي كوردي (بارزاني_أوجلان) وبرعاية أمريكية غربية وذلك للإعلان عن الدولة الكوردية في المنطقة كمرحلة أولى لمشروع كونفيدرالي تكاملي مع تركيا مستقبلاً وخاصةً ونحن نرى التصريحات الأخيرة لكل من القيادتين الكوردية والتركية.
وهكذا _وبقناعتي المتواضعة_ هناك ملامح مشروع دولي شرق أوسطي جديد في المنطقة؛ ألا وهو إعادة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط تكون دولة كوردستان إحدى تلك الدول الناشئة الجديدة في المنطقة _بدايةً_ والتي ربما تضم كل من الإقليمين الكوردستانيين في كل من العراق وسوريا _في المرحلة الثانية_ وذلك بعد ضم كركوك وحقول النفط ومن ثم الاتحاد مع الجمهورية التركية _المرحلة الأخيرة من المشروع_ في دولة فيدرالية أو كونفيدرالية تقود العالم السني المعتدل وذلك بعد القضاء على البؤر المتطرفة مثل "داعش ودولته الإسلامية وخلافته". وبالتالي تقسيم المنطقة _هذه المرة_ طائفياً وذلك لاستدامة الحروب والصراعات بين القوى الجديدة وضخ السلاح إليها وإلا فإن شركات الانتاج الحربي سوف تعلن إفلاسها بعد أن تكدس منتجها في المستودعات وذلك إن لم تخلق أزمات وبؤر توتر جديدة في العالم والشرق على الأخص. وهكذا فإن المشروع الجديد (التركي_الكوردي) يجمع بين مشروعي الديمقراطي والعمال الكوردستاني _أي بين المشروع القومي والديمقراطي الكونفيدرالي_ ولكن ربما يكون التحفظ من الجانب التركي على المشروع؛ كونها سوف تضم جزئي كوردستان الأخريين (سوريا والعراق) مما يشكل من العنصر الكوردي ثقلاً إستراتيجياً في معادلة القوة داخل الدولة الكونفيدرالية الجديدة.. لكن ومن خلال إقناع عدد من الجمهوريات الآسيوية _ذات الثقافة التركية التركمانية_ بالانضمام إلى هذا الاتحاد وكذلك لحاجة الكورد وكوردستان إلى تركيا وأراضيها وموافقتها كخط مرور لأنابيب النفط والغاز وإيصالها إلى القارة البيضاء (أوربا) وبضمانات دولية على نوع من الحماية والرعاية لهذه الاتفاقيات، ربما تتخلص تركيا من مجموع مخاوفها وتقدم على هكذا مشروع؛ حيث كوردستان مصدر ومنتج للطاقة بينما تركيا معبر وطريق للوصول إلى الموانئ والمرافئ العالمية وتحقيق نوع من التكامل الاقتصادي؛ نفس تجربة السودان وجنوبها وبالتالي الدخول في عملية سياسية اقتصادية تكاملية.
لكن يبقى العامل والمحور الآخر؛ الروسي الإيراني وحلفائه من الأطراف والقوى السياسية الكوردية وكذلك مصالح هذا المحور في المنطقة ولعبة التوازنات الدولية وقضية الانقسام الطائفي _كوردياً؛ رغم ضعفه في البيئة الكوردية_ وهكذا.. فهل سيتمكن الكورد _قسم منهم على الأقل والمرتبط بهذا المحور سياسياً ولن نقول طائفياً_ الافلات من قبضة ذاك المحور الدولي الإقليمي وبالتالي عدم تكرار تجربة الآباء والأجداد والتضحية بالأساسي والأصول ولحساب الجزئيات والفروع.. ربما يكون الحديث ما زال مبكراً في هذه الجزئية من القضية؛ كون الحركة الكوردية عموماً هي حركة سياسية (قومية) رغم اختلاف النهج بين أطرافها وفصائلها ودعوات البعض لنظريات سياسية مغايرة لما هو مسجل تاريخياً باسم البارتي كحركة قومية كلاسيكية؛ حيث وعلى الرغم من دعوة حزب العمال الكوردستاني ومنظوماته السياسية لقضية الفيدراليات والكونفيدراليات الديمقراطية وإداراتها الذاتية فها هو زعيمها السيد أوجلان وفي رسالته الأخيرة يدعو إلى "عقد المؤتمر القومي الكردي وتحقيق الوحدة القومية". (نقلاً عن رسالة أوجلان مع كلٍ من سري سوريا اورندير وليلى زانا؛ عضوي البرلمان التركي عن الكورد). وهكذا فإنني أقرأ بأن الحلم الكوردي في تأسيس كيان سياسي يضمهم بات قاب قوسين _أو أدنى_ وبالتالي الانتقال من عالم الخيال والنظريات والمؤامرات إلى واقعٍ ملموسٍ على الأرض باسم دولة كوردستان.
#بير_رستم (هاشتاغ)
Pir_Rustem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السفاح أبو بكر البغدادي
-
الخطاب السياسي الكوردي
-
البديل الديمقراطي.؟!!
-
الأمة الديمقراطية
-
ثقافة التسامح.. والمصالحة.؟!!
-
المثقف.. وبلاط السلاطين؟!!
-
تعليق متأخر؛ حول خروج الكتلة الكوردية من مؤتمر القاهرة.
-
المرأة الكوردية المقاتلة.
-
الكورد.. والإستراتيجية الأمريكية؟.
-
الإبادة الثقافية ..الكورد أنموذجاً؛ مفهوماً وواقعاً مأساوياً
...
-
أزمة المواطنة.. لدى الإنسان العربي.
-
سوريا القادمة.؟!!
-
الربان والديكتاتور
-
سوريا .. وأزمة الحلول والخيارات!!
-
الطفل العفريني/ عفرين .. مهد الحضارات.!!
-
العقل الكوردي ..ما زال خاضعاً ومرهوناً إلى الحمية القبلية!!
-
الديمقراطية ..هي البديل عن النظم التوتاليتارية.
-
البارتي .. هو الحامل للمشروع القومي الكوردي.
-
اقتتال الإخوة .. أو الحروب الأهلية كارثة
-
أحزابنا .. وسياسة عصر الباروك.؟!!
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|