رائد حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4917 - 2015 / 9 / 6 - 20:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى هذا الوقت الحرج من تاريخ العالم العربى والإسلامى ,وفى ظل صعود وتصاعد الإرهاب الداعشى الذى يغرسُ رمحاً مسموماً فى قلب الحضارة الإسلامية برفع راية سوداء تُراق تحتها دماء الابرياء ,
وتباع تحت ظلالها النساء سبايا إحياءً لهمجية القرون الفائتة التى تخبطت فيها الإنسانية طويلاً قبل أن تصل لعصا موسى السحرية المتمثلة بالعلم الحديث ,فى خضم عملية الإرتداد والردة على العلم أتسائل عن معنى الهوية؟ .
خصص التيار الإسلامى فى مصر مليونية بإسم "الهوية إلإسلامية " (الجمعة 29 يوليوا 2011) بعد ثورة يناير والتى كانت بداية إنقسام الصف الثورى فى مصر , يستهوى مصطلح الهوية الإسلامية الكثير من العوام وقد شاركت فى هذه المليونية التى كانت إسماً على مسمى فالعدد كان عظيما ,ربما لأن المشاركة كانت فى نظرنا وقتها "دفاعاً عن إلإسلام ضد أعدائه"
فلنعد أدراجنا خائبين لنفكر ملياً وندرك معنى الكلمة التى نتغنى بها ونحشد برنينها الآلآف .
تتلخص الهوية العربية فى عاملين أساسيين هما ( الدين الإسلامى ,واللغة العربية) ,وهذان العاملان هما نتيجة الفتح إلإسلامى لمصر ,أى نتيجة لحدث سياسى كبير فى تاريخ الأمة المصرية ,إنتقالها من الحكم البيزنطى إلى الحكم العربى الإسلامى .
أولاً : الدين .
,كان الدينُ أحد أهم العوامل الذى تقام عليها الحضارات بإعتباره مصدراً للعلم وخلاصاً للنفوس ومنهاجاً للحياة,
كما أنهُ القوة التى تستطيع تسير الجميع الى وجهة واحدة دون أدنى جهد ,نجد أن أرسطو قد جعل الديانة شرطاً من شروط قيام الدولة, وإنحنت روما للمسيحية لإبتلاع الثورات اليهودية المتتالية,وقامت الإمبراطوية الفارسية على الديانة الذرادشتية,
بينما ظلَّ العرب يعبدون أوثاناً متفرقة لا تقدم لهم منهجاً ولا علماً ,نظرة العربى لأهل الكتاب من يهود ونصارى ,كانت نظرة إحترام وغيرة ,فهم أهل علم وحكمة لهم مناهج وأنبياء وطقوس يتبعونها,بينما ظلَّ العرب متفرقين بجاهليتهم التى طغت فيها الهمجية والتفرق وإلإنحياز للدم والعشيرة وتقديم مصالح القبيلة على مصلحة الإنسان العامة,وكانت نظرة العرب للأمم العظيمة وحضاراتها نظرة إنكسار لجلال تلك الحضارات التى تستطيع تشييد الحصون وتنظيم الجيوش الكبيرة ,إلى أن حدث أمرٌ جلل أخذ بزمام القبائل المتشرذمة وقادها للإجتماع والإتحاد وإخضاع الذات تحت سيف المصلحة العامة , إنه الإسلام الذى قدم منهجاً وتشريعاً وخلاصاً للنفوس ,سطع نجم الحضارة العربية حين قدم لها إلإسلام العوامل المستخدمة لتشيد الحضارات فى ذالك الوقت .
وهناك يلمعُ السؤال "السؤال" ,هل مازال هذا ممكناً الآن؟
فى ظل إفتراق الدين والعلم ,مع بذوغ نجم النهضة الأوربية ,صار العلم وحده العامل الرئيسى لقيام الحضارات وإستقرارها ,فالهوية التى تعتمد على الدين صارت خاوية, خالية من مضمونها ,
لأن الدين أصبح ثابتاً شخصياً للأفراد ولا يقدم علماً حقيقياً ,بل خلاصاً روحانياً ,يجده كل صاحب عقيدة فى عقيدته .
أستطيعُ أختلفُ مع صديقى المسيحى فى طبيعة المسيح ,لكنى لا أستطيع أن أختلف معه على أن جزيئ الماء يتكون من الهيدروجين والأكسجين ولا يوجد فى دينى شيئ عن تكوين جزيئ الماء ولا عن الاكسجين ولا عن الهيدروجين .
ثانياً : اللغة.
ساعد إرتباط اللغة العربية بالدين الإسلامى عبر القرآن الكريم ,على إنتشارها فى معظم الاصقاع التى سيطر عليها العرب ,لكنها لم تعد العربية التى دخلت البلاد أول ما دخلت ,ولم يعد العرب هم العرب الذين دخلوا أول ما دخلوا ,
فتخالط الألسنة واللغات منح المجتمعات الكثير من اللهجات المشتقة من العربية الأم وهو ما يسمى بتطور اللغة,ربما أكتبُ لك بلغة عربية شبه فصحى لكنى لا أستطيع كما أنت ,أن نتجادل بها طوال اليوم ,ربما تقرأ لى بمهارة الآن لكن صفحة واحدة فى أحد كُتب الجاحظ قد ترهقك ,
اللغة ليست بمنأى عن التطور ,فجميع اللغات الموجودة الآن هى نتائج إختلاط لغات سابقة إندثرت فأوجدت شكلاً جديداً ,وإختلاط ألسنة هلكت فأنتجت لفظاً جديداً وهذا عائد إلى إختلاط الثقافات والتبادل التجارى والمعرفى ,وهجرة الشعوب والإستيطان والإحتلال.
تطورت الآرمية الى سريانية بعد إنتشار المسيحية وإن كان الفارق بينهما لايذكر ,لكن دخول معانى جديدة فى جعبة الحضارة الإنسانية يخلق ألفظاً جديده .
نعرف أن التجار المسلمون شاركوا بشكل كبير بأخلاقهم ومعاملاتهم فى نشر الإسلام واللغة العربية كما قيل لنا فى كتب التاريخ,وفى العصر العباسى كانت بغداد ,مدينة العلم التى يحج اليها الطلاب من أنحاء الدنيا,وهذا ما ساعد على إنحياز التطور قدر الامكان للعربية على غيرها .
,لكننا الآن نستورد العلم من امريكا وأوريا ,ندرس الانجليزية كلغة أساسية للعلم ولا يعرف شبابنا كيف ينطقون جملةً عربية صحيحة,أرى أن اللغة العربية فى مرحلة تهديد خطيرة ,ولكن كيف نؤخر عملية إندثارها أو نحولها الى عملية تطور وليس إستبدال ؟!
هذه مهمة الأدباء الذين من واجبهم أن يرفعوا من إنتماء الفرد للغته بكتابة نص أدبى جذاَّب ,لكننا نرى الكلمات الإنجليزية تأخذ أماكنها فى العربية بسهولة فى كتاباتنا وفى حياتنا,حتى إن أحد "المصلحين إلإسلاميين " "المصلحنجيين" إستخدم فى روايته البائسة كلمات إنجليزية بحروفها الانجليزية كأن العربية قد عجزت عن التعبير عما يجيش فى صدره! .
اللغة العربية فى مأزق حقيقى,وذالك نتيجة لغياب كيان إقتصادى قوى يعزز من إنتماء الفرد لمجتمعه ,
المشكلة ليست مشكلة هوية ,فقد مضى زمن إستخلاص العلم من الدين ,المشكلة الآن إقتصادية وهياكل العلم فى العالم العربى خاوية على عروشها ,فأى هوية تلك التى نحشد بها آلآف ؟ نحن نستورد هواتفنا وملابسنا وأجهزة الكومبيوتر ,ولن تُمطر السماء علينا تكنولوجيا,بل التكنولوجيا هناك فى العالم الذى نتهمه بمحاربة هويتنا ,أى هوية نقصد ؟
ثالثاً :الهوية فى الميزان .
هل فكَّر اللاجئون السوريون وهم بين كلاَّبات الأمواج فى معنى الهوية ؟ هل فكروا بشيئ أبعد من الهروب من الهوية والتعصب والفتن السياسية التى تغذيها الطائفية الدينية ؟
هل فكروا بشيئ أبعد من نسيان ما كان ,فى بلادِ قاسية البطش عمياء ,لا تفرق بين المُذنب والبريئ؟
ربما علينا أن نفهم ,نستوعب أننا بلا هوية ,لأننا على وشك الرحيل ,الارضُ تهتز تحت أرجلنا ,ولا تُبنى الحضارات على أرض مرتعشة ,نحن نستعد لخلع الأوتاد ولملمة الأشياء مخلفين كل شيئ خلفنا ,فعن أى هوية نتحدث ,هل نتحدث عن الميراث العربى الاسلامى ؟ هل علينا أن نحمل الماضى على كواهلنا ونجرى به نحو المستقبل ..؟ "من يحملُ الماضى تتعثر خُطاه" قالها "نجيب محفوظ", وها نحن ملتزمون بحمل الماضى بكل تناقضاتهِ فلا نخطو للأمام نصف خطوة إلإ لنرتد للخلف الف خطوة ,هل يدفعنا الساسة العرب وجموع الجهال الى تطليق الماضى والتبرأ من حضارتنا كلها ؟ للعالم كلهُ ماضيه البشع ولكن وحدنا نحن ,وحدنا الملتزمون بالماضى والتطلع اليه كأمل وحيد .. !
الشعوب تُهاجر من بلادها, واللغات تنتشر حسب قدرة أهلها على العطاء فى العلم والأدب والفنون ,الأخلاقُ أصبحت إنسانية ,والعاداتُ والتقاليدُ التى لا تناسب الإنسان تُدان فى عين التطور وتندثر,
العالم مسرح متغير والهوية تعصب أعمى للمجهول .
#رائد_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟