حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4917 - 2015 / 9 / 6 - 13:58
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ثالثاً / قائمة أورويل بالثمانية و الثلاثين أديباً وفناناً "شيوعياً متخفياً" و "رفاق الدرب" و "المتعاطفين معهم" التي تبرع بتزويدها لقسم بحوث المعلومات في وزارة الخارجية البريطانية ، عام 1949
1. مقدمة تاريخية
بدأت أحداث هذه الفضيحة المركبة في التاسع من شباط ، 1949 ، عندما دخل أورويل المصحة في كوتسوولدز للتدهور الكبير الحاصل في حالته الصحية جراء تفاقم مرض التدرن الرؤي لديه . و لخشيته من إمكانية خسارة الغرب للحرب الباردة بسبب القوة الفكرية للحركة الشيوعية العالمية في حينه ، فقد كان على استعداد لعمل كل شيء ضد الشيوعيين قبل موته ، باعتباره "الأخ الأكبر" للنظام الإمبريالي العالمي الذي كان يتصور أنه يستهين بقوة الحركة الشيوعية العالمية ، و لا يحاربها مثلما ينبغي عبر "الحرق التام لسمعة الشيوعية و خصوصاً الاتحاد السوفيتي و كل قادته في كل شيء" . و كل منصف يطلع على سيرة حياة المعادين للشيوعية ، لا بد له أن يولي من قباحتهم الفرار مثلما سنرى ، لأن معاداة الشيوعية لا تشرف أحداً ، مثلما أن الواعين الشرفاء لا يعادون الشيوعية . و لقد حانت لأورويل الفرصة التي يريد عبر صديقته القديمة السيدة سيليا كيروان (Mrs. Celia Kirwan) (نيي باجيت) التي كان قد التقى بها لأول مرة عام 1945 ، حيث أمضيا عيد الكرسمس في "ويلز" مع "آرثر كوئيستلر" زوج شقيقتها التوأم (مامين باجيت) . بعد مضي خمسة اسابيع على لقائهما الأول ، أرسل إليها أورويل رسالة غرامية ملتهبة ، عارضاً عليها إما الزواج به أو إقامة العلاقة الجنسية معه (ملاحظة مهمة : في حينها ، كانت السيدة سيليا متزوجة و بعصمة زوجها الشاعر : "پاترك كيروان" !) . رفضت السيدة سيليا طلب أورويل برقة ، و بقيا أصدقاء ، ثم سافرت بعد سنة للعمل في المقابلات الثقافية في باريس .
و بعد أن تم تجنيدها للعمل في قسم بحوث المعلومات (Information Research Department: IRD) الآي آر دي التابع لوزارة الخارجية (المتخصص ، من بين أشياء أخرى ، في صناعة الدعاية المعادية للشيوعية خلال الحرب الباردة ؛ سأعود لهذا الموضوع) ، عادت السيدة سيليا من باريس إلى لندن في شباط من عام 1949 . و في الثالث عشر من نفس الشهر ، و من مقرها الجديد في وزارة الخارجية البريطانية ، بعثت لأورويل في مصحته رسالة تعلمه بذلك . ، ردَّ عليها أورويل برسالة يعبِّر فيها عن سعادته باستلامه لرسالتها و بسماعه نبأ عودتها إلى إنجلترا ، و أرسل لها نسخة من كتابه الجديد (1984) و هو يقول : " "لا أتصور أنك ستحبينه ، إنه كتاب سيء فعلاً " . كان أورويل في إيماءته تلك يريد لفت إنتباه سيليا إلى أهمية ذلك الكتاب في محاربة الشيوعية ، و ستتحقق إرادته عندما ستطبع له الآي آر دي بعدئذ مئات آلاف النسخ منه و من "حقل الحيوان" بمختلف اللغات . تبادل المنفعة بين العملاء ! و في رسالته تلك ، عبَّر أورويل عن أمله برؤيتها : "في وقت ما ، ربما في الصيف" . و لكن رغبته بلقائها ستتحقق قبل ذلك ، لمعرفتها بكونه "مَنْجماً في معاداة الشيوعية" . و هكذا ، فقد جاءت سيليا لزيارته في مصحته بكلوستشير بتاريخ 29 آذار ، و عرضت عليه التعاون مع الآي آر دي . وافق أورويل على ذلك فوراً ، فأعدت سيليا مذكرة رسمية بذلك لرئيسها قالت فيها : "أن أورويل قد عبَّر عن تأييده القلبي و المندفع لأهدافنا ، و لكنه ، و بسبب مرضه ، فأنه لا يستطيع العمل مع الآي آر دي على أساس التكليف بالمهمات ، و لكنه اقترح أسماء عدة أشخاص ممن يمكن أن يقبلوا بذلك ."
إذن جورج أورويل "خبير" بالأشخاص "الموثوقين" المستعدين للعمل كلاب حراسة إمبرياليين في ذراع المخابرات البريطانية .
ثم ، في 6 نيسان ، بادر أورويل بنفسه إلى المتابعة مع سيليا ، فحرر لها رسالة بخط يده ، يقترح فيها أربعة أسماء أخرى للكتاب الذين يرغبون بالعمالة للآي آردي ، و يشير إلى ثلاث صحف الأمريكية يعمل فيها "جحافل" من الكتاب المعادين للشيوعية ممن يمكن تعميلهم لهذا الغرض أيضاً .
كما يعلن لها أورويل في نفس الرسالة استعداده لتزويدها بقائمة بأسماء الأدباء و الفنانين من الشيوعيين السريين المتخفين و رفاق دربهم (crypto-communists and fellow travellers) و المتعاطفين معهم ممن لا ينبغي الوثوق بهم في مهمات الدعاية المعادية للشيوعية . و للأهمية القصوى لهذه الرسالة - التي تبين بجلاء واضح فاضح أي نوع من الأفكار العنصرية و المخابراتية القذرة كانت تهيمن على عقل أورويل المريض على طول الخط - سأورد نصها الإنجليزي الأصلي الكامل أولاً ، ثم ترجمتي له .
I did suggest DARCY GILL, (Manchester Guardian) didn t I? There is also a man called CHOLLERTON (expert on the Moscow Trials) who cld be contacted through the Observer.
Cranham, 6.4.49.
Dear Celia,
I haven t written earlier because I have really been rather poorly, and I can t use the typewriter even now, so I hope you will be able to cope with my handwriting.
I couldn t think of any more names to add to your possible list of writers except FRANZ BORKENAU (the Observer would know his address) whose name I think I gave you, and GLEB STRUVE (he s at Pasadena in California at present), the Russian translator and critic. Of course, there are hordes of Americans, whose names can be found in the (New York) New Leader, the Jewish monthly paper Commentary , and the Partisan Review.
I could also, if it is of any value, give you a list of journalists and writers who in my opinion are crypto-communists, fellow-travellers´-or-inclined that way and should not be trusted as propagandists. But for that I shall have to send for a notebook which I have at home, and if l do give you such a list it is strictly confidential...
Just one idea occurred to me for propaganda not abroad but in this country. A friend of mine in Stockholm tells me that as the Swedes didn t make films of their own one sees a lot of German and Russian films, which of course would not normally reach this country, are unbelievably scurrilous anti-British propaganda. He referred especially to a historical film about the Crimean war. As the Swedes can get hold of these films I suppose we can-;- might it not be a good idea to have showings of some of them in this country...
I read the enclosed article with interest, but it seems to me anti-religious rather than anti-semitic. For what my opinion is worth, I don t think anti-anti- semitism is a strong card to play in anti-Russian propaganda. The USSR must in practice be somewhat anti-semitic, as it is opposed both to Zionism within its own borders and on the other hand to the liberalism and internationalism of non-Zionist Jews, but a polyglot state of that kind can never be officially anti-semitic, in the Nazi manner, just as the British Empire cannot. If you try to tie up Communism with anti-semitism, it is always possible in reply to point to people like Kaganovich´-or-Anna Pauker, also to the large number of Jews in the Communist parties everywhere. I also think it is bad policy to try to curry favour with your enemies. The Zionist Jews everywhere hate us and regard Britain as the enemy, more even than Germany. Of course, this is based on misunderstanding, but as long as it is so I do not think we do ourselves any good by denouncing anti-semitism in other nations.
I am sorry I can t write a better letter, but I really have felt so lousy the last few days. Perhaps a bit later I ll get some ideas.
With love, George .
Reference:
From: Lalkar , London, September-October 1996.
نص ترجمتي لرسالة "القديس العنصري" جورج أورويل إلى السيدة سيليا كيروان في 6 / 4/ 1949 [الأقواس الكبيرة من عندي] :
لقد قمت فعلاً باقتراح [إسم] "دارسي جِلْ" (المانتشِستر غارديان) ، ألم أفعل ذلك ؟ و هناك أيضاً رجل يدعى "كولرتن" (الخبير بمحاكمات موسكو) و الذي يمكن الاتصال به من خلال (الأوبزرفر) .
كرانَمْ ، 6 . 4 . 49 .
عزيزتي سيليا ،
لم أستطع الكتابة قبل الآن لأنني كنت فعلاً متدهور الصحة جداً ، و لست أستطيع استخدام آلة الطابعة حتى الآن ، لذا آمل أن بإمكانكِ تحمل خطي اليدوي .
لم أستطع التفكير بأي أسماء إضافية لقائمتك الممكنة من الكتَاب [الذين يمكن تعميلهم للآي آر دي] باستثناء "فرانتز بوركيناو" (الأوبزرفر ستعرف عنوانه) الذي أعتقد أنني أعطيتك اسمه ، و "غليب ستروفه" (و هو في باسادينا بكاليفورنيا الآن) ، المترجم الروسي و الناقد . بالطبع ، هنالك جحافل من الأمريكان [الممكن تعميلهم أيضاً] الذين يمكن إيجاد أسمائهم لدى [ المجلة] النيويوركية "نيو ليدر"، و لدى الصحيفة اليهودية الشهرية "الكومنتري" ، و "البارتيزان رفيو" .
و بإمكاني أيضاً ، إن كان ذلك مفيداً ، تزويدك بقائمة [بأسماء] الصحفيين و الكتاب الذين هم برأيي شيوعيون متخفون ، رفاق درب ، أو من أصحاب [نفس] ذلك التوجه و يجب عدم الوثوق بهم كرجال دعاية . و لكن ذلك يتطلب مني الإرسال بطلب دفتر ملاحظات موجود لدي في البيت ، و إذا ما قمت فعلاً بتزويدك بمثل هذه القائمة ، فستكون سرية حصراً ...
لقد عنّت لي فكرة واحد فقط من أجل الدعاية ، ليس في الخارج ، و إنما في هذا البلد [بريطانيا] . أحد أصدقائي في ستوكهولم يقول لي أنه بما أن السويديين لا يصنعون شرائط سيمية خاصة بهم ـ فأن المرء يجد عندهم العديد من الأشرطة الألمانية و الروسية ، التي لا تصل عادة إلى بلدنا ، و هي حاقدة على نحو لا يُصدق في دعايتها المعادية لبريطانيا . و قد أشار على وجه الخصوص إلى شريط تاريخي عن حرب القرم . و لما كان بمستطاع السويديين الحصول على تلك الأشرطة ، أفترض أننا نستطيع ذلك أيضاً ؛ و قد لا تكون فكرة جيدة أن نحصل على عروض لها في هذا البلد ...
لقد قرأت المقالة المرفقة باهتمام ، و لكنها تبدو لي معادية للدين أكثر من معاداتها للسامية . برأيي المفيد ، فأنا لا أتصور أن معادات اللاسامية تشكل ورقة قوية في اللعب بمضمار دعايتنا ضد روسيا . يجب عملياً للاتحاد السوفيتي أن يكون لاسامياً قليلاً ، لكونه ضد كل من الصهيونية ضمن حدوده من ناحية و ضد اللبرالية العالمية لليهود غير الصهاينة ، و لكن الدولة المتعددة اللغات من ذلك النوع يستحيل عليها أن تكون معادية للسامية رسمياً على الطريقة النازية ، مثل استحالة ذلك على الإمبراطورية البريطانية . فإذا ما حاولتِ الربط بين الشيوعية و اللاسامية ، فبالإمكان دائماً الرد على ذلك بالإشارة إلى أناس مثل "كاغانوفتش" و "آنا پوكر" ، و كذلك إلى العدد الكبير من اليهود [المنظمين] للأحزاب الشيوعية في كل مكان . كما أعتقد أنها سياسة سيئة أن نجرب إضافة التوابل لمحاباة أعدائك . اليهود الصهاينة في كل مكان يكرهوننا و يعتبرون بريطانيا عدوة لهم ، حتى بدرجة أعظم من ألمانيا . بالطبع ، هذا الاعتبار يتأسس على سوء الفهم ، و لكن ما دام الأمر هو هكذا ، فإنني لا أعتقد أننا ننفع أنفسنا عندما نشجب معاداة السامية لدى الأمم الأخرى .
أنا آسف لأنني لا أستطيع كتابة رسالة أفضل ، و لكنني شعرت أنني متدهور جداً في الأيام القليلة الأخيرة . لعلي سأحصل على بعض الأفكار خلال الوقت القصير القادم .
مع حبي ، جورج . "
المصدر :
من "لاكلار" ، لندن ، أيلول – تشرين الأول ، 1996 .
نقلت سيليا رسالته أعلاه لرئيسها ، آدم واطسن ، فهمَّش عليها بالنص :
ملاحظة : يجب على السيدة كيروان بالتأكيد مطالبة السيد أورويل بقائمة الشيوعيين المتخفين (crypto-communists) . و عليها التعامل معها بكل السرية ، ثم إعادتها إليه بعد يوم أو يومين . آمل أن القائمة تعطي المبررات لكل حالة " .
تصرفت سيليا حسب تعليمات رئيسها بالضبط ، فأرسلت من مقر عملها في وزارة الخارجية ، 17 "كارلتن هاوس ترس" لندن ، الرسالة التالية المؤرخة في الثلاثين من نيسان :
Dear George, Thank you so much for your helpful suggestions. My department were very interested to see them….
They have asked me to say that they would be very grateful if you could let us look at your list of fellow-travelling and crypto journalists: we would treat it with the utmost discretion.
“Yours ever, Celia.”
الترجمة :
عزيزي جورج ، جزيل الشكر على مقترحاتك المفيدة . إن قسمي مهتم لرؤيتهم [أي رؤية : دارسي جل و كولرتن و فرانتز بوركيناو و غليب ستروفه الذين اقترح أورويل أسماؤهم كشخصين مستعدين للعمل مع الآي آر دي] ...
لقد طلبوا مني أن أقول بأنهم سيكونون ممتنين جداً لرؤية قائمتك بالصحفيين رفاق الدرب و المتخفين : و سنتعامل معها بأقصى سرية .
المخلصة لك : سيليا ."
ملاحظة : النسخة المحررة على الآلة الكاتبة من هذه الرسالة محفوظة في ملف أورويل السري المرقم : (FO 1110/189) لدى وزارة الخارجية البريطانية ، و التي لم ترفع الحظر عليه إلا بعد وفاة السيدة سيليا كيروان عام 1996 .
في غضون ذلك ، كان أورويل قد طلب من صديقه القديم ، ريتشارد ريس ، إرسال دفتر ملاحظاته الصغير (من حجم الربع دفتر ، بغلاف من الورق المقوى الأزرق الفاقع) من بيته البعيد الكائن في جزيرة "جورا" الاسكتلندية .
بتاريخ 17 نيسان ، استلم أورويل دفتر ملاحظاته الذي يتضمن (135) إسماً من الأدباء و الكتاب و الفنانين الذين إعتبرهم أورويل "شيوعيين متخفين" أو "رفاق الدرب" من عملاء الاتحاد السوفيتي ، فكتب إلى ريس يشكره على همّته في إيصال الدفتر المراد إليه بالسرعة المطلوبة .
و لدى إستلامه لرسالة سيليا أعلاه ، فقد أجابها حالاً ، مرفقاً بها قائمته ذات الثمانية و الثلاثين اسماً ، و التي سأعرضها لاحقاً .
يتبع ، لطفاً
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟