|
ألمانيا تتحول إلى مثل أعلى للإنسانية
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4915 - 2015 / 9 / 4 - 08:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
[email protected] www.nasmaa.org أصبح العالم كله يتحدث عن رقي الموقف الإنساني الرائد والنموذجي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، حكومة، ومجتمعا، وأحزابا سياسية، وإعلاما، وكنائس، ومثقفين. فاقت ألمانيا كل دول أورپا في إنسانية موقفها. ليس هو وحده موقف المستشارة آنڠ-;-يلا ميركل، أو رئيس ألمانيا يوآخيم ڠ-;-اوك، وليس هو موقف وزير داخليتها ديمزيير، ولا قادة الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحليف في الائتلاف الحكومي ڠ-;-ابريل وشتاينماير. إنه موقف الأحزاب الديمقراطية كلها، التي ما اتفقت كما اتفقت على وجوب تحمل ألمانيا لمسؤوليتها الإنسانية، فلم تختلف الأحزاب المتمثلة بالبرلمان الاتحادي في هذه القضية من حيث المبدأ ومن الناحية الإجمالية، فكلها الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحليفه الاتحاد الاجتماعي المسيحي، والحزب الديمقراطي الاشتراكي، والخضر، وحزب اليسار، كلهم بلا استثناء رأوا إن من مسؤولية ألمانيا أن تستقبل، وتحتضن، وترعى اللاجئين القادمين أفواجا أفواجا إلى ألمانيا، وهم ينقسمون إلى قسمين؛ اللاجئون الاقتصاديون القادمون من دول أورپا الشرقية المنهكة اقتصاديا، واللاجئون الهاربون من الإرهاب من مناطقنا، والذين يتقدمهم السوريون، ثم العراقيون والأفغان. ليست هناك دولة واحدة من بلدان العالم ذي الأكثرية المسلمة كانت مؤهلة لاستقبال الفارين من نار الإرهاب والعنف والتشريد والسبي، لكن أورپا، وبشكل خاص ألمانيا، كانت المأمن الوحيد لهؤلاء. بينما نجد أكثرية الشعب الألماني تظهر تعاطفها مع اللاجئين، بل ونظمت العديد من التظاهرات المعبرة عن هذا التعاطف والتضامن، والمعبرة أيضا عن إدانتها للقوى العنصرية المعادية للأجانب، والتي تمثل أقلية منبوذة في ألمانيا، ولاسيما في الجزء الغربي منها. أكثر هؤلاء اللاجئين يأتون بثقافة غريبة على ثقافة ألمانيا، وبعادات وتقاليد غير عادات وتقاليد المجتمع الألماني، ومن غير شك سيمثلون عبءً اقتصاديا على ألمانيا، وسيكون منهم المتدينون المتزمتون الرافضون للاندماج في المجتمع الألماني، بل المستصحبون معهم ثقافتهم وعقائدهم وتقاليدهم. منهم من لن يقابل فضل ألمانيا عليه بالشكر والعرفان، بل بالتكفير والسباب. مع كل هذا يتظاهر الألمان مطالبين برعايتهم، وتجمع لهم التبرعات. بالله عليكم، لو وفدت الآلاف، ولا أقول عشرات أو مئات الآلاف من اللاجئين من بلد مسلم إلى بلد مسلم آخر، وسيصطحبون معهم مشاكلهم، وفقرهم، وربما عاداتهم الغريبة نسبيا، وسيكون معهم ربما بعض المجرمين، كأي مجموعة بشرية، خاصة في حالات الهجرة، التي يختلط فيها الطيب مع الخبيث، ويسيء الخبيث مع قلته إلى سمعة الطيب مع كثرته، وعندها ستظهر شرائح من مجتمع البلد المهاجر إليه، لتعبر عن تذمرها من المهاجرين إليهم، ويطالبون بطردهم، ثم تتعاطف أكثرية ذلك المجتمع مع المهاجرين، وتستنكر على المتذمرين موقفهم العدائي للمهاجرين. هل يمكن أن نتصور مثل هذا في مجتمعاتنا؟ لماذا نجد ضعف الحس الإنساني في المجتعات الشرقية المسلمة، ونجد قوة هذا الحس في المجتمعات الغربية (الكافرة)؟ سؤال يجدر أن نتوقف عنده، فلا نشتم سياسيينا، بل ننظر إلى واقعنا المجتمعي، لنحاول إصلاح أحوالنا، وتصحيح قيمنا، وإعادة النظر في معاييرنا، وإحياء النزعة الإنسانية فينا. مواقف إنسانية رائعة من جهة، وتجار حروب، مسخت إنسانيتهم، يستغلون مآسي هذه الشعوب، ليسلموا المئات منهم إلى أمواج البحر، فيغرق من يغرق، وينجو من يحالفه الحظ، وتنقذه المعجزة المسماة صدفة. وآخرون يموتون اختناقا في شاحنة مغلقة. والذين يختارون طريق الموت، يدركون ما لهذه الطريق من مخاطر، فأي وضع كارثي يكونون فيه يجعلهم مضطرين لدخول حلبة القمار هذه، واضعين حياتهم على طاولة القمار، عسى أن يحصلوا على الرقم الصحيح، فيكونوا من الناجين بحياتهم، ولا يقع اختيارهم على الرقم الخاسر، الذي يعني هلاكهم، غرقا في أعماق البحر، أو اختناقا في شاحنة مغلقة بشكل محكم. وبعض الأسر تنقسم إلى قسمين، قسم يبتلعهم الموت في الطريق، وقسم يصل إلى شاطئ النجاة محطما نفسيا بسبب فقدانهم أحبتهم. لكننا عندما نكبر في ألمانيا، حكومة وأحزابا وشعبا وكنائس، هذه المواقف الإنسانية الرائعة، لا يعني ذلك إن كل أورپا تتخذ نفس الموقف، فهناك أصوات ناقدة لما يسمى بالمواقف الأنانية لبعض دول أورپا، بما في ذلك بريطانيا وغيرها من دول غرب أورپا، ناهيك عن الموقف اللاإنساني لهنڠ-;-اريا، التي تقف على النقيض من ألمانيا، بحيث سمعنا بعض الأسر الهاربة من جحيم الإرهاب تصرخ مستغيثة: الموت ولا البقاء في هنڠ-;-اريا. وهنا لا يفوتني أن أعبر عن افتخاري بوطني الثاني، كمواطن ألماني. صحيح إن الصدفة هي التي اختارت لي وطني الثاني هذا، كما اختارت لي الصدفة وطني الأول، العراق، الذي ما زلنا نحلم له بنجاح عملية الإصلاح السياسي، للتحول من دولة المكونات والطوائف والأعراق، إلى دولة المواطنة، الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية، ونحلم بدحر تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، ونحلم بمستقبل أفضل للأجيال القادمة، تتمتع فيه بالسلام، والأمن، والرفاه، والعدالة الاجتماعية، وقبل كل ذلك التعافي من الورم السرطاني القاتل والمسمى بالطائفية، والقضاء على أيدس الفساد، ومقاضاة السراق والفاسدين، وكل من أساء إلى الوطن. 03/09/2015
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا «العلمانية» وليس «المدنية»؟
-
الدستور العلماني ضرورة لا يكتمل الإصلاح بدونها
-
العبادي والحكومة المطالب بتشكيلها
-
مثلث (الشعب-العبادي-المرجعية)
-
مرة أخرى يوجه خامنئي إهانته للشعب العراقي
-
إرادة الشعب تنتصر: هل نشهد بداية البداية؟
-
مناقشة متأخرة لمقالة للسيد مالوم أبو رغيف عني 2/2
-
مناقشة متأخرة لمقالة للسيد مالوم أبو رغيف عني 1/2
-
كتابي „الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل“ في الأسواق
-
مطلبا تحويل الإقليم إلى برلماني والعراق إلى رئاسي
-
نصان من 2009: الغوص وذاك الغريب
-
دعوة لثورة النساء
-
أريد أن أطير
-
أشعر بالغربة
-
سيكون ثمة ضوء
-
في ذكرى 10 حزيران: الأولوية لمحاربة ودحر داعش ولكن
-
الدعوة إلى تغيير أسماء المدن والشوارع ما لها وما عليها
-
اعتماد دولة المكونات جريمة القرن بحق العراق
-
من «عصفورة حريتي» - حضور اسمه
-
نصان أخيران سقطا من «عصفورة حريتي»
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|