ابو حيان التوحيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1352 - 2005 / 10 / 19 - 11:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" لا اعتقد ان سواريث صديق للشيوعيين, اني اعتبره معادي للشيوعية, ولكنهanticomunista ذكي, يفهم ان الافكار لا تدمر بالقمع و المنع , و مستعد لمواجهة افكارنا بافكاره, هذه هي الارضية التي سنسوي عليها خلافاتنا, والشعب هو من يقرر بصوته الانتخابي "
هكذا انهى خطابه سانتاياغو كارييو, زعيم الحزب الشيوعي الاسباني الغير مرخص حتى تاريخ يوم السبت الموافق في 9 ابريل من عام 1977, السبت المقدس في الاسبوع المقدس*:
هذا التصريح كان ردة فعله الاولى امام الخبر, الخبر الذي كان غير متوقع ولايكن تصديقه من قبل معظم الشعب الاسباني, رئيس الحكومة ادولفو سواريث يرخص للحزب الشيوعي الاسباني, ذلك الحزب الذي كان يشكل رعبا حقيقا لانصار فرانكو واليمين بشكل خاص وللمجتمع الاسباني بشكل عام. كان يمثل ذلك البعبع الذي ينشر رعب حاملا معه " الدولة الشيوعية ", الخبر جاء كصاعقة على البلد, وولد الخوف والرعب في قطاعات واسعة من الشعب الاسباني ولاسيما الجيش.
والامر المفاجئ اكثر ان تصريح كارييو لم يكن من صنعه, وانما كان ثمرة مفاوضات كلمة لكلمة, مع رئيس الحكومة ادولفو سواريث, وتفصيل صغير مثير هو ان الزعيم الشيوعي كارييو لم يعجبه كثيرا ان ياتي الترخيص في الاسبوع المقدس, يقول خوسيه ارميرو" طلب مني ان لايكون الترخيص في هذا الاسبوع لان هناك كثير من الشيوعيين متدينيين جدا, وليس من المستحب توافق افراح الترخيص مع مشاعر وعواطف الاسبوع المقدس "
ولكن سواريث ارادها في ذلك التوقيت, اراد ان يستغل العطلة وغياب الضباط بشكل خاص وانشغالهم باحتفالات ذلك الاسبوع.وقبل عدة ايام من ذلك الاسبوع سيوافق كارييو لانه سيحصل على الاهم وسيتحقق حلمه الذي طالما انتظره. من خلال ارميرو يقولون لي كيف سيقومون بالترخيص ويطلبون مني ان اكون خارج اسبانيا في تلك اللحظة" وهكذا سيذهب كارييو الى فرنسا لمنزل احد اصدقائه المقربيين جدا لاغونيرو. الذي كان بالنسبة لكارييو بمثابة ارميرو لسواريث, الرجل المقرب ومحط الثقة .في منزل لاغونيرو سيبقى الزعيم الشيوعي ينتظر بفارغ الصبر . يقول لاغونيرو " لم ارى في حياتي كارييو كما رايته في تلك اللحظة, قلقا ومتوترا, كان يرتجف, كان فاقدا للصبر, ليس لانه لم يكن يثق بسواريث, ولكنه كان يريد ان يحدث كل شئ ودفعة واحدة " الثقة كانت موجود منذ تلك اللحظة التي منذ 27 فيبراير مساء, عندما اجتمع بسرية تامة مع رئيس الحكومة سواريث, لم يخرج باي اتفاق وقتها ولكن خرج بمسالتيين مهمتيين الاولى هي ان الترخيص سيصدر والثانية ان سواريث رجل ثقة . ان يجتمع رئيس الحكومة وجها لوجه مع زعيم حزب غير مرخص ويثير الرعب كالحزب الشيوعي في ذلك الوقت فهذا امر كان يعني الكثير بالنسبة لكارييو.
ادولفو سوارث بقي وحيدا في مدريد مع خمسة من رجاله الذين كانوا كافيين لتحريك احجار الشطرنج كما يريد, يقول ارميرو" في الصباح الباكر اتصل بي سواريث وقال لي سأرخص اليوم للحزب الشيوعي, وقال لي ان انتظر اتصاله , وبقيت متوترا امشي في شوارع مدريد وحيدا بانتظار تلك المكالمة" ثم يضيف " اتصلت بسواريث في الساعة الواحدة ظهرا من احد البارات, ثم ذهبت مباشرة الى منزل صديقي باتينو ومن هناك اتصلت بكارييو, واخبرته ان حزبه قد اصبح مرخصا, في البداية لم يكن قادرا على التصديق" .
الزعيمين الكبار, كاناا يدركان جيدا ان الاستمرار بالانتقال نجو الديمقراطية كان لا يمكن ان يحظى باي فرصة من النجاح, الا اذا التزم كل منهما بكلمته ووعده, وخصوصا من قبل الزعيم الشيوعي الذي كان اتفاقه الغير مكتوب مع سواريث هو " الاعتدال".
بعد ذلك ستجري الانتخابات وسيفوز فيها حزب سواريث. ولاحقا سيتمركز الشعب الاسباني حول الوسط والاعتدال.
ماحدث في اسبانيا كان التقاء رغبة من فوق في الانتقال الى الديمقراطية تمثلت بادولفو سواريث رئيسا للحكومة, وبضغط من تحت من الشعب باتجاه التغيير. اعتقد اننا في العالم العربي نفقد الامريين من فوق ومن تحت, ماشهدناه في مصر ربما يعيد الامل بل" تحت" ولكن لا شك يحبط في ما يتعالق باللي فوق.
ولكن المسالة الاهم التي اردت ان اثير لها الانتباه, هي ان الخوف من الاسلاميين ليس مبرر لرفض التغيير الديمقراطي, الكثير من " العلمانيين" يدعون الى ديمقراطية مفصلة على مقاسهم, يريدون الديمقراطية ولكن بشرط ان تكون من دون الاسلاميين!!! ويبدأ سيل الاتهامات ويقولون انهم لا يثقون بالاسلاميين, ولكن اليس من حق الطرف الاخر المقابل ايضا ان لايثق بهم, اليس من حقهم ان لا يثقوا بالشيوعيين وكل العالم يعرف ذلك النموذج الذي بنوه كان اكثر بشاعة من طالبان نفسها, الا يحق لهم ان لا يثقوا بعبد الناصر والناصريين, الا يحق لهم ان لا يثقوا بالبعث, ولكن هل هناك من بديل اخر غير ان تجتمع هذه الاطراف كلها على نفس الطاولة لتصيغ مشروع بالتوافق فيما بينها يجنب البلاد والعباد مخاطر الحروب الاهلية ويساهم في تجريد التيارات الاسلامية المتطرفة من قواها بدل من ان نقوم بدعمها عن طريق رفض التيارات الاسلامية المعتدلة.
!!!.
ثم هل حولنا العلمانية شعار نرفعه يهدف الى حذف الدين من المجتمع !! اليست الدولة الديمقراطية العلمانية تقوم بضمان حق الافراد في المجتمع بتشيكيل الاحزاب السياسية طالما انها لا تدعو للعنف, هل يحق للعلمانيين ان يمنعوا تشكيل احزاب سياسية بحجة انها ترتكز على مرجعية دينية؟؟
الرعب الذي كان يمثله الحزب الشيوعي في اسبانيا ليس باقل من الرعب الذي تمثله هذه الاحزاب الاسلامية, وادولفو سواريث كان يدرك جيدا ان الترخيص للحزب كان من المحتل ان يثير الجيش ويدفعه للتحرك وتدمير كل محاولات سواريث, ولكنه بالمقابل كان يدرك جيدا ان الانتقال الى الديمقراطية لا يمكن ان يكون بدون فصيل سياسي معين( الحزب الشيوعي) لذلك مضى في نهج رغم المخاطر الكبرى التي كانت تهدده.
هل لنا ان نستفيد من تجربة سواريث ونفهم ان الطريق الى الديمقراطية دائما محفوف بالمخاطر, ولكن لا بد من السير فيه. ثم يا ترى ماذا كان سيفعل سواريث لو انه كان زعيما عربيا عليه ان يواجه خطر التيارات الاسلامية, هل كان سيتراجع عن نهجه !!!.
_______________________
* la semana santa عيد ديني مقدس في اسبانيا.
#ابو_حيان_التوحيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟