|
نقد الإستراتيجية التفاوضية وخطاب اليسار الفلسطيني
تامر حنا الزعمط
الحوار المتمدن-العدد: 4914 - 2015 / 9 / 3 - 14:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
نقد الإستراتيجية التفاوضية وخطاب اليسار الفلسطيني
تدّعي هذه المقالة أنّ الإستراتيجية التفاوضية لمنظمة التحرير الفلسطينية لم تُحقّق ما هو مطلوب منها ولن تُحقّق ما دام هناك إعتماد على التفاوض من موقع الضعف دون إستخدام إستراتيجيات أخرى تدعم إستراتيجية التفاوض، كما وعملت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على تقديم تنازلات مُستمرة عن حقوق الشعب الفلسطينية وأرضه التاريخية، وغاب اليسار الفلسطيني عن المشهد الفلسطيني ولم يقف سدّاً مانعاً أمام عملية المفاوضات منذ بدايتها.
تبنّت منظمة التحرير الفلسطينية عند تأسيسها خطاب المقاومة وتحرير كامل التُراب الفلسطيني ورفضت التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين التاريخية، إلا أنّ هذا الخطاب تغيّر وتحوّل تدريجياً عبر عدّة مراحل، وأصبح خيار التسوية السلمية مع دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي الخيار الوحيد الذي تتبنّاه منظمة التحرير رغم إثبات عجز هذا الخيار في كل محطّة من محطّات التفاوض. وتنازلت منظمة التحرير، التي تُسيطر عليها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، عن الأراضي التي إحتلتها وإستعمرتها إسرائيل في العام 1948، ما ترتّب على ذلك تنازل منظمة التحرير عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شُرِّدوا في ذلك العام بعد إستعمار إسرائيل لأراضيهم وبيوتهم، هذا فضلاً عن تنازلات عديدة قدّمتها منظمة التحرير لها علاقة بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بحيث تمّ تتويجها بتوقيع إتفاق أوسلو في العام 1993 بين منظمة التحرير وإسرائيل، الذي ترتّب عليه قيام سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن بدون أي سلطة أو سيطرة فعلية على تلك المناطق، وبقيت السيطرة الإسرائيلية الإستعمارية هي العنوان الأبرز، وتجسّد ذلك بحصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله في الإنتفاضة الثانية، ما يُدلّل على غياب السلطة والسيطرة التي تتوهّم بها السلطة الفلسطينية، فتوهم الشعب بها، ولكن في الواقع لا تملك أي سيطرة، حيث أنّ إتفاق أوسلو في العام 1993 فرض على السلطة الفلسطينية الناشئة ظروف سياسية وإقتصادية وإجتماعية مُعيّنة كان يُمكن تفاديها وعدم الموافقة على توقيع هذا الإتفاق الذي أضرّ بالحركة الوطنية الفلسطينية، وأدخل منظمة التحرير في مفاوضات عبثية لم تُحقّق الحرية والإستقلال والتخلص من المستعمِر، بل على العكس من ذلك، ثبّتت إسرائيل أقدامها على الأرض الفلسطينية، وخلقت واقعاً جديداً فُرض بالقوّة العسكرية عبر المغتصبات الإسرائيلية وتهويد المدن الفلسطينية التي إستعمرتها إسرائيل في العام 1948، مثل حيفا وعكا ويافا والناصرة واللد والرملة وعسقلان وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية التي تُعاني من الإستعمار الإسرائيلي ووحشيته. وبذا، فإنّ إتفاق أوسلو جاء ليخلق خطاباً جديداً عبر السلطة الفلسطينية، بحيث باتت هذه السلطة جزء من المنظومة الإستعمارية الإسرائيلية، فتقوم بتلبية الإحتياجات اليومية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يُخفّف العبئ الواقع على الإحتلال الإسرائيلي. وبالتالي فقد كان دخول منظمة التحرير في مفاوضات مع إسرائيل فُرصة لهذه الدولة المستعمِرة لكي تفرض وبالقوّة، وخاصة القوّة العكسرية، مختلف الشروط الإسرائيلية، وتُملي على السلطة الفلسطينية الشروط التي تُريدها عبر ضغوط أمريكية. وقد تشكّلت، عبر إتفاقية أوسلو، طبقة جديدة مُستفيدة من هذا الإستعمار وتحصل من خلاله على إمتيازات عديدة يجعلها تُدافع بكل قوّتها عن هذا الإتفاق، فشكّلت خطاباً جديداً سلمياً تجاه المستعمِر الإسرائيلي، وباتت تتعامل معه على أنّه واقع موجود لا يجب التخلص منه، بل أنّه يجب التعايش مع هذه الدولة المستعمِرة جنباً إلى جنب، وكأنّها دولة لا تستعمِر أرض فلسطين التاريخية وتقتُل الفلسطينيين وتُشرِّدهم وتهدم بيوتهم وتعتقلهم وتمنعهم من حرية التنقّل ومُمارسة شعائرهم الدينية. وقد تميّز النظام السياسي الفلسطيني بسيطرة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" عليه والتفرُّد في إتّخاذ القرارات في الكثير من المحطّات. كما وشكّلت منظمة التحرير الفلسطينية، التي سيطرت عليها حركة "فتح" منذ سنوات طويلة، غطاءً لمختلف القرارات التي أرادت حركة "فتح" وحُلفائها إتّخاذها، وإنتهكت القوانين الخاصة بهذه المؤسسة، وتمّ إتّخاذ قرارات تحوم حولها الشكوك في محطّات سياسية هامة في تاريخ القضية الفلسطينية، ومن الضروري أن تتحمّل كل جهة مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه الذ ي يُعاني من سيطرة فئة مُستفيدة من سياسات الإحتلال، فتخلق وعياً زائفاً لدى جزء كبير من الجماهير بأنّها تعمل لمصلحة فلسطين وقضيتها، ولكن في حقيقة الأمر نرى بأنّه، ومنذ توقيع إتفاق أوسلو على وجه الخصوص، بدأت غالبية الأحزاب السياسية تتّجه نحو تغليب المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية، وبالتالي من الضروري كشف ما هو مستور ومُحاسبة كل من كان له علاقة بالتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ومن قام بإتّخاذ قرارات كان لها علاقة بتلك التنازلات، حيث كانت أغلبية القرارات تحوم حولها الشكوك نظراً لعدم مصداقيتها ومُمارسة أساليب الترهيب والترغيب من أجل تمرير قرارات مُعيّنة تخدم مصالح خاصة. وتأتي ضرورة هذه المحاسبة من أجل تشكيل قوّة ردع من شأنها منع التجاوزات والتنازلات التي أضرّت بالقضية الفلسطينية وأوصلتها إلى ما هي عليه، وبالتالي فالمحاسبة يجب أن تتم بشكل صارم مع من أهان القضية الفلسطينية. وأثارت مسألة عدم وجود من يقف أمام كل القرارات والتجاوزات المصيرية التي تتعلّق بالوجود الفلسطيني، رغم مُعارضة بعض أحزاب اليسار لتلك العملية، وخصوصاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الدهشة لعدم قُدرتها على منع تمرير قرارات مصيرية، مثل تلك المتعلّقة بالمحطّات السياسية المفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، وخاصة البرنامج المرحلي أو مشروع السلطة الفلسطينية في العام 1974 ووثيقة إعلان الإستقلال في العام 1988 ومؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 وإتفاق أوسلو في العام 1993 وما لحق أوسلو وتبعها من إتفاقيات سياسية وإقتصادية ربطت كل حقوق الشعب الفلسطيني برحمة الإستعمار الإسرائيلي ورغباته وأهوائه، فكان من المثير للإهتمام رصد خطاب اليسار الفلسطيني وردود أفعاله ومُمارساته السياسية في تلك المحطّات السياسية المفصلية التي مرّت بها الحركة الوطنية الفلسطينية، والتي على الرغم من جدّيتها في عدّة محطّات، إلا أنّها لم ترقى إلى المستوى المطلوب، ولم تُشكّل الإنسحابات المتكرّرة وتجميد العُضوية من منظمة التحرير الفلسطينية بالنسبة لبعض الأحزاب اليسارية، وخصوصاً الجبهة الشعبية، رادعاً قوياً في وجه الخطاب الذي يُنادي بالتسوية السياسية مع دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي، والذي تبنّته حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، إلى جانب أحزاب أخرى يسارية وغير يسارية. ويبدو أنّ تشتّت أحزاب اليسار بين مؤيد للتسوية السياسية ومُعارض لها، أضعف من قوّة اليسار الفلسطيني وخطابه، فلم يكُن مؤثراً وفاعلاً بالشكل الذي يرقى إلى وقف المخطّطات الهادفة إلى تسوية سياسية مع إسرائيل. ويُمكن إعتبار خطاب التسوية السياسية خطاباً مُستسلماً يُدخل الشك والإنهزام في نفوس الشعب الفلسطيني، فيخلق خطاباً إنهزامياً يُمكن تلمّسه بين جزء كبير من الشعب الفلسطيني، فيُردّدون خطاب السلطة ولا يعتقدون بأنّهم يملكون القُدرة على مُقاومة الإستعمار والتحرّر منه بأي وسيلة كانت. ومن هنا، كان لا بدّ من تشكيل خطاب مُضاد لخطاب التسوية السلمية، فكان اليسار الفلسطيني جزء من هذا الخطاب المضاد قبل إتفاق أوسلو في العام 1993، وكان اليسار يحاول دائماً تشكيل خطاب يُنادي بالمقاومة والتحرّر بكافة الوسائل، وعدم الإقتصار على نهج المفاوضات التي أثبتت عُقمها منذ بدايتها. ومع إنهيار الإتحاد السوفييتي والمعسكر الإشتراكي في بداية التسعينيات، ومن ثمّ توقيع إتفاق أوسلو في العام 1993 ودخول السلطة الفلسطينية ومُمارستها للقمع والإعتقال السياسي بحق المناضلين الفلسطينيين الذي شمل أيضاً نُشطاء ومُقاومين من اليسار الفلسطيني؛ دخل اليسار في أزمة كبيرة وأضعفت من خطابه، ولم يعُد يستقطب الشباب الفلسطيني كما كان عليه الحال من قبل، ولم يخرُج من هذه الأزمة حتى لحظة كتابة سُطور هذه الدراسة، وسيطر المشهد الإسلامي عبر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي، على الخطاب التحرّري الذي يتبنّى الكفاح المسلّح، وغاب اليسار عن المشهد الفلسطيني، ولم يعُد يُحسب له أي حساب. وعلى الرغم من مُشاركة بعض أحزاب اليسار في مُقاومة الإستعمار الإسرائيلي وعدوانه على قطاع غزة في العام 2014 من خلال كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وغيرها من الأحزاب، إلا أنّ ذلك لا يمنع من القول بأنّ اليسار يغيب عن المشهد الفلسطيني ولا يحتل موقعاً مؤثراً يستطيع من خلاله أن يُغيّر قواعد اللعبة التي إنحصرت بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" و"حماس". وبذا، كان على اليسار الفلسطيني أن يُشكّل خطاباً بديلاً مُتمايزاً عن حركتَي "فتح" و"حماس"، ويخرُج من دائرة الإتهامات والمناحرات بين الحركتين. ففي العدوان الإستعماري الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014، وخلال المفاوضات التي جرت بين الفصائل الفلسطينية ودولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي في القاهرة، يتبيّن مدى الأزمة التي يمرّ بها اليسار وعدم فاعليته التي كان يتميّز بها في السبعينيات من القرن العشرين عندما كان ذات تأثير بارز في الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال عملياته النوعية التي أربكت العدو الإسرائيلي والعالم أجمع، وخصوصاً من خلال خطف الطائرات التي كان يُنفّذها مُقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بإشراف القائد وديع حداد، فأظهرت تلك العمليات للعالم بأنّ هنالك شعباً يرزح تحت الإستعمار ويُطالب بحقوقه وحريته؛ وتصدّر مشهد المفاوضات خلال الحرب على قطاع غزة وبعده كل من: حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، المشهد السياسي دون أن يكون لليسار الفلسطيني مكاناً مُميّزاً أو ثقلاً، ما يعكس الأزمة التي يمرّ بها اليسار الفلسطيني في ظل سيطرة "فتح" و"حماس" على المشهد السياسي وكأنّ اليسار الفلسطيني لم يعُد موجوداً وليس له تأثير فاعل. ويتحمّل اليسار الفلسطيني وقياداته جزء من مسؤولية هذا التراجُع من خلال إنغماسه في قضايا هامشية وتراجُعه عن خطاب التحرير والمقاومة المسلّحة التي تميّز بها في الماضي، وبات الفكر اليساري الفلسطيني يُعاني من غياب الإبداع والتجديد، وأصبح وكأنّه فكراً دينياً مُتحجّراً لا يطرأ عليه المراجعة والتغيير، حيث من المفترض أن يكون الفكر اليساري مُتجدّداً يستطيع أن يتكيّف مع مختلف الظروف المحيطة به وإلا سوف يندثر وتغيب فاعليته وتأثيره كما هو الحال بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات، حيث دخل اليسار العالمي بشكل عام واليسار الفلسطيني بشكل خاص، أزمة على المستوى الفكري أثّرت على مكانته في الحركة الوطنية الفلسطينية، وبات دوره محصوراً في قضايا هامشية تتعلّق بقضايا حقوق الإنسان والمرأة عبر منظمات غير حكومية "NGO’S" إنغمس فيها مختلف قيادات اليسار الفلسطيني وإبتعدوا عن الخطاب التحرّري الذي يقوم على الكفاح المسلّح ومُطاردة العدو في كل مكان، دون النظر إلى خصوصية المجتمع الفلسطيني المستعمَر الذي هو بأمسّ الحاجة إلى الخطاب الذي يتبنّى تحرير فلسطين من الإستعمار من أجل العيش بكرامة وحرية وبعدها يتم التخلص تدريجياً من مختلف القضايا الأخرى. ويبدو أنّ اليسار الفلسطيني قد إستفاد من الدعم الغربي الذي تتلقاه المنظمات الغير حكومية التي تدعم مشاريع مُعيّنة وأهداف مُحدّدة من أجل تحييد الشعب الفلسطيني وقياداته عن الهدف الأساسي وعن المشروع الوطني الفلسطيني القائم على التحرّر من الإستعمار الإسرائيلي، فتشكّل خطاباً سلمياً تجاه دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي، وباتت غالبية التنظيمات والحركات السياسية الفلسطينية تقبل السلام مع إسرائيل، تلك الدولة التي تُمارس القتل والتهجير والتشريد والفصل العُنصري والإبعاد والتعذيب والإعتقال وهدم البيوت والقرى والمدن، ومع ذلك لا يزال هناك من يُمارس تنسيقاً أمنياً مع إسرائيل عبر السلطة الفلسطينية، ولا يزال هناك من يقف موقف المتفرّج دون أن يُشكّل خطاباً تحرّرياً جديداً ضد خطاب السلطة ومُمارساتها، ما يثير حالة من الدهشة والإستغراب الكبيرين؛ والسؤال هنا: متى سينتفض هذا اليسار من جديد؟ إنّ إستمرار سيطرة السلطة الفلسطينية وإرتباطها بإتفاقيات مع دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي يُبقي اليسار في حالة تشتّت وتراجُع نتيجة السياسات المختلفة التي تُمارسها السلطة الفلسطينية ولا زالت تُمارسها تجاه اليسار الفلسطيني من خلال: تحجيم دوره ومُمارساته وإستخدام أساليب قمعية من قِبَل الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تمنع أيّة محاولة للتغيير أو الإتّجاه لخطاب المقاومة والتي يتم مُمارستها بشكل فردي من قِبَل بعض النُشطاء الفلسطينيين، سواء كانوا من اليسار أو خارج اليسار، وخصوصاً في الضفة الغربية، ممّا يمنع اليسار الفلسطيني من تشكيل خطاب مُضاد لخطاب السلطة الفلسطينية المتمثّل في خطاب الإستسلام والإنهزام. وبذا، لا يُمكن إهمال هذا العامل المؤثر الذي يُشكّل أحد أسباب تراجُع اليسار في الساحة الفلسطينية وغيابه عن المشهد السياسي على الرغم من وجود أسباب وعوامل ذاتية تتعلّق بالفكر اليساري الفلسطيني وأحزاب اليسار، فقد عانى اليسار الفلسطيني، منذ سنوات طويلة، من الإعتقالات السياسية بحقّه، سواء كانت من قِبَل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية أو من قِبَل قوات الإحتلال الإسرائيلي، وبذلك لم يكُن لليسار الفلسطيني مساحة من الحرية من أجل إعادة تنظيم نفسه وترتيب صُفوفه في ظل الحملات الشرسة التي تمّ مُمارستها بحق نُشطاء اليسار الفاعلين، الأمر الذي أنهك الأحزاب بصورة واضحة لا يُمكن إهمالها، فمن الصعوبة أن يتم مواجهة مثل هذه الضغوطات والحملات بدون وجود فكر يساري تحرّري ناضج وخطاباً قوياً يتمكّن من خلاله اليسار تغيير قواعد اللعبة ومواجهة الظروف الصعبة المحيطة به. مُستجدّات العام 2014 وضمن مُستجدّات العام 2014، فقد إنتهت جولة المفاوضات التي كانت قد بدأت في تموز من العام 2013، ولم تُحقّق أي تقدّم يُذكر على أي مستوى، وكان التعتيم الإعلامي على هذه الجولة من المفاوضات واضحاً، حيث لم نلحظ تحميل السلطة الفلسطينية أيّة مسؤولية عن فشل المفاوضات وتقديم التنازلات، ولم يكُن الرأي العام حاضراً بقوّة لتشكيل الضغط على السلطة من أجل تقديم أسباب فشل تلك المفاوضات وعدم تمكّنها من تحقيق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية التي لا تقبل التفاوض أصلاً. في المقابل، إستمرّت دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي خلال العام 2014، وخلال جولة المفاوضات التي بدأت منذ تموز من العام 2013 ولغاية نيسان من العام 2014، فرض الوقائع على الأرض من خلال التوسّع في بناء المستوطنات ومُصادرة الأراضي وهدم البيوت وتشريد الناس وقتلهم وإعتقالهم وتشديد الحصار عليهم ومنعهم من التحرّك بحُرية، وبالتالي لم تُقدّم جولة المفاوضات هذه أيّة تطور ملحوظ ولم تُحقّق سوى المزيد من الإنتهاكات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل. ويستمر اليسار الفلسطيني في عُزلته وعدم حشده للجماهير من أجل تشكيل الضغط المطلوب على السلطة الفلسطينية لوقف المفاوضات أو لتقديم المعلومات الخاصة بهذه الجولة من المفاوضات وما جرى خلالها من تنازلات وتطورات والمواقف المختلفة التي تمّ طرحها من جانب الفريق المفاوض من منظمة التحرير الفلسطينية والردود الإسرائيلية على تلك المواقف. وبذا، فإنّ التعتيم الإعلامي وعدم تقديم معلومات عمّا حصل في جولات المفاوضات، يُقلّل من الضغوطات على حكومة الإحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي، ما يُتيح لإسرائيل مواصلة إنتهاكاتها وتغييرها للوقائع على الأرض وفرض سياساتها المختلفة بالقوّة العسكرية. وقد شهد العام 2014 أحداثاً هامة غاب عنها اليسار الفلسطيني ولم يكُن فاعلاً ولم يأخذ دوراً بارزاً في الساحة الفلسطينية، وكأنّه لم يعُد هناك يساراً فلسطينياً، وهو أمر لم نعهده من اليسار صاحب الفكر الثوري التحرّري الذي يتطلّع إلى التخلص من كافة أشكال الإستعمار. فعلى سبيل المثال، رغم الأحداث الهامة التي شهدها العام 2014، بداية من توقف المفاوضات في شهر نيسان دون أي تقدّم يُذكر، إلى العدوان الإستعماري الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى الإعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والأراضي التي إحتلتها دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي في العام 1948، إلى المقاومة الفردية في وجه المستعمِر الإسرائيلي والمستوطنين المغتصبين للأرض الفلسطينية؛ إلا أنّها لم تشهد أي تنظيم جماعي من أي من الأحزاب الفلسطينية، وكانت عبارة عن حوادث فردية عبر عمليات الدهس والطعن من شُبّان إنفجروا في وجه الغطرسة الإسرائيلية والإنتهاكات المتكرّرة. كما أنّه ومع كل ذلك، لم نشهد تحرّكاً واسعاً من اليسار الفلسطيني لمساندة هذا النوع من المقاومة الذي أربك الإحتلال الإسرائيلي وأثار الرُعب في نفوس الإسرائيليين بعد إظهار البسالة الفلسطينية والنضال بمختلف الوسائل المتاحة رغم القيود المفروضة على الشعب الفلسطيني والحصار الخانق، إلا أنّ هذا الشعب أظهر قُدرته على إبتكار أساليب جديدة للنضال أثبتت فاعليتها أكثر من عشرين عام من المفاوضات وتُحقّق نتائج ملموسة وتُظهر بأنّ هناك شعباً لم يستسلم بعد رغم إستسلام القيادات وإنهزامهم. وفي الوقت الذي أظهر فيه الفلسطينيون قُدرتهم على إبتكار أساليب مُقاومة جديدة وفاعلة، لم تتمكّن الأحزاب الفلسطينية، أو لا تُريد، وخصوصاً الأحزاب اليسارية، من جعل هذه المقاومة تحت إطار تنظيمي يمتلك الوسائل التي تُمكّنه من الـتأثير بشكل أكثر فعالية. كما وشهد نهاية العام 2014 إستشهاد الوزير الفلسطيني زياد أبو عين على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي أثناء مسيرة سلمية في بلدة ترمسعيا في رام الله ضد مُصادرة الأراضي، إلا أنّ جنود الإحتلال تصدّوا لهم وإعتدوا على المتظاهرين، ما أدّى إلى إستشهاد رمز من رموز المقاومة الشعبية السلمية، حيث يشغل أبو عين منصب مسؤول هيئة مُقاومة الجدار والإستيطان. ومع أنّ الوزير أبو عين يُمثّل السلطة الفلسطينية، إلا أنّ ردود الفعل من قِبَل السلطة على إستشهاده إقتصرت على تصريحات بائسة لا تمتّ إلى الواقع بأيّة صلة، فقد أعلنت السلطة فور إستشهاد أبو عين وقف التنسيق الأمني مع دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي، إلا أنّ ذلك لم يكُن سوى تصريحات لم يتم تطبيقها بشكل فعلي على أرض الواقع، ولا يزال التنسيق الأمني مُستمراً مع الإحتلال في كل لحظة، ولا زالت السلطة الفلسطينية تخضع لكل ما يتم إملاؤه عليها دون أن تأخذ موقفاً مُستقلّاً ناجماً عن إرادة حقيقية. وعلى الرغم من الإدّعاءات التي تُطلقها السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس عن رغبتهم في التوجّه إلى المنظمات الدولية بهدف مُحاكمة دولة الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي على جرائمها المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنّ ذلك لم يحصل بشكل فعلي، ما يُثير حالة من الإستغراب في عدم توجّههم بشكل فوري طالما أنّهم تخلّوا عن خطاب الكفاح المسلّح ومُقاومة الإستعمار. كما لم يُحاول اليسار الفلسطيني تشكيل ضغط فاعل من أجل حثّ السلطة الفلسطينية على هذا التوجّه، وخصوصاً التوجّه نحو محكمة الجنايات الدولية، وذلك من أجل مُحاكمة قادة الإحتلال الإسرائيلي الذين يُعتبرون مُجرمي حرب يجب مُحاكمتهم وردعهم بشكل فوري لا يقبل أي إنتظار.
#تامر_حنا_الزعمط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
5 قتلى و200 جريح.. أحدث حصيلة لضحايا هجوم الدهس بألمانيا
-
من هو السعودي المشتبه به في هجوم الدهس بألمانيا؟ إليكم التفا
...
-
مراسل CNN في مكان سقوط الصاروخ الحوثي في تل أبيب.. ويُظهر ما
...
-
المغنية إليانا: عن هويتها الفلسطينية، تعاونها مع كولدبلاي، و
...
-
هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار
...
-
ناقد للإسلام ومتعاطف مع -البديل-.. منفذ هجوم ماغديبورغ بألما
...
-
القيادة العامة في سوريا تكلف أسعد حسن الشيباني بحقيبة الخارج
...
-
الجيش اللبناني يتسلم مواقع فصائل فلسطينية في البقاع الغربي
-
صحة غزة: حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي بلغت 45.227 شخصا منذ بد
...
-
إدانات عربية ودولية لحادثة الدهس بألمانيا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|