خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4914 - 2015 / 9 / 3 - 13:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ومن باب تبرير سياسات المنظومة السياسية والتي ينتمي لها الكاتب فهد ياسين وهي الاسلام السياسي, فهو يحلل تواصل رموزها مع إيرن وفي الحين ذاته يحرم ذلك على التيار الصوفي الاسلامي قائلا "ومن باب الإنصاف لتلك الزيارة من الشيخ محمد معلم (رحمه الله)، يمكن وضعها في خانة جذب الثورة الإسلامية الإيرانية للقيادات الدينية والفكرية بغرض التواصل مع العالم الإسلامي لا أكثر، وبالتالي، تمت كغيرها من الزيارات التي كان يقوم بها مشايخ كُثُر من العالم العربي والإسلامي إلى طهران، وربما كان الشيخ محمد معلم، من المعجبين بالثورة الإسلامية الإيرانية في جوانبها السياسية والفكرية".(1) ترى لماذا يستبعد إمكانية التقارب بين جماعة آل الشيخ والتي ترأسها الشيخ محمد معلم, مع إيران؟
وفي المقابل التصميم على خلق قواسم مشتركة بين الجماعات الصوفية الصومالية وإيران, المسألة وما ورائها أن جماعة الشيخ الراحل وجماعة الكاتب ممثلين في تنظيم الدم الجديد كلاهما من منبع إخواني مشترك, ناهيك عن أنه عمل عن قرب في التعاون مع جماعة آل شيخ في ظل تجربة المحاكم الإسلامية ومعارضتها لحكومة الرئيس السابق عبدالله يوسف أحمد, فالدافع الذاتي لتجيير الأحداث والتحليل حاضر بقوة من قبل الكاتب.
وفي اطار المواجهة ما بين قوة محلية صومالية وأمريكا في عام 1993 ذكر الكاتب"أثناء القتال الدائر بين الجنرال محمد فارح عيديد وقوات إعادة الأمل بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في مقديشو، كانت إيران تطلق تصريحات تقدم الدعم المعنوي لـ"محمد فارح عيديد"، كغيرهم، مثل القائد الليبي معمر القذافي، بالإضافة إلى أن السفارة الصومالية في طهران كانت مفتوحة ولا تزال، كمثيلاتها في دول العالم العربي والإسلامي".(2)
وفي حين كان اللواء محمد فارح حسن(عيديد), صريحا في مواجهته للولايات المتحدة الأمريكية حينما تصادمت مصالحه السياسية معها ووقف بعض الصوفية معه بوضوح من منظور قبلي أو الاستقواء به, إلى أن تنظيم الكاتب السابق ممثلا في حركة الاصلاح الإخوانية كان قد أخذ دور مهادنة الولايات المتحدة رغم أن أدبياته في ذات القطيعة مع واشنطن, ولم يجد التنظيم فيما بعد حرجا من تسليم الأخيرة علمها المفقود في الصومال عام 1993, وبتالي فإن موقف الصوفية التي وقفت مع الجنرال عيديد كانوا أكثر إنسجاما مع رؤيتهم.
أكذوبة تمرير أنه"بشكل مفاجئ، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بزغ فجر المحاكم الإسلامية، وسيطرتها على الجنوب، ما عدا منطقتين كانتا مقرًّا للحكومة الصومالية المؤقتة، وتمكنت من فرض أجندة سياسية ذات طابع إسلامي على الواقع السياسي".(3) والقول أن المحاكم الإسلامية قد ظهرت بشكل مفاجئ لا يتماشى مع الموضوعية, فلا يمكن أن تظهر قوة غير منظمة فجاءة ومن العدم لاسيما وأن الوقائع التاريخية قد أكدت أن تلك المحاكم جاءت من رحم قوى الاسلام السياسي والتي كانت حاضرة بقوة على الأرض وكانت تتماهى مع سير الأحداث بصورة مدروسة, ولم تظهر من العدم أو أن حالة عاطفة مفاجئة ما أو حدث عابر كان قد أدى إلى ظهورها فجاءة, خاصة وأن ما عرف بالمحاكم الإسلامية ظلت متواجدة قبل صدامهم المسلح مع تسعة من أمراء قبائل الحرب في مدينة مقديشو عام 2005, وشكلت المحاكم الإسلامية قبل ذلك الصدام المسلح كتجمعات مسلحة احتفظت بها قوى الإسلام السياسي لمواجهة خصومها عند الحاجة, وقد وقفت محمكة إيفكا حلني والتي كان قاد ميليشياتها المتطرف الإرهابي آدم حاشي عيرو وعمل على ممارسة مهام الإغتيالات للعديد من كبار ضباط الجيش الصومالي في مدينة مقديشو والذين عملوا ضمن اطار حكومة الرئيس السابق عبدالقاسم صلاد حسن الإنتقالية, وغيرهم من فعاليات منظمات المجتمع المدني الصومالي, ناهيك عن الرموز العسكرية العاملين مع أمراء قبائل الحرب في مقديشو, وهو ما كان قد أدى إلى استنفار هؤلاء وتوحدهم لمواجهة الإستهداف الذي تصدره آدم حاشي عيرو وجماعته المرتبطة بتنظيم القاعدة في الصومال, كما قامت تلك المحكمة بنبش قبور الإيطاليين في مدينة مقديشو عام 2005 كمحاولة لاستفزاز حكومة عبدالله يوسف والدول الغربية.
حاول الكاتب التأكيد على أن إيران أرادت إيجاد قدم لها في الصومال وعلى أرض الواقع فإن ذلك لم يتم منذ عام إنهيار الدولة الصومالية عام 1991 وصولا إلى عام 2011 موعد وصول الإسلام السياسي الصومالي إلى الحكم في الصومال "في أغسطس/آب عام 2011، زار مقديشو وزيرُ الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، والتقى بالرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وذلك أثناء المجاعة التي ضربت الصومال، وأعلن آنذاك بناء مستشفى متكامل ومجهز لتلبية الاحتياجات العلاجية، مع إنشاء مخيم يتسع لألفى نازح، وهي المرة الأولى التي يُسجَّل فيها اهتمام إيراني رسمي".(4)
وتلك الزيارة المشار إليها تؤكد أن إيران أرادت أن تقيم علاقات دولة مع الصومال ومع قوى الإسلام السياسي التي مثلها الرئيس الصومالي السابق الشيخ شريف الشيخ أحمد, خاصة وأن الأخير منضوي إلى تنظيم إخواني يدعى جماعة آل الشيخ وهو محسوب على الطائفية السياسية السنية في حين أن موقع النظام الإيراني في مربع الطائفية السياسية الشيعية, فما جمع كلاى الاتجاهين الايديولوجيين المتنافرين سياسيا وعقائديا غير المصلحة السياسية؟! وبتالي يستدعي الأمر الاشارة إلى أن إيران أرادت علاقات الدولة مع الصوماليين, ولم تتجه في ظل وجود حالة الفراغ السياسي الحاد في الصومال قبل تلك المرحلة إلى أن تنشى لذاتها جيوب وأتباع سياسيين في بلد ممزق ويتجه فعاليه السياسيين لتحالف مع الشيطان في سبيل الحصول على حضور سياسي ومنافع مالية وعسكرية, ويمكن القول أن الموقف الإيراني الإنساني ذاك هو ما حفز تركيا فيما ما بعد لمحاكاة ذلك الدور.
وعند القول أنه"في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، توجه الوزير الإيراني نفسه إلى مقديشو مرة أخرى، والتقى خلالها الرئيس حسن شيخ محمود، في القصر الرئاسي، وأعلن أثناء مؤتمره الصحفي افتتاح سفارتهم في الصومال بعد أكثر من عقدين من الغياب، وفتح مكتب للهلال الأحمر الإيراني، ومكتب آخر لمؤسسة الامام الخوميني الخيرية. واللافت أن السفارة الإيرانية، وكذلك مقرات مؤسساتهم الخيرية تعمل خارج الأماكن المحصنة أمنيًّا في مقديشو".(5)
فتلك الخطوة لدبلوماسية الإيرانية وفي مرحلة زمنية كانت وتعد متقدمة وفي ظل مرحلة غابت فيها البعثات الدبلوماسية الأجنبية عن الصومال, فالأمر شكل بادرة دعم من إيران إلى الصومال كدولة وقد شكلت تلك الخطوة على المستوى السياسي بحافز فتح المجال للعديد من الدول في أن ترسل مبعوثيها الدبلوماسيين لبلد غادره المجتمع الدولي ولم يبقى فيه سوى ممثلين دبلوماسيين مشبوهين للعقيد معمر القذافي والحكومة الإثيوبية, وإلى سياق الإسلام السياسي السني الطائفي ينتمي الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود عولسو وتنظيمه الإخواني المشهور بالدم الجديد والذي ينتمي إليه الكاتب فهد ياسين وكان الأخير رشح قبل فترة في اطار تشكيل حكومة عمر عبدالرشيد علي الحالية كوزير للإعلام من قبل التنظيم, ورفض الكاتب ذلك العرض نظرا لتقييد العرض لطموحاته الشخصية.
وإذ جاءت اشارة المرور على التعاون بين دولتين والقول "ويعتبر أبرز أوجه التعاون بين البلدين، توقيع اتفاقية تعاون بين برلمانيي البلدين التي تنص على تقديم الطرف الإيراني خدمة طبية مجانية لأعضاء البرلمان الصومالي وعائلاتهم، ولأجل ذلك يتردد كثير من نواب البرلمان وأسرهم إلى إيران، بحجة الرحلة العلاجية".(6)
الاسئلة التي تفرض ذاتها هي لماذا التشكيك في علاقة الدولتين طالما ليست هناك شواهد ومستمسكات تؤكد على سياسة مشبوهة أو عدوانية من قبل إيران تجاه الصومال؟ اليس البرلمانيين المنتفعين من التسهيلات المذكورة هم مجموع النواب الصوماليين؟ وبما فيهم النواب الصوماليين المنضوين في اطار منظومة الإسلام السياسي الطائفي السني ومنهم جماعة الدم الجديد والتي ينتمي إليها الكاتب ذاته؟ وهل هناك نواب صوماليين شيعة في البرلمان الصومالي؟
قطعا إيران دولة تبحت عن مصالحها وترغب في إيجاد قوى خارجية في هيئة دول,جماعات أو أفراد بغض النظر عن دينهم أو مذاهبهم إن كانوا مسلمين, كما جزء أكبر من الحكومة الصومالية عادتا يأتون من داخل دائرة البرلمان وبتالي فإن إيران هنا تتعامل عموما مع النظام السياسي الصومالي المفترض, وفي ظل بلد كصومال تغيب فيه مثل هذه الخدمة الاجتماعية الأساسية, فإن العرض الإيراني منطقي ومبرر ويرفع العبئ المادي عن النواب الصوماليين وأسرهم وذلك في اطار علاقات تعاون بين مؤسسات سيادية لدولتين وبمعزل عن التعامل من تحت الطاولة.
والتخوف من التعاون ومساعدة البرلمان الصومالي "ومن هنا، أصبحت إيران الدولة الأكثر تعاونًا مع أهم سلطة في البلاد، وهي السلطة التشريعية، ولا شك في أن هذا التعاون سيترك آثاره إن عاجلًا أو آجلًا على بعض صُنَّاع القرار في البلد".(7) فالمعلوم أن العقيدة المذهبية الطائفية لأعضاء البرلمان الصومالي هي سنية وفي هذا السياق فإنه ليس ما يمكن المراهنة عليه, أم ظهور استقطاب سياسي فهذا محتمل في حسابات السياسة, إلى أن على النخبة السياسية الصومالية أن تصنع لذاتها عقيدة سياسية واضحة المعالم كما هو ماثل مع أقرانهم الإيرانيين وليس في التوجه لتشكيك لاسيما وأن الكاتب وجماعته لديهم ارتباطات خارجية مشبوهة, وبتالي فإن ما هو ماثل من جماعته السياسية أسوأ من توقعه ذو الصلة بإيران.
وهنا أتجه الكاتب نحو التخمين لاسيما وأنه لم يقدم معطيات مسح أو الاستدلال بحالة شعور جمعي يمكن أخذه على محمل الجد وقائلا "كما تستفيد طهران من التعاطف الشعبي الصومالي مع السياسة الخارجية الإيرانية المناهضة للغرب وخاصة أميركا، واعتبار بعض عامة الناس أن الثورة الإسلامية الإيرانية هي التي تدافع عن القضايا الكبرى للمسلمين، كما يغيب عن الوعي الجمعي الصومالي موقف إيران من الثورات العربية، وما تفعله في العراق وسوريا، رغم أن الصوماليين بشكل عام مع الثورات العربية منذ انطلاقها".(8)
ولم تؤكد هذه الفرضية من قبل الكاتب في صدد أن هناك تعاطف شعبي صومالي تجاه إيران في مقابل مناهضة الغرب أي أثر اجتماعي وسياسي ملموس في ظل الواقع, وأكذوبة أنه يغيب عن الوعي الجمعي الصومالي الموقف الإيراني من الثورات العربية, وفي ظل وجود دلالات واضحة لوقوف الشعب الصومالي مع هذه الثورات, فالصوماليين ضد ممارسات إيران في العراق,سوريا,لبنان واليمن, والكاتب هنا يسئ للمشاعر الصومالية المتضامنة مع هذه الشعوب, حتى يروج لمحاولته في الاستقطاب السياسي النفعي الغير نزيه, بغية الحصول على دعم خارجي لتنظيمه السياسي والرغبة في الاستقواء بالخارج على الخصوم السياسيين والعقائديين ومن أبرزهم الجماعات الصوفية الصومالية وحركة الاصلاح الإخوانية التي أنشقوا عنها تنظيمياً, والرغبة في الحصول على المال السياسي للفوز في إنتخابات الرئاسة القادمة في عام 2016, وتأسيس إدارات إقليمية يتصدرها التنظيم المذكور وبعض حلفائه الإنتفاعيين في البلد, والسعي إلى جر الصومال الممزق إلى مربع الصراعات الإقليمية والدولية القائمة.
الهوامش:
- فهد ياسين,الدور الإيراني في الصومال البحث عن موطئ قدم,مركز الجزيرة لدراسات,18 أغسطس 2015.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟