رام الله – فلسطين المحتلة
قد لا يكون من قبيل المبالغة القول ان الولايات المتحدة اخذت تحقق الكثير مما تريد وترغب من العدوان على العراق حتى قبل ان تبدأ عدوانها الوحشي الذي يتأكد بمرور كل يوم. وإذا جاز لنا الاعلان عن المرتكز القومي في تفكيرنا، وهو مرتكز يغتاظ منه وينفعل لمجرد ذكره القطريون العرب بمختلف مشاربهم، والكثيرين من المثقفين والساسة العرب ولا سيما معارضو النظام العراقي وحكام الاقطار العربية والمثقفين المؤيدين للراسمالية ممثلة في الولايات المتحدة. مختصر القول ان اي عروبي يشارك الاقتناع بأن العدوان على العراق لا يستهدف العراق وحده، بل يستهدف، بآثاره على الاقل، تدمير معنوي للامة العربية بما يؤكد معنى ما قاله المتنبي
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت لك المهابة ما لم تصنع البُهُمُ
فقد بات الكثيرون من المثقفين العراقيين والعرب، خارج العراق بالطبع مرتعبين لمجرد ذكر كلمة الحرب. ويبدو انه مع تقدم كل قطعة حربية من قطع الاعداء، يهرول فريق جديد من المثقفين العرب الى الاستسلام فزعين مولولين ومنادين باستقالة الرئيس العراقي وارتحاله.
وبمعزل عن خلل او صواب هذا المطلب، دعونا نبدأ القول: بالقول ان هذا المطلب غير واقعي لأن الرئيس العراقي لن يفعل هذا، والكل يعرف انه لن يفعل، بمعزل عن الاسباب وبمعزل عن الوقوف معه او ضده. واذا كان هذا الامر ممكناً، في حالة العراق، نكون قد اكشفنا كنزاً، نأسف لتأخرنا في اكنتشافه، وهو ان تغيير الانظمة العربية امر في غاية السهولة، وأن مشكلة الامة العربية في الخمسين سنة الماضية كامنة في عجز حركة الثورة العربية عن التقاط هذا السر الرهيب المتمثل في استعداد الحكام العرب للتنازل إذا ما طُلب ذلك منهم بنوع من التشدد والصرامة!
وعليه، فإن من يتمترس وراء هذا المطلب لحل المشكلة هو كمن يوافق على العدوان ولكنه يبحث عن مبرر مهما كان واهياً. وهذا مشابه لموقف الكثير من المثقفين العرب الذين جاروا كثيرا من الحكومات العربية في تأييد العدوان السابق على العراق متذرعين بمشكلة الكويت ورافضين لحقيقة ان هدف الولايات المتحدة هو احتلال العراق، وإذا كان ذلك صعباً فليكن تدميره وخدمة الدولة الصهيونية الاشكنازية.
لعله من المؤسف القول مرة تلو أخرى، انه بقدر كون الانظمة السياسية الحاكمة في الوطن العربي خاصرة ضعيفة في جسد الامة، فإن الكثير من المثقفين العرب هم ايضا خاصرة ضعيفة، وضعفها أخطر من الخاصرة الممثلة في الانظمة لأن من المفترض ان يكون المثقفون مصباحا يضيىء ظلمة الطريق امام الجماهير، لا ان يكونوا مصباحا يضيى طريق العدو الى ذاكرة الامة ليولج فيها جرثومة استدخال الهزيمة.
قد يكون وزير خارجية قطر، رغم تصريحاته المهرولة الى حد تطوعي، وهذا مثير للاستغراب، قد يكون هذا الرجل أكثر صدقا من الكثير من المثقفين العرب والعراقيين ايضا الذين كان قسم منهم قد ناضل في صفوف حركة الثورة العربية بتعدد اطيافها. فوزير خارجية قطر طالما أكد ان الانظمة العربية لا يمكنها منع امريكا وبريطانيا من العدوان على العراق. إذن "طيَّب الله الانفاس ايها النظام الرسمي العربي". إن ما لديك هو إقرار بالضعف ، بغض النظر عن صدق المقال، وبالتالي لا اعتراض على قرار امريكا ولا رادَّ له. او كما قال النابغة الذبياني:
نُبِّئت ان ابا قابوس اوعدني ولا اعتراض على رأي من الأسدِ
اذن لماذا لا يقول المثقفون العرب المؤيدون للعدوان، بغض النظر عن الوانهم، بأنهم إنما يدورون في فلك الموقف الاميركي. إنهم يبحثون عن طريق لتمرير المطلب الاميركي بل السياسة الاميركية في المنطقة، والتي لا تستهدف شخص الرئيس صدام حسين. لا بل ان معارضي النظام العراقي هم اكثر من اتهمه بأنه كان "حليفا، لا بل أداة للولايات المتحدة". وإذا كان الرجل كذلك، والله أعلم، فإنه وبحسب مقياسهم، يمكن أن يُعاد الى الحظيرة الاميركية. أليس هذا داب السياسة؟
فلا يجوز لهؤلاء الناس ان يتهموا الرجل ذات يوم بأنه أداة اميركية، وان يصلوا في يوم آخر الى استحالة حصول تسوية بينه وبين اميركا، وبالتالي، فإنه لتجنب تدمير العراق لا بد ان يرحل الرئيس وكأن المشكلة ليست اكبر من حالة قتل بين قبيلتين، وأن قبيلة القتيل تريد تحديداً راس القاتل!
لا يجوز لمعارضي النظام العراقي، باستثناء من يعلنون انهم حلفاء للولايات المتحدة، ولا نريد استخدام عبارات أكثر وضوحا من هذه، لا يجوز لهؤلاء ان يغلقوا اعينهم عن ان الحرب ضد العراق تستهدف دائما امرين:
ـ خدمة الدولة الصهيونية الاشكنازية
ـ ووضع اليد على مخزون النفط وصولا الى احتكار توزيع مخزون النفط العالمي.
هذا هو هدف امبراطورية العولمة. ولا يمكن لامبراطورية العولمة ان يكون افقها صغير الى درجة الاصرار على حرب تخلع رجلا وحسب. ترى من أكد لهؤلاء المثقفين ان الولايات المتحدة سوف تكتفي بخلع الرجل؟ اليس طرح الامور على هذا النحو او بما يوحي به سوى استخفاف بعقل الناس؟
ومرة ثانية، طالما ان ما تريده الولايات المتحدة هو العراق كله، وليس نفطه فقط، وخدمة الدولة الصهيونية الاشكنازية، ولا إخال احدا من المثقفين العراقيين والعرب عامة لا يدرك هذا، يصبح امام الرئيس العراقي ونظام الحكم هناك بأكمله ان يختار بين امرين احلاهما مرُّ:
ـ فإما تسليم العراق للاعداء كي ينهبوه بلا مقاومة
ـ وإما مقاومة شريفة بقدر الامكان لأنها تحمل في طياتها بذور استمرار المقاومة الشعبية الى حين إبادة الاحتلال. فدخول الاحتلال بعد مقاومة، يجعل طرده اسرع من دخوله على ارضية الاستسلام. وحبذا لو يقرأ العراقيون الموجودون في المنفى، ولا سيما الذين في فرنسا تاريخ "كميونة باريس" حيث قاوم الكميونيون اعدائهم حتى استشهدوا وهم يعلمون ذلك سلفاً.
ارجو ان لا يأ خذ للنظام العراقي من قرار القيادة الفلسطينية بالارتحال من بيروت 1982 "اسوة".
وعليه، دعونا نضع الامور على حقيقتها أكثر من ذي قبل. فليس حلفاء امريكا من المثقفين العراقيين وحدهم الذين يعلمون بأن النظام العراق ليس ديمقراطياً، وانه نظا م ديكتاتوري. وليسوا هم وحدهم ومعهم المعارضون العراقيون الذين لا يرتبطون بامريكا، او لا يعلنون ذلك صراحة، ولكنهم يتمنون ان تفعلها امريكا، ليس هؤلاء وحدهم الذين يعرفون ان هذا النظام ليس ديمقراطياً. كما انني لا اريد ان أوسع الحديث عن عدم ديمقراطية الانظمة العربية والعديد من الانظمة في العالم.
ولكن، من الغريب، ان مثقفين عراقيين ومعهم ولا شك تجار وراسماليين كمبرادور...الخ وحدهم في العالم الذين يريدون التخلص من نظام بلادهم بوضعها تحت احتلال اكثر جيوش العالم وحشية؟. وكأنهم يقولون ليذهب صدام حسين حتى لو مات العراق!
وباعتقادنا ان حذرا كبيرا مطلوب من قبل المثقفين الشرفاء عراقيين وغير عراقيين في هذه اللحظة بالذات بحيث لا يتورطوا في تاييد احتلال العراق من حيث لا يشعرون، او ربما لأنهم اخطأوا للحظة اذا تورطوا في الاعلان عن تاييد العدوان.
ليس المطلوب ان يدافعوا عن النظام، ولكن عليهم الاقرار اخلاقيا على الاقل بالقول ان دور الولايات المتحدة عدواني وتتري وخطير، وبالتالي عليهم الوقوف ضده بالكلمة على الأقل. أما اذا كان هؤلاء على قناعة بأن امريكا سوف تعتدي، وأنها سوف تدخل العراق، وعليه، فإنهم بانتهازية غير معلنة يطمحون في الحصول على حسن سلوك من العدو الاميركي او ممن سينصبه ظلا له في العراق، فهذا أمر آخر. وعلى الأقل على المثقفين العرب الذين ليست لهم مصلحة انتهازية في موقع او مصلحة او حسن سلوك في العراق ان لا يسقطوا في أُحبولة مقايضة عدم ديمقراطية النظام العراقي ببيع القطر وربما الوطن العربي باسره.
لقد اعطى الكثير من الساسة والحكام العرب أمثولة في التبعية وقمع الشعب والتجاوز على اهداف الامة وهدر ثرواتها لدرجة جعلتنا نخجل من انفسنا حين نلتقي مثقفين في الخارج، نخجل لأنهم اخذوا يقتنعون بأن الامة باسرها مثل حكامها. فحبذا لو يتجنب المثقفون العرب تأكيد ما قام به الحكام!