|
بين مذكرات محمد حسين يونس ومذكرات الشاذلي- كيف تنهزم مصر وكيف تنتصر
ادوار فؤاد بورى
الحوار المتمدن-العدد: 4912 - 2015 / 9 / 1 - 00:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمة فيما عدا بداهة أن إختيار الكاتب هو السبب في تقديم عملين بالتوازي، يحق لمن سيقرأ هذه السطور أن يتساءل: لماذا هذه المقارنة أو القراءة بالتوازي لمذكرات الأستاذ محمد حسين يونس عن حرب 1967 والتي كتبها في رواية 1خطوات علي الأرض المحبوسة ومذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر 19732. ؟سؤال فعلا في محله: لماذا هذين العملين اللذان يختلفان بأكثر ما يتشابهان؟
الإجابة كلمة واحده…رؤية واضحة….المقصود هنا هو الرجوع لحدثين مؤسسين لحياتنا المعاصرة في مصر تمتد آثارهما لحياتنا اليومية حتي ساعة تاريخه ولكن من خلال عقول مصرية تتفادي التشويش للذي نعيشه ونعاني منه كلنا ويكبل أية مساعي للتطوير. لعل سؤال العالم االعربي الجوهري اليوم هو ما هي دلالات هبات الربيع العربي وماذا بعد؟ لكن هذا سؤال عصي مهما اتسعت خبرة المتصدي للإجابة…التشويش سوف يمنعه لأسباب عديدة !!! ألأحداث لازالت علي المسرح، اللاعبون مازالوا في الساحة وصناع مصيرنا شيمتهم التكتم…وإحتراف تلوين الحقائق…فكيف للعربي أن يشخص وضعه؟! بالمقارنة بأحداث الربيع العربي التي ماتزال وتوابعه جارية؛ حربا 1967 وحرب أكتوبر 1973 مر عليهما تقريبا بالزيادة أو بالنقصان..خمسة وأربعون عاما …والقادة إما في قبورهم أو يقضون فترات إعتزال الحياة العامة علي المعاش. ورغم المسافة الزمنية فهاتين الحربين صدمتا جيل كامل مازال الكثير من شهوده أحياء…وأيضا مازالت آليات قيادة وصنع القرار في مصر والعالم العربي علي حالها يوم زلزلتا الواقع العربي. لم تتغير قواعد اللعبة السياسية بل ولم تتغير آليات صنع القرار…ظباط سابقون في سدة الحكم…تيار إسلام سياسي يمثل المعارضة…حكومات تخفي أكثر ما تبدي ومواطن وان علا صوته لا يفهم كثيرا من أبعاد المواقف وان فهم بعد قراءة؛ تشوهت تشخيصاته وبالتالي إقتراحاته و رؤاه عن العلاج!! تأتي هنا، من وجهة نظري طبعا، دور مثل هاتين الشهادتين….عقلان مصريان وان أختلفا يجمعهما ولع بالسببية والمنهجية. منهجية العسكري الصارم ولكن الذي لا يأخذ الا بالأسباب المباشرة وعقل المثقف الموسوعي القادر من خلال رؤيته للطبيعة البشرية، بادئا من نفسه، منطلقا الي وطنه، علي ايجاد التشخيص والعلاج. حلل يونس الهزيمة…الأحداث..الآثار النفسية…الأسر والعدو..أساليبه..نجاحه وذكاؤه وخداعه وحلل الشاذلي بعملية وبراجاتية هذا الحدث المؤسس..العبور عسكريا. يونس استفاض في شرح ذاته والوطن كإمتداد لهذه الذات..وأستفاض الشاذلي في شرح الوسائل العملية..السلاح..الخطط..ولكنه استفاض أيضا في جرحه الشخصي..في احتقار وطنه له وجرحه لشوفينيته المتمثل في رفض للسادات تنفيذ الخطة التي استمات هذا القائد الفذ حتي باتت واقع متمثلا في خمس فرق مشاة والف دبابة عبروا القناة في 18 ساعة وتحصنوا في رؤوس كباري علي نفس الأرض المحبوسة التي بكاها يونس في مذكراته. سأدعوا القارئ الكريم الي محاولة النظرلما خلف هذين الكتابين شديدي الوضوح في تشخيصهم للحال علي شدة اختلاف كاتبيهما وأساليبهم..دعك من أن الأولي قصة لمثقف موسوعي وأن الثانية مذكرات لقائد فذ حقق نصرا في حرب ولكن نفس الآفات من فوضي الإدارة والمجتمعات سرقت نصره بالدرجة التي حلم بها. انظر الي كيف انهزمت مصر، فشخص يونس الجانب الإنساني لذلك..ثم انظر الي كيف اتتصرت مصر في معركة العبور وكيف دبر الشاذلي ذلك…كيف اعترف بمساعدة الأصدقاء، كيف تعامل مع الواقع العربي ببراجماتية تقترب من السذاجة..سذاجة الحزم وقوة الإرادة..تأمل كيف سرب لنا الشاذلي كواليس السر!.. كيف تدار مصر وكيف تفوز لو أرادت قبل أن تلحقها عيوبها التي شخصها بعمق سابقا المهندس يونس. ولعل من المفيد أيضا وكإثبات علي أن أحوال بلادي بقيت علي ما كانت عليه، تأمل حال الإعلام المصري والعربي وتزييفه للتاريخ ونقد الكاتبين اللاذع له…يونس أبرز كم الكذب والتشويه للحقائق والذي وصل لحد أسطوري صباح 5 يونية 1967 وبذكاء أبرز دور هذا في حيرة جنود المصريين وضباطهم من شخصيات روايته كما أبرز الشاذلي ذلك أيضا وإن كان ذلك في سياق دفاعه عن نفسه ضد فجور أساطين إعلامنا حين يطلقون العنان لحملات التشويه وقلب الحقائق لصالح السلطة لو جرؤ أحد، ولو في مقام الشاذلي، علي أخذ موقف معارض للحاكم. ثابت مجتمعي آخر باق علي حاله رغم إختلاف الظروف..هو تلك الجدلية المستمرة بين علمنة تحليلاتنا الإجتماعية ومحاولات صبغها بصبغة دينية. والحقيقة أن كاتبي العملين، وإن انطلقا في وصفهما لأحداث الستينات و السبعينات للقرن الماضي من نقطة أسميتها أنا الرؤية الواضحة وعقلانية التشخيص..الا أن الأستاذ يونس، والي يومنا هذا، ينادي بعلمنة المجال السياسي والأخذ بالمبادئ العلمية في تفسير الأحداث وإقتراح حلول لها. وعلي النقيض نجد الفريق الشاذلي أنهي حياته مؤيدا لأسلمة أنشطة المجتمع، مشيدا بقتلة السادات عدوه اللدود متحدثا مستفيضا الي إعلاميي قناة الجزيرة التي أضحت المتحدثة بإسم الشاذلي الشارحه لمواقفه….حذار يا قارئي العزيز من القفز للنتائج. لا أظن أن الشاذلي يوم عبر القناة ورغم تفاخره بمنشور ديني وزعه من موقعه كتوجيه من أركان حرب الجيش، انه انتمى أبدا لمشروع الإسلام السياسي! الرجل ظلم ووجد في ألد أعداء النظام السياسي الذى ظلمه متنفسا لإحساسه بالظلم والغضب علي الحملة التي شوهت أهم قائد لنصر أكتوبر وما أقل اتتصارات هذه الأمة!! مرة أخري، ليس المهم التوقف علي انتماء أحد الكاتبين للتيارالمؤمن بالعلمانية وانتماء الآخرلأبواق التيار الإسلامي المهم هو مد الخطوط والتأمل في إستمرار نفس الخطوط المنطقية لأحوالنا من بعد هاتين الحربين افمؤسستنين. عزيزي القارئ…مصر تدار مدنيا وعسكريا بنفس الأسلوب بعد أكثر من أربعين عاما وانسانها بنفس الأمراض منذ خمسة واربعين عاما كما رصد ومازال يرصد الأستاذ يونس. في الكتابين وضوح توقفت عنده كما آمل أن أبرزه من وراء كل الإختلافات. لو أخذنا روشتة يونس للهزيمة وروشتة الشاذلي في النصر المسرووق من وجهة نظره، تكشفت لك حقائق كثيرة عن إدارة وطنك وهزائمة قبل اتتصاراته أملا في غد أفضل.
1- خطوات على الأرض المحبوسة - رواية - طبعة دار الشروق الأولى عام 2008. تأليف الأستاذ محمد حسين يونس. رقم ISBN 978-977-09-2488-6 2- مذكرات حرب أكنوبر 1973 الطبعة الرابعة عام 2003 -إصدار دار بحوث الشرق الأوسط الأمريكية سان فرانسيسكو 2003
2- مذكرات الأستاذ محمد حسين يونس..خطوات علي الأرض المحبوسة
مثقف مصري شامل..مطلع علي العلوم الإنسانية بعمق بجانب مهنته وهي الهندسة. الأسلوب الأدبي هو الأسلوب القصصي حيث المذكرات علي لسان طبيب نفسي تولي علاج هذا الظابط المهندس الملحق بوحدة قتالية في وسط سيناء صبيحة الحدث المؤسس وهو هزيمة 1967. منظور انساني وعملي الي أقصي الدرجات…لم يدخلنا الكاتب في وصف كثير ومنذ بداية الكتاب تتوالي أحداث الحرب…ليست الأحداث موضع تركيز الكاتب بل علي إمتداد الرواية..نسمع عن الحدث ثم يأخنا الكاتب في إستعراض لمردود الأحداث..علي نفسه وعقله أولا ثم علي من حوله من نماذج مصرية يفهمها جيدا. إستدعاء الإحتياط قبل الحرب ببضعة أيام..مؤتمر مع المشير عامر..الضجيج الإعلامي… تحليل المهندس الشاب للأحداث حوله… فوضي في كل اتجاه مصريون من كل اتجاه وانتماء يجمعون للقتال….فوضي منطقية ومع ذلك يستمر في التطلع للنجاح..في الأداء في محاولة البناء علي أساس عقلاني لأسباب للتفاؤل!! النصر ممكن ورغم وضوح الفوضي والتخبط الا أن المشروع الإجتماعي والسياسي لا زال سليم ثم الهجوم الإسرائيلي الكاسح…مزيد من الفوضي..جثث محروقة بقنابل النابالم…لا صمود…ثم قمة أحداث الكتاب وتتابعتها: أسرصاحبنا في عتليت…لم ينسي صاحبنا وصف المكان..الأشجار فلسطين….هذا المعسكر الذي التقي فيه مهنسنا بالعدو…إستمع…فهم واستمر بما يميزه ..وضوح الرؤية، في التشخيص!! القوم اناس يسعون لكل ما يثبتهم في المنطقة..يفهم كل ما حوله..المعسكرات بنظام" الكيبوتز" فيشرح صاحبنا عقيدة معسكرات العمل عند العدو…تحقيقات المخابرات الإسرائيلية وإدراكه لأساليب الحرب النفسية..فيشرح لنا أهداف العدو في غسيل العقول مع إبراز حقائق وإغفال أخري…لكن علي مين؟! صديقنا مثقف واسع..مدرك لحدود النظريات لايفوته ردود أفعال زملاؤه ومن خلفهم ردود أفعال كل المجتمع المصري من خلالهم…بنفس الوضوح وسلامة التشخيص… العقيدة الوطنية إهتزت..مصداقية ناصر إهتزت…ردود أفعال البشر…أنانية..تمسك بطبقية وتعالي فارغ..هوس ديني..كل الأمور يبرزها صاحبنا بوضوح..لكن دون مبالغة..ومع ذلك المعدن المصري ليس بإبتذال المزايدين..بل ما يكرره الأستاذ يونس في كتاباته..روح أبناء كيميت، أقدم دولة مركزية عرفها العالم… ثم الرجوع الي مصر..التفاوت الرهيب في عقلانية الأداء بين مخابرات العدو وغيابه عند مخابراتنا في تحقيقاتها معه… تحقيقات فارغة متعالية..تغفل قناعات هذا الرجل الواسع الإطلاع بينما لا ينسي الرجل أريحية المحقق الإسرائيلي واهنمامه بالمهم فعلا…الرؤي والأراء والقناعات…ثم طامه جديدة: الفساد…مئتي جنيه من أموال الوحده..حافظ عليهم ولم يسرقهم منه العدو بينما أخذوا منه بلا إكتراث من قادته..لا بل تاهوا كما تاه الكثير من المال العام في مصر!!!ا الكاتب لم يفوته انعكسات الهزيمة والأسر عليه..كيف كان وكيف أصبح..لكن وكأنما إحتوي في شخصه الوطن…أسعفته الجمل والزخم الثقافي..أن يطرح الأسباب ومنهاج العلاج… مصر هزمتها فوضتها..تخبطها..شوفينية قادتها..عدم تجانس أفراد مجتمعها لا إقتصاديا ولا علميا وانصراف الكل لنفسه..صاحبنا وحيد وحدة المثقف أي نعم، لكنه قادر تماما علي التخطيط والعمل في المجتمع لمصلحة الجميع بينما زملاؤه الظباط يهمهم الرتب والكرامة الملحقة بالتراتب…حزنوا لحزن الوطن لكن كل فرد منهم لم يخرج من قوقعة ذاته ليشترك في الهم العام… صاحبنا أكبر إنتصار أكتوبر 1973 ولا عجب..لكنه لم يعد قادر علي التفاؤل وحتي يومنا هذا…وكيف يتفاءل ومعه وضوح رؤيته؟!…العيوب مازالت حاضرة بل تقوي…تفسخ مجتمعي….فوضي…عدم قدرة علي العمل الجماعي.. والسياسة بنت المجتمع لازالت كما هي: شوفينية..تسحق الفرد ولا تراعي تفرده فكيف ننتصر؟! نبقي تحت رحمة التاريخ وظروفه والقوي حولنا سواء بقيت أرضنا محبوسة أم تحررت…الرؤية..التشخيص…غياب أسباب العلاج..فكيف الشفاء؟!!
3- مذكرات الفريق الشاذلى .... أو كيف تنتصر مصر
نموذج أدبى مختلف تماما عن مذكرات الأستاذ يونس . ...جنرال مصرى شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية يسرد وقائع هذا الحدث الذى إعتبرناه مؤسسا في التاريخ المصرى المعاصر؛ حرب أكتوبر 1973. الكتاب يغطى كل مراحل التحضير للحرب يتلوا أحداثها لحظة بلحظة ثم الخلاف مع الرئيس السادات والفريق أحمد اسماعيل ثم عزله يوم 12 ديسمبر 1973. وقد أفرد الفريق الشاذلى مساحات كبيره من الكتاب لتفنيد دعاوي معارضيه من أول السادات الي زملائه الجنرالات وحتي المحلل الأعظم لتاريخنا المعاصر الأستاذ محمد حسنين هيكل. والحقيقة أن الفريق الشاذلي رجل واضح الرؤية..منضبط حتي في ترتيب أفكاره منطلق من المسببات الي الأحداث. ..رجل عملي و منطقي تنطق بذلك كل صفحة من كتابه. طرح الكتاب سهل حتي علي غير العسكريين..والنواة الصلبة للمعلومات متفق عليها تقريبا عند كل المؤلفين لكتب في كل الإصدارات التالية علي حرب أكتوبر. ولعله جدير بالإعادة هنا: عمل الجيش المصري في غياب تام للغطاء الجوي. أما حماية صواريخ الدفاع الجوي، الحائط الشهير الذى سمع الكل عنه، لم تتعدي فعاليته مسافة 15 كم شرق القناة مما أدي بالإضافة لطبوغرافية سيناء الي تقسيمها الي ثلاث خطوط طولية..الضفة الشرقية للقناة أو خط رؤوس الكباري…ثم خط الممرات..ممرى متلا و الجدي علي مسافة حوالي 50 كم في عمق سيناء وبطولها وبعده الخط الثالث حتي خط الحدود الشرقية من قطاع غزة شمالا حتي خليج العقبة. ورغم وجود خطط لإستعادة القناة منذ صبيحة الهزيمة في 1967 الا أن إختبار القيادة وقع علي أكثرها عملية وملاءمة لأحوال قواتنا..عبور القناة بخمس فرق مشاة بحمايتهم ومدرعات ملحقة في تقسيم جديد، دفاعي بالأساس، .وإحتلال الخط الأول بعمق 12 كم شرق القتاة تحت حماية الصواريخ المضادة للطائرات. وكان شرط نجاح الخطة، بحسب الفريق، هو التزام الحالة الدفاعية وجر إسرائيل لحرب إستنزاف جديدة ولكن من مواقع شرق القناة يمكن الدفاع عنها ثم المفاوضة السياسية من وضع القوة والتحصين هذا. بترتيب واضح ونفس الإنضباط أوضح الشاذلي كيف تم حل كل المشكلات والعقبات المتعلقة بمعركة العبور والوصول لتأمين رؤوس الكباري…عبور 35 الف جندي بقوارب مطاطبية…المعدات المحمولة…تذليل العقبات الإدارية…هدم الساتر الترابي بمدافع المياة…إقامة الكباري وعبور حتي الف مدرعة واتخاذها مواقعها علي طول القناة في ظرف 18 ساعة بعد تدمير خط بارليف الحصين والذي أضحي مجرد تفصيلة في هذه الملحمة المنتصرة والمرتبة والمخططة لأدق تفصيلاتها..الهدف المحدد بدقة..محسوب علي قدر إمكانيات قواتنا المسلحة والمنفذ بأعلي الأساليب العقلانية..مع شجاعة الجندي المدرب ثابت العقيدة القتالية. أما ما إستمر الشاذلي في تكراره بمختلف الطرق بعد مرحلة العبور فهو: أن سلسلة من القرارات الخاطئة من الرئيس السادات أدت الي توهم إمكانية تطوير الهجوم نحو خط المضايق..فلما ثبت إستحالة ذلك بعد تدمير 250 دبابة مصرية في يوم واحد رفض السادات والفريق أحمد إسماعيل رجوع بعض المدرعات من الضفة الشرقية لغلق الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث والتي تسبب فبها محاولة تطوير الهجوم الفاشلة والخاطئة في منطقها الأصلي من وجهة نظر الشاذلي. وقد أدي تتابع هذه الأخطاء الي استفحال أمر الثغرة وعبور عدد كبير من مدرعات العدو الي الضفة الغربية للقناة ثم إحتلالهم لميناء الأدبية وحصارهم للسويس بعد تدمير دفاعتنا الجوية بالمنطقة أي تسببت الثغرة في ثغرة أكبر. تسببت في انكشاف مصر أمام الطيران الإسرائيلي والأهم وجود قوات كثيفة علي الضفة الغربية للقناة والأدهي عزل وحصار الجيش الثالث في القطاع الجنوبي للضفة الشرقية من القناة. ورغم أن هدف الحرب كان أصلا إمكانية التفاوض من موقع أقوي ..الا أن الشاذلي يؤكد أنه لولا أخطاء السادات وخضوع إسماعيل وزير الدفاع له ..لكانت مصر حصلت علي أكثر بكثير مما حصلت عليه في كامب ديفيد…….نظرية يسأل عنها الشاذلي وحده…ولا يمكن إفتراض صدقها بالمره….وبصراحة لم تعد أهم ما تقدمه هذه المذكرات النادرة المثيل في الوضوح والأريحية!!! الشاذلي كشف لنا في معرض دفاعه عن نفسه الكثير من كواليس الحكم في مصر..لا بل كواليس صنع القرار العسكري وحتي تكوين قواتنا وطبيعة الحرب ضد إسرائيل …أما عن القضية محل الإختلاف، فرغم كل ما ساقه الشاذلي من حجج وتفنيدات لكلام معارضيه، الا أنه يمكن الدفع ببعض النقاط :.. ا- لقد استفادت مذكراته من عنصر الوقت حيث كانت مذكراته آخر ماصدر بالإضافة الي أن ب- الحكم علي هكذا قرارات سيبقي دائما قضية كلمته ضد كلمة كل زملائه الذين تصدوا لتلك الأحداث. كما أنه ج- لايمكن أدانة السادات علي إصداره أمر بتطوير الهجوم في حرب كسب أول معركة فيها حتي ولو كان القرار عسكريا خاطئ أوكان الإكتفاء بالعبور هو فعلا الخطة الأصلية… المهم فعلا هو وضوح وأريحية الرجل في ابراز ما شوشه إعلامنا وأساليب حكمنا الدعائية المعتاده…أكد الشاذلي دعم السوفييت لنا بقوة وأكد أيضا دعم العرب من الجزائر للسعودية وحتي المغرب…وكلها أمور شكك فيها السادات ومعاونيه لأسباب سياسية بعد ذلك…أوضح لنا أيضا التراتب وأن في عقل القيادات العسكرية..منصب رئيس الجمهورية هو الترقية التالية لمنصب وزير الدفاع وعليه فرئيس الأركان يشغل ثالث أهم منصب في الدولة المصرية! وعليه أيضا يكون فعلا منصب رفيع مثل منصب سفير مصر في لندن عقوبة بالنسبة لمن شغل منصب رئيس الأركان في حرب أكتوبر….كشف الشاذلي أيضا عن محاولة إنقلاب قام بها ضابط بدعاوي دينية وتم التكتم علي تحركه بدبابته بدون أوامر..وغير ذلك الكثير من الأحداث المعقولة والممكن تصديقها بمعرفتنا بأساليب إدارة دولنا العربية وتحديدا مصر. الخاتمة اتفقت معك قارئي الكريم علي تناول هذين العملين لوضوح الرؤية وعلاقات السببية فيهما.وحاولت عبر غني هذين العملين علي إختلافاتهما الولوج الي ما يهمني ويهمك..ما أسباب ما نحن فيه من فشل وما هو علي الأقل مدخل منهاج الحل. الحل المقصود هو لا أقل من حالة النصر الجيوسياسي علي أساس الحدثين المؤسسين هزيمة 1967 وتحليلها انسانيا وإجتماعيا بعقل الأستاذ يونس ثم النصر المسروق وإن بقي نصرا عزيزا كما حلله وشخص جزئياته..القائد الفذ الفريق سعد الدين الشاذلي الذي مكن بوضوح رؤيته وصرامة أسلوبه أبعد البشر عن العلوم العسكرية من فهم بل ومتابعة المنطق العسكري لحرب أكتوبر 1973. فماذا تعلمنا من يونس وماذا تغير؟ وماذا استفدنا من الشاذلي بعيدا عن دفاعيته العصماء عن قراره العسكري والذي سحقته تماما شوفينية السادات. من مذكرات يونس..ظهرت سمة عدم التجانس المجتمعي بين الظابط الريفي وابن المدينة، بين المتحفظ دينيا والمتحرر، الميسور والأقل حظا..المنضبط والمهمل..الكثير من سمات عدم التجانس المؤدي لعدم القدرة علي تركيز القوي والعمل الجمعي فهل تغير الواقع حاليا؟ هل تجانس مجتمعنا أكثر فصار النصر أقرب من فضيحة 1967 رصد يونس تخبط القيادة وقرار الإنسحاب الفوضوي..فهل تغيرت بنية قوادنا؟ هل إختفت شخصية المشير عامر بكل عيوبها وتناقضتها..هل سيطر الرئيس علي الجيش والأهم هل ضمنا عدم تكرار حالة الهلع التي أصابت مجتمعنا ككل رصد يونس عدو لايتوقف عن العمل…لا يتوقف باللين وبالعنف علي غرس نفسه كمجتمع منظم في منطقتنا..لا بل علي إستمالة كوادرنا بالعلم والمنطق والحرب النفسية.لو لزم الأمر.وعلي النقيض نستمر نحن في غياب الثقة في كوادرنا بل إحتقارهم ولو حملوا خبرة بعمق خبرة الأسر عند الأعداء..فقادتنا أعلم دائما.ويحتقرون نخبتنا ما زالوا..فماذا تغير..العدو لازال يعمل ونحن لازلنا نحتقر المثقف ونخونه عرف الشاذلي هدفه…وضع خمس فرق مشاة بأسلحنهم علي الضفة الشرقية للقناة بدون أن يتغولوا أكثر من 12 كم داخل سينا تحت حماية أجهزة الدفاع الجوي..هدف متواضع لكن واضح وعملي فنجح هل حددنا أهدافنا ولو العسكرية بالتواضع اللازم والعملية الواجبة حتي ننتصر؟ هل فقد العدو سيطرته الجوية؟ لا أظن ولست محتاجا أن أكون عسكريا لأعرف .وعل نقيض نظرية الشاذلي هل كان يمكن إستثمار نصر العبور حتي مع إفتراض عدم حدوث ثغرة الدفرسوار، بأكثر مما سمحت اتفاقية السلام مع إسرائيل؟ حتي لو بقيت قواتنا علي الضفة الشرقية للقناة بتحصيناتها تحت حماية دفاعنا الجوي ..هل كنا سنأخذ من إسرائيل أكثر مما أخذنا؟ لا أظن والسؤال يبقي مفتوحا!! سؤال آخر كيف ندافع عن سيناء في حدود اتفاقية كامب ديفيد؟! أين تنمية سيناء وزيادة عدد سكانها علي الخطوط التي حفظناها من مذكرات الشاذلي وغيره..خط المضايق متلا والجدي بعمق 50 كم داخل سينا ثم القطاعات الثلاثة وحتي الحدود…هل يمكننا وضع آلاف الدبابات القادرة علي التفوق كدروع وكقوة نيران علي دبابات إسرائيل التي تتفاخر بها في أفلام علي اليوتيوب ويلعب بها أطفالنا في الواقع الإفتراضي؟!! لا أظن..فسلاحنا صار أمريكي وأمريكا لا تعطي ما يمكن الإنتصار به علي إسرائيل ولو أخذنا في الإعتبار ما أمدنا به الشاذلي من مفاتيح فهم..فلماذا الإستمرار في هراء الممانعة والمقاطعة وغيرها من نافلة الكلام بلا أي واقع جديد…اذا كان الواقع غداة النصر هكذا..والقائد الفذ حزن بل مات حين طورنا هجوم إعتبره خارج إمكانياتنا في ذلك الوقت..فكم الحال الآن ؟!!! لا لم تتغير شوفينية قادتنا ولم ننتقل لمعسكر الواقعية ….لا عسكريا ولا سياسيا ..قتلنا الشاذلي معنويا وانهي حياته في حضن قناة الجزيرة محاولا تبرئة نفسه عاملا بمبدأ عدو عدوي صديقي..(قائده الأسبق ورئيسه)… قارئي العزيز..فلنعد قراءة هذين العملين..صدقني فلم يتغير الكثير من المعطيات.فرصنا في الهزيمة والنصر لم تتغير!!!ننهزم من الفوضي والتفسخ والشوفينية وننتصر مرحليا لحين عودة المبادأه لعدونا الذي لا يكل ولا يمل.
#ادوار_فؤاد_بورى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين مذكرات محمد حسين يونس ومذكرات الشاذلي- كيف تنهزم مصر وكي
...
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|